array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 92

التطور النووي في الخليج: هل هو ضرورة استراتيجية أم اقتصادية؟ (1-2)

الثلاثاء، 01 أيار 2012

أعلن الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية في ديسمبر 2006عن اتجاه الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي لتأسيس برنامج مشترك للأبحاث النووية. وفاجأ الإعلان العديد من المراقبين للساحة السياسية في الخليج لأنه طالما امتنعت دول مجلس التعاون الخليجي منذ زمنٍ طويل عن قبول أي نوع من أنواع النشاطات النووية لاسيما أنّها تنتمي إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية((NPT، ومعظم دول المجلس إن لم تكن كلها كانت قد وقعت على اتفاقيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحماية، وانضمت إلى البروتوكول المتعلّق بالكميات النووية الصغيرة (SQP) والذي يجيز للدول الأعضاء امتلاك كمية محدودة جداً من بعض المواد المشعّة.

كانت دول الخليج تخلّت بإرادتها خلال العقود الأخيرة الماضية عن خيار الأسلحة النووية، وأظهرت ميلها إلى خيار (عدم التسلح النووي)، وذهبت إلى أقصى مدى بتبني خيار (الصفر النووي) الذي يعني انعدام أي نشاطات نووية في الدولة سلمية كانت أو عسكرية، وأعربت عن رغبتها في الامتناع عن استخدام الطاقة النووية خارج الاستخدامات الطبية أو الصناعية وبحدود معلومة.

لذا، كان القرار المهم الذي صدر في ديسمبر من عام 2006يدلّ على مدى استعداد دول المجلس لإعادة النظر في سياستها التقليدية واتباع المسار النووي. وكجزء من قرار قيادة المجلس، تولّت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي ومقرها الرياض، إجراء دراسات الجدوى بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل استكشاف احتمالات تأسيس برنامج مشترك للبحث تحت إشراف الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه، لجأت بعض دول المجلس إلى خيارِ ثانِ يتمتع باستقلالية أكبر. فعلى الرغم من أنها تساهم في مبادرة مجلس التعاون الخليجي المشتركة فإن كلاً من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت ودولة قطر قررت إجراء مفاوضات ثنائية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف تأسيس برامج نووية مدنية مستقلّة خاصة بها.

برنامج الأبحاث النووية المشترك لمجلس التعاون الخليجي

أدّت عوامل عدة إلى اتخاذ مجلس التعاون الخليجي قراره بإجراء برنامج مشترك للأبحاث النووية، وكان العامل الجيو-استراتيجي هو الأهم من بينها. كما يمكننا تحديد ثلاثة أسباب رئيسية ساهمت في اتخاذ مجلس التعاون الخليجي قراره المشار إليه.

إنّ العامل الأكثر إثارة لمجلس التعاون الخليجي والذي دفع به لاتخاذ قراره المذكور تمثّل في القلق تجاه طبيعة البرنامج النووي الإيراني المطرد النمو والاتساع، والمتّسم بعدم الشفافية والغموض والتضليل. وتُشير بعض الأدلة إلى أن قيادة مجلس التعاون الخليجي مقتنعة بأن الهدف الحقيقي الكامن وراء البرنامج النووي الإيراني يهدف في نهاية المطاف إلى إنتاج القنبلة النووية. لذا صرّح وليّ العهد في مملكة البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة خلال مقابلة مع مراسلي الصحيفتَين البريطانيّتَين (ذا تايمز وديلي تيليغراف) والتي نشرت في تاريخ 2نوفمبر 2007باعتقاده بأن إيران تقوم بتطوير الأسلحة النووية أو قدرتها النووية العسكرية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها قائد من دول الخليج العربية علناً وبصراحة طهران بأنها تكذب في ما يتعلق ببرنامجها النووي الذي طالما أثار الجدل. وأوضح وليّ العهد (على الرغم من أنهم لا يملكون القنبلة بعد إلا أنهم يعملون على تطويرها أو يطوّرون القدرة لامتلاكها) محذّراً من زَجِّ (المنطقة بكاملها) في نزاع عسكري. لكن فيما بعد انتقد وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الصحيفتَيْن البريطانيتَيْن لتحريفهما تصريح ولي العهد البحريني المتعلق بإيران، وذلك من دون أن يفسّر أين أو كيف حصل هذا التحريف.

أما مصدر القلق الثاني، فسببه الدلالات الاستراتيجية الطويلة الأمد للتطورات الأمنية والاستراتيجية في العراق والمنطقة ككل، بحيث شكّل كل من العامين 2001و2003نقطة تحوّل في التطور الاستراتيجي لمنطقة الخليج على الصعيد الجيو-سياسي. فبعد أن ركّزت السياسة الأمريكية في المنطقة إثر أحداث 11سبتمبر في عام 2001على تغيير الأنظمة كانت إيران أكثر من استفاد من هذه السياسة، نتيجة لسقوط النظامين الأكثر عداء لها في المنطقة. أولاً عندما أطاحت العمليات العسكرية الأمريكية بنظام طالبان في أفغانستان في عام 2001ثم تلك التي أسقطت نظام صدام حسين في العراق في عام 2003مما غيّر الوضع الاستراتيجي الذي كان قائماً. كما أن انهيار الحكومة العراقية المركزية القوية والتي تميّزت بسيطرة السنّة العرب عليها، والاختفاء المفاجئ للمؤسسات العراقية العسكرية والأمنية، كل ذلك أدّى إلى فقدان دول مجلس التعاون للعراق الذي شكّل (حاجز دفاع طبيعياً) بوجه إيران. علاوة على أن الحكومة العراقية الحالية الموالية لإيران والاحتمال المتزايد لقيام دويلة شيعية منفصلة موالية لإيران في جنوب العراق الغني بالنفط، جعلا دول المجلس يعتريها القلق من أن يقوم الكيان السياسي المستحدث الموالي لإيران بتقاسم الحدود البرية والبحرية معها. كما أن هذا التحالف الإيراني -العراقي المحتمل يهدّد أمن دول المجلس واستقرارها، ويضع بلداناً مثل المملكة العربية السعودية والكويت في مقدمة الدول المهدّدة.

إضافة إلى ذلك، أن دول مجلس التعاون الخليجي قلقة حيال مواقف إيران الخارجيّة العدوانية والمتمثلة في سيّاستها التدخلية في الشؤون الداخلية وخاصة في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية. لاسيما أن مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي تتعاظم جراء تأثير التدخل وحجم النفوذ الإيراني في عراق ما بعد صدام، حيث احتجّت دول الخليج العربية على تدخل إيران في الشؤون العراقية الداخلية وانتقدته تكراراً .

وما تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الصادر في سبتمبر من عام 2005بأن الولايات المتحدة (تسلّم البلد بكامله (أي العراق) إلى إيران من دون سبب)، إلا تعبير ينم عن مدى القلق الإقليمي القوي والدائم من طموحات إيران لفرض الهيمنة والسيطرة على منطقة الخليج.

وتثير نوايا إيران التوسعية ونزعة الهيمنة وقدراتها الماثلة في التدخل بشؤون الدول الأخرى الشكوك حول مصداقية ادعاءات القيادات الإيرانية حول حرصها على ضمان الاستقرار والحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة. لذلك، تتساءل دول المجلس:كيف سيتصرّف النظام القائم في طهران في حال تملّكه قدرات نووية، طالما تنتهج إيران حالياً ومن دون سلاح نووي سياسة خارجيّة تتسم بنزعه التدخل والعمل على تأسيس النفوذ في الدول الأخرى؟

لقد عبّر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبات عدة عن (قلقه حيال التهديد الذي يمثّله البرنامج النووي الإيراني وقدرته على جعل المنطقة تفقد استقرارها).

كما أن هناك مسألة أخرى تثير القلق العميق وهي التوسع المطرد في (الفجوة التكنولوجية النووية)، وذاك الشعور بأن دول الخليج وأقطار العالم العربي بصفة عامة أمست متأخرة جداً في مجال المعرفة الفنية النووية، حيث تشعر كل من القيادات والنخبة المثقفة في العالم العربي بخيبة أمل كبيرة وقلق في ما يتعلق بحقيقة اتّساع الفجوة التكنولوجية النووية القائمة فيما بين العرب من جهة وبقية دول العالم من جهةٍ ثانية، وعلى وجه الخصوص بين العرب ومنافسيهم الإقليميين مثل إسرائيل وإيران. فقرار العرب التخلي عن الخيار النووي السلمي أو العسكري خلال العقود الزمنية الماضية، واستمرار الأطراف غير العربية في منطقة الشرق الأوسط بتبني وتطوير الخيار النووي قد شكلا فجوة خطيرة في مستوى المعرفة في مجال علمي حيوي كمجال الطاقة النووية.

