array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 103

المصالح الخليجية: الاختيارات على ضوء المتغيرات الاستراتيجية

الإثنين، 28 كانون1/ديسمبر 2015

 بتحليل المتغيرات الاستراتيجية التي  تحدث في الشرق الأوسط، وترابطها مع الأحداث الساخنة المتنوعة والمشتعلة في أركان متعددة داخل المنطقة العربية بