; logged out
الرئيسية / المعايير المهنية في الصحافة الاقتصادية البحرينية

المعايير المهنية في الصحافة الاقتصادية البحرينية

الثلاثاء، 01 شباط/فبراير 2011

أكدت دراسة جامعية طبقت على عينة الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية في الصحف المحلية بطريقة الحصر الشامل تواضع الخبرات المهنية لدى الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية، وخرجت بوجود تباين في التزام الصحفيين بالأخلاقيات والقواعد المهنية، إذ يقر 55 في المائة من المبحوثين بأن الالتزام التام بأخلاقيات المهنة (ليس التزاماً راسخاً)، داعمين الاتجاه الذي يذهب إلى أهمية فرض المعايير والقواعد المهنية في مدوّنة سلوك أو ميثاق خاص بالصحفيين الاقتصاديين، إذ أيّد 64 في المائة من المبحوثين ذلك، فيما يرى 25 في المائة منهم أن تعميم ميثاق شرف عام يشمل جميع الصحفيين سترتقي معه الممارسات المهنية في الصحافة عموماً.

أكد المبحوثون أن الالتزام بتلك المعايير يسجل تبايناً ما بين صحيفة وأخرى، وهو ما يدعم صحة الفرضية التي طرحتها الباحثة فاطمة الحجري في أطروحة الماجستير التي حملت عنوان المعايير المهنية في الصحافة الاقتصادية (دراسة ميدانية) والتي افترضت وجود تباين في الالتزام بالمعايير، إذ تشير البيانات المجمعة إلى إن الصحف المحلية تختلف فيما بينها في تكريس تلك المعايير، فمنها من اجتهد في تبني مجموعة من القواعد المهنية وعممها على الصحفيين ليلتزموا بها كنهج - وهي صحف  قليلة ولا تشكل القاعدة - مقابل صحف أخرى لم تعر تلك القواعد أهمية تذكر.

وأشارت الدراسة التي نوقشت الشهر الماضي في الجامعة الأهلية لتنال تقدير امتياز عالياً إلى تباين في مواقف المبحوثين تجاه بعض الممارسات في الصحافة الاقتصادية اليومية، كتلك المتعلقة بالالتزام بأخلاقيات المهنة والقواعد المهنية، حيث تشير النتائج إلى أن الممارسات المقبولة والمرفوضة ترسم تبايناً لدى الصحفيين. إذ (يوافق كلياً) وإلى حد ما نحو نصف المبحوثين على سرقة الوثائق والمستندات التي تحمل في طياتها سبقاً صحفياً، ومثلهم يقبلون الكذب كوسيلة للحصول على المعلومات، ولا يترددون كثيراً في نشر معلومات تمس الاقتصاد الوطني، ويغضون الطرف عن أخلاقيات المهنة عندما يكونون أمام سبق صحفي، ويقبلون الرحلات المجانية مقابل الكتابة عن الجهات التي قدمت تلك الرحلات، كما لا يجدون ضيراً في أن يبقى الصحفي على اتصال وثيق بمندوب الإعلانات في الصحيفة، ويقبل 46 في المائة منهم  الهدايا بغض النظر عن ثمنها، وهو ما يتعارض في مجمله مع القواعد المهنية العالمية. وفي المقابل يرفضون انتحال شخصية الغير للحصول على المعلومات، أو تسجيل المصدر من دون علمه، أو دفع المال مقابل الحصول على معلومات حصرية، أو توجيه الاتهامات بناءً على معلومات سمعوها من دون التحقق من صحتها، مما يؤشر على إدراك الصحفيين لبعض الممارسات الخارجة على المعايير المهنية وأخذهم موقفاً سلبياً منها، غير أن ذلك وحده لا يكفي، إذ يجب تعميم المعايير والقواعد المهنية بحسب التوصيات التي خرجت بها الباحثة.

