; logged out
الرئيسية / الحوارات الرئيسية في مجال الاقتصاد السياسي الجديد

الحوارات الرئيسية في مجال الاقتصاد السياسي الجديد

الإثنين، 01 آذار/مارس 2010

المؤلف: أنتوني باين

الناشر: أكسفورد – روتليدج - 2006

إعداد: كليدا مولاج

باحثة في مركز الخليج للأبحاث

 يضم كتاب (الحوارات الرئيسية في مجال الاقتصاد السياسي الجديد) مجموعة من ثماني أوراق تناقش وتحتفي بالذكرى العاشرة لصدور مجلة الاقتصاد السياسي الجديد(New Political Economy) ، التي تتناول أربعة مجالات رئيسية في الاقتصاد السياسي، هي على وجه التحديد: الاقتصاد السياسي المقارن، والاقتصاد السياسي للبيئة، والاقتصاد السياسي للتنمية، والاقتصاد السياسي الدولي. ويتضمن الكتاب مناقشة لهذه الموضوعات ويضعها في سياقها الفكري والسياسي الواسع الذي أدى إلى ظهورها في البدء، كما يطرح بعض المؤشرات للتوجه المستقبلي في دراسة الاقتصاد السياسي. وتتضمن الموضوعات التي وردت في الكتاب كذلك، نماذج الرأسمالية والعولمة والبيئة والتحول التقاني وقضايا (الجنوسة) (Gender) والحدود الجغرافية والفضاءات والسيادة والنزعة الإقليمية والإقليمية المتعددة وسياسات التنمية.

ويركز هذا الكتاب على إطلاع القارئ على أحدث الحوارات المعاصرة في مجال الاقتصاد السياسي.

الورقة الأولى في هذا الكتاب أعدها أنتوني باينوعنوانها (أصول علم الاقتصاد السياسي الجديد)، وهي تعرض المساهمات الرئيسية التي تم طرحها في مجلة (الاقتصاد السياسي الجديد) التي صدر العدد الأول منها في عام 1996. وكان الهدف منها هو إنشاء منتدى عملي يحاول تحقيق التقارب بين الجانبين المنفصلين، التطبيقي والمفاهيمي اللذين اتسم بهما علم الاقتصاد السياسي في الماضي. ويقول الكاتب إن مجلة الاقتصاد السياسي الجديد تشجع المناقشات وتبادل الأفكار والخبرات عبر الحدود التي ظلت ثابتة وجامدة في الماضي على نحو غير ضروري. ويقدم أنتوني باين تقييماً للحوارات الفكرية الرئيسية التي انشغلت بها مجلة (الاقتصاد السياسي الجديد) خلال السنوات العشر الماضية.

وفي ورقةبعنوان(نماذج الرأسمالية)، ينطلق كولن كراوش من اثنين من الحوارات التأسيسية في مجال الاقتصاد السياسي الجديد، وهي تلك التي تتناول موضوعي (نماذج الرأسمالية)، و(العولمة). ويعرض كراوش الموضوع الأول، ويتوصل إلى أن الأدبيات الغزيرة التي طرحها منظرو مدرسة المؤسسية الجديدة حول التنوع الرأسمالي، حققت إنجازات كثيرة لاسم هذه المدرسة، وخصوصاً التوازن الذي وفرته مقابل الآراء والحجج المبسطة التي تتوقع الاندماج بين أقوى الاقتصادات السياسية الوطنية على نطاق العالم. إن أطروحات دعاة مدرسة المؤسسية الجديدة حول التنوع وفرت الحجج النظرية وبعض الأدلة التطبيقية التي توحي لنا بأن هذه الأطروحات هي تبسيط زائد على الحد لهذه القضية. غير أن كراوش يرى أن هناك حاجة إلى إعادة صياغة العموميات التي تراها مدرسة المؤسسية المعاصرة مُسلمات مفروغاً منها، وهو يرى ضرورة استكشاف عناصرها إذا أردنا حقاً دراسة تنوع المؤسسات الاقتصادية بمزيد من المنهجية العلمية. كما ينتقد الكاتب هذه الأدبيات لتبنيها نمطاً تصنيفياً يسعى إلى الانعزال في إطار نظري منفرد يجب أن يُسنَد إليه كل نموذج منفرد من نماذج الرأسمالية. ويطالب الكاتب بشدة باستبدال هذا الإطار بمقاربة تحليلية جديدة تتوقع عودة (الرأسمالية المتحدة من جديد)، وتبحث مدى إمكان العثور على آثار لكل سلسلة من نماذج الرأسمالية ضمن أي حالة معينة.

أما ورقة مارك روبرت التي اختار لها عنوان (تأملات حول بعض الدروس المستفادة من عقد كامل من دراسات العولمة)، ففيها يرى أن العولمة مشروع سياسي في الأصل يرتبط عضوياً بالتفاعلات التاريخية لعملية التطور الاجتماعي الرأسمالي. ويفضل الكاتب الحديث عن الرأسمالية المتعولمة بدلاً من التعامل مع العولمة بوصفها ظاهرة فريدة. ولكل ذلك، يقر الكاتب بالمرونة التي تتسم بها صيغ نظريات السياسة المبنية على فكرة الدولة ومساهمتها في إعادة إنتاج الأطر الجوهرية للرأسمالية المتعولمة، مع الإقرار، على وجه الخصوص، بالصلة والأهمية الجديدة للآراء السابقة حول قوة الامبريالية ونفوذها. ويظل الكاتب ملتزماً بنظرية نقدية للسياسة العالمية، تركز على العلاقات الاجتماعية التاريخية التي تُمكّن الشعوب من إنتاج، ثم إعادة إنتاج نفسها وحياتها الاجتماعية. ويختتم الكاتب ورقته بالقول إن مُنظري العولمة سوف يسعون، خلال العقد المقبل، إلى تطوير مصطلحات مفاهيمية تُعِينُ على فهم وتحقيق سياسة للتضامن في خضم عالَم مكوَّن من القوة الامبريالية والرأسمالية المتعولمة، والذي يُعَد على الرغم من ذلك عالَماً من التعددية.

وفي مقالةبعنوان (الاقتصاد السياسي البيئي: التحولات التقنية والدولية)، يشير جيمس ميداوكروفتإلى الكيفية التي جعلت المخاوفَ البيئية تُستوعَب وتُستدمَج بصورة متزايدة ضمن مناهج الإدارة الروتينية في الدول والمؤسسات، وذلك على الرغم من استمرار تزايد العبء الكُلي الذي يضعه البشر على عاتق المحيط البيئي. ويبرهن الكاتب على غزارة القضايا الكثيرة التي تدخل الآن ضمن الاقتصاد السياسي البيئي، ويبحث الرُؤى النظرية ذات الصلة، مثل (التحديث الإيكولوجي) ومعالجة القضايا العامة، وذلك قبل الانتقال إلى معالجة تفصيلية للقضية المهمّة ضمن الاقتصاد السياسي البيئي، ألا وهي محاولة الإجابة عن التساؤل المتعلق بما إذا كان من الممكن أن نسعى إلى توجيه التحولات الاجتماعية  التقنية لتصب في المسارات المرغوبة لدينا. ويخلُص الكاتب إلى أن هذا النمط من (معالجة التحولات)، الذي قد لا يخلو من صعوبات عديدة يُقِر الكاتب نفسه بها، فإنه مع ذلك يقودنا في الاتجاه الصحيح، وذلك لأسباب ليس أقلها أنه يرتبط بوضوح بالتطورات التقانية المستقبلية، ويُسنِد دوراً فاعلاً للدول في أي محاولة جادة للوصول إلى اتفاق حول الضغوط البيئية. وفي الواقع، فإن الصراعات السياسية التي قد تقع خلال العقود المقبلة حول التطورات التقانية المستقبلية التي يتطلع إليها أيُّ مجتمع، سوف تصبح أكثر حدةً على الأرجح. إن الهدف هنا هو التوصُّل إلى فهم أعمق لعمليات التحول في الوقت الذي تسعى المجتمعات إلى تحسين أدائها البيئي، وتحقيق التطلعات الاجتماعية الأخرى في الوقت نفسه.

