array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

اتفاقيات التجارة الحرة.. جوانبها المتعددة وتأثيراتها الاقتصادية

الخميس، 01 كانون1/ديسمبر 2005

ظهرت اتفاقيات التجارة الحرة كصورة من صور التكامل في الاقتصاد العالمي وإحدى وسائل القرن الحالي في التعاون بين الدول، وذلك بعدما كانت الاتفاقيات التقليدية والفردية هي السائدة في التعاملات الاقتصادية الدولية. وحلت اتفاقيات التجارة الحرة محل الاتفاقيات التقليدية بعدما ظهر التوجه العالمي نحو تحرير التجارة وفتح الأسواق العالمية وإنشاء التكتلات الدولية والإقليمية واعتماد الصورة الجماعية أو الكيانات الكبرى في التعاملات التجارية.

ماهية اتفاقيات التجارة الحرة

تعرف اتفاقية التجارة الحرة بأنها صورة من صور التكتل بين دولتين أو أكثر، وتهدف إلى تحرير التجارة بينها من خلال إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة في السلع والخدمات وذلك لزيادة حجم التبادل التجاري ورفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الموقعة على مثل هذه الاتفاقيات في العديد من المجالات.

واتفاقيات التجارة الحرة هي اتفاقيات شاملة وعالية المستوى، تتناول قضايا مهمة مثل الشفافية في تداول المعلومات والبيانات التجارية وسيادة القانون ومحاربة الفساد وحماية الملكية الفكرية، كما تدعم تلك الاتفاقيات مجهودات الإصلاح الاقتصادي، وهي أيضاً تمثل المحطة النهائية في سلسلة من الخطوات على طريق فتح أسواق الدول المعنية. منطقة الشرق الأوسط تضم حوالي 350 مليون شخص و تقييم علاقات تجارية مع الولايات المتحدة بقيمة تزيد على 70 مليار دولار.

ولم يكن هذا النوع من الاتفاقيات هو الوحيد الذي تم التوصل إليه مع دول الشرق الأوسط، فقد عقدت الولايات المتحدة أيضاً اتفاقيات ثنائية للتجارة والاستثمار مع كل من تونس، قطر، الجزائر، الكويت، المملكة العربية السعودية، اليمن، ودولة الإمارات العربية المتحدة. هذه الاتفاقيات غالباً ما تكون خطوة أولى نحو التفاوض حول اتفاقيات التجارة الحرة، كما أنها في صورتها الحالية توفر آليات لمعالجة أي قضايا تجارية ثنائية بين الدولتين.

 ويصف البعض اتفاقية التجارة الحرة بأنها المدخل التجاري للتكامل الاقتصادي الذي يعبر بدوره عن مصالح واضحة وفورية لكافة الأطراف، ويمكن النظر إليها على أنها نقطة البداية لتحريك المدخل الإنتاجي للتكامل الذي يرتكز على إقامة سوق كبيرة من أجل الاستفادة من المزايا المباشرة وغير المباشرة المتوافرة في هذه السوق في ظل آليات السوق الحرة، وباعتبار أن زيادة التجارة تعني في النهاية زيادة الإنتاج.

 واتجهت أغلب الدول في العصر الحالي إلى توقيع اتفاقيات تجارة حرة بهدف بناء تكتلات تستطيع التعايش من خلالها مع التغيرات الاقتصادية العالمية والاتجاه العالمي نحو التحالفات التجارية وبناء شراكات تجارية تهدف إلى مواجهة تحالفات أخرى وتعزيز التعاون وتوسيع مجالاته بين دولتين أو مجموعة من الدول

هل اتفاقيات التجارة الحرة وسيلة أم غاية في حد ذاتها؟

ترجع أهمية اتفاقيات التجارة الحرة إلى أنها تستجيب للمتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة التي تهدف إلى زيادة درجة المنافسة بين الأسواق وتكريس مبادئ الاقتصادات المفتوحة والتكتلات الاقتصادية بعد أن أصبح من المسلَّم به أنه لا تستطيع دول بمفردها مهما بلغت قوتها أن تعيش بمعزل عما يجري من أحداث وتغيرات دولية متلاحقة جعلت إقامة التكتلات والتحالفات أهم سياسات القرن الحالي سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، وتزداد أهمية تكتل الدول في عالم تسود فيه التكتلات الكبرى والاندماجات.

