; logged out
الرئيسية / خمس سنوات من الإنجازات.. ونظرة مستقبلية لمواجهة التحديات

خمس سنوات من الإنجازات.. ونظرة مستقبلية لمواجهة التحديات

الأحد، 01 آب/أغسطس 2010

انتهج ملوك المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - حفظه الله - نهجاً ثابتاً في التعامل مع قضايا التنمية وبناء المواطن السعودي، وقطعت المملكة شوطاً طويلاً في مضمار التنمية رغم التحديات وتأثر الاقتصاد الوطني بالأوضاع السائدة في العالم والتقلبات التي شهدتها أسعار النفط، والصعاب التي ضربت المنطقة منذ مطلع ثمانينات القرن الميلادي الماضي، ورغم ذلك استطاعت المملكة خلال هذه الفترة الصعبة أن تسير بثبات على درب التنمية والإصلاح، ففي تلك الفترة استطاع الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله- أن يجنب المملكة تداعيات حرب الخليج الأولى (1980 ـــ 1988 م)، ثم حرب الخليج الثانية إثر احتلال القوات العراقية لدولة الكويت الشقيقة، والتي انتهت بحرب تحرير الكويت ثم جاءت الحرب الثالثة في عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين .

وصاحب ذلك هبوط أسعار النفط إلى حدود ثمانية دولارات للبرميل، وزيادة حجم الدين العام على الدولة، إلا أن المملكة استطاعت أن تصمد وتحافظ على معدلات التنمية، وحققت إنجازات مهمة في الإصلاح السياسي والإداري وصدرت العديد من الأنظمة ومنها النظام الأساسي للحكم، نظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، وإنشاء جمعية وهيئة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى معيشة المواطن، وإنشاء وتحديث البنية التحتية، وبالتوازي حققت المملكة حضوراً قوياً على الساحة الخليجية والعربية والإسلامية والدولية.

وكعادة ملوك المملكة، فإن كل مرحلة تكمل ما قبلها ويبنى على ما تحقق فيها وتضيف إليها، وهذا ما فعله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أن كان ولياً للعهد وعضداً لأخيه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز ثم بعد أن تولى مسؤولية الحكم منذ خمس سنوات حقق فيها الكثير وعلى كافة الصعد.

وقد اختط خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نهجاً واضحاً في تنفيذ السياسة الداخلية والخارجية انطلاقاً من خبرته وحكمته وحنكته منذ أن بدأ العمل العام عندما أسندت إليه رئاسة الحرس الوطني في عام (1383 هـ، 1963م)، ثم تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً للحرس الوطني في عام (1395 هـ، 1975م)، في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز- رحمه الله -، وفي عام (1402 هـ، 1982م) وبعد مبايعة الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- ملكاً للمملكة العربية السعودية اختار أخاه عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وأصدر في اليوم نفسه أمراً بتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً للحرس الوطني، بالإضافة إلى ولاية العهد، وفي يوم الاثنين 26 جمادى الثانية 1426 هـ الموافق 1 أغسطس 2005 م، بويع ملكاً. ومنذ ذلك التاريخ وخادم الحرمين الشريفين يعطي الكثير للمملكة والمنطقة والعالم، وفقاً لرؤية ثاقبة وبتوازن واتزان شديدين، وعلى الرغم من اهتمامه الكبير بقضايا التنمية الشاملة لبناء المواطن ورفاهيته وتنمية الوطن، فإن منهجه للتعامل مع قضايا أمتيه العربية والإسلامية ودعمه للاستقرار الإقليمي والعالمي يسير بالتوازي مع اهتماماته بالداخل السعودي.

كما أن اهتماماته بقضايا الداخل تتنوع لتشمل كافة القضايا وفقاً لقاعدة تسمية الأمور بمسمياتها من دون تردد أو مواربة، وتجلى ذلك في العديد من القضايا المهمة، ومنها إطلاق الحوار الوطني، مكافحة الفقر والفساد ومحاربة الإرهاب، والاهتمام بحقوق الإنسان، وقضايا الاقتصاد والتنمية، حيث بدأ عهده بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وشهدت الموازنة العامة للدولة فوائض مالية ضخمة تم توجيهها للبنية التحتية وسداد الديون وزيادة مرتبات موظفي الدولة ومقررات الضمان الاجتماعي، ثم انطلقت مشروعات اقتصادية عملاقة منها: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية، مدينة جازان الاقتصادية، ومدن مماثلة في كل من رابغ، حائل، المدينة المنورة، نجران، وتبوك. وفي التعليم شهدت المملكة زيادة عدد الجامعات إلى 24 جامعة، وابتعاث أكثر من 85 ألف طالب وطالبة للدراسة في الخارج، وتخصيص أعلى مخصصات للإنفاق على قطاع التعليم، بلغت نسبتها 27 في المائة من إجمالي حجم الموازنة العامة للدولة.

ووضع خادم الحرمين الشريفين حجر الأساس لمشروعات عملاقة في مختلف مناطق المملكة، وفي عهده شهدت ساحات المسجد الحرام أكبر توسعة في التاريخ، وأيضاً توسعة المسعى. وعلى صعيد المواصلات يكفي أن نذكر مشروع قطارات السكة الحديدية التي تربط أجزاء المملكة ببعضها البعض، إضافة إلى الحرمين الشريفين وقطار المشاعر.

وواكبت ذلك إصلاحات مهمة في التعامل مع حقوق الإنسان وإصلاح القضاء وتحديث المحاكم وإنشاء المحاكم المتخصصة، وكذلك تعديل نظام الحكم الأساسي وإصدار نظام البيعة وصدوره في شكله النهائي في 28 رمضان 1427 هـ.

وعلى صعيد السياسة الخارجية أولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أهمية كبرى لقضايا أمتيه العربية والإسلامية، فطرح مبادرة السلام المعروفة باسم (المبادرة العربية) التي تبنتها قمة بيروت في عام 2002 م، واستمر تبنيها في القمم التي تلتها وحتى الآن، وكذلك مساعيه للمصالحة بين الفلسطينيين، حيث استضاف ممثلي الفصائل الفلسطينية في مكة المكرمة، وفعل الشيء ذاته مع العراقيين والصوماليين، وتقدّم - حفظه الله - بمشروع للمصالحة العربية في قمة الكويت التي عقدت في ديسمبر من العام الماضي، وفي عهده أيضاً أصبحت المملكة عضواً في مجموعة العشرين صاحبة أكبر اقتصادات في العالم، كما قاد وأطلق مبادرة الحوار بين الحضارات وأتباع الديانات والثقافات في العالم من أجل إلغاء العنصرية والاضطهاد والتمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس.

ومع الحديث عن هذه الإنجازات المشرفة، ينبغي علينا جميعاً سواء حكومة أو قطاعاً خاصاً أو مواطنين أن نعمل للمحافظة عليها، وبالقدر نفسه نتحسب للمستقبل، ونعمل على مواجهة التحديات بالحلول الناجعة المبنية على الدراسات الدقيقة، ولا نترك الظروف تتحكم في مجريات الأحداث، ففي العصر الحديث لا وجود للمصادفة أو السياسات المبتورة، وعلينا كذلك أن ننظر إلى التحديات المستقبلية بروية من دون تضخيم أو تهويل. وبعض هذه التحديات يتمثل في الآتي:

* زيادة عدد الخريجين، مما يعني زيادة حجم البطالة، والحل يكون بالتوسع في المشروعات الاقتصادية كثيفة العمالة، والتوسع في التعليم الفني والتقني والمضي قدماً في تطوير التعليم ومساراته بما يلائم متطلبات سوق العمل، واستحداث وظائف غير تقليدية.

* تلبية احتياجات المواطنين من المساكن، حيث إن أكثرية سكان المملكة في سن الشباب، وهذه الفئة سوف تحتاج إلى أعداد كبيرة من الوحدات السكنية، وعلى الحكومة أن تتعامل مع هذه القضية بحلول عملية وواقعية تتمثل في أن تطرح الدولة قطع أراض كبيرة خارج النطاق العمراني للمدن على أن تخططها وتزودها بالمرافق والخدمات، وأن تخصص للاستخدام الشخصي فقط حتى لا يستغلها البعض في التجارة، وأن تقوم البنوك بتقديم القروض للراغبين في البناء بضمانات الدولة.

* تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية. وعلى الرغم من أن هناك خطوات مهمة اتخذت في هذا الصدد إلا أن المطلوب زيادة وتفعيل هذا التوجه حتى لا يكون الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني، تحسباً لانخفاض سعر الطاقة أو إيجاد بدائل للنفط. ويمكن توسيع القاعدة الاقتصادية من خلال التوسع في قطاعي الصناعة والخدمات، والبحث عن أسواق جديدة أمام الصادرات السعودية، والالتزام بالجودة والقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وهنا يبرز دور القطاع الخاص وأهمية الدعم الحكومي المساند له.

* تفعيل التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي في مجال إعادة التصدير والدخول في صناعات مشتركة تعتمد على تبادل المنافع وحُسن استغلال المزايا النسبية لكل دولة.

* سرعة التوجه نحو اقتصاد المعرفة والاعتماد بشكل أكبر وأسرع على هذا النوع من الاقتصاد لزيادة القدرة على المنافسة واللحاق بركب التطور.

* زيادة الانفتاح على الاقتصادات الناشئة، حيث توجد نماذج ناجحة لهذه الاقتصادات في جنوب وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وهي ستنضم إلى قائمة الاقتصادات الكبيرة في المستقبل المنظور، وكذلك زيادة مستوى الشراكة مع الاقتصادات الكبرى التقليدية لتحقيق أكبر فائدة للصادرات والواردات وتحقيق أعلى معدلات الأمن للاقتصاد الوطني السعودي.

إن كل ذلك يتطلب الاستقرار الأمني وتضافر جهود الشعب والحكومة من أجل استئصال جذور الإرهاب، وتعقب عناصره، وتجفيف منابع تمويله، وأن يكون للمملكة دور مهم في الحفاظ على منظومة مجلس التعاون الخليجي من خلال التنسيق والتوافق حول السياسات الأمنية والدفاعية، وتنمية اقتصادات هذه الدول من أجل زيادة المقدرة على مواجهة المخاطر الإقليمية بيقظة وعقلانية ونظرة بعيدة بما يضمن الحفاظ على مصالح هذه الدول وسيادتها الكاملة على أراضيها وعدم المساس باستقرارها وأمنها.

مقالات لنفس الكاتب