; logged out
الرئيسية / التنسيق والتعاون بين مراكز الابحاث والقطاع الخاص في دول الخليج العربي

العدد 95

التنسيق والتعاون بين مراكز الابحاث والقطاع الخاص في دول الخليج العربي

الأربعاء، 01 آب/أغسطس 2012

يشكل البحث العلمي بشقيه الأساسي والتطبيقي عنصرا هاما من عناصر الانتاج، والمحور الأساسي في عملية التنمية الشاملة، ذلك أن مخرجاته لا تقتصر على تطوير تقنيات جديدة ومنتجات أفضل في مجال الإنتاج فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى زيادة الإنتاجية الكلية لعناصر الإنتاج الأخرى من عمالة ورأس مال وموارد طبيعية؛ إذ تتحسن كفاءة هذه العناصر عند إتصالها بتقنيات الإنتاج الحديثة، ومن ثم يتعزز الإنتاج كما وكيفا، وتتضح ضرورته في البلدان النامية، نظرا لحاجتها إلى تقنيات علمية وتكنولوجية مبتكرة في عملية التطوير لمجتمعاتها في ظل ارتفاع وتيرة التسابق لتطوير تقنيات وأساليب جديدة للإنتاج للمحافظة على حصصها في الأسواق العالمية.

ويمر البحث العلمي والتقني في المنطقة العربية بوجه عام، وفي دول الخليج العربية بوجه خاص، بمرحلة هامة تفرضها التطورات المتلاحقة نتيجة الثورات العلمية والتقنية التي فتحت آفاقا جديدة أمام تلك الدول، مما يحتم عليها ضرورة مواكبة تغيرات العصر، ومن المسلم به أنه لا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق البحث العلمي، فالبحث العلمي في العالم العربي يمثل تحديات ثورة المعرفة والثورة التقنية، وهو ما تتصف به الألفية الثالثة ضمن الميزات الأساسية في ممارسة النشاط العلمي والتقني كمقياس للتطور والرقي. إن امتداد التأثير التقني على مختلف أوجه الحياة الإنسانية يجعل من البحث العلمي أحد الركائز التي يقوم عليها بناء مجتمع المعرفة القائم على اقتصاد المعرفة.

البحث العلمي يعد أحد الركائز التي يقوم عليها بناء مجتمع المعرفة

هناك انعدام شبه كامل لجهود البحث والتطوير في المؤسسات الصناعية العربية

ويرتبط البحث العلمي التطبيقي إلى حد كبير بقطاعات الأعمال، سيما الإنتاجية منها، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن للاستثمار الخاص في البحث العلمي عائد مؤكد، وهذا يفسر الاهتمام المتنامي في أوساط الشركات العالمية الكبيرة بنشاطات البحث والتطوير كما يعلل في الوقت ذاته إزدهار مؤسسات التمويل – خصوصا في الدول المتقدمة – التي تعنى بهذا النوع من الإستثمار فيما يعرف بمؤسسات رأس المال المبادر أو المخاطر(Venture Capital). ومن مؤشرات تصاعد أهمية القطاع الخاص كشريك في دفع عجلة البحث العلمي والتطوير التقاني بالدول المتقدمة، استثمرت بعض شركات القطاع الخاص في نتائج البحوث العلمية مبالغ خيالية في تقنية المعلومات، صاحبها تحقيق أرباح فاقت 150 مليار دولار أمريكي في سنة واحدة، واستثمرت شركات الأدوية في الولايات المتحدة و فرنسا وألمانيا حوالي 50 في المائة من قيمة مبيعاتها على البحث العلمي( ياقوت، 2007: 1). و أن البحث العلمي أساس التنمية، وأنه استثمار ناجح ومربح، وأن الشراكة بين رأس المال والعقل البشري تعد الخطوة الأولى لتوطين التقنية.

أما الوضع في العالم العربي ، يكشف عن وجود فجوة واسعة بين البحث العلمي والقطاع الخاص، وضعف الشراكة بينهما، علاوة على تراكم مجموعة من الأسباب التي كرست التقهقر البحثي: كغياب سياسة استراتيجية واضحة للبحث العلمي في الوطن العربي، وضعف توافر صناديق متخصّصة في تمويل الأبحاث بالقدر الكافي، وندرة ما تسمّى صناعة المعلومات، وغياب مراكز للتنسيق بين مراكز ومؤسسات البحث العلمي، إضافة إلى إهدار ملايين الدولارات سنوياً بسبب تشابه وتكرار البحوث وعدم فعاليتها. وعلى مستوى دول الخليج العربية، مازال الإنفاق على البحث العلمي دون المستوى، فلا تتعدى نسبة صرف دول مجلس التعاون على البحث العلمي أكثر من 0.02، مقارنة بالدول المتقدمة التي تتجاوز (3%) من الناتج القومي. لقد كشفت دراسة عن محدودية شراكة القطاع الخاص مع مراكز البحث العلمي في دول مجلس التعاون الخليجي، وعدم امتلاكه فلسفة لدعم البحث العلمي، إضافة إلى قلة وجود قنوات اتصال ثابتة يمكن من خلالها التنسيق والتعاون بين كل من شركات القطاع الخاص والمراكز البحثية، إلى جانب عدم توافر المعلومات والبيانات الكافية عن الإمكانات المتاحة لدى مراكز البحوث لخدمة منشآت القطاع الخاص في مجال البحث العلمي، وكذلك ضعف اهتمام الإدارة في المنشآت الصناعية بنشاط البحث العلمي، وغياب الفكر العلمي بالأساس عن ذهن رجالات القطاع الخاص، إضافة إلى غياب آليات لتسويق البحوث، أو هيئات متخصصة في تسويقها ونقلها من مرحلة الفكرة إلى مرحلة الإنتاج والعائد كما هو الحال في البلدان المتقدمة، وكلها أسباب تعلل ضعف الشراكة بين القطاع الخاص والبحث العلمي.