وأوضحت الدراسات الاقتصادية أن هذه الاتفاقيات ترتبت عليها زيادة ملموسة في إنتاجية عناصر الإنتاج وحجم الاستثمار والتجارة البينية فضلاً عن تنوع النشاط الاقتصادي وزيادة معدل نمو الدخل القومي، وأن لها أثراً إيجابياً أيضاً في حجم التجارة وفي الرفاهية.

أوجه التجارة الحرة

وهناك أشكال متعددة لاتفاقيات التجارة الحرة فمنها ما يكون بين دولتين وقد يكون بين مجموعة من الدول، ومنها نوع آخر هو بين تكتل إقليمي وتكتل إقليمي آخر، وتعتبر اتفاقية التجارة الحرة إحدى وسائل العلاقات الاقتصادية الدولية وتطويرها، وهي الخطوة الأولى نحو تكتلات أكبر مثل الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة وتختلف اتفاقية التجارة الحرة عن الاتحاد الجمركي، فاتفاقية التجارة الحرة، كما سبق تعريفها، تتوحد فيها المعاملة الجمركية بين الدول الأعضاء فقط، وتتم فيها إزالة الرسوم الجمركية على السلع وتحرير تجارة الخدمات فيما بينها، أما الاتحاد الجمركي فتتوحد فيه المعاملة للدول الأعضاء عند تعاملها مع الدول الأخرى غير الأعضاء، ويتم توحيد التشريعات والقوانين والأنظمة التجارية وممارسة سياسة واحدة تجاه العالم، كما تختلف كذلك اتفاقية التجارة الحرة عن المنطقة الحرة متعددة الأغراض (Free Zone) التي تقوم بوظائف التخزين والتصنيع والتجهيز والتصدير وإعادة التصدير وغيرها من الأنشطة التي تزيد الاستثمار والصادرات وتجلب التكنولوجيا المتقدمة، وعندما تأخذ المنطقة الحرة شكل إقامة مشروعات مشتركة متعددة الأغراض ويشترك في إقامتها دول عدة فإنها تسمى في هذه الحالة منطقة حرة إقليمية.

وهناك بعض اتفاقيات التجارة الحرة الأحادية التي تقتصر على نوع معين من السلع كالسلع الزراعية، بحيث يسري عليها الإعفاء أو التخفيض الجمركي دون غيرها من السلع والخدمات، وعادة ما يطلق عليها اتفاقيات تنمية وتيسير التبادل التجاري، وخير مثال على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الدول العربية في العام، 1981 والتي تضمنت التحرير الفوري والمباشر لتبادل المنتجات الزراعية والحيوانية.

ولتوقيع اتفاقية تجارة حرة لا بد من توافر عدد من المقومات والعناصر الضرورية لنجاحها، من أهمها حرية انتقال السلع والخدمات والملكية الفكرية وتحريرها من كافة القيود الجمركية والإجرائية وتنوع اقتصادات الدول الأعضاء، وذلك عن طريق بناء قدرات ذاتية تكنولوجية في إطار تصور إقليمي يقوم على اعتبار أن الإنتاج هو محرك التجارة، ومن بين المقومات أيضاً رفع المستوى الاقتصادي للدول الأقل تقدماً لمواجهة الضرر المترتب على تحرير التجارة العالمية وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات تصحيحية للاقتصاد، ومن المقومات أيضاً تحرير التنقل للأشخاص وتطوير البنية التحتية من موانئ ومطارات لتسهيل حركة السلع والخدمات وكذلك ترشيد العلاقات السياسية بين الدول الأعضاء، بحيث يكون القرار السياسي في مصلحة الاقتصاد وأن تكون التجارة البينية بعيدة عن الصراعات السياسية وتقلب أنظمة الحكم وأخيراً توافر شبكة معلومات إقليمية تجمع وتخزن لخدمة العملاء.

