; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية-اليمنية خلال ثلاثة عقود

العدد 94

العلاقات الخليجية-اليمنية خلال ثلاثة عقود

الأحد، 01 تموز/يوليو 2012

شهدت الفترة منذ قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وحتى اليوم أحداثاً عاصفة مرت بها المنطقة العربية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وكان من الطبيعي نتيجة لذلك أن تتصف العلاقات الخليجية- العربية بشكل عام، والخليجية اليمنية بشكل خاص، بغياب الثبات والاستقرار والأزمات المتكررة، والتي كانت ولا تزال في الحالة الخليجية-اليمنية غير ضرورية وغير منطقية، ويصعب تبريرها.

يهدف هذا المقال إلى قراءة المحددات المسؤولة عن حالة الاضطراب في العلاقات الخليجية- اليمنية سواء بالنسبة لدول الخليج أو بالنسبة لليمن وعلى المستويات الثلاثة (الداخلي والإقليمي والدولي). ومن المهم الإشارة هنا إلى أن بعض تلك المحددات لم ينشأ خلال هذه العقود الثلاثة وإنما ترجع جذوره إلى عقود خلت.

المحددات الداخلية

اتصف النظام الخليجي، إن جازت التسمية، ورغم الهزات العنيفة التي مر بها خلال العقود الثلاثة الأخيرة بالاستقرار على المستوى الداخلي وخصوصاً في الشأن السياسي، حيث حافظت الأنظمة السياسية في دول الخليج الست طوال العقود الثلاثة الماضية على درجة ملحوظة من ثبات النظم والسياسات والعلاقات البينية. وعلى العكس من ذلك، فإن اليمن شهد خلال الفترة، العديد من التطورات الداخلية التي أثرت بشكل كبير في علاقاته بدول الخليج. كما استمر اليمن خلال الفترة يعاني أيضاً من تأثيرات أحداث الماضي وتطوراته وعلى نحو خاص تلك التي وقعت خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

وشكلت الأيديولوجيات السياسية الراديكالية والتي وجدت لنفسها موضع قدم في اليمن أحد المحددات الرئيسية للعلاقات اليمنية الخليجية. فعلى سبيل المثال، فإن استمرار الحكم الماركسي لجنوب اليمن خلال ثمانينات القرن الماضي بما عرف عن الماركسيين من عداء للدول الخليجية، قد شكّل عامل قطيعة في علاقة الجنوب بدول الخليج العربية من جهة، وعامل اضطراب في علاقة الشمال بالدول الخليجية، ناهيك بالطبع عن أثره البالغ في علاقات الشمال بالجنوب.

واستمرت الخلافات الحدودية بين اليمن والسعودية من جهة واليمن وعُمان من جهة ثانية في إضفاء حالة من عدم الثقة على علاقة اليمن بشماله وجنوبه بدول الخليج وخصوصاً في ظل عداء النظام الماركسي في الجنوب لسلطنة عمان وما قدمه ذلك النظام من دعم للحركات المناهضة لنظام السلطنة. وفي حين تم التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود اليمنية- العمانية في أكتوبر 1992، أي بعد قيام الوحدة اليمنية مباشرة، فقد ظلت الخلافات الحدودية اليمنية- السعودية تشكل مصدر توتر في العلاقات بين البلدين طوال عقد التسعينات.

ولعب الاقتصاد الريعي السائد في دول الخليج، والذي يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط، دوراً ملحوظاً في غياب الاستقرار في العلاقات الخليجية-اليمنية، حيث أدت التقلبات في عوائد النفط إلى تقلبات موازية في العلاقات الخليجية-اليمنية. وربما يرجع ذلك إلى حقيقة أن تقلبات العائدات الريعية قد أدت بشكل مستمر إلى التأثير على فرص العمالة اليمنية في الخليج من جهة، وانخفاض المساعدات المقدمة للحكومة اليمنية من الحكومات الخليجية من جهة أخرى.

وشكلت العلاقات الخليجية –الخليجية، بدورها، عاملاً محدداً للعلاقات الخليجية-اليمنية. وغالباً ما جاءت التوترات في العلاقات الخليجية-الخليجية، ومهما كانت محدودة، مصحوبة بتأثيرات سلبية في العلاقات الخليجية- اليمنية. وربما يرجع ذلك إلى أمرين: الأول حالة الاستقطاب الحاد التي تنتج عن أي توتر في العلاقات الخليجية-الخليجية؛ والثاني، نزعة القيادة اليمنية السابقة إلى محاولة لعب دور إقليمي لا يتناسب في حجمه مع قدرات وإمكانات اليمن.

أما بالنسبة لاختلاف النظام السياسي في اليمن عن الأنظمة الخليجية، والذي يذهب الكثير من المحللين إلى تحميله مسؤولية عدم ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي عند إنشائه أو مسؤولية الاضطراب في العلاقات الخليجية-اليمنية من وقت إلى آخر، فلا يبدو أنه مؤثر على الصعيد الواقعي إلا إذا كانت العبرة هي بأسماء الأنظمة وليس بمضامينها ومخرجاتها. وإذا كانت العبرة بالمضامين وليس الأسماء، فإن التباينات بين الأنظمة الخليجية رغم اتفاقها في الشكل العام تبدو أشد وضوحاً من تباينها مع النظام اليمني.

ويمكن قول الشيء ذاته عن سكان اليمن من الشيعة. فصحيح أن بعضهم أصبح في السنوات الأخيرة يشكل عاملاً مقلقاً للعلاقات الخليجية-اليمنية لأسباب كثيرة أهمها سياسات النظام السابق في اليمن؛ الأجندات السياسية الإيرانية؛ وحالة الفوضى التي يشهدها اليمن؛ إلا أن الواقع أن معظم شيعة اليمن ينتمون إلى الزيدية، وهي أقرب فرق الشيعة إلى السنة، ويحتفظون بعلاقات أكثر من ممتازة مع دول الخليج على المستويات الرسمية والشعبية.

المحددات الإقليمية

تأثرت العلاقات الخليجية - اليمنية بشكل واضح بتقلبات العلاقات الخليجية- العربية بشكل عام. ويلاحظ أن العقدين الأول والثاني من عمر مجلس التعاون الخليجي شهدا انقساماً واضحاً في العلاقات العربية-العربية، كان أحد أسبابها قرار الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الدخول في سلام منفرد مع إسرائيل، ما أدى إلى إخراج مصر كفاعل رئيسي في النظام الإقليمي العربي من المعادلة. ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية بدأ التوتر في العلاقات الخليجية-العراقية ينمو باطراد، ووجد شمال اليمن نفسه وفي تناقض صارخ مع أبسط مبادئ السياسة الخارجية اليمنية يدور في فلك الرئيس العراقي، ويتنكر لموقعه الجغرافي ومصالح أبنائه. وأدى الموقف اليمني إلى نمو مطرد لحالة من التباعد بين اليمن ودائرته الحيوية وهي دول الخليج.

وفي حين كان العالم يشهد انفراجاً كبيراً في العلاقات بين الدول مع نهاية عقد الثمانينات نتيجة لانهيار الأنظمة الشيوعية كانت العلاقات العربية- العربية تشهد حالة من الاستقطاب الحاد لا علاقة لها هذه المرة بالعلاقة مع إسرائيل وخصوصاً بعد عودة مصر إلى الصف العربي، وإنما جاءت نتيجة لطموحات التوسع والهيمنة العراقية. وبينما أدى الانفراج على المستوى الدولي إلى قيام الوحدة اليمنية، وكان يفترض أن يقود إلى المزيد من التقارب الخليجي –اليمني فإن ما حدث نتيجة للاستقطابات الإقليمية الحادة هو العكس.

فالتدهور في العلاقات الخليجية-العراقية سرعان ما تصاعد، وتحول إلى انفجار إقليمي كبير عندما قام العراق في أغسطس 1990 بغزو الكويت في محاولة لابتلاعها، وشهدت العلاقات العربية- العربية نتيجة لذلك أكبر وأوسع انقسام في تاريخها. ووجد اليمن نفسه في أشد المنعطفات حساسية وخطورة وهو يقف، ربما بسبب تغليب الشطحات الأيديولوجية على مقتضيات الواقعية السياسية والمصالح، إلى جانب العراق في موقف لم يفد العراق، ولم يضر بدول الخليج، لكنه أضر باليمن كثيراً.

القيادة اليمنية السابقة حاولت لعب دور إقليمي لا يتناسب مع قدرات وإمكانات اليمن

اليمن يشكل بوابة كبيرة لدول الخليج يصل طولها إلى أكثر من 2000 كيلومتر

وكان الثمن الذي دفعه اليمن باهضاً جداً، وظل اليمن ولا يزال حتى اليوم، نتيجة لذلك، هو الدولة العربية الوحيدة التي لم تتمكن، إن لم يكن على صعيد السياسة فعلى صعيد الاقتصاد، من تجاوز الآثار السلبية الكبيرة الناتجة عن موقف القيادة اليمنية المؤدلج من الغزو العراقي للكويت. وصحيح أن العلاقات الخليجية - اليمنية شهدت بعد ذلك تحسناً تدريجياً إلا أن حالة عدم الثقة كانت قد تعمقت كثيراً لدى القيادات الخليجية تجاه النظام اليمني.

