; logged out
الرئيسية / مصالح دول الخليج والمساومات الأمريكية – الإيرانية

مصالح دول الخليج والمساومات الأمريكية – الإيرانية

الجمعة، 01 تشرين1/أكتوير 2010

رغم الضجيج السياسي والصخب الإعلامي والتشدد الغربي حول فرض عقوبات اقتصادية ضد طهران بسبب برنامجها النووي، فإن هناك وجهات نظر ترى أن هذه العقوبات غير مجدية، وأن واشنطن سوف تقدم تنازلات لإيران على حساب دول الخليج، وهذه الرؤية تتنامى لدى مؤيديها الذين يرون أنها تعتمد على أدلة من الواقع وشواهد من التاريخ، وتنسجم مع السياسة الأمريكية، بل تعتمد على المستجدات التي تشهد بزوغ قوى عالمية وتحالفات تنافس الولايات المتحدة، مقابل تراجع الدور الأمريكي كقوة متفردة على المسرح العالمي، ويأتي ذلك في ظل تراجع فرص الحسم العسكري لإنهاء أزمة البرنامج النووي الإيراني.

بداية، لماذا تبدو العقوبات الاقتصادية على إيران غير مجدية؟ للإجابة نرى أن العقوبات المتوقعة لن تكون فعالة لأسباب عدة، منها: أنها تركز على الجانبين العسكري والاستثماري، وليست موجهة ضد الاحتياجات اليومية للشعب الإيراني، كما أن طول السواحل الإيرانية، وكثرة دول الجوار، وصعوبة التضاريس، وعلاقات إيران بالدول التي تناصب أمريكا العداء، تزيد من نشاطات التهريب، مع وجود موارد زراعية وطبيعية داخل إيران نفسها تجعل من العقوبات ضعيفة التأثير. وكل ذلك يقابله ضعف في آليات مراقبة السفن والطائرات والنقل البري.

هذا عن تأثير العقوبات الاقتصادية، فماذا عن الخيار العسكري؟ المؤشرات تنفي نجاح أي عمل عسكري أمريكي - إسرائيلي ضد إيران لأسباب عسكرية، ولوجستية، وسياسية، واقتصادية، وأمنية. فالولايات المتحدة قامت بخفض وجودها العسكري في العراق هذا العام، وتتعهد بإنهاء هذا الوجود العام المقبل، كما أنها بحاجة إلى تأمين مصالحها بعد سحب قواتها، وهي تدرك أن إيران هي القوى المؤثرة في العراق، وقبل ذلك فإن واشنطن نزفت الكثير من المال والعتاد والأنفس في العراق، ما يجعلها لن تجرؤ على خوض غمار أي حرب بعد التجربة الفاشلة في العراق والمتعثرة في أفغانستان التي كلفتها الكثير من الخسائر، ناهيك عن سمعتها ووضعها كقوة كبرى فقدت الكثير من مصداقيتها وهيبتها.

وإذا كان الرأي العام الأمريكي والكونغرس لن يسمحا بتكرار ما حدث في العراق، فإن الدول الكبرى غير مهيأة للموافقة على حرب جديدة ليست محسوبة الأهداف والنتائج، تلافياً لما حدث من ويلات في عهد الإدارة الأمريكية السابقة، ويأتي ذلك في وقت لا تزال حرب الاستنزاف التي تخوضها القوات الأمريكية في باكستان وأفغانستان مستمرة.

ومن جانبها الدول الخليجية لن تسمح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي في ضرب إيران لاعتبارات كثيرة، كما أن هذه الدول محبطة من عدم التقدم في عملية السلام، في ظل ما ترتكبه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تهويد القدس وبناء المستوطنات، ولا يجد العرب أي تحرك أمريكي لوقف هذه الجرائم، ثم جاءت أزمة (أسطول الحرية) لتسكب المزيد من الزيت على النار.

ومن ثم، فإن نتائج العقوبات غير مجدية، وعواقب الحرب غير مضمونة. إذاً ما هي السيناريوهات المتوقعة لتعامل أمريكا مع إيران؟ الشواهد تشير إلى أن هناك غزلاً مستتراً بين الطرفين، وربما حوارات غير معلنة، لكنها لم تصل إلى منتصف الطريق بعد، لكن ستصل يوماً ما نظراً إلى حاجة الطرفين إلى الالتقاء للخروج بأقل الخسائر مع الحفاظ على النهج المعلن لكلا البلدين. فإيران لا تريد تغيير نبرتها تجاه من تطلق عليها قوى الاستكبار والشيطان الأكبر، كما أن واشنطن لا تريد أن تتخلى عن اتهام إيران بأنها متمردة وداعمة للإرهاب.