وأفادت دراسة (كسناوي، 2001: 9 ) عن وجود معوقات وصعوبات في مجال التعاون بين الجامعات والقطاعات الصناعية في مجال البحث العلمي، تتمثل في: ضعف العلاقة بين الجامعات وقطاع الصناعة، وضعف ثقة المؤسسات الصناعية في الأبحاث العلمية التي تجريها الجامعات، وعدم قناعتهم بفائدتها لمؤسساتهم، في الوقت الذي يشعر رجال الأعمال في قطاعات الإنتاج بأن الجامعات لاتهتم بإجراء بحوث تطبيقية تعالج مشكلات الانتاج، هذا بالإضافة إلى عوائق ترتبط بالدعم المالي ورعاية القطاع الخاص للبحث العلمي. إن الفجوة التقانية بين اقتصادات التنمية واقتصادات السوق تقدر بأكثر من (1: 150) على الترتيب (طاقة، 1998)، ويعزي(الشهوان، 2007: 8 ) هذه الفجوة إلى تخلف أنشطة البحث والتطويرفي اقتصادات التنمية، نتيجة ضعف التساند والترابط بين البحث العلمي وقطاعات الأعمال. ويرى ( الزبيدي، 2008: 712) أن صورة الشراكة المجتمعية بين مؤسسات التعليم العالي في الدول العربية وقطاعات الأعمال لم تكن واضحة، حيث ظلت الجامعات العربية حبيسة دورها التقليدي المتمثل في التعليم النظري مع محدودية اهتمامها بالبحث التطبيقي والتكنولوجي، والذي يضمن الشراكة المجتمعية مع القطاعات الإنتاجية المختلفة ويعزز مكانتها في المجتمع.  وقد ساعد ذلك في استمرار ضعف دور الجامعات ومراكز البحث بها كوسيط مباشر بين البحث التطبيقي ( جانب العرض ) والقطاعات الانتاجية ( جانب الطلب ) رغم مسعاها الدائم نحو خلق صورة شراكة.

وعلى الرغم من تدهور العلاقة التبادلية بين القطاع الخاص والبحث العلمي في العالم العربي، إلا أن واقع هذه العلاقة في دول مجلس التعاون يكشف عن بوادر أمل في محاولة للتكامل بينهما، فقد احتضنت دول المجلس عدداً لا بأس به من الشرَاكات الناجحة بين القطاع الخاص والبحث العلمي، على سبيل المثال لا الحصر: التعاون بين جامعة زايد وكل من مركز الإبداع الإلكتروني في مدينة دبي للإنترنت (Smart Square)  وشركة IBM لتكنولوجيا المعلومات، وتعاون جامعة الإمارات وعدد من شركات البترول، إضافة إلى الشراكة بين مدينة الملك عبد العزيز( KACST)  وشركات الأدوية السعودية، وقيام جامعة الملك عبد العزيز بإنشاء منطقة للتقنية بجدة بمثابة مجمعاً لتعاون البحث العلمي وشركات القطاع الخاص، والشراكة بين جامعة الملك سعود وشركة سابك، هذا إلى جانب شراكة كل من الجامعات والمراكز البحثية السعودية مع شركة (أرامكو) للبترول، وتأسيس عددا من كراسي البحث العلمي بالجامعات السعودية، وفي عمان: الشراكة بين جامعة السلطان قابوس ومؤسسة واحة مسقط للمعرفة (Knowledge Oasis Muscat)، وفي الكويت: الشراكة بين مؤسسة الكويت للأبحاث العلمية(KISR)، وشركة البترول الكويتية.

ومن مظاهر الاهتمام العربي بموضوع الشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي، إعداد وتنفيذ العديد من المؤتمرات العلمية العربية، طرحت كثير من المقترحات لتشجيع وتفعيل دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي، كالمؤتمر الهندسي السعودي الرابع المنعقد سنة 1996 م (1416 هـ)، ومؤتمر البحث العلمي بالاسكندرية 2001، ومؤتمر جامعة الملك سعود "الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص في البحث والتطوير"2005 م، ومؤتمر آفاق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في الوطن العربي المنعقد في دمشق (1427 هـ )، وغيرها من المؤتمرات والندوات العلمية، وقد أجمعت هذه الفعاليات على ضرورة مساهمة القطاع الخاص وأهميته في تمويل البحث العلمي والتطوير.

وخلصت دراسة ( الشبيني، وعبدالجواد: 2008: 607) إلى أن التقدم التكنولوجي السريع في مجالات العلوم والعلوم التطبيقية خاصة يستلزم تطوير الآداء البحثي المستمر عن طريق تفعيل عملية الشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي. كما أشار ( الزبيدي، 2008: 710 ؛ Barth, 2008)إلى أهمية الشراكة والعلاقة بين القطاعات الإنتاجية ومؤسسات التعليم والبحث التطبيقي، موضحا أن هذه الشراكة تتسم باختلال هيكلي في أغلب الدول العربية، مما أفقدها عدم اكتمالها والحد من فاعليتها المتوقعة في ضمان تنمية اقتصادية وحتى علمية بالدول العربية. وأشارت دراسة ( سلطان، 2008: 3) إلى غياب دور القطاع الخاص في تمويل عملية البحث والتطوير، وانخفاض حجم الإنفاق عليه إلى مستوى أقل من الحد الأدني المقبول دوليا (1%) من إجمالي الدخل القومي، وهناك انعدام شبه كامل لجهود البحث والتطوير في المؤسسات الصناعية، وتركيز أنشطة البحث والتطوير بالوطن العربي في المؤسسات الحكومية والجامعات. كما أفصحت دراسة(عامر، 2008: 630 ) عن محدودية إسهام القطاع الخاص في أنشطة البحث العلمي والتطوير، رغم ظهور بوادر لها في بعض الدول العربية: كمصر والأردن، والسعودية، والكويت، وتونس، والمغرب. وتوصلت دراسة ( القوصي، 2008: 670 ) إلى أن من معوقات البحث العلمي بالدول العربية: ضعف مشاركة القطاع الخاص، وندرة الكفاءات ذات الخبرة التطبيقية فيما يتعلق بالربط بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الانتاجية، وإهمال ترتيب أولويات التفاعل المثمر بين مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات الانتاجية والخدمية وانخفاض معدلات الإنفاق على البحث العلمي، لاسيما البحث التطبيقي، وضعف البنية التحتية للبحث العلمي، الأمر الذي يتطلب زيادة فعالية الشراكة المجتمعية في مجال البحث العلمي.
وأفصح التقرير الاقتصادي العربي حول توزيع مصادر تمويل البحث والتطوير في عدد من الدول خلال الفترة من 1977–1999 عن محدودية دعم ورعاية القطاع الخاص لأنشطة البحث والتطوير بالدول العربية مقارنة بالدول المتقدمة. وأوضح ( الخوري،2002: 3  ) أن من أهم سمات ضعف منظومة العلوم والتقانة في الوطن العربي، افتقادها لموقومات التفاعل بينها وبين البيئة المحيطة بها سواء المحلية أو العالمية، وغياب السياسات التقانية الموجهة للقدرات الوطنية لخدمة التنمية الشاملة.
وعلى المستوى المحلي، أوضح ( التقرير الاقتصادي العربي، 2002: 73 ) انخفاض وضعية الشراكة المجتمعية، وانخفاض مستوى دعم القطاع الخاص ورعايته لأنشطة البحث والتطوير بالدول العربية، وتبني الحكومة لأنشطته، كما أوضح التقرير، أن التمويل لأنشطة البحث والتطوير في سلطنة عمان اعتمد بدرجة كاملة على الحكومة بنسبة 99%، ولم يشترك القطاع الخاص فيه حتى عام 2002.

وقد برزت إشكالية قصور الإستثمار الخاص في البحث العلمي ( إنخفاض حجم الاستثمار عما هو مطلوب) نتيجة عدم توافر الضوابط الكافية لصيانة مصالح المستثمرين في البحث العلمي وتمكينهم من تحقيق مردود على إستثماراتهم، وعلى ذلك، استحدثت السلطنة الآليات التي تضمن للمستثمرين إستعادة التكاليف وتحقيق أرباح على الإستثمار، حيث سنت التشريعات الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية من براءات اختراع وعلامات تجارية وغيرها، ووفرت الحكومات الحوافز الضريبية وأشكال الدعم المختلفة للمستثمرين، كما اهتمت بالإستثمار في الأبحاث القاعدية؛ وذلك حتى تتهيأ البيئة المواتية لتشجيع الإستثمارات الخاصة في هذا المجال ، إضافة إلى تأسيس مجلسا للبحث العلمي. وتعد مساهمة السلطنة في هذا الخصوص جيدة قياسا بحداثة تجربتها في البحث العلمي، والذي تضطلع به مؤسسة أكاديمية واحدة هي جامعة السلطان قابوس التي تم تأسيسها في العام 1986م. كما أن تحقيق التقدم التقني والتكنولوجي، يتطلب تفعيل رسالة الجامعة في تنشيط حركة البحث العلمي، وربط البحث العلمي بقضايا التنمية، وفتح قنوات التعاون والتنسيق والاتصال بين الجامعات وقطاعـات التنمية المختلفة.

 

مقالات لنفس الكاتب