الفوائد المتوقعة من اتفاقيات التجارة الحرة

إن لاتفاقيات التجارة الحرة العديد من الفوائد التي تهدف الدول إلى الحصول عليها من خلال توقيع مثل هذه الاتفاقيات، ومن أهم هذه الفوائد إزالة الحواجز والموانع أمام التبادل التجاري بين أعضاء الاتفاقية على اعتبار أن تحرير التجارة سيحفز حالة من الرخاء الاقتصادي على الصعيدين الوطني والفردي للدول الأعضاء، ومن خلال دراسة بعض اتفاقيات التجارة الحرة اتضح أن حجم التجارة بين الدول التي وقعت على اتفاقيات تجارة حرة بينها تضاعف بمعدل كبير، كما تضاعف حجم الإنتاج، وأدى تخفيض أو إزالة التعرفة الجمركية التي كانت مفروضة من قبل الدول إلى تدفق السلع والخدمات وفتح الأسواق أمام الصادرات مما ساهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين موازين المدفوعات، ذلك أنّ التدفق التجاري سيؤدي إلى التركيز على جودة السعر والخدمة، ولا بد أن يعود ذلك بالفائدة على المستهلكين وذلك بوجود مجال أوسع للاختيار وأسعار أقل من خلال المنافسة المتزايدة.

وتعتبر اتفاقيات التجارة الحرة وسيلة للوصول إلى غايات أكبر وليست غاية في حد ذاتها وهذه الغايات أو الأهداف تتمثل في تكوين تكتلات أقوى، وما هي إلا خطوة أولى تتبعها خطوات أخرى للوصول إلى ما هو أشمل من مجرد اتفاقية وهي الاتحاد الجمركي أو السوق المشتركة كما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي أو الدول الأوروبية التي وصلت إلى مرحلة السوق المشتركة، وهذا هو الهدف والغاية النهائية لاتفاقيات التجارة الحرة. إذاً نصل إلى نتيجة نهائية وهي أن اتفاقيات التجارة الحرة ما هي إلا وسيلة وليست غاية فهل نرى في المستقبل سوقاً خليجية مشتركة أو سوقا عربية أو منطقة شرق أوسطية حرة؟

إن التجارة الحرة تعني خلق المزيد من فرص العمل التجاري، واستخدام أكثر كفاءة لمصادر الثروات الطبيعية.. لذلك فإن تحرير التجارة يجلب منافع كثيرة للاقتصاد والتي يجب أن توظف لأهداف التطوير الإقليمي، حيث يعد النمو الاقتصادي من خلال تحرير التجارة العامل الرئيسي في تحسين ظروف الحياة الاجتماعية بالإضافة للإسهام في التنمية المستديمة.

دول الخليج العربية واتفاقيات التجارة

أعلنت الإدارة الأمريكية عن رغبتها في تأسيس منطقة تجارة حرة خلال عشر سنوات، تسمح بإدخال دول الشرق الأوسط في دائرة الفرص المتنامية. ومنذ ذلك التاريخ انخرط الممثلون التجاريون للولايات المتحدة في مفاوضات مكثفة مع العديد من الدول العربية من أجل الوصول إلى اتفاقيات تجارية ثنائية معها. وكما تقول كاترين نوفلي – ممثلة تجارية في منطقة أوروبا والبحر المتوسط (تلك الاتفاقيات تغطي كل المنتجات، ويتم بمقتضاها التخلص من كل القيود باستثناء ما يتعلق منها بالتعرفة الجمركية).

