array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 97

اقتصاد اليمن ... واقع مأزوم وأفق سياسي

الأربعاء، 01 تموز/يوليو 2015

بعدما تبدى في الآفاق بعض التحسن في الساحة اليمنية في العامين الماضيين، وبدأ الحديث يدور عن دستور جديد وحوار وطني، انفجر الوضع مجدداً في نهاية العام الماضي، مع سيطرة مسلحة للحوثيين على العاصمة صنعاء ومراكز السلطة الحيوية، وما أعقب ذلك من تدخل عسكري خارجي لتحالف تقوده السعودية، ما تزال حدود دوره وتورطه في الداخل اليمني غير واضحة. وقد فاقمت هذه التطورات الأخيرة من التدهور الاقتصادي والإنساني الذي يلف اليمن منذ ثورته في 2011، وما صاحبها من عنف واقتتال مسلح، وهو التدهور الذي عكس وكشف بالأساس هشاشة اقتصاد يمن ما قبل الثورة في ظل عقود من حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
الحالة الإنسانية في ظل الأزمة
وتشير التقديرات إلى مأساوية الوضع الاقتصادي اليمني، والكارثة الإنسانية التي تحيط بالبلاد كنتيجة لأعوام من المعارك المسلحة أعقبت عقوداً من الفقر والتخلف الاقتصادي وسوء التوزيع. فوفقاً لتقرير الاحتياجات الإنسانية لليمن في 2015 "Humanitarian Needs Overview: Yemen" والصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 61 في المائة من الشعب اليمني، أي 15.9 مليون شخص، سيكونون في حاجة لمساعدة إنسانية من نوع ما في العام الحالي 2015م، وذلك ارتفاعاً من 14.7 مليون شخص في عام 2014م.

كما يُقدر أيضاً أن 10.6 مليون يمني هم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية، ويواجه 5 ملايين منهم تهديدات غذائية حادة، كما يعاني 850 ألف طفلاً يمني من سوء تغذية حاد. وبالإضافة لذلك أيضاً، فإن 13.4 مليون يمني يفتقرون لمصادر مياه شرب آمنة، في حين لا يملك 8.4 ملايين أي مصدر لرعاية صحية أولية، وتتراوح آخر تقديرات لمن هم تحت خط الفقر في اليمن في عام 2012، ما بين 38% (صندوق النقد العربي) و54.4% (UNDP) ومن المتوقع وفق خط سير الأوضاع المتدهورة في اليمن، أن تؤدى التطورات الأخيرة بطبيعة الحال إلى زيادة تلك المعدلات في العام الحالي 2015 نتيجة للاضطرابات والمعارك المسلحة الدائرة، والتي نتج عنها كذلك إلى الآن ترك 80 ألف يمني منازلهم في 2014 وحدها، وذلك في توقيت يبلغ فيه إجمالي اليمنيين المُبعدين عن منازلهم 584 ألفاً.
اقتصاد اليمن ما قبل الثورة
وكما أشرنا قبلاً، فإن المأساة الإنسانية التي يشهدها اليمن حالياً لم تنشأ بين ليلة وضحاها مع اندلاع الثورة ثم الاقتتال الداخلي أو التدخل العسكري الخارجي في البلاد، فحجم الانهيار الاقتصادي الذي يشهده اليمن حالياً ليس سوى انعكاسا للبنية المتأخرة والبدائية للاقتصاد اليمني طوال عقود، والتي تعكسها مؤشرات ما قبل الثورة، التي شهدت تدهوراً نتيجة للاضطراب في البلاد بعد ذلك.