وقالت الحجري إن إجابات المبحوثين تؤكد اعتماد الصفحات والملاحق الاقتصادية على الأخبار الجاهزة المرسلة من أجهزة العلاقات العامة، على حساب الخبر الخاص، وتغليب القالب الخبري على القوالب التحريرية الأخرى كالتحقيق، والتقرير، والمقابلة، والمقال، ليتراجع الحس التحليلي في الصفحات الاقتصادية بحسب تأكيد 59 في المائة من إجمالي العينة؛ إذ يؤكد 52 في المائة من المبحوثين صحة الفرضية التي راحت تحقق في صحة قول إن الصحفيين يعتمدون إلى حد كبير على النصوص المرسلة من أجهزة العلاقات العامة، بالإضافة إلى الاعتماد على القالب الخبري على حساب القوالب الصحفية الأخرى.

ويتضح من المعالجة الإحصائية أن المبحوثين يقرون بنقص الخبرة لدى الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية بواقع 64 في المائة، فيما يرجح 50 في المائة منهم أن المهنية تكون أعلى عند الصحفيين ذوي الخلفيات الأكاديمية الإعلامية أو الاقتصادية، من غيرهم من القادمين من خلفيات أكاديمية لا علاقة لها بالصحافة أو الاقتصاد. ويقر نحو نصف المبحوثين بأن الصحفيين ليسوا قادرين على تفسير وتحليل الأحداث الاقتصادية والربط بينها بشكل احترافي، مما يؤكد صحة فرضية محدودية الحس التحليلي في الصفحات والملاحق الاقتصادية.

وفي هذا السياق، أكدت نتائج الدراسة أن 27 في المائة من الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية يشكون من عدم الإجادة التامة للغة الإنجليزية التي تشكل عصباً مهماًّ في العمل الصحفي الاقتصادي اليومي، فيما أكد 43 في المائة عدم قدرتهم على ترجمة النصوص الإنجليزية إلى العربية. وبالمثل تتواضع القدرة على تحليل البيانات المالية بواقع 43 في المائة، وأيضا قراءة أداء أسواق الأوراق المالية بواقع 55 في المائة.

إلى ذلك، رأى 61 في المائة من المبحوثين أنهم غير حريصين على الاطلاع على المدارس الجديدة في الكتابة ولا يجتهدون في إضفاء الطابع الإنساني في الكتابة الاقتصادية ليجعلوا القصص الخبرية مشوقة للقارئ، على الرغم من إيمانهم بأن هذا الأسلوب يجعل المادة الاقتصادية الجامدة أكثر مقروئية.

وأكد 80 في المائة من المبحوثين أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة أسهمت في تتبع أخبار الاقتصاد - كالأسهم والعملات وحركة الاستثمار - على نحو أسهل من ذي قبل، مما تقلص معه حجم العمل الميداني في البحث عن المعلومات، وهو ما أكده 68 في المائة من العينة، الأمر الذي يدعم فرضية أن تطور الصحافة الاقتصادية في البحرين كان بسبب زيادة تدفق المعلومات والبيانات الاقتصادية والتطور الاتصالي والتكنولوجي، وليس بسبب تنامي المهارة الصحفية لدى المشتغلين في القطاع.

وتؤكد الحجري أن النتائج تشير إلى وجود العديد من المعوقات التي تعترض وجود صحافة اقتصادية محترفة، على رأسها تعمد الخلط بين المضمون التحريري والإعلاني تحقيقاً لمصالح معينة،الأمرالذي أكده 73 في المائة من المبحوثين، بالإضافة إلى قبول الصحفيين للهدايا التي تقدمها الشركات بغية الحصول على مساحة مميزة في النشر، إذ أكد ذلك 68 في المائة من المبحوثين، مما يؤثر في صدقية الخبر وأولوية نشره، إلى جانب غلبة أخبار رجال الأعمال وقطاع المال على الأخبار التي تهم المواطن العادي، إذ أكد ذلك نصف المبحوثين، وهو ما يجيب عن تساؤلات الدراسة عن المعوقات التي تحول دون تطور الصحافة الاقتصادية في البحرين. 

وفي سياق المعوقات، أكد 41 في المائة من المبحوثين أن الصحفيين العاملين في الصحافة الاقتصادية يتعرضون للاستغلال من المؤسسات المالية والتجارية أكثر من الصحفيين العاملين في الأقسام الأخرى، يدعمهم في ذلك 43 في المائة (إلى حد ما). في وقت ينفون فيه وجود علاقة ارتباط بين ضعف الرواتب وقبول الهدايا، إذ يرجعون قبول الهدايا إلى عدم الالتزام بأخلاقيات المهنة أكثر من ضعف الرواتب، فيما أكد 77 في المائة منهم أن الحملات الإعلانية قادرة على التأثير في سياسة الصحف، وأولويات نشرها للأخبار الآتية من جهة الجهات المعلنة.