وقد توصلت الولايات المتحدة الأمريكية وسلطنة عمان إلى اتفاق بشأن تطبيق (اتفاقيات التجارة الحرة) بين البلدين، وتهدف تلك الاتفاقيات إلى إزالة التعريفات الجمركية وغيرها من المعوقات التي تقف في وجه توسيع التجارة بين البلدين. بذلك تكون سلطنة عمان هي خامس دولة من دول الشرق الأوسط تقوم بإجراء مفاوضات حول اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عقدت الولايات المتحدة ذلك النوع من الاتفاقيات من قبل مع كل من إسرائيل، البحرين، الأردن، والمغرب، ودولة الإمارات العربية المتحدة في الموضوع نفسه. وقد وافق الكونجرس بالفعل على الاتفاقيات التي تم عقدها مع إسرائيل، الأردن، والمغرب، كما انضمت البحرين مؤخراً إلى هذه الاتفاقيات التي كانت بانتظار القرار النهائي للكونجرس في شأنها.

وقال مسؤولون أمريكيون إن المفاوضات بخصوص اتفاقية للتجارة الحرة مع الإمارات العربية المتحدة وعُمان التي بدأت يوم الثاني عشر من مارس تهدف إلى إلغاء التعرفة الجمركية والعوائق وتوسيع التجارة بين الولايات المتحدة والبلدين وقالوا إنها خطوة في سبيل تحقيق منطقة تجارة حرة إقليمية بحلول عام 2013.

وترى الإدارة الأمريكية أن الاتفاقيات مع البلدين سوف تشجع الدول الست، أعضاء مجلس التعاون الخليجي، على تبني فكرة فتح أسواق بشكل أكبر أمام التجارة والاستثمار الأمريكي، وفتح الأسواق العربية للشركات العملاقة الأمريكية والصادرات الأمريكية. كما أن اتفاقيات التجارة الحرة ستفيد الولايات المتحدة بطريقة مباشرة من خلال تقليل وإزالة العوائق أمام التجارة، فالاتفاقية الشاملة للتجارة الحرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة أو سلطنة عُمان من شأنها أن توجد فرصاً للتصدير لصالح الشركات الأمريكية والمزارعين وتجار الماشية الأمريكيين، كما ستساعد على إيجاد فرص عمل في الولايات المتحدة، إضافة إلى أنها ستساعد المستهلكين الأمريكيين على الادخار من خلال عرض خيارات أخرى عليهم.

إضافة إلى هذا، فاتفاقيات التجارة الحرة في الشرق الأوسط والخليج تُتمم توصية تقرير لجنة 11/9 التي تحث الولايات المتحدة على توسيع التجارة مع الشرق الأوسط كطريق (لتشجيع التنمية وإقامة مجتمعات أكثر انفتاحا).

كما جرت اتفاقيات تجارية بين دول متعددة مثل المملكة العربية السعودية وغيرها، تشمل السلع الرئيسية التي تقوم الولايات المتحدة بتصديرها إلى هذه البلدان: الآلات والطائرات والسيارات والأجهزة الكهربائية، بينما تشمل السلع الرئيسية التي تقوم الولايات المتحدة باستيرادها الوقود والمنسوجات.

سلبيات اتفاقيات التجارةالحرة مع أمريكا

من الواضح أن دعوة أمريكا ليست بالدعوة الاقتصادية البحتة، ولذلك لا بد من التروي العربي قبل توقيع هذه الاتفاقيات، وطرح التساؤلات عما إذا كانت ستؤدي إلى تقوية الاقتصادات العربية والأفراد أم لا؟

ومن أبرز الجوانب التي تدفع بالعالم العربي لإمعان النظر في ماهية هذه الاتفاقيات:

1- العمالة والتوظيف:

