; logged out
الرئيسية / مستقبل علاقات حلف الناتو بدول الخليج العربية

مستقبل علاقات حلف الناتو بدول الخليج العربية

الإثنين، 01 آذار/مارس 2010

في يونيو عام 2004 أعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي مبادرة لتأسيس جسور التعاون والتقارب مع الدول الست التي تشكل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي أطلق عليها اسم (مبادرة اسطنبول للتعاون) نسبة للعاصمة التركية التي التأم فيها اجتماع مجلس منظمة الحلف وتم إقرار المبادرة في حينه.

واليوم وبعد مرور ما يتجاوز الست سنوات على عملية إطلاق المبادرة نجد ضرورة في تقييم مسيرة العلاقات بين دول المجلس من طرف، ومنظمة حلف شمال الأطلسي من الطرف الآخر. فرغم أن مبادرة الحلف استهدفت دول الخليج الست الأعضاء في مجلس التعاون، إلا أن الدول التي وقّعت اتفاقية المبادرة لم تتجاوز الأربع دول حتى الآن، أي أن ثلث الدول المستهدفة لم تستجب بشكل إيجابي لدعوة الحلف. ورغم أن عدد الدول التي أمست جزءاً من آلية المبادرة هو عدد مهم، لكن الأهم من ذلك أن المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان وهما الدولتان الأهم، وتمثلان الثقل الاستراتيجي ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي ما زالتا خارج اتفاقية المبادرة. ولا توجد إشارات إيجابية على قرب دخول هاتين الدولتين إلى نظام المبادرة، فالمملكة تشكل الكتلة الاستراتيجية الأساسية في منطقة شبه الجزيرة العربية، حيث تعد أكبر الدول مساحة، وتنتشر رقعتها الجغرافية من شمال الجزيرة وحتى جنوبها، وهي الدولة الوحيدة التي تمتلك حدوداً برية وبحرية مشتركة مع كافة دول الجزيرة العربية. وإلى جانب الثقل الجغرافي، فإن المملكة هي الدولة الأولى في الكثافة السكانية، حيث يتجاوز عدد السكان مجموع سكان دول مجلس التعاون الأخرى مجتمعة، وتمتلك المملكة أكبر قوة عسكرية من ناحية القوة البشرية وأيضاً من ناحية المعدات العسكرية وعدد القواعد والمواقع العسكرية وانتشارها الشامل على معظم أراضي وحدود الدولة. وإضافة إلى عوامل التفوق في المساحة والسكان والقوة العسكرية يشكل اقتصاد المملكة مكانة خاصة في الحسابات الاستراتيجية لكونه الاقتصاد الأول في منطقة الخليج. وتأتي سلطنة عُمان ثانياً بعد المملكة في مساحة الأرض وحجم السكان وحجم وكفاءات القوات المسلحة.

إن قرار هاتين الدولتين الرئيسيتين في منظومة دول مجلس التعاون بعدم المشاركة في اتفاقية مبادرة اسطنبول للتعاون هو أمر مهم وفعّال، أثر وسيؤثر في مصداقية الاتفاقية، ويحدد مسيرتها المستقبلية وتطور نظامها التعاوني المفترض. فقد قررت قيادة الدولتين عدم التسرع والانخراط باتفاقية المبادرة، وتمت إثارة تساؤلات حول قضايا جوهرية تخص مضمون الاتفاقية، وتخص أيضاً عامل المنفعة المتبادلة التي تعتبر الأساس المفترض للاتفاقية. ويبدو أنه واستناداً إلى هذه الأسس لم تشعر الدولتان بقيام حاجة ماسة أو ضرورة حقيقية لتوقيع اتفاقية مبادرة اسطنبول. لذا سيبقى عدم انضمام الدولتين الأساسيتين في المجلس وهما المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان عائقاً أساسياً في تطور مشروع المبادرة.

وهنا يمكن أن نحدد إطار التعاون المستقبلي بين منظمة حلف شمال الأطلسي ودول منطقة الخليج بشكل عام في صيغة اختيارات متعددة:

أولاً: العمل على تحقيق شمولية اتفاقية المبادرة: إن مهمة وهدف اتفاقية مبادرة اسطنبول هما أن تكون ذات طبيعة شاملة تتضمن في آليتها كافة دول مجلس التعاون من دون استثناء. فمن الواجب اليوم وبعد مرور سنوات عديدة على عمر المبادرة أن يتم تركيز قيادة منظمة الحلف على التعامل بشكل بناء ومنطقي مع شكوك واعتراضات دول مجلس التعاون الخليجي التي رفضت الانضمام ومحاولة تقديم ضمانات وتطمينات كافية لتشجع القيادتين السعودية والعمانية على إعادة النظر في قرار عدم المشاركة. فدخول المملكة والسلطنة إلى الاتفاقية سيمنح دفعاً إضافياً لمسيرة تطوير أطر التعاون مع الناتو. واستمرار غيابهما عن مسيرة التعاون سيحدد سقف المبادرة ويعيق قدرتها على التطور.