وتعالج ورقة سبايك المعنونة (أهمية دلالة مصطلح (النوع) في الاقتصاد السياسي)، مدى استمرارية التدخلات النسوية (المتشابكة والمتواصلة) في مجال الاقتصاد السياسي، التي تكشف لنا كيف تتنوع هذه التدخلات ما بين مجرد (إضافة المرأة) إلى النظرية التحليلية التي تتبناها المؤلفة، حيث يُفهَم النوع بأنه يمثل الرمز السائد الذي يؤطر ليس نمط تفكيرنا فقط، وإنما يحدد لنا أيضاً ما نفترض أننا نعلمه ونلِمُّ به في هذا الخصوص. وتقدم الكاتبة (إعادة صياغة) تتسِم بثراء كبير لجوانب كثيرة من مفهوم العولمة الذي طرحه الليبراليون الجدد، وذلك بأبعاده الإنتاجية والمستنسخة والافتراضية، التي تكشف عن تأثير الشيفرة الثقافية لعملية تأنيث المجتمعات، ومن ثَمَّ تدلُّ على الرؤى التي يمكن استنباطها من فكرة النوع الكاملة للاقتصاد السياسي. وتتناول الكاتبة قضية استغلال جميع أولئك اللائي تم الحط من هُوياتهن، وجهدهن العملي، وحياتهن لمجرد كونهن نساءً، ثم تمضي لتطرح مشروعاً مهماًً لإطار نظري يوضح مدى تقاطع تراتبية الانتماء العرقي والقبلي والنوع والطبقة، والأُمة في هذا الصدد. وبصفة عامة، ترى الكاتبة أن العمل النسوي لا يُعَد استطراداً ولا استكمالاً للأطروحات التقليدية لنظرية الاقتصاد السياسي، وإنما هو توجُّه ضروري لتطوير النظرية والجوانب التطبيقية لمفهوم الاقتصاد السياسي.

أما ورقة ساسكيا ساسن المعنونة (عندما تصبح الساحة الوطنية وطناً لما هو عالمي: الحدود القديمة للتخوم المستحدثة)، فهي تتأمل في بعض الموضوعات التي حوتها أعمالها السابقة عن الحدود الجغرافية والسلطة والحقوق وتعملُ على تطويرها. وتقول إن سيادة الدولة تُفهَم في معظم الحالات على أساس أنها احتكار للسلطة فوق رقعة جغرافية معينة. وقد أصبح واضحاً اليوم أن الحدود الوطنية قد تظلُّ مرسومة على خطوط الحدود الجغرافية القديمة نفسِها ، غير أن أنماطاً مستحدثة من التخوم الناجمة عن العولمة، أضحت تبدو حاضرة ومرئية بصورة متزايدة داخل الحدود الوطنية. وتظل السيادة بوصفها ملكاً ثابتاً، غير أن قدرتها الكامنة على إضفاء الشرعية واستيعاب كل عناصر القوة التي تضفي هذه الشرعية، أصبحت غير مستقرة. إن التفاعلات السياسية المرتبطة بأنماط السيادة المعاصرة تُعَد أكثر تطوراً وتعقيداً إلى الحد الذي قد لا تستوعبه الأفكار التي تتحدث عن حدود وطنية حصرية. وتصوغ الكاتبة أفكارَها وآراءها حول القول إننا نعايش التكوُّن الابتدائي لنمط من القدرة المتاخمة والممارسة من طرف الدولة في ما يتعلق بحدودها التي تقتضي على الأقل ما وصفته الكاتبة بأنه (إلغاء جزئي للسمة الوطنية التي ارتبطت بما درجنا تاريخياً على تصويره بأنه وطني). وترى الكاتبة أن التفاعلات العالمية تحدُث بصورة متكررة على المستوى دون الوطني، وبذلك فهي تُعقّد وتعمل في نهاية المطاف على تقويض التحليلات التقليدية التي تُصرُّ على النزعة الحصرية المتبادلة التي تفصل بين ما هو وطني، وما هو عولميٌّ أو عالميٌّ.