وتشير النتائج إلى أن عدم تعاون المصادر يتقدم قائمة معوقات العمل الاحترافي بواقع 59 في المائة، يعقب ذلك شح المعلومات والبيانات المالية بواقع 55 في المائة، ثم غياب التدريب المستدام بنسبة 52 في المائة، يلي ذلك عدم القدرة على تفسير وتحليل الأحداث الاقتصادية، وعدم وضوح المعايير المهنية، وعدم وجود فلسفة واضحة للصحف، وتغليب النصوص الإخبارية الجاهزة على حساب المعلومة.

ويأتي في ذيل المعوقات تدخل رؤساء التحرير ورؤساء الأقسام وإملاؤهم للموضوعات المراد نشرها، وعدم نشرهم للأخبار التي لا تخدم توجهات الصحيفة، وغياب القدوة التي يمكن للصحفيين الاقتداء بها.

وفي بعد آخر، أكد 59  في المائة من المبحوثين أن عدم إتقان اللغة الإنجليزية يتقدم معوقات تطور الصحافة الاقتصادية في البحرين، يدعمهم في ذلك 39 في المائة (إلى حد ما)، فيما اعتبر 39 في المائة منهم أن الصحافة الاقتصادية لا تزال (نخبوية) ولا تخاطب القارئ العادي، يدعمهم في ذلك 55 في المائة (إلى حد ما)، ليؤكد 68 في المائة منهم  الحاجة إلى رفع سقف الحرية للتمكن من تناول قضايا الفساد المالي والإداري في المؤسسات والشركات، الأمر الذي أيده 48 في المائة (إلى حد ما)، داعين إلى استحداث جائزة للتميز الصحفي الاقتصادي لما لها من تأثيرات تثري الواقع الصحفي، وتحفز الإبداع.  

ورأى 30 في المائة من المبحوثين أن الصحافة الاقتصادية الحالية غير قادرة على نشر الثقافة الاقتصادية في المجتمع المحلي، يدعمهم في ذلك 48 في المائة (إلى حد ما)، مما يعرقل نمو الاقتصاد المحلي بما يتناسب وتطلعات الرؤية الاقتصادية 2030م، كما رأى 43 في المائة أن الصحافة الحالية لا تلبي احتياجات وتطلعات القارئ العادي، ورأى 41 في المائة أنها لا تنجح دائماً في تتبع حركة الاستثمار والأموال بأسلوب سهل يقبل عليه القارئ غير المتخصص، كما رأى 59 في المائة منهم أنها تولي اهتماماً أكبر بالشأن المحلي على الشأن الدولي، ليجمع 86 في المائة من العينة على أهمية شروع الصحف بتحسين أدائها. 

68 % من رؤساء التحرير يواجهون صعوبة في العثور على صحفيين اقتصاديين محترفين

وفي ما يخص المعايير المهنية، أكدت النتائج أن المسؤولية والنزاهة تأتيان في المقدمة بواقع 34 في المائة، تليهما الصدقية والتزام الحقيقة بواقع 23 في المائة، ثم الحياد والموضوعية 20 في المائة ، ثم الدقة والاستقلالية وعدم قبول الهدايا التي تؤثر في حياد الصحفي، ثم الشمولية والحس الاستقصائي وعرض الرأي والرأي الآخر. ويأتي الامتناع عن تمرير رسائل إعلانية في متن الخبر، والفصل ما بين الخبر والرأي، ضمن قائمة المعايير المهمة أيضاً، بالإضافة إلى حق الرد، وعدم الانتماء السياسي، بما يتعارض مع موضوعية الطرح، والقدرة على النقد المحايد.

وفي محور دراسة مواقف وآراء رؤساء التحرير والإداريين في هيئة التحرير حول واقع الصحافة الاقتصادية والعاملين فيها تشير النتائج إلى أنهم يواجهون صعوبة في العثور على صحفيين اقتصاديين متخصصين ومحترفين بحسب تأكيد 68 في المائة منهم، مما يدعوهم إلى التعاقد مع صحفيين من دول عربية، كما تشير النتائج إلى أنهم غير راضين تماماً عن مستوى أداء الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية في الوقت الراهن بواقع  46 في المائة، نتيجة لقلة خبرتهم، معتبرين أن الصحفيين المحترفين هم (عملة نادرة) إذ يؤكد ذلك 77 في المائة منهم.