وتتأثر العلاقات الخليجية –اليمنية أيضاً، وهذا تطور برز بشكل واضح خلال العقدين الماضيين، بطبيعة العلاقات الخليجية- الإيرانية وخصوصاً بوضع العلاقات السعودية - الإيرانية. فقد حاول النظام اليمني السابق خلال تسعينات القرن الماضي، وفي ظل الاضطراب في علاقاته مع الدول الخليجية، مد جسوره نحو إيران وبالطريقة نفسها التي كان قد مد جسوره بها إلى العراق خلال ثمانينات القرن ذاته. وقد فتحت محاولات النظام اليمني التقارب مع إيران شهية الإيرانيين للبحث عن موضع قدم في اليمن وخصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية.

المحددات الدولية

يصعب التمييز عندما يتعلق الأمر بالخليج العربي واليمن ونتيجة لأسباب يعرفها الكثيرون بين ما هو داخلي وما هو إقليمي وما هو دولي. وإذا كان العالم قد تحول بالفعل إلى قرية صغيرة، فإن هذا الجزء من القرية الصغيرة يبدو أكثر أهمية ربما من سائر أجزاء القرية الأخرى، وليس بعضها فقط. ومن الطبيعي بسبب ذلك أن يكون العالم حاضراً بقوة في كل شأن يخص هذه المنطقة.

فمنذ تمكن الأوروبيون من بناء سفن تحملهم إلى أصقاع الأرض فوجئ بهم العرب قبل غيرهم وهم يدقون على أبواب بيوتهم. وعندما تقاسمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي النفوذ في العالم خلال فترة الحرب الباردة (1945-1989)، وجد العرب أنفسهم يقعون إما تحت مظلة النفوذ الغربي وهو الغالب أو تحت مظلة النفوذ الشرقي وهو النادر. وشكل التنافس بين الأمريكيين والسوفييت خلال تلك الفترة واحداً من أهم عوامل ضبط العلاقات العربية-العربية. وفي سياق التحالف العربي- الغربي ضد السوفييت في أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي تكونت بذور جماعات (القاعدة). وما يلفت الانتباه هو أن نهاية فترة الحرب الباردة بما تميزت به تلك الفترة من محاولات من هذا الطرف أو ذاك لزعزعة استقرار المنطقة لم تعن بالنسبة للعرب نهاية مرحلة عدم الاستقرار، بل حدث العكس تماماً.

وكما كانت القوى الغربية في الكثير من الأحيان جزءاً من المشكلة، فإنها كانت أيضاً في أحايين أخرى جزءاً من الحل. وصحيح أن القوى الغربية لم تضرب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على يده حتى يقوم بغزو جارته الكويت في أغسطس 1990، إلا أنه لا يخفى على الكثيرين أن جماعات القاعدة، التي ستصبح خلال العقدين الأخيرين أحد محددات العلاقات العربية-العربية والعربية-الغربية، بلغت مرحلة النضوج خلال الحضور الدولي غير المسبوق في الخليج العربي بين عامي (1990 و1991). كما أن بروز إيران كقوة إقليمية بطموحات نووية لم يحدث بمعزل عن السياسات الأمريكية الساعية لاحتواء العراق وإيران خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، أو عن السياسات الأمريكية في محاربة الإرهاب خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

وفي حين كان العالم العربي قد ظل لعقود يتمتع بدرجة من الاستقلال النسبي على الصعد الثقافية والسياسية، فقد أدى ظهور العولمة بأبعادها الاقتصادية والثقافية والسياسية والتكنولوجية إلى العمل بشكل متزايد على إدماج الخليج العربي وإلى حد أقل اليمن بالعالم. وأدى ظهور الإرهاب والتطرف إلى تبن غربي رسمي وشعبي لسياسات عولمة هذا الجزء من العالم حتى لو اقتضى الأمر توظيف القوة العسكرية، كما حدث بالنسبة للعراق في عام 2003. ومع التسليم بأن هناك حركة تطور كونية لا يمكن لأحد الوقوف أمامها، وأن هذا الجزء من القرية لا يمكن، طال الزمن أم قصر، أن يعيش في معزل عن الأجزاء الأخرى، إلا أن السرعة التي يتم بها هذا الإدماج جعلت وما زالت تجعل المنطقة معرضة للمزيد من الهزات سواء في علاقات الأفراد والجماعات ببعضهم، أو في علاقات الحكومات بالمحكومين، أو في علاقات الدول ببعضها.         