فإذا نظرنا على سبيل المثال إلى نسبة من هم تحت خط الفقر إلى إجمالي السكان، ففي حين بلغت في 2012 بعد الثورة وفقاً لصندوق النقد العربي 38% كما أشرنا، فقد كانت وفقاً للمصدر ذاته 34.8% في عام 2005/2006 قبل الثورة بأعوام، مع ملاحظة أن تلك النسبة كانت 19.1% فقط في عام 1992، ووصلت في عام 1998 إلى 40.1%. وبالإضافة لذلك فقد شهد اليمن تدهوراً في توزيع الدخل في العقد الأخير قبل الثورة، حيث ارتفعت قيمة معامل جيني من 33.4% في عام 1998، إلى 37.7% في عام 2005/2006 (صندوق النقد العربي)؛ وفي العام 2005، كان نصيب الـ 10% الأكثر ثراءً في اليمن 30% من إجمالي الدخل في البلاد، بينما كان نصيب الـ 10% الأكثر فقراً 3.3% فقط من إجمالي الدخل، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي، وهو ما يعني المزيد من التشوهات وعدم المساواة في توزيع الدخل ما بين مواطني البلد. كما اندلعت الثورة في عام 2011، في ظل بطالة بلغت في العام نفسه 18%، ونسبة أمية 34.7% (صندوق النقد العربي)، في حين كان متوسط نسبتها في الشرق الأوسط 20% في عام 2010.
ويعاني هيكل الاقتصاد اليمني من ثقل قطاع النفط بالمقارنة بالقطاعات المتبقية، لكنه وعلى عكس بلدان الخليج النفطية الأخرى التي تعاني الأمر ذاته، لا يملك إنتاجاً كبيراً، أو احتياطات هامة تتيح له ترف الاعتماد على عائدات النفط وإهمال تنمية القطاعات الأخرى، وهو ما نتج عنه في نهاية المطاف اقتصاد متدهور، يقع ضمن تصنيف أقل بلدان العالم نمواً، بنصيب سنوي للفرد من الدخل القومي الإجمالي بلغ 1300 دولاراً فقط في عام 2010، وهو ما يضع اليمن بالكاد ضمن الشريحة الدنيا من بلدان الدخل المتوسط، حيث يتخطى الحد الأدنى لتلك الشريحة بهامش ضئيل يجعله أقرب إلى بلدان الدخل المنخفض.
ففي عام 2010 قبيل اندلاع الثورة، كان نصيب قطاع الاستخراجيات من الناتج المحلي الإجمالي اليمني الذي بلغ حينئذ 31.2 مليار دولاراً، 24.7% تقريباً، وهو ما يفوق نصيب قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة مجتمعين، حيث بلغا في العام نفسه 7.4% و10.9% على التوالي. وبلغت صادرات النفط في العام ذاته 2.7 مليار دولاراً، أي 35.5% من إجمالي الصادرات اليمنية في 2010، وكان إجمالي صادرات النفط والغاز والاستخراجيات مجتمعة 92% من إجمالي الصادرات في عام 2009؛ ويأتي ذلك بالرغم من تواضع الإنتاج اليمني من النفط بالمقارنة بالبلدان العربية المنتجة للنفط سواء في الخليج العربي أو خارجه، حيث بلغ الإنتاج 275 ألف برميل نفط يومياً فقط في 2010، وهو الإنتاج الذي ينخفض باستمرار منذ عام 2003 حين وصل للذروة وقتها بـ 448 ألف برميل يومياً (بيانات صندوق النقد العربي).
بالتالي وبشكل عام، فإن ثورة اليمن في 2011، قد اندلعت من البوابة ذاتها التي قادت إلى ثورات الربيع العربي جميعها، فمن فقر وبطالة إلى أمية وسوء توزيع للدخل واختلالات هيكلية، مروراً بسيطرة للفساد والنزعات القبلية على حساب الكفاءة والمساواة، ففي عام 2010 حقق اليمن مراكز من الأسوأ عالمياً في أغلب مؤشرات الحكم الرشيد، حيث كان الـ 146 عالمياً من 178 بلداً في مؤشر الفساد الدولي، والـ 139 من 142 بلداً في مؤشر الاستقلال القضائي في عام 2011، والـ 171 من 179 بلداً في مؤشر حرية الصحافة في العام ذاته، وكذلك حقق نتائج متدهورة في مؤشرات المحاسبة وحكم القانون ومكافحة الفساد في الفترة نفسها، وذلك وفقاً لتصنيفات منظمة الشفافية الدولية. وبالتالي فإن الوضع المأساوي الذي يشهده اليمن بعد الثورة على الصعيد الاقتصادي والإنساني، وكذلك في الحقوق الشخصية ومؤشرات التنمية البشرية، هو امتداد لحالة اليمن قبل الثورة، مع مزيد من التدهور الناتج عن الاقتتال وبوادر الحرب الأهلية والتدخل الخارجي.