الولايات المتحدة تسعى إلى الدخول في الاتفاقيات من دون أي مشاركة شعبية أو نقابية، هذا فضلاً عن إبقاء المواطن العربي والنقابات العمالية والزراعية بعيدة عن الإطلاع على نصوص هذه الاتفاقيات، ناهيك عن المشاركة فيها على خلاف الشركات الأمريكية. فمثلاً اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب أو الأردن، علاوةً على اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين ثم أخيراً الاتفاقية الثلاثية بين إسرائيل وأمريكا ومصر، كلها تمت من دون حوار جدي في المؤسسات النقابية والشعبية العربية. كما أن بنود الاتفاقية تتعمد إهمال العمال وظروفهم. فعلى سبيل المثال تقوم الشركات الكبيرة بنقل المشروعات والوظائف من الدول التي تدفع مرتبات كبيرة إلى الدول التي تدفع مرتبات أقل. ويعرف هذا النمط من نقل الشركات والمصانع إلى الدول الأرخص باسم (السباق إلى القاع). وأكبر دليل على أن وظائف اتفاقيات التجارة الحرة لا تدوم أن معظم المصانع التي فتحت في مناطق (الماكيلادورا) في المكسيك، وهي تشبه مناطق (الكويز) المصرية - الإسرائيلية، تحت بنود (نافتا)، نقلت مصانعها إلى الصين والهند حيث العمالة أرخص، وبذلك عادت مشكلة البطالة إلى حالها. أما الأردن، فعلى الرغم من أن أمريكا تدعي أن أكثر من 35 ألف فرصة عمل توفرت داخل المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) في الأردن، فإن مراجعة اقتصادية لأوضاع الأردن صدرت عن البنك الدولي في سبتمبر 2004 قالت إن (النمو الاقتصادي الأخير لم يترجم إلى زيادة متساوية في توفير فرص العمل أو تقليل الفقر، فمعدلات البطالة لا تزال عند نسبة 15%).

وتنفرد اتفاقيات أمريكا مع العرب بشروط تجبرها على (التعامل) مع إسرائيل، وهو ما يجعل سابقة (الكويز) في الأردن ومصر سابقة خطيرة، إذ رسخ الاتفاق لدى أمريكا وإسرائيل أنه لا يمكن للعرب التعامل مع أمريكا إلا عن طريق تل أبيب.

2- المنتجات المحلية:

تؤثر هذه الاتفاقيات في المنتجات المحلية بشتى مجالاتها، فالتجارة الحرة قد تدمر الزراعة المحلية. إذ تسمح الاتفاقيات بدخول الشركات الزراعية الأمريكية العملاقة إلى الأسواق المحلية وبيع منتجاتها في تلك الأماكن خصوصاً مع قيام الدول العربية أو دول أخرى بإلغاء قوانينها الحمائية. ونظرة واحدة على أوضاع المزارعين والزراعة في العالم العربي توضح أن المنافسة من دون حماية الدولة قد تعني القضاء على قطاع الزراعة.

وتعطي الاتفاقيات امتيازات قانونية للشركات الأجنبية، تتخطى السلطة المحلية، كما تعطي حقوقاً كبيرة للشركات الأمريكية، وهو ما يحول امتيازاتها إلى حقوق وقوانين بشكل يهدد المستهلك العربي. إذ يمكن للشركات الأمريكية وفق بنود اتفاقيات التجارة الحرة مقاضاة الدول والحكومات مباشرة ومطالبتها بتعويضات إذا ما قامت الحكومة بتنفيذ قوانين محلية (قوانين الصحة العامة أو قوانين حماية البيئة المحلية) ترى فيها الشركة تهديداً لأرباحها.

كما تتضمن هذه الاتفاقيات خصخصة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة. وتحرص أمريكا أيضاً في اتفاقياتها على دفع الدول الأخرى إلى خصخصة خدمات أساسية مهمة كالطاقة والمياه والرعاية الصحية، وحتى البريد وخدمات الهاتف وشركات المراسلة والتوصيل والنقل، وهو ما يعني ارتفاع كلفة تلك الخدمات الضرورية والحيوية للمجتمع ككل.

وتعمل الاتفاقيات التجارية مع أمريكا على إجبار الدول العربية على عدم تفضيل الشركات المحلية القومية حتى في التوريدات الحكومية والمناقصات والعطاءات الرسمية، بمعنى أنه ستتمكن الشركات الأمريكية من التوريد المباشر ومن دون وسيط إلى الحكومات العربية. وفي ذلك ضربة قوية للموردين المحليين.