ورغم الخطاب المتشنج من الطرفين، فإن الحوار سبق أن بدأ بينهما في بغداد تحت مسمى (بحث الوضع في العراق)، حيث استضافت بغداد أربعة اجتماعات معلنة، ما اعتبر أن هذه الاجتماعات بمثابة المكافأة لإيران والاعتراف بدورها في العراق. وتكررت هذه اللقاءات بين الطرفين بشأن أفغانستان، وهذا يؤكد أن الحوار الإيراني - الأمريكي لم ينقطع، مع احتمالية استمراره سراً، وهذا ليس بمستغرب على السياسة الأمريكية التي لا تعرف صداقات دائمة أو عداوات دائمة، بل مارست البراغماتية السياسية مع الثورة الإيرانية في بداية عهدها عندما تخلت عن الشاه، كما أن موقف واشنطن من صدام حسين مشابه لذلك، حيث أكد رئيس الأركان الأمريكي في ذلك الوقت كولن باول إثر غزو الكويت عام 1990 أن بلاده كانت ستسمح لصدام باحتلال الكويت إذا ما تأكدت أنه لن يتحول إلى قوة مهيمنة تهدد منابع النفط. وتوجد أمثلة أخرى، منها أن واشنطن رفضت التدخل ضد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس كرمان بك باكييف رئيس قرغيزستان في إبريل الماضي رغم أنها تمتلك القاعدة العسكرية الوحيدة في آسيا الصغرى، وقبلت بالنظام الانتقالي الذي وعد بإبقاء القاعدة الأمريكية.

ونخلص إلى أن واشنطن ليس لديها أي مانع في إبرام اتفاق سري مع طهران تقدم الأولى للثانية بموجبه تنازلات بمقابل، وهنا يكمن الخطر، حيث إن هذه التنازلات ستكون على حساب المصالح الاستراتيجية لدول الخليج، وبموجب ذلك ستسمح واشنطن لطهران بأن تكون قوة نووية سلمية في البداية، ثم بالتبعية قوة نووية عسكرية في ظل غياب التفتيش الدولي، وأن يكون لها نفوذ في المنطقة، على أن تؤمن طهران الانسحاب الأمريكي من العراق، وتحتفظ واشنطن بإمدادات النفط العراقية، وكذلك تساعد إيران أمريكا على التخلص من كمين أفغانستان وباكستان. ولن يمثل هذا السيناريو أي حرج للإدارة الأمريكية التي ستعتبر إيران النووية أمراً واقعاً، كما هو الحال بالنسبة إلى باكستان والهند، بل سيرفع ذلك الحرج عن أمريكا في ما يتعلق بالمطالبات المتكررة بنزع السلاح النووي الإسرائيلي. إذاً خيار المساومة هو السيناريو الأكثر ترجيحاً بين طهران وواشنطن، والخاسر في هذه المعادلة هو الطرف الخليجي، ورغم أن هذا الطرف يرفض استخدام القوة العسكرية ضد إيران، فإنه لا يقبل بوجود قنبلة ذرية إيرانية وإن كان يؤيد امتلاكها الطاقة النووية السلمية، لكن تصرفات إيران تثير الريبة لدى الجانب الخليجي، فرغم دعوة الدول الخليجية الدائمة إلى حل قضية الجزر الإماراتية بالطرق الدبلوماسية أو عبر التحكيم، إلا أن إيران ترفض كل هذه الخيارات، بل آثرت التصعيد بشكل صارخ مؤخراً رداً على تصريحات إماراتية تطالب بالجلاء عن الجزر، وتتخذ طهران مواقف انفعالية بشأن مسمى الخليج العربي الذي تصرّ على أنه (فارسي)، إضافة إلى ما أعلن مؤخراً عن تفكيك شبكة تجسس إيرانية في الكويت، وما سبق ذلك من تلميحات بشأن مملكة البحرين. كل ذلك يجعل دول الخليج تشكك في نوايا إيران رغم قناعة هذه الدول بحتمية التعايش الدائم على ضفتي الخليج، وأن عوامل التاريخ والجغرافيا والدين تحتم التعايش، إلا أنه يجب على طهران أن تبدي نفس هذه المشاعر، بل تصوغها في سياسات دائمة تجاه جيرانها العرب.

لكن ماالمطلوب إذن من جميع الأطراف؟ المطلوب هو الوضوح وعدم إجراء أي ترتيبات أو صفقات في الخفاء، وأن تكون كافة الدول المعنية على طاولة واحدة عند اتخاذ أي قرارات مصيرية حول مستقبل المنطقة، وأن يحدد مصير منطقة الخليج أبناؤها، وألا يفوز طرف بمزايا على حساب الآخر، فأي ترتيبات أحادية تفرضها قوى خارجية ستكون مصدراً للنزاعات والتوتر، وينبغي على واشنطن أن تدرك خطورة تقديم أي تنازلات لطرف على حساب آخر، حتى لا تتكرر أخطاء اتفاقية سايكس - بيكو في المنطقة، وعلى دول مجلس التعاون أن تتمسك بحقوقها وبضمان العيش في منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وعلى إيران أن تتنبه إلى حقيقة أن سياسة حسن الجوار تتطلب ترجمة النوايا الحسنة إلى أفعال تسبق الأقوال. فهل تصدق نوايا الجميع من أجل سلامة منطقة الخليج؟

مقالات لنفس الكاتب