مستقبل اليمن وأفق التحسن
ومع تأزم الوضع الأمني والسياسي في اليمن، واتخاذه منحى أكثر خطورة وجدية مع نهاية عام 2014، فإن الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد يغدو أكثر هشاشة ويهدد بمزيد من الكوارث فيما يخص الحياة اليومية للمواطن اليمني وتوفر احتياجاته المعيشية الأولية، وبالتالي فإن أي حديث عن مستقبل الاقتصاد والفرد اليمنيين، يرتبط بالأساس باستقرار الداخل الأمني والساحة السياسية بعد انتهاء الاقتتال.
فبعد تراجع نمو الناتج المحلي اليمني في 2011 تأثرا باندلاع الثورة ليصبح -12.7%، عاد وحقق تحسنا في عامي 2012 و2013 مع بوادر الاستقرار النسبي، بمعدلات 2.4% و4.8% على التوالي، لينتكس بعد ذلك في العام الماضي على إثر التدهور السياسي الأمني ويحقق انكماشاً بـ -0.2%، مع توقعات بمزيد من التدهور في العام الحالي ونمو بـ -2.2% مع اشتداد حدة الاضطراب والمعارك المسلحة في البلاد (بيانات صندوق النقد الدولي).
لكن وقبل أن تضع الحرب أوزارها في اليمن، فإن تصوراً يجب أن يتشكل حول إدارة المستقبل الاقتصادي للبلاد، وكيفية انتشال مواطنيه من أوضاعهم المأساوية التي تمتد لعقود من الزمن، وليس في الأعوام القليلة الماضية فقط. كما يجب إدراك عند التعرض لمستقبل الاقتصاد اليمني حقيقة الموارد المتاحة وآفاق إدارتها ووفرتها، والبدائل المتاحة وخطط تنويع هياكل الإنتاج.
وأول ما يتبادر للذهن في هذا السياق هو دور النفط في مستقبل اليمن الذي يعتمد عليه بشكل كبير على الرغم من تواضع موارده منه. ونشير هنا إلى جانبين للأمر، الأول هو أسعار النفط العالمية، التي انخفضت من 107.9 دولاراً للبرميل في يونيو الماضي، إلى 60.6 دولاراً للبرميل مع منتصف يونيو من العام الحالي، وتأثيرها على عائدات اليمن النفطية، خاصة مع الأخذ في الحسبان أن قيمة صادرات اليمن من النفط قد ارتفعت من 2.7 مليار دولار في عام 2010، إلى 3.9 مليار في 2011، ثم تراجعت إلى 3.5 مليار في 2012، و2.7 مليار دولار مجدداً في 2013، نظراً لارتفاع أسعار النفط في عام 2011 بنسبة 38.7% تأثراً بالثورات في المنطقة، ، لكن ومع تراجع أسعار النفط مجدداً، فإن قيمة الصادرات اليمنية النفطية حتماً ستنهار بالتبعية (بيانات صندوق النقد العربي ومنظمة أوبك). والجانب الثاني هو تراجع إنتاج اليمن من النفط منذ 2003 كما أشرنا، وجدير بالذكر أن الارتفاع في قيمة الصادرات النفطية بعد الثورة قد تحقق بالرغم من تراجع الإنتاج من 275 ألف برميل يومياً في 2010، وصولاً إلى 158.8 ألف برميل يومياً في 2013، أي أن الطفرة في الأسعار العالمية قد عوضت التراجع المستمر في الإنتاج اليمني، وهو التراجع الذي يأتي في ظل انخفاض احتياطي النفط اليمني من 4 مليارات برميل في عام 2003، إلى 2.7 مليار في عام 2013، أي بمقدار الثلث تقريباً في 10 أعوام (بيانات صندوق النقد العربي). وهو ما يعني في مجمله أن قطاع النفط لن يتمكن في المستقبل من أن يلعب دوراً حيوياً في الاقتصاد اليمني سواء لتراجع الأسعار أو لتدهور إنتاج واحتياطات اليمن النفطية، وبالتالي فإن الاهتمام بقطاعات إنتاجية أخرى يجب أن يكون على رأس السياسات الاقتصادية في المستقبل.