وتسمح الاتفاقيات الحرة للشركات الأمريكية بحماية (حقوق الملكية الفكرية)، خاصةً في الأبحاث والمنتجات العلمية. وقد تكون تلك المنتجات ضرورية لعلاج أمراض خطيرة كالإيدز. غير أن الاتفاقيات تمنع الشركات المحلية من إنتاج تلك الأدوية لفترة قد تزيد على 20 سنة، مما يجعل الشركات الأمريكية تتحكم بالأسعار، الأمر الذي يهدد صناعة قومية كصناعة الدواء وتمنع الأدوية من الوصول إلى الطبقات الفقيرة.

ومن الواضح أن واشنطن تحاول استخدام تلك الاتفاقيات لإجبار الدول الأخرى على استعمال الأغذية والمواد المعدلة وراثياً (أطعمة فرانكشتاين)، والتي يرفض كل أعضاء الاتحاد الأوروبي دخولها إلى أسواقهم لعدم ثبات صحتها وسلامتها للإنسان بشكل قاطع.

وتكرس الاتفاقيات التجارية هيمنة الدول الصناعية وخاصة أمريكا على الدول النامية الجنوبية. ويقول كثير من الاقتصاديين وجماعات التنمية العالمية إن الفترة العالمية التي شهدت تدفقاً من الاستثمار الأجنبي وحركة الشركات الكبيرة في الدول الصناعية إلى الدول النامية منذ منتصف الستينات وحتى أواخر التسعينات، ازداد فيها عدم المساواة على مستوى دولي. ويقول العديد من المنظمات مثل منظمة (غلوبال اكستشينج) (التبادل الدولي) إنه من دون إيقاف المضاربات في رأس المال في الدول النامية ومن دون مراقبة رأس المال الأجنبي، فإن العالم الثالث سيبقى مقيداً وخاضعاً للدول الصناعية الكبرى في الغرب وسيزداد الفقر وعدم المساواة.

اتفاقيات خليجية - أوروبية

أقيمت مفاوضات عديدة ما بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي نتج عنها توقيع اتفاقيات تجارية، وبدأت في أبو ظبي جولة جديدة من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي التي يجري التفاوض بشأنها منذ 17 عاماً، وعمل الجانبان بشكل مكثف بهدف إبرام اتفاقية تجارة حرة، وكانا قد وقعا اتفاقاً إطارياً عام 1988 غير أنهما فشلا في توقيع  اتفاقية تجارة حرة أطلقا المفاوضات بشأنها منذ 1990.

وأخيرا بدأت الجولة الـ21 من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي التي يتوقع أن تثمر عن نتائج متقدمة حول أغلب القضايا التي تم التفاوض بشأنها خلال السنوات الماضية.

ومن جانب آخر فقد نتج عن المفاوضات الثنائية البحرينية - الأوروبية إعلان وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس التعاون الخليجي عقب الاجتماع، أنه تم الاتفاق على توقيع اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين قبل نهاية 2005.

 واستجابت دول مجلس التعاون عام 2003 إلى أحد شروط الاتحاد الأوروبي بإطلاق  الاتحاد الجمركي، غير أن هذا الاتحاد يظل متعثراً. ويعتبر مجلس التعاون الخليجي خامس أكبر سوق لصادرات الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أهم شريك تجاري لدول المجلس الست مجتمعة.

إن الدعم السياسي الذي تلقاه المفاوضات من الجانبين الخليجي والأوروبي سيؤدي إلى تسجيل تقدم كبير بالإضافة إلى المكاسب والمنافع المتبادلة التي سوف تحققها الاتفاقية عند توقيعها، كما أن أغلب القضايا سيتم الانتهاء منها خلال هذه الجولة أو الجولة المقبلة، ذلك أن الاجتماع التفاوضي المقبل سيركز على قضايا تجارة الخدمات وتسوية المنازعات والملكية الفكرية والاستثمار وقواعد المنشأ التي لا تزال تخضع للمناقشة والتفاوض بين الطرفين. وتم الكشف عن أن دول مجلس التعاون تطالب الاتحاد الأوروبي بفتح بعض القطاعات التي يمكن لدول الخليج المنافسة فيها في السوق الأوروبية.

مجلة آراء حول الخليج