وتسعى ورقة بيون هيتني التي اختار لها عنوان (ما بعد الإقليمية الجديدة)، لتجاوز الادعاءات والآراء الواردة ضمن أدبيات (الإقليمية الجديدة) في مجال الاقتصاد السياسي، وذلك بالتركيز على جوانب الاستمرارية في هذا الصدد، مثل التغيُّرات التي تطرأ على الدور المتواصل للبعد الإقليمي في التحولات العالمية. وعلى وجه الخصوص، يرى الكاتب أن الإقليمية قد تعمل في الواقع على صياغة النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه تتكشَّف، ثم يرسم تمييزاً رائعاً بين انعكاسات الإقليمية، التي يراها في الصراع الراهن بين نموذجَي نظامين عالميين متناقضين، يجسدُّهما كل من الولايات المتحدة (على الأقل في عهد رئاسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش) من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. ووفقاً لرؤية الكاتب، فإن النموذج الأول يطرح تصوُّراً لنظام عالمي قوامُه استحضار أطروحات فترة معاهدة (ويستفاليا)، ويستند إلى توحيد جهود مجموعة عالمية من القوى الإقليمية، بينما النموذجُ الأخير هو نظام عالمي يشبه مرحلة ما بعد معاهدة (ويستفاليا)، ويستند إلى مفهوم وممارسات الإقليمية المتعددة.

ثم يعرض أدريان ليفتويتش في ورقته المعنونة (سيطرة السياسة: دراسات التنمية وإعادة اكتشاف العلوم الاجتماعية)، التاريخَ الحديث لدراسة التنمية في إطار الاقتصاد السياسي. ويرى الكاتب أن إعلان انتهاء علم دراسات التنمية جاء قبل الأوان، إذ يقول (إذا كانت دراسات التنمية قد انتهت، فإن العلوم الاجتماعية أيضاً تُعَد منتهية). ويوضِّح الكاتب كيف عادت تحليلات التنمية ببطء، لكن بصورة منتظمة، إلى التقاليد التي وضعها كبار علماء الاجتماع في المرحلة الأولى، حين افترضوا تلقائياً أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ظلت تتفاعل بمرور الوقت. علاوة على ذلك، لا يمكن فهم هذه المؤسسات جيداً إلاّ من حيث كونها قد بادرت إلى تأسيس عملية التفاعل هذه. ويحتفي الكاتب بعودة السياسة والاقتصاد السياسي إلى (السيطرة) من جديد، مع إقراره بأن فهم الأفكار والمصالح والممارسات السياسية التي تمثل المؤسسات يتطلب قبولاً للجانبين الثقافي والإيديولوجي. ويوضح الكاتب، باختصار، كيف أن دراسة التنمية التي تُفهَم بوصفها عمليةً تحدُث في كافة المجتمعات بكل صنوفها، يمكن أن تحتل مكانتها في لبِّ العمل المستقبلي الذي سيجري في مجال الاقتصاد السياسي. ويختتم الكاتب مقالته بإبراز الحاجة إلى إجراء تحليلات متعمقة لكل حالة بمفردها، بالإضافة إلى الحاجة إلى طرح مقارَبة للعلوم الاجتماعية تكون ذات قاعدة واسعة، وعلى اطّلاع تام على كل مجريات التاريخ. وهنا يسود الفهم بأن سياسة التنمية هي أيضاً تنمية السياسة. ولكل هذه الأسباب، ينبغي أن تتضح الدواعي التي جعلت السياسة تعود لتتبوأ موقع الصدارة من جديد.

                                                                                          

 

مقالات لنفس الكاتب