أولوية الأمن والاقتصاد

لا تكمن أهمية اليمن فقط في كونه يجاور أكبر دولتين خليجيتين من حيث المساحة وهما السعودية وسلطنة عمان، لكنه يشكل أيضاً بوابة كبيرة لدول الخليج العربية يصل طولها إلى أكثر من ألفي كيلومتر. ويمكن أن تكون تلك البوابة الواسعة طريقاً مختصراً يربط الخليج بالعالم. كما يمكن أن تكون تلك البوابة الواسعة أيضاً، إذا لم يتم الالتفات إليها والاهتمام بها بالقدر الكافي، ممراً لمختلف المخاطر والتهديدات نحو دول الخليج. وصحيح أن اليمن بحجمه السكاني الكبير وضعف اقتصاده وعدم قدرة الدولة الرخوة فيه على بسط نفوذها على كافة أراضيها يبدو للوهلة الأولى أنه تحد تتطلب مواجهته تكلفة كبيرة مقارنة بعوائد لا تبدو واضحة، إلا أن الصحيح أيضاً أن اليمن بقدر ما يمثله من مخاطر وتهديدات لجيرانه، فإنه يمكن أن ينطوي على الكثير من الفرص في عالم ترتبط فيه القدرة على المنافسة والنمو بحجم السوق والقدرات الشرائية للمستهلكين.

وبينما يملك الخليجيون، على الأقل خلال المدى القصير، حرية اختيار نوع العلاقة التي يريدونها مع اليمن، فإن اليمنيين لا يتمتعون بذلك الترف. فأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبغض النظر عن أي اعتبار آخر تجعل بناء علاقات وثيقة وعميقة مع الخليج مسألة حياة أو موت. وإذا ما وضع المحلل كل الشطحات الأيديولوجية جانباً، فإن الحقيقة هي أنه ليست هناك قوة إقليمية أو حتى دولية يمكنها أن تملأ الفراغ الذي يمكن أن يتركه الخليجيون إذا ما قرروا ترك اليمن يواجه أقداره بمفرده.

وإذا كانت العلاقات الخليجية-اليمنية قد تأثرت كثيراً خلال العقود الثلاثة الماضية بالعواطف والمثاليات و(شطحات) التبشير بالأيديولوجيات التي لا تشبع جائعاً أو تعلم أمياً أو تنمي اقتصاداً أو تحقق استقراراً، فإن ما غاب عن تلك العلاقات في الكثير من الأحيان، وكان ينبغي  ألا يغيب هو المصالح الأمنية والاقتصادية المتبادلة والتي يمكن أن تعطي لتلك العلاقات العمق المطلوب وتحصنها ضد العواصف التي تهب على هذه المنطقة من آن إلى آخر، والتي لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن الأسوأ منها قد مر وانقضى.

وتقف الدول الخليجية من جهة، واليمن من جهة ثانية، اليوم على مفترق طرق وذلك بفضل التغييرات التي حملتها تحركات (الربيع العربي) والتي فتحت نافذة تاريخية أمام الجميع للمراجعة والبدء من جديد في بناء علاقات على أسس مختلفة تعقلن الفعل السياسي، وتبعده عن التكتيكات الآنية وعن الأهواء المتقلبة، وتؤسس لعلاقات استراتيجية تتجاوز الأشخاص والأنظمة، وتقوم بالدرجة الأولى على التكامل الاقتصادي والأمني وغير ذلك مما ينفع الناس. وإذا كانت عوامل اللغة والدين والتاريخ المشترك وما في حكمها من العوامل التي لطالما تغنى بها الجميع لا تكفي لتبرير المطالبة بقيام علاقات جديدة على أسس مختلفة، فإن وحدة الجغرافيا وما توجده من فرص ومصالح من جهة، ومن تهديدات ومخاطر من جهة ثانية، تكفي بالتأكيد لدفع الجميع إلى التفكير بطريقة جديدة.

ومع أنه من السهل أن يلقي الخليجيون واليمنيون على السواء بمسؤولية الأزمات التي تعتري علاقاتهم ببعضهم على كاهل الغرب ومؤامراته، إلا أن الغرب هو في الواقع ما يمكن أن يصنعوه منه. ومن المؤكد أن علاقة العرب بالغرب لن تصل إلى مرحلة تصالح حتى تصل علاقة العرب ببعضهم بعضاً أولاً إلى مرحلة تصالح كاملة.

مجلة آراء حول الخليج