ثانياً: التفكير الجدي في تطوير الإطار السياسي والجغرافي، وذلك عبر جعل اتفاقية مبادرة اسطنبول للتعاون (اتفاقية الباب المفتوح) مما يستلزم توجيه دعوات الانضمام إلى الدول الخليجية من غير الأعضاء في منظمة مجلس التعاون الخليجي. فنظرياً هناك ثلاث دول إقليمية مرشحة تقع ضمن الإطار الجغرافي، الجيواستراتيجي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية، وهي العراق واليمن وإيران. ومن الممكن استثناء إيران في هذه المرحلة لاعتبارات سياسية، وربما يمكن استبعاد العراق على أسس مشابهة، لكن تبرز الحاجة الملحة لتقدير الموقف تجاه عضوية اليمن. فإذا كان هدف اتفاقية مبادرة اسطنبول ومبدأ الشراكة الخليجية مع الحلف يقومان على تحقيق هدف الاستقرار والأمن الإقليمي، فلا بد من تقديم الدعم لضمان تحقيق الاستقرار الأمني في اليمن. فمبادرة اسطنبول تقوم على أسس استعداد منظمة الحلف لتقديم المساعدات التقنية والتدريبية لأعضاء دول المبادرة وقواتها المسلحة. وتقوم على أسس المساعدة على تأسيس القدرات والإمكانات (Capacity Building)، ولا توجد دولة في المنطقة أحوج من اليمن - ذات الإمكانات المادية والتقنية المحدودة - لمثل هذا الدعم التقني والمهني. لذا فقد ظهرت مصلحة عامة لدول المجلس في حثّ منظمة حلف شمال الأطلسي على تقديم الدعم إلى اليمن، ضمن أو خارج، إطار معاهدة اسطنبول للتعاون.

ثالثاً: التفكير الجدي في وجوب توسيع إطار الخدمات والالتزامات التي تقدمها اتفاقية المعاهدة. فاتفاقية مبادرة اسطنبول لا تزال غير مغرية ومحدودة في حسابات المنفعة. فما تقدمه الاتفاقية يمكن حصره في إطار ضيق لا يتجاوز تقديم المساعدة في القضايا التقنية، كما تفتقر الاتفاقية لعنصر أساسي وحاسم تشعر بعض دول المنطقة بأنها بحاجة إليه وهو عنصر (الضمانات الأمنية أو الدفاعية). ولحساسية هذا البعد من الممكن تطوير الصيغة الجديدة للاتفاقية لتشمل شقين أساسيين (تقني – أمني) ليتسنى لهذه الدول أن تختار ما ترغب منهما، وبالتالي تحدد طبيعة علاقاتها بحلف الناتو بناء على احتياجاتها الذاتية. فاقتصار المبادرة على عموميات (التعاون) التقني التي قد لا تحتاج إليها معظم دول المجلس، أو لكونها متوفرة لها عبر علاقة تعاقدية مع أطراف أخرى تقدم هذا النوع من الخدمات، لا يمنحها موضعاً متميزاً في الحسابات الاستراتيجية القائمة في المنطقة. فالعلاقات الوثيقة القائمة اليوم بين دول حلف الناتو الأساسية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا) وبعض دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ثنائي ومنفرد، تقوم على أسس توفير الضمانات الضرورية، وما التعاون التقني إلا تحصيل حاصل تفرزه العلاقات الاستراتيجية القائمة أصلاً على مبدأ الضمانات الأمنية والدفاعية.

وخلال السنوات القليلة الماضية قامت منظمة حلف الناتو بالتمدد خارج الإطار الجغرافي التقليدي للحلف وتوسيع الإطار الاستراتيجي لمسؤولياته، التي كانت حصراً في الدفاع عن الأمن الأوروبي. وأمسى قرار الحلف في التدخل العسكري الفعّال في الصراع الأفغاني نقطة التقاء المصالح الاستراتيجية لدول الحلف مع دول مجلس التعاون. ومن خلال التغير الجذري الذي حدث في استراتيجية الحلف لمرحلة ما بعد الحرب الباردة للعمل خارج الإطار الجغرافي التقليدي، فإن دول الخليج تتوقع دوراً مهماً ومؤثراً قد يلعبه الحلف في توفير الضمانات الدفاعية للدول الراغبة.  

لذا وبعد مرور السنوات الست من عمر اتفاقية مبادرة اسطنبول للتعاون نجد أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة حلف شمال الأطلسي تقف عند منعطف جديد يستوجب التوقف عنده، وإعادة تقييم مسيرة السنوات السابقة. ويتطلب الأمر من قيادة الحلف إعادة النظر بمضمون ومكونات الاتفاقية، والأخذ في الاعتبار إمكانية تطويرها عبر آلية الحوار القائم مع دول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب