; logged out
الرئيسية / القوة العسكرية الإيرانية.. وهم الحاضر وحقيقة المستقبل

القوة العسكرية الإيرانية.. وهم الحاضر وحقيقة المستقبل

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

لا يتفق أعداء إيران وحلفاؤها على شيء قدر اتفاقهم على المبالغة في إمكانية القوة العسكرية الإيرانية الحالية، وهو ما يعوق عملية التحليل العربي السليم للأزمة المرتبطة بالملف النووي الإيراني وتداعياتها واحتمالاتها المستقبلية.

 فتصريحات قادة إيران العسكريين والسياسيين تتحدث عن قوة طهران الجبارة، وقدرتها على إزالة إسرائيل وتقويض أمن الخليج في حال تعرضها لأي اعتداء، في المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل لا تتوقفان عن الحديث عن خطورة إيران وقدراتها المتنامية.

 الحقيقة أن هذه التصريحات من الجانبين لا تختلف كثيراً عما كان يصدر من قبل صدام حسين قبل وبعد غزوه للكويت، وقبل طرد القوات الأمريكية له، كما لا تختلف عن التصريحات الغربية والإسرائيلية المتنوعة التي كانت تنزع للمبالغة في القوة العسكرية العراقية.

 الإعجاب أو الخوف العربي بإيران أو منها، نأى بالعرب عن الدراسة الموضوعية لعناصر قوتها وضعفها، رغم وضوحها. وإذا حللنا القدرات العسكرية الإيرانية التقليدية باعتبارها أحد مفاتيح القوة الأساسية، فسنلاحظ أن إيران ليست قوة جبارة في أي المجالات الرئيسية، ففي المجال الجوي، يمكن اعتبار إيران باطمئنان قوة متخلفة، فهي لا تملك سوى عدد محدود من الطائرات الحديثة والفعالة، بل إن القوة الضاربة للقوات الجوية الإيرانية هي الطائرات الأمريكية من طراز (إف 14)، (تمتلك إيران أكثر من أربعين طائرة، يعتقد أن نصفها فقط في نطاق الخدمة)، وهي طائرة تتميز بالكفاءة بلا شك، لكن يعود إنتاجها إلى السبعينات، وقد أخرجتها صانعتها الولايات المتحدة الأمريكية من الخدمة لدى قواتها الجوية منذ سنوات، كما أن الطائرات التي تمتلكها إيران من هذا الطراز حصلت عليها منذ السبعينات، وتعاني من مشكلات في الصيانة ونقص قطع الغيار نتيجة للحظر الأمريكي. نعم يرجح أن إيران استطاعت توفير الصيانة لهذه الطائرات، وقد تكون قد صنعت أجزاء مقلدة من قطع غيارها، وهذا يشير إلى تحقيقها تقدماً في مجال الإنتاج الصناعي العسكري، لكن في النهاية في ميدان أي معركة فإن هذه الطائرات سوف تكون في مستوى أقل من منافساتها الموجودة لدى الأمريكيين أو الإسرائيليين أو حتى العرب.

 كما أن لدى إيران عدداً محدوداً من الطائرات الروسية، أغلبها أصبحت تعتبر طرزاً قديمة مثل (سوخوي 24) التي أوقف الروس إنتاجها، وأحدث ما في الترسانة الجوية الإيرانية من طائرات هي الطائرات الروسية (ميغ 29)، التي استولت على بعضها من الطائرات العراقية الفارة لأراضيها أثناء حرب تحرير الكويت، وعدد آخر اشترته من روسيا في التسعينات، ومع أن عددها غير معروف، إلا أنه لا يزيد في أحسن الأحوال على 75 طائرة وهذا لا يقارن في الحجم بالأساطيل الجوية لدول المنطقة الأخرى، كما أن هذه النسخ الموجودة لدى إيران تعتبر نماذج قديمة من (الميغ 29).

 أما الإنتاج الحربي الإيراني من الطائرات، فقد قطع شوطاً بعيداً وتفوق على معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها واعتماداً على الذات، لكن أفضل الطائرات الحربية التي تفاخر إيران بإنتاجها هي الطائرة (الصاعقة) لا تزيد عن كونها محاولة لتقليد الطائرة (إف 5) التي لم تستخدمها القوات الجوية الأمريكية أصلاً، بل صنعها الأمريكيون لحلفائهم من الدول النامية في الستينات والسبعينات وبدأت تخرج من الخدمة من أغلب جيوش العالم.