لذلك بدلاً من انتظار اتساع الفجوة أكثر فأكثر أو الاستمرار في الارتباك والحيرة والتساؤل إن كانت إيران ستتجاوز الهامش النووي السلمي المحدّد أم لا، قررت دول المجلس من خلال مبادرتها الإقليمية الجماعية والمقاربة الفعالة أن تردّ على التحدّيات التي تطرحها إيران وإسرائيل والتحديات الجيو- سياسية الإقليمية الأخرى فأعلنت عن نيتها تأسيس برنامج مشترك للأبحاث النووية. إن مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي ليست (إعلان حرب) على إيران أو على أية دولة أخرى، ولا تدلّ على أن دول المجلس ترغب في الدخول في سباق تسلح نووي في الخليج، بل ترغب دول المجلس في إيصال الرسالة التالية إلى إيران والمجتمع الدولي بأنها:

أولاً: تهدف هذه الدول إلى إظهار إمكانيّة تطوير برنامج نووي سلمي بالتعاون الدولي وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دون خرق للنظام القانوني الدولي.

ثانياً: يقصد قرار دول مجلس التعاون الخليجي، على الأقل من الناحية الرسمية، إظهار سياسة موحدة متماسكة تجاه خطر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. علاوة على ذلك، ترغب دول مجلس التعاون الخليجي في أن تبيّن أنها موحدة في آرائها المتعلقة بطموحات إيران النووية، وأنها لن تفسح المجال أمام جهود إيران لإحداث تنافر بين دول مجلس التعاون الخليجي. لقد عرضت إيران قبل سنوات عدة، كخطوة تكتيكية، مساعدتها لدول مجلس التعاون الخليجي من أجل إنشاء برنامج نووي للأغراض السلمية، مما استدعى الرد الصادر عن وزارة خارجية البحرين المشدد على أن (مسعى البحرين لاستخدام سلمي للطاقة النووية يشكّل جزءاً من التوجه الجماعي لدى مجلس التعاون الخليجي) والذي أضاف: أن أية دولة أو وكالة تظهر اهتماماً بتقديم أي نوع من أنواع المساعدة إلى البحرين في المجال النووي يتوجب عليها الاتصال بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الموجود في الرياض.

ثالثاً: تأمل دول المجلس، من خلال إعلانها عن خطة لتأسيس برنامجها النووي، بأن تبعث رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن دول الخليج لن تقف متفرّجة من دون أن تحرك ساكناً في حال فشل المجتمع الدولي، وقواه الرئيسية على وجه الخصوص، في منع البرنامج الإيراني المدني من التحول ليصبح برنامجاً عسكرياً يمكّن إيران من الحصول على القنبلة النووية. كما أشارت دول المجلس إلى أن احتمال أي إخفاق في وقف البرنامج الإيراني العسكري قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي لا يمكن السيطرة عليه، كما أنه قد يُضعف جدياً نظام حظر انتشار الأسلحة النووية. وتأمل هذه الدول بأن تتنبه كافة القوى العظمى بما فيها روسيا والصين لهذه الحقيقة، وأن تكثّف ضغوطها على إيران لتقبل القيود التي يفرضها المجتمع الدولي والمتعلقة بأنشطة التخصيب، إضافة إلى نشاطات أخرى مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني والتي من المحتمل أن تشكل خطراً.

رابعاً: ينم البرنامج المشترك للأبحاث النووية عن إشارة ذكية نحو إيران وهي أن دول المجلس تتمتع بخيارات مفتوحة ومتعددة لتطوير برنامج عسكري إن تبلورت الحاجة لذلك. وعلى الرغم من أنه حتى الآن لم تُعطِ دول المجلس أي إشارة توحي بتأسيس برنامج عسكري، لكن أي برنامج تطوير يضع أولاً الأسس لبرنامج مدني وفي مراحل لاحقة يضع الأسس لبرنامج عسكري. ومما لا شك فيه أن طهران تفهم هذه الآلية، لذا إن أرادت دول مجلس التعاون الخليجي الرد بتطوير برنامج نووي عسكري، ستفقد إيران بعض تفوقها الذي ترغب في الحفاظ عليه.

أخيراً، إن قرار مجلس التعاون بإنشاء برنامج مشترك للأبحاث النووية ليس دافعه هو أسباب عملية تهدف إلى تقاسم الأعباء المالية والإدارية للمشروع فحسب، إنما أيضاً لإيجاد قرارات مشتركة شفافة، حيث إن هناك برنامجاً مشتركاً للأبحاث النووية يسمح لكل دولة من الدول الأعضاء بإرشاد الأخرى، ويجنّب اختلال الثقة، واحتمال نشوء التوتّر الذي من الممكن أن يحصل لو أن كل دولة من دول الأعضاء اختارت تطوير برنامجها الخاص للأبحاث النووية.

