array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 98

الجامعة العربية والثورة السورية

السبت، 01 آب/أغسطس 2015

جاءت الثورة السورية في منتصف مارس/آذار 2011 م، كحلقة في سلسلة الثورات التي شملت عددا من الدول العربية، وقد حرصت جامعة الدول العربية منذ البداية على مراقبة تطور الحراك الشعبي وكيفية تعامل النظام السوري مع المطالب الشعبية التي ما فتئت بالتزايد والتمدد لتشمل مدن سورية عدة.وركزت الجامعة العربية منذ البداية في تعاطيها مع الشأن السوري على بعض الثوابت التي صبغت تعاملها خلال المراحل المختلفة من تطور الأزمة السورية، وأهمها: الحفاظ على وحدة واستقرار سوريا وسلامتها الإقليمية، وقف القتل والعنف وإيجاد الحل السلمي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري إلى الحرية والكرامة والديمقراطية، وتخفيف المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري في الداخل والخارج.

مسار الحل السياسي

مع لجوء النظام إلى الإجراءات الأمنية للسيطرة على توسع المظاهرات بدأ القلق يساور الجميع حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، حيث قام الأمين العام للجامعة العربية بعيد توليه منصبه بزيارة إلى دمشق التقى خلالها الرئيس السوري بتاريخ 13 يوليو/تموز 2011، وطلب منه سرعة القيام بالإصلاحات السياسية التي تستجيب للمطالب الشعبية المتزايدة كسبيل وحيد لضمان وحدة واستقرار سورية، والبعد عن الحلول الأمنية التي من المرجح أن تقود إلى مزيد من الاحتقان والعنف.

وفي ظلاستمرار عدم تجاوب النظام وتزايد وتيرة العنف ناقش مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، في دورة غير عادية، بتاريخ 27 أغسطس/أب التطورات في سوريا حيث تم تبني مبادرة عربية ترتكز إلى حوار مع المعارضة وإصلاحات سياسية وضرورة وقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين، وتم تكليف الأمين العام بزيارة أخرى لدمشق لنقل الطرح العربي على القيادة السورية، الأمر الذي تم خلال زيارة قام بها الأمين العام إلى دمشق بتاريخ 9 سبتمبر/أيلول. ومع عدم تجاوب القيادة السورية مع الطرح العربي قام مجلس الجامعةبطرح خطة عمل عربية في شهر أكتوبر/تشرينالأولتؤكد على وقف العنف وسحب الآليات العسكرية والأسلحة الثقيلة من المدن والأحياء السكنية والسماح للمنظمات وهيآت الإغاثة ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى الحوار مع المعارضة، وتم تكليف لجنة وزارية عربية بزيارة دمشق للتأكيد على ضرورة تلبية هذه المطالب، لكن النظام السوري لم يتفاعل بإيجابية مع الطرح الذي نقلته اللجنة الوزارية.

كان التطور الأبرز في تلك الفترة هو صدور قرار عن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني الذي بموجبه تم تعليق مشاركة وفود الجمهورية العربية السورية في الاجتماعات الرسمية للجامعة العربية على كافة المستويات إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لبنود خطة العمل العربية. وفي وقت لاحق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني وافق مجلس الجامعة على إعداد بروتوكول لبعثة مراقبين لمدة شهر قابل للتمديد لشهر آخر، حيث وافقت الحكومة السورية على ذلك ووقعت على صيغة البروتوكول بتاريخ 19 ديسمبر/ كانون الأول في مقر الجامعة العربية بالقاهرة وبدأت بعد ذلك بعثة المراقبين العرب عملها في الداخل السوري، ونتيجة للصعوبات التي واجهت عمل بعثة المراقبة مع تزايد وتيرة العنف وسحب دول الخليج العربي لمراقبيها، أعلن الأمين العام إنهاء عمل بعثة المراقبين في 28 يناير/كانون الثاني 2012.