ويحتل قطاع الزراعة أهمية حيوية في بنية الاقتصاد اليمني، حيث عمل به 36.8% من إجمالي القوة العاملة بالبلاد في 2012، وأسهم بـ 15% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، لكنه في نهاية المطاف عاجز عن تلبية الاحتياجات الداخلية للبلاد، حيث تشير التقديرات إلى استيراد اليمن لما يقرب من 90% من إجمالي احتياجاته من الغذاء (تقرير الاحتياجات الإنسانية)، ويصطدم القطاع في مساعي تنميته بندرة المياه في اليمن بصورة عامة، حيث يعد أحد أقل بلدان العالم في وفرة مصادر المياه العذبة، بمتوسط نصيب للفرد 86 متراً مكعباً فقط (البنك الدولي). وكذلك يعاني قطاع الصناعات التحويلية في اليمن من تخلف حاد، حيث يعد الأقل إسهاماً في الناتج القومي الإجمالي بـ 7.4% و 7.8% فقط في عامي 2010 و2013 على التوالي، ونتيجة لذلك فقد بلغت صادرات اليمن من المنتجات المصنعة 255 مليون دولاراً فقط في عام 2012، بنسبة 3% فقط من إجمالي الصادرات في ذلك العام.
ويتضح بالتالي أن القطاعات الإنتاجية جميعها في اليمن هي في حالة متردية، ولن تتمكن في المستقبل بهيكلها وأدائها الحالي من تلبية المتطلبات الأولية للمواطن اليمني، ناهيك عن تحسين مستويات المعيشة الإجمالية في البلاد. وهو ما ستتضح آثاره بصورة أوضح قريباً مع إنهيار عائدات النفط – المحدودة من الأساس – للأسباب سابقة الذكر، وما سيخلفه ذلك من فجوة في الإيرادات العامة، تنعكس على الإنفاق العام وقطاع الخدمات والطلب الإجمالي.

لكن الملاذ الحقيقي لليمن، وبوابته لتخطي أوضاعه المتدهورة، هو موارده البشرية القادرة حال استثمارها على إدارة واستغلال موارده الطبيعية المحدودة بصورة أفضل، والنهوض بالقطاعات الإنتاجية التقليدية من خلال توطين واستخدام تقنيات الزراعة الحديثة لتحسين الإنتاجية وترشيد المياه، أو لاستغلال الموقع الجغرافي المميز للبلاد في تطوير قطاعات صيد الأسماك والصناعات المتنوعة المرتبطة بها، بالإضافة للاستفادة من موقع اليمن على طرق التجارة العالمية وما يطرحه ذلك من فرص تقديم خدمات للقوافل التجارية، أو عبر استغلال الإمكانات الطبيعية للبلاد في تعزيز موقعها على خريطة السياحة والترفيه العالمية.
ويأتي ذلك التأكيد عل أولوية المورد البشري في مستقبل اليمن في ظل مجتمع شاب واعد، يمثل المتقاعدون فيه 3% فقط من إجمالي السكان البالغ عددهم 25.9 مليون تقريباً، في حين يمثل من هم في سن العمل 57% من إجمالي السكان، والأطفال نسبة الـ 40% المتبقية (بيانات البنك الدولي)، وبالتالي فالاستثمار في رأس المال البشري من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة، سيخلق أجيالاً أكثر وعياً بتحديات واحتياجات وفرص الداخل اليمني، وبالتالي أقدر على إدارة الموارد المتاحة، وإعادة تعريف واكتشاف أخرى.
لكن ذلك كله كما أشرنا سابقاً، رهن بتحقيق الاستقرار الداخلي المستدام في اليمن بعد انتهاء الاقتتال الحالي، وهو الاستقرار الحقيقي المنفتح وليس الركود المتحقق على مدى عقود من حكم علي عبد صالح، وهو ما سيتحقق فقط مع تحول ديمقراطي جاد وواعي وحوار داخلي حقيقي قائم على إعادة تعريف حقوق وواجبات الأفراد والمؤسسات، بما يمهد لتحولات جذرية في إدارة الدولة والمجتمع اليمنيين وبنيتهما، ويؤسس بالتالي لمستقبل جديد وقطيعة مع ميراث التخلف والفساد.

مقالات لنفس الكاتب