; logged out
الرئيسية / البرنامج النووي الخليجي.. ضرورة لا ترفاً

البرنامج النووي الخليجي.. ضرورة لا ترفاً

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

احتياجات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى برامج نووية سلمية ضرورة حتمية تفرضها احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وليست ترفاً أو جرياً وراء تقليد الدول الأخرى، بل إن الدول الخليجية تأخرت كثيراً في بدء تطبيق هذا البرنامج والإعلان عنه، مقارنة بدول أخرى أقل حاجة إليه من دول مجلس التعاون الخليجي، وأقل إمكانات في تنفيذ مثل هذه البرامج السلمية التي تعد واحدة من أهم أدوات التنمية في الحاضر والمستقبل.

 إن المشروع النووي الخليجي الذي أقرته قمة دول المجلس التي عقدت في الكويت (قمة جابر) في ديسمبر عام 2006 م، جاء ترجمة لاحتياجات واقعية، ومن ثم تحركت دول المجلس منذ ذلك التاريخ للبدء في إرساء قواعد البنية الأساسية اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج، حيث بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة في إنشاء مؤسسة الإمارات للطاقة النووية برأسمال قيمته 375 مليون درهم لإنشاء برنامج نووي سلمي هدفه إنتاج الكهرباء ودعم التنمية الاقتصادية المستدامة، واختارت دولة الإمارات تحالف شركات ترأسه شركة كورية جنوبية لتصميم وبناء والمساعدة على تشغيل محطات الطاقة النووية مستقبلاً، من خلال إنشاء أربعة مفاعلات سعة كل منها 1400 ميغاوات في غضون 10 سنوات بتكلفة تتجاوز 20 مليار دولار.

 وفي المملكة العربية السعودية صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، وجاء هذا الأمر بمثابة خطوة غاية في الأهمية لمواجهة المملكة لاحتياجات النمو الكبيرة وإقامة المشروعات التنموية العملاقة وخصوصاً المدن الصناعية الكبيرة والتي أنشئت أو تلك التي تحت التنفيذ في مختلف المناطق، بالإضافة إلى التمدد العمراني الذي تشهده المملكة المترامية الأطراف، وباعتبارها أكبر دولة في العالم تعتمد على استخدام المياه المحلاة، ما يتطلب المزيد من الطاقة لتلبية كل هذه الاحتياجات.

 وقررت دولة الكويت أيضاً الدخول إلى هذا المضمار من خلال إنشاء اللجنة الوطنية لدراسة المشروع النووي الكويتي، ما يعد بادرة جيدة للانطلاق نحو استخدام الطاقة النووية السلمية، وسوف تتبع دول مجلس التعاون الأخرى النهج نفسه للاستفادة من الطاقة النووية السلمية في خدمة أغراض التنمية الشاملة والمستدامة.

 لكن لماذا تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى امتلاك برامج نووية للطاقة السلمية رغم أن أكثرها منتجة للنفط وبكميات كبيرة وتمتلك احتياطياً كبيراً منه؟ والإجابة عن هذا السؤال سهلة ومنطقية جداً، وتتمثل في الآتي: من المعروف أن النفط طاقة أحفورية قابلة للنضوب والتناقص، بالإضافة إلى اعتماد كافة دول العالم عليها خصوصاً الدول التي لا تستطيع إيجاد بدائل للطاقة، كما أن الاعتماد الكبير على النفط له آثار أخرى وخصوصاً التأثير السلبي لما يسمى الانبعاث الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض، وزيادة معدل ثاني أوكسيد الكربون على كوكب الأرض، وتقابل ذلك زيادة احتياج دول مجلس التعاون الخليجي إلى الطاقة بمعدلات قياسية بسبب زيادة الإقبال على الكهرباء والمياه المحلاة جراء زيادة معدلات النمو السكاني، والأسعار المدعومة للمياه والكهرباء، مما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على المواد الهيدروكربونية الناضبة لاستخدامها في توليد الطاقة وتحلية المياه.

 ومن ثم فإن الاعتماد على مصادر بديلة مستدامة وموثوق بها لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة سيقلل من الاعتماد على النفط والغاز، ويطيل عمر الوقود الأحفوري الذي يعتبر المصدر الرئيسي للثروة في دول مجلس التعاون الخليجي.

 إضافة إلى ما سبق هناك أسباب لا تقل أهمية، منها أن عناصر الأمان النووي أصبحت متوافرة وسهلة بما يمتلك العالم من تجارب كثيرة نتيجة للتاريخ الطويل في تشغيل المحطات النووية الحديثة، وزاد الاهتمام الدولي بتأمين محطات الطاقة النووية بعد كارثة تشرنوبيل المعروفة، كما أن الشركات العالمية التي تتولى التشييد والتشغيل والصيانة تمتلك من الخبرات والأدوات ما يكفي لزرع الثقة بإقامة المحطات النووية الحديثة بمواصفات عالمية وبما يجعلها دائماً تحت مظلة الأمان النووي.

 والسبب المهم للغاية أيضاً هو أن برامج دول مجلس التعاون الخليجي النووية موجهة للأغراض السلمية فقط دون أي استخدامات أخرى وتحديداً الاستخدامات العسكرية، فهذه الدول لا تريد ولا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، بل إنها تدعو وتصرّ على وقف السباق النووي في العالم أجمع، وتطلب بصفة دائمة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، أي من الأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة الفتاكة، بالإضافة إلى أن البرامج الخليجية ستعمل في النور وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستكون مفتوحة دائماً أمام مفتشيها للتأكد من توجهاتها ومكوناتها.

 لكن الأمر يتخطى ذلك، حيث تسعى هذه الدول إلى الاستفادة من خبرات وإرشادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تشغيل وصيانة وتأمين المحطات النووية، كما أنها سوف تعتمد على شركات عالمية معروفة في تصميم وتشغيل هذه المحطات لضمان سلامة الإنشاءات والتشغيل والصيانة.

 ويبقى القول إنه على دول مجلس التعاون المضي قدماً في تنفيذ هذا البرنامج النووي السلمي لتوفير الطاقة الآمنة والمتجددة وذات التكاليف المقبولة من أجل اللحاق بركب التنمية، والسير على طريق التنمية المستدامة، وتوفير أبسط مقومات الحياة لمواطنيها التي تتمثل في المياه المحلاة والكهرباء، وهذه من حقوق كل مواطن ومقيم على أراضي هذه الدول في ظل وجود 435 مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية في 31 دولة في كافة أنحاء العالم، كلها تعمل بأمان وتحت أنظار الوكالة الدولية. 

مقالات لنفس الكاتب