تجدر الإشارة إلى أنه مع تبلور الصورة حول عدم تمكن بعثة المراقبين من أداء عملها عقد مجلس الجامعة على المستوى الوزاري جلسة طارئة بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2012  تم خلالها تقديم مبادرة/خطة عربية ترتكز إلى وقف العنف وتفويض الرئيس السوري صلاحيات كافية لنائبه للقيام بعملية تحول سياسي يتم بموجبها تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعداد دستور وإجراء انتخابات عامة في البلاد، بالإضافة إلى تكليف الأمين العام بتعيين مبعوث خاص لمتابعة العملية السياسية في سوريا. لكن التطور الأخر خلال هذا الاجتماع تمثل في الطلب من مجلس الأمن دعم القرارات العربية التي اتخذت حيال الأزمة السورية، وكان ذلك ايذانا بتحويل ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن لتحمل مسؤلياته حيال تحقيق السلم والأمن في سوريا في ظل رفض النظام السوري الاستجابة للطرح العربي خلال الأشهر الماضية.

ومن خلال مجلس الأمن عملت الجامعة العربية على مواصلة الجهود من أجل تحقيق التوافق في مجلس الأمن ودعوته إلى إصدار قرار بالوقف الفوري لإطلاق النار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حتى يكون ذلك ملزما لجميع الأطراف، لاسيما في ظل استخدام حق الفيتو من قبل روسيا والصين ضد مشروع قرار يدين استخدام النظام السوري للعنف في أكتوبر/تشرين الأول 2011 وتكرر استخدام حق الفيتو المزدوج من قبل روسيا والصين في ثلاث مناسبات أخرى كان آخرها في شهر مايو/أيار 2014 ضد مشروع قرار يطلب إحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وشكل هدف الوصول إلى حل سياسي من خلال تنفيذ القرارات العربية الأساس الذي بنيت عليه الجهود المشتركة للجامعة العربية والأمم المتحدة، وتجلى ذلك في تعبين مبعوث خاص مشترك لهذا الغرض، إذ تم تعيين السيد كوفي عنان في شهر فبراير/شباط 2012، الذي نجح في التوصل إلى اتفاق جنيف1 في 30 يونيو/حزيران 2012 المتضمن المطالبة بوقف العنف وتشكيل هيأة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة بالتوافق بين جميع الأطراف، وقد تبنى مجلس الأمن ما تضمنه بيان جنيف1 بقراره رقم 2118(2013). وبعد تقديم كوفي عنان استقالته واعتذاره عن تمديد مهمته، تم تعيين الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية مبعوثا خاصا مشتركا لسوريا والذي في عهده تم عقد مؤتمر جنيف 2 في شهر فبراير/ شباط 2014 لكن لم يحالفالمؤتمر النجاح نظرا لتعنت الحكومة السورية ومحاولتها التركيز على الارهاب بدلا من مناقشة الحل السياسي على أساس وثيقة جنيف1. وعلى إثر تقديم السيد الأخضر الإبراهيمي استقالته في نهاية شهر مايو/أيار 2014، قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين ستيفان دي مستوار مبعوثا خاصا له لسوريا، وبعد التشاور مع الأمين العام للجامعة العربية تم تعيين رمزي عز الدين نائبا للسيد دي مستور.

          من ناحية أخرى، كانت الجامعة العربية ولا تزال على تواصل مستمر مع قوى المعارضة السورية في محاولة لتوحيد قواها وصوغ رؤية موحدة حيال مستقبل سوريا. وتنفيذا لقرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في 2 يونيو/ حزيران 2012 عقد مؤتمر المعارضة السورية بالقاهرة تحت رعاية الجامعة العربية في شهر يوليو/تموز بحضور 235 شخصية تمثل مختلف أطياف المعارضة السوريا في الداخل والخارج،وصدر عن هذا الاجتماع وثيقتا "الرؤية السياسية المشتركة للمعارضة السوريا إزاء تحديات المرحلة الانتقالية" و "وثيقة العهد الوطني" التي تضمنت الأسس الدستورية لسوريا المستقبل. وقد اتخذ مجلس الجامعة على المستوى الوزاري قرارا في شهرنوفمبر/كانون الثاني تضمن الاعتراف بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية ممثلا شرعيا لتطلعات الشعب السوري ودعوة باقي تيارات المعارضة إلى الانضمام لهذا الائتلاف حتى يكون جامعا لكل أطياف الشعب السوري. فيما اتخذ مجلس الجامعة على  مستوى القمة في الدورة الرابعة والعشرين في الدوحة في مارس/آذار 2013 قرارا بشغل الائتلاف السوري مقعد الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية ومنظماتها ومجالسها وأجهزتها حتى يتم إجراء انتخابات تتشكل بموجبها حكومة تتولى مسؤليات السلطة في سوريا، لكن نظرا لعدم توحد قوى المعارضة ولأسباب عملية أخرى تعثر إعطاء المقعد للمعارضة السورية حتى هذه اللحظة.

مجلس الجامعة وافق على صندوق للإغاثة في سوريا برأسمال 100 مليون دولار  

مسار المساعدات الانسانية

          لم يقتصر دور الجامعة العربية على محاولة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية بل سعت أيضا إلى دعم العمل الانساني لتخفيف المعاناة على الشعب السوري مع تزايد تدهور الأوضاع الانسانية نتيحة تزايد وتيرة العنف الأمر الذي تمخض عنه ليس فقط ارتفاع عدد القتلى ولكن أيضا تزايد عدد النازحين واللاجئين داخل وخارج البلاد. ووفقا للسيد هيثم المالح ،رئيس الدائرة القانونيةبالأئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية ،في تصريح لجريدة الشروق المصرية بتاريخ 6 يوليو/تموز،فإنه تم تدمير 70 بالمئةمنسوريا من قبل النظام،و18 مليونا في حاجة إلى مساعدات،و12 مليونا خارج ديارهم،وتم تدمير 3 مليون بيت وألفي مسجد وأربعين كنيسة ،بالإضافةإلى تدمير أربعة آلاف مدرسة ،ومليون وثمانمائة طفل أصبحوا خارج العملية التعليمية.

وقد أكد مجلس الجامعة من خلال القرارات العديدة التي اتخذها في الشأن السوري، على ضرورة حماية المواطنين السوريين وتحسين الظروف الصعبة التي أضحى يقع تحت وطأتها شرائح واسعة من الشعب السوري، والسماح لمنظمات الإغاثة بإيصال المساعدات الانسانية للمحتاجين. وفي هذا الصدد عقد بمقر الأمانة العامة بتاريخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 اجتماع لممثلي المنظمات العربية المعنية بمجالات حقوق الانسان والحماية والإغاثة المدنية بهدف وضع تصور لآلية عربية لحماية المدنيين السوريين.كما توالى تأكيد مجلس الجامعة من خلال القرارات المتلاحقة التي يتخذها في جلسات انعقاده الطارئة والعادية على ضرورة السماح لمنظمات الإغاثة العربية والدولية، بما فيها المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر والاتحادات الطبية بإيصال مواد الإغاثة الإنسانية للمتضررين والتخفيف عليهم، مع دعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤلياته في هذا الشأن. وتنفيذا لذلك  حرصت الجامعة العربية من خلال التنسيق مع الجهات المانحة العربية والأجنبية، وكذلك المنظمات العربية والدولية، إلى الإسراع في تقديم كل أشكال الغوث والمساعدات الإنسانية إلى المتضررين في سوريا ودول الجوار، وإلى مناشدة المجتمع الدولي تقديم العون لدول الجوار السوري التي تستضيف مئات الآلاف من النازحين السوريين، وتقدير الجهود التي تبذلها هذه الدول في هذا الشأن. وعلى سبيل المثال وافق مجلس الجامعة على المستوى الوزاريبتاريخ 22 يوليو/تموز 2012 على إنشاء صندوق للإغاثة الإنسانية داخل سوريا وفي دول الجوار تساهم فيه الدول الأعضاء بمبلغ 100 مليون دولار يتم توفيره حسب حصص مساهماتها في موازنة الأمانة العامة. ويمكن الإشارة هنا إلى مؤتمر المانحين  للشعب السوري الذي عقد في دولة الكويت ثلاث مرات، في الأعوام 2013، 2014، 2015.