 وهذه الحقيقة تنطبق على كل القدرات العسكرية الإيرانية، فقد قطعت إيران شوطاً كبيراً في مجال تصنيع أغلب المعدات العسكرية، مقارنة بالدول العربية وكثير من دول العالم الثالث، لكن في النهاية فإن هذه الأسلحة التي تنتجها لا تزال متخلفة عن أغلب الأسلحة التي تستوردها دول المنطقة.

فإيران تعتمد في الأساس على تقليد أسلحة الدول الكبرى، وبما أنها عليها شبه حظر دولي لشراء السلاح منذ قيام الثورة الإسلامية، فإن أغلب الأسلحة التي تقلدها هي أمريكية وغربية من طرز قديمة، بالإضافة إلى بعض الأسلحة الروسية والسوفييتية أو الصينية (الأخيرة تكون عادة بدورها مقلدة).

 ويحلو للإيرانيين بالأساس التباهي بقوتهم الصاروخية والبحرية، والأولى تحبس أنفاس العرب سواء من الخائفين من إيران أو المعجبين بها، لكن الحقيقة التي ينساها الجميع أن الصواريخ لم تكن يوماً سبباً في الانتصار في حرب، وأن الصواريخ غير النووية، هي سلاح ردع وترويع في أحسن الأحوال يمكن أن يشل الحياة في المدن المرفهة، لكن لا يستطيع تحطيم الجيوش، فضرب إيران المفترض لإسرائيل بصواريخ (شهاب 1، 2، 3) ونظيراتها لن يزيل الدولة العبرية من الوجود كما يقول القادة الإيرانيون، وعلى الأرجح سيكون ذريعة لرد قاس، كما يجب الإشارة إلى التطور الذي تحقق لمنظومة (باتريوت)، والتطور في الدرع الصاروخية الأمريكية، وباعتراف الأمريكيين أنفسهم فإن الصواريخ الإيرانية ليست متقدمة، ويرجحون أنها غير قادرة على حمل رؤوس نووية حتى الآن.. كل هذا لا يجعل الصواريخ تشكل رادعاً كبيراً لمنع الحرب، وإذا اندلعت الحرب فإنها تأثيرها سيكون محدوداً.

 أما القوة البحرية الإيرانية، فبالتأكيد أنها تظل من أقوى أفرع القوات المسلحة الإيرانية، والأكثر تطوراً مقارنة بنظيراتها الخليجية، وهي ذراع إيرانية قادرة على إيذاء الجيران، لكن في النهاية في ظل الضعف الشديد للقوات الجوية الإيرانية، فإن قدرة طهران المطلقة على استخدام القوة البحرية بفاعلية تبقى محل شك كبير.

 أما القوات البرية الإيرانية، فإنها بلا شك تظل أقوى فروع القوات المسلحة الإيرانية، والأقوى خليجياً، ومن الأقوى في المنطقة، وتتميز هذه القوات بتدريب عال وعقيدة قتالية قوية، وتعرضت لعملية شحن معنوي هائل، إلى جانب ما يعرف من انتماء وطني عال للشعب الإيراني، كما تتميز بخبرة قتالية اكتسبتها خلال الحرب العراقية-الإيرانية وتعززت بالمناورات المستمرة والتدريب المكثف، وقد أظهرت كفاءة حزب الله في حرب لبنان عام 2006 (الذي يعد من الناحية القتالية نموذجاً مصغراً للحرس الثوري) أن القوات البرية الإيرانية بأنواعها سوف تتميز بالبسالة والمرونة القتالية في أية حرب مقبلة.

 لكن هذه العناصر تقلل من قيمتها عناصر أخرى، أهمها غياب الغطاء الجوي الفعال، وكذلك نقص المعدات البرية الحديثة، من دبابات وأجهزة اتصال، فرغم أن إيران جابهت الحصار، بإنتاج نسخها الخاصة من هذه الأسلحة فإنها تظل تقليداً لأسلحة غربية أو شرقية قديمة، بما في ذلك الدبابات، مقارنة بالدبابات الحديثة التي تملكها دول المنطقة مثل السعودية ومصر، وإسرائيل وتركيا، ولا نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية.

 كما أن وجود مياه الخليج العربي يجعل استخدام القوة البرية خياراً صعباً بالنسبة للإيرانيين ضد الدول المجاورة، اللهم ضد العراق كما حدث في الحرب العراقية-الإيرانية أو الكويت من خلال الالتفات عبر الأراضي العراقية.

 ويلاحظ أنه في تجربة حزب الله مع إسرائيل، أن نجاح الحزب في الأساس تحقق في الحرب الدفاعية، التي خاضها بطريقة حرب العصابات من خلال نصب الكمائن للقوات الإسرائيلية في أرض جنوب لبنان الوعرة.