وأكد رؤساء التحرير وأعضاء هيئة التحرير في الصحف المحلية الصادرة باللغة العربية الحاجة إلى دورات متخصصة في الاقتصاد وأساسياته، والحاجة إلى التدريب على مهارات  التفسير والتحليل وبناء التنبؤات، وأهمية إجادة اللغة الإنجليزية. كما يذهبون إلى أن الخبرة الصحفية العامة وحدها لا تكفي، ويفضلون الخبرة على المؤهل الدراسي عند اختيار الصحفيين الجدد، الأمر الذي قاد إلى خلاصة خرجت بمجموعة من التوصيات تؤكد الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لتطوير الصفحات والملاحق الاقتصادية في الصحف المحلية للقيام بدور أكبر يساعد القراء على فهم الحالة الاقتصادية، وإثراء خلفياتهم الاقتصادية. إذ أوصت الباحثة بضرورة تفعيل الدورات التدريبية المتخصصة بشكل مستدام في سبيل تعزيز دور الصحافة كسلطة رابعة والخروج من الدائرة الضيقة في تقديم الخبر اليومي المجرد من التحليل والانطلاق إلى التفسير والربط ورسم التوقعات المستقبلية.

كما أوصت بضرورة الارتقاء بالطرح المعتاد إلى الطرح المهني الملامس لحياة الناس؛ إذ تقول (مثلما أمّن الإصلاح السياسي الحقوق السياسية للعموم، فعلى الصحافة الاقتصادية تقع مهمة تعريف المواطنين بحقوقهم الاقتصادية، وتوعيتهم بالممارسات التي تهدد مصلحة المستهلك، مثل الغش والاحتكار وتدني معايير الجودة، وعدم الالتزام بالمواصفات والمقاييس الدولية.

ومن المهم أيضاً الشروع بتحسين أداء الصفحات والملاحق الاقتصادية عبر استنباط أساليب كتابية جديدة من خلال الإطلاع على التجارب الصحفية المتقدمة في الدول الأخرى).

وجاء في سياق التوصيات أهمية تفعيل سبل التعاون بين الصحف والجامعات البحرينية المحلية لتأهيل الكوادر الوطنية بشكل يسهم في تطور القطاع الإعلامي، خصوصاً مع توجه أكثر من جامعة محلية إلى تدريس الإعلام ضمن برامجها الأكاديمية، وهذا ما يجب معه تدريس مواد معمقة تتعلق بالصحافة المتخصصة، بما فيها الصحافة الاقتصادية.

فيما أكدت الحجري أهمية تبني وثيقة أو مدونة محلية للمعايير المهنية تكون مرشداً للصحفيين، لتعريف الجدد بما هم مقبلون عليه، وتقوِّم ممارسات القدامى منهم وإنشاء مرصد صحفي يراقب التجاوزات التي تتم في الممارسات اليومية، وإصدار نشرات وتقارير تسهم في التقليل من تلك  المخالفات.

يشار إلى أن خصائص العينة تشير إلى أن الفئة العمرية الواقع بين (30 و49 عاماً) من الفئة الأكبر في الصحفيين العاملين في الأقسام الاقتصادية، 75 في المائة منهم من الذكور مقابل 25 في المائة من الإناث، أكثر من70 في المائة منهم هم من حملة شهادة البكالوريوس في الإعلام وتخصصات أخرى كالاقتصاد وتخصصات متصلة به، والنسبة الأكبر منهم مارس الصحافة كمهنة لسنوات تتراوح بين خمس وتسع سنوات، يتقاضى 32 في المائة منهم أجوراً تتراوح ما بين 400 و500 دينار، تليهم الفئة التي تتقاضى أجوراً تتراوح ما بين 800 و900 دينار بواقع 18 في المائة، وهم غالباً من الصحفيين المتقدمين ورؤساء الأقسام ونوابهم.

 

مقالات لنفس الكاتب