          وشاركت الأمانة العامة من خلال إدارة الصحة والمساعدات الإنسانية في عدد من المؤتمرات التي عقدت لهذا الغرض، وذلك بالتنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) والمنتدى الإنساني الدولي. كما قامت وفود من الأمانة العامة بزيارات ميدانية لدول الجوار السوري وزيارة مخيمات اللاجئين فيها وتقديم ما أمكن من معونة طبية وغير طبية.

كما سعت الجامعة العربية من خلال مجلس الأمن إلى الضغط على النظام السوري للسماح بإيصال المساعدات الانسانية من خلال خلق جيوب آمنة لهذا الغرض. فعلى سبيل المثال تبنى مجلس الأمن القرار 2139(2014) والقرار 2165(2104) حول ضرورة ايصال المساعدات الانسانية إلى سوريا وخلق جيوب آمنة لهذا الغرض.

الجامعة العربية أدركت خطر الأزمة السورية مبكراً وقدمت مقترحات أفشلها نظام الأسد

الآفاق المستقبلية للأزمة السورية

          غني عن القول أن نحو أربع سنوات من القتال في سورية خلقت حالة من الاحتقان الداخلي وتسببت في دمار وشلل كامل لمؤسسات الدولة السوريا، بل وتقسيم مناطق النفوذ بين الكيانات والقوى الفاعلة على الساحة السورية، بما في ذلك النظام السوري وقوى المعارضة المسلحة وداعش.يضاف إلى ذلك حقيقة أن حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي ساهمت في تباين الموقف تجاه الوضع في سوريامما أطالمنعمرالأزمةالسوريةوساهمفيزيادةتكاليفهاالبشريةوالمادية.

          كما أن دخول عامل الإرهاب مؤخرا على الساحة السوريا، وما يتردد من توظيف النظام السوري لذلك من الناحية السياسية، ساهم في تعقيد المشهد السياسي والعسكري، يضاف إلى ذلك الدعم اللامحدود الذي يتلقاه النظام من قبل إيران وحزب الله وروسيا. فيما يلقي النظام السوري باللوم على المعارضة السورية وأنها تتلقى الدعم من قوى إقليمية، بالإضافة إلى إنضمام مقاتلين أجانب إليها الأمر الذي ساهم في ديمومة القتال وأضعف آفاق الحل السياسي.

ثمة حاجة للتأكيد على أن الأزمة السوريا أصبحت تتفاعل على ثلاثة مستويات: دولية وإقليمية ومحلية، وهذا يجعل من الحسم العسكري غير ممكن حتى هذه اللحظة، كما أن سقوط النظام قد يقود البلاد إلى حالة من الفوضى ويهدد بتقسيم سوريا وزيادة نفوذ قوى معينة، سواء كانت محلية إو إقليمية. في مثل هذه الحالة تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لتنفيذ بنود اتفاق جنيف1 في يونيو/حزيران 2012 الذي نص على تشكيل هيأة حكم ذات صلاحيات تنفيذية كاملة. وبالإضافة إلى الجهود التي تبذلها القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري، يتولى المبعوث الأممي دي مستور محاولة الوصول إلى تفاهمات يتم من خلالها الوصول إلى حل سياسي للأزمة، لكن لا تزال هناك الكثير من العقبات التي تعتري تحقيق ذلك، خاصة في ظل عدم جدية المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة من ناحية، وتعدد القضايا الإقليمية المطروحة على الساحة الدولية، مثل الملف النووي الإيراني والأزمة في اليمن والخلاف الروسي الغربي في اكرانيا.

مجلة آراء حول الخليج