 وتبقى نقطة أساسية في فهم توازن القوى في الخليج، وهي نقطة تحتاج إلى إعادة فتحها للمناقشة، إذ إنه من المسلم أن الاختلال الرئيسي في توازن القوى بين شاطئي الخليج هو في العنصر البشري كماً أو كيفاً (فضلاً عن تعدد دول الخليج ومن ورائها العالم العربي مقابل إيران الواحدة).

 وفي الوقت ذاته، فإنه من الاعتقادات الراسخة، أن القوة العسكرية الإيرانية رغم تأخر معداتها العسكرية قادرة على اكتساح دول الخليج رغم امتلاكها أسلحة حديثة نظراً لضعف تدريب ومهارات العنصر البشري الخليجي.

وهذه النقطة تندر مناقشتها علناً، لكنها تحتاج إلى إعادة تقييم، فإذا كان يمكن الاتفاق على أن العنصر العسكري البشري الإيراني قد يكون أمهر نسبياً من العنصر البشري الخليجي نتيجة لعوامل كثيرة بدءاً من أن إيران دولة عريقة لديها جيوش نظامية قديمة وتقاليد عسكرية عريقة، ونظام تعليمي قديم، وزادت الثورة الإسلامية من هذه الروح العسكرية بفضل دعايتها الدينية وتركيزها الشديد على الشحن المعنوي في المجال العسكري والجهادي بالذات.

 إلا أنه في الوقت ذاته، فإنه من التبسيط المخل التعامل مع العنصر البشري الخليجي بالمنظور القديم بأنه البدوي البسيط الذي هبطت عليه أموال النفط والذي لا يجيد من الحضارة إلا استهلاك أدواتها، وليس التعامل الواعي معها.

 فالواقع أن العنصر البشري في الخليج قد يكون قطع شوطاً في التقدم في كثير من المجالات أكبر من الإيراني، إذا وضع في الحسبان النقطة التي بدأ كل منهما منها. ومثلما تقوم إيران بتدريب قواتها بقسوة، فإن دول الخليج ترسل بعثات للخارج، وتشارك في مناورات مع أقوى دول العالم.

ولذلك فإن الصورة الكاريكاتيرية عن الفارق النوعي الهائل بين الجانبين، تبدو غير واقعية، خاصة إذا اعتبرت دول الخليج وحدة واحدة، فضلاً عن إضافة الدعم العربي من دول مثل مصر أو الحماية الغربية لها.

 فلا يمكن تصور مثلاً أن طياراً إيرانياً يقود طائرة (إف 14) العتيقة في حالة رديئة فنياً يتفوق على طيار خليجي (سعودي أو إماراتي) يقود طيارة (تايفون) أو (إف 15) أو (رافال) حديثة، لمجرد أن هذا إيراني، وهذا خليجي، فهذه نظرة غير موضوعية بل عنصرية.

 ويمكن تلخيص أهم نقاط القوى الإيرانية مقارنة بدول المنطقة الكبيرة مثل مصر وتركيا وباكستان والسعودية وإسرائيل كالتالي:

 * العقيدة العسكرية للجيش الإيراني ذات الطابع القومي الديني الطائفي، ولا سيما الحرس الثوري، وهي عقيدة قوية لا شك في ذلك، لكن هناك احتمالات لا يمكن التغاضي عنها بأن الأزمة السياسية الأخيرة، واعتداء قوات السلطة على المتظاهرين هي بداية ضعضعة هذه العقيدة وتفشي الانقسام داخل القوى العسكرية الإيرانية بتنويعاتها، وبين الشعب وهذه القوى.

 - الطبيعة الطبوغرافية الوعرة والمساحة الكبيرة والموقع الجغرافي الفريد لإيران والمنفتح على جبهات عديدة، حتى وصفها بعض المتخصصين بقط استراتيجي بسبع أرواح، مما يجعلها مؤثرة في مساحة كبيرة من العالم ويعطيها القدرة على تهديد مصالح الغرب في مروحة من الأماكن خاصة منابع النفط، فهي قادرة على تهديد الخليج جغرافياً، ولها سواحل على المحيط الهندي حيث الأساطيل الأمريكية، وحدود مع العراق وأفغانستان، لكن هذه المنافذ هي بدورها أبواب لتهديد إيران، وقواعد ممكنة لضربها.

 * الاعتماد على الذات في إنتاج السلاح وهي أكبر ميزة لإيران، وتعطيها قدرة على خوض الحروب مع الغرب أو إسرائيل من دون مشكلة في قطع الغيار أو تعويض الفاقد، كما تعطيها ميزة مستقبلية كبيرة، لكن ما زالت هذه الصناعة تنتج معدات قديمة الطراز، وبناء على التجربة الصينية، فإن أمامها كثيراً من الوقت لتنتج معدات حديثة.

 النفوذ المتحقق لها في العالم الإسلامي، ولاسيما المناطق التي يتواجد فيها الشيعة، جراء كونها دولة ثورية إسلامية وشيعية تدعم المقاومة، لكنه في دولة مثل مصر الناصرية فإن هذا الدور يحملها أعباء، قد تؤثر في الدولة الإيرانية ذاتها، كما أن انتشار أفكار الديمقراطية والمواطنة والنمو الاقتصادي في العالم العربي كفيلة بتحييد هذا العنصر، حتى بين الأقليات الشيعية.

 لكن ليس الهدف من هذا المقال التقليل من القوة العسكرية الإيرانية والوقوع في فخ التهوين في مواجهة أزمة التهويل، أو التبشير بسهولة الحرب الأمريكية-الإسرائيلية على إيران، بل الهدف هو تقييم هذه القوة بموضوعية وعقلانية وهدوء في مناخ سياسي وثقافي عربي أصبح يبتعد بشدة عن هذه السمات.

 فالحقيقة أن إيران هي قوة كبرى، وقوة أساسية في المنطقة، لكنها ليست قوى عظمى كما يخشى الخائفون، أو يروج المعجبون، وحتى ليست القوة الأولى في المنطقة، وقد لا تكون الثانية، خاصة أنها تعاني من نقص خطير في بعض الأفرع، فقوتها الجوية لا تقارن بمصر أو السعودية أو تركيا أو حتى باكستان، ولا نقول أمريكا وإسرائيل ناهيك عن مشكلاتها السياسية والاقتصادية الداخلية.

 ويبقى العنصر الأساسي في القوة الإيرانية المستقبلية وهو العنصر النووي، وقد يكون الرغبة الإيرانية المكتومة في امتلاك هذا العنصر نابعة من شعورها بضعفها التقليدي. والمؤكد أن كثيراً من صناع القرار الإيرانيين يشعرون بضعفهم أكثر كثيراً من الخائفين منهم، والمعجبين بهم، ولذلك ينتظر أن تعمد الاستراتيجية الإيرانية (وبناء على تجربة حزب الله) في حال وقوع حرب مع الولايات المتحدة للابتعاد عن الحرب التقليدية، والتركيز على الحرب اللامتناسبة، ومن ذلك القيام بتنفيذ عمليات انتحارية في الخليج، خاصة في مضيق هرمز، ومحاولة عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية، وتجنب تعريض القوات الإيرانية للضرب المباشر للقوة الأمريكية الجوية الساحقة.

إضافة إلى ذلك، فإن إيران تراهن على قدرتها تحريك الملفات الساخنة في المنطقة من خلال الجماعات الحليفة لها في لبنان، فلسطين، والعراق، وحتى الخليج. وهناك حاجة لإعادة النظر في مقولة إن أية حرب على إيران سوف تشعل المنطقة، فالحدث الرئيسي سوف يظل الحرب على إيران، وأي أحداث أخرى لن تكون سوى حدث ثانوي إلى جانب الحدث الرئيسي، وتأثيره دعائي ونفسي، فمعركة بين حزب الله وحماس من جانب وإسرائيل من جانب آخر، لن تكون سوى معركة تافهة إلى جانب المعركة بين الولايات المتحدة وإيران، وقصف بصواريخ حزب الله وحماس ذات الفاعلية المحدودة، لن يكون عملاً استراتيجياً مؤثراً في هذه الحرب، بل إنه لا يشكل على الإطلاق رادعاً لإسرائيل يجعلها تتأنى في دفع أمريكا لضرب إيران، بل على العكس فإن حرباً في الخليج من شأنها خطف الأضواء عن الجبهة الفلسطينية-اللبنانية، وتعطي فرصة لإسرائيل للانفراد بالدولتين الصغيرتين، خاصة إذا أقنعت العالم بأنهما البادئتان بالعدوان.

 ويبقى السؤال، إذا كانت إيران ليست بهذه القوة، فما يردع الغرب بقيادة أمريكا عن ضربها؟ تجربة العراق تقدم الإجابة، فقد ثبت أنه من السهل على الغرب الانتصار على أية دولة متوسطة القوى كالعراق وصربيا وإيران، لكن الصعوبة تأتي في مرحلة ما بعد الحرب، وفي الحالة الإيرانية تبدو هذه المرحلة حتى أصعب من الحالة العراقية التي أذاقت الاحتلال الأمرّين.

مقالات لنفس الكاتب