أما الهدف الحالي لسياسات مجلس التعاون الخليجي فهو تعزيز دور المنظمة لتحقيق التكامل والاندماج التدريجي بين دولها، حيث إنه خلال العقود الأخيرة، تحسّن التعاون بين دول المجلس بشكل كبير. والدليل على ذلك أن عدداً من المشاريع المشتركة هي إما قيد التحضير أو سبق أن تم البدء بتنفيذها مثل اتفاقية التجارة الحرة بين دول المجلس والتعاون في المجال الجمركي والنقدي، والشبكة الكهربائية المشتركة الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي، ومشروع خطوط أنابيب الغاز المتعدد المراحل (ما بين دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان)، أو مشروع خط السكة الحديدية المقترح عبر الدول الخليجية.

لذا، فإن إعلان دول المجلس عن تأسيس برنامج مشترك للأبحاث النووية ليس سوى إعادة تأكيد على التزام هذه الدول باستمرار التعاون المتعدد الأطراف فيما بينها والذي يشمل كافة الصعد ومن ضمنها مجال تطوير الطاقة النووية. وحتى في حالة تطوير برامج نووية وطنية منفردة في بعض الدول فإن النية قائمة بتأسيس ترابط حيوي ووثيق بين البرنامج الخليجي والمشترك والبرامج الخليجية المنفردة.

عوامل عدة أدت إلى اتخاذ مجلس التعاون قراره بإجراء برنامج مشترك للأبحاث النووية
دول مجلس التعاون الخليجي قلقة حيال مواقف إيران الخارجيّة العدوانية
البرنامح النووي الخليجي برنامج سلمي وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية
مع تزايد سعر النفط يشكل بناء مصانع للطاقة النووية أمراً ذا جدوى اقتصادية حتى للدول النفطية

البرامج النووية المدنية الوطنية

على الرغم من أن السبب الجيو-استراتيجي شكّل الدافع الأقوى لتأسيس البرنامج المشترك للأبحاث النووية، إلا أن بعض الحوافز الخاصة دفعت بعض الدول الخليجية إلى التعبير عن رغباتها في تطوّر قدراتها الذاتية الوطنية نتيجة لظروفها الاقتصادية والأمنية كما هو واضح في النقاط التالية:

أ- منطق التنوع:

يتساءل بعض أهل الشك عن النية الحقيقية الكامنة وراء قرار دول الخليج الغنية بالنفط بتأسيس برنامج نووي مدني، معتبرين أن هذه النية قد تتعارض مع المبادئ الاقتصادية المنطقية، ذلك لأن هذه الدول تملك مخزوناً مجانياً من النفط ولا تحتاج إلى مصادر بديلة لتوليد الطاقة. وهي الاعتراضات نفسها التي أثيرت تجاه برنامج إيران النووي وقررت إيران تغافلها. كما يُشير بعض النقّاد إلى قضية أخرى وهي محدودية مادة اليورانيوم العالمية المطلوبة لتطوير البرامج النووية. وما يدعم هذا التوجه صدور تقرير عن مجموعة أكسفورد للأبحاث يشير إلى أنه (بعد حوالي ستين سنة سيتضاءل نظام الطاقة النووية العالمي من جراء الاستهلاك المطرد لمادة اليورانيوم)، وحينها لن تبقى للمنشآت النووية الجدوى ذاتها. لكن دول المجلس التي اختارت تأسيس برنامج مدني نووي وطني تحسب الأمور بشكل مختلف، فلا تحصر اعتباراتها بالناحية الاقتصادية فقط، إذ إن العيش في منطقة غير مستقرة إلى حدٍّ كبير ينعكس على مفهوم التهديد ويؤثر في آلية وحرية اتخاذ القرار. كما تعتبر الحكومات في هذه المنطقة أن الأمن هو العامل الرئيسي لاستقرارها السياسي وازدهارها الاقتصادي، لذا، تعتقد الدولة المعنية أن تأسيس البرنامج النووي الخاص يتبع منطق (التنوع)، ويؤمن لها المرونة اللازمة مستقبلاً. وتضاعف هذه الدول، من خلال اتباعها تطوير برنامج وطني مستقل، خياراتها المتعلقة بمصادر الطاقة، وتكسب نقطة تفوق لصالحها عبر تخفيف اعتمادها على مصدر وحيد للطاقة عن طريق حصولها على بديل دائم وهو الطاقة النووية التي تعتبر الجيل الجديد لإنتاج الطاقة. علاوة على ذلك، فإن هذه الدول ستتمكن من خفض مستوى استهلاك النفط المحلي و تصدير المزيد من النفط إلى الأسواق الدولية. كما أنه مع تزايد سعر النفط المطرد، يشكل بناء مصانع للطاقة النووية أمراً ذا جدوى اقتصادية حتى بالنسبة إلى الدول الغنية بالنفط.

ويحتوي خيار بعض دول مجلس التعاون الخليجي القيام بالتنوع في الطاقة واعتماد الطاقة النووية على جذور اقتصادية بامتياز، حيث تشهد البحرين والكويت وعُمان وبعض من الإمارات التي تشكل جزءاً من دولة الإمارات العربية المتحدة مثل إمارتَي دبي والشارقة انخفاضاً ملحوظاً في قدرتها على إنتاج النفط، مقابل توقع أن يتضاعف الطلب على المياه والكهرباء في الوقت عينه. فعند إيراد مثال دولة الإمارات العربية المتحدة، يتوقع بعض الخبراء أن يرتفع متوسط الطلب السنوي على المياه والكهرباء إلى 10 في المائة، وأن يرتفع الطلب السنوي في دبي ما بين 12 و14 في المائة بحلول عام 2010. لذلك وفي ظل انخفاض العائدات النفطية فإن خيار بناء مصانع للطاقة النووية مزدوجة الاستخدام لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر هو خيار منطقي وصائب من الناحية الاقتصادية.

ب- طريق مختصر للوصول إلى المصداقية:

يشير تأسيس برامج نووية وطنية إلى دلالات رمزية ومعنوية. فبعد أن استخدمت إيران هذه النقطة، ونجحت في تسويق برنامجها النووي أمام الرأي العام الإيراني بكونه رمزاً للتقدم الاقتصادي والإنجاز في مجال التطور العلمي، وقيامها بطبع الرمز النووي على عملتها واحتفالها بـ (اليوم التكنولوجي النووي) وتشديدها على إنجازاتها التكنولوجية التي أدت إلى أن يفتخر مواطنوها بها، الأمر الذي يعتبر وتراً حسّاساً لدى الشعب الإيراني، أخذ يسود شعور لدى الشعوب في منطقة الخليج بأن الغرب يتعمّد محاولة إنكار حق نفاذ الدول العربية إلى التكنولوجيا الحديثة. ويأتي في هذا السياق خيار بعض الحكومات لتطوير المسار النووي ليخدم كـ (طريق مختصر للوصول إلى المصداقية) السياسية، حيث إنه من شأن استخدام الطاقة النووية أن يُظهر قدرة الحكومات على مواجهة التحديات الاقتصادية ومواكبة التطورات الأمنية، كما أنه يمكّنها من تقديم نفسها كحكومات متطورة توفّر الحلول (الحديثة) وبمقدورها سدّ الثغرة التكنولوجية بين الغرب وإسرائيل وإيران من جهة والدول العربية من جهة ثانية.

ج- حماية البيئة:

لقد أشار بعض المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أسباب بيئية دفعتهم إلى خيار تأسيس البرنامج النووي لاسيما بعد تصاعد المستوى المتزايد لانبعاث غاز الكربون ومصادر التلوث البيئي الأخرى، حيث يمكننا افتراض أن المبادئ البيئية ومكافحة التدمير البيئي هي دوافع حقيقية لصناع القرار مع تزايد الوعي والإدراك والقلق الشعبي، إلى جانب تصاعد القلق الرسمي من مسألة حماية البيئة وضرورة مكافحة التلوّث، لكن حتى الآن لا يشكل القلق على البيئة جزءاً رئيسياً من حجج مؤيدي الخيار النووي إنما يشكّل دليلاً إضافياً يوسّع القاعدة الشعبية المحلية المؤيدة لهذا المشروع، وأن يُقدّم إشارة إيجابية إلى المجتمع الدولي المهتم بشؤون البيئة. وخاصة مع التأكيد على حقيقة أن الجيل الجديد من المفاعلات النووية يتميز بمستوى عال من السلامة والأمان البيئي.

 

 

مجلة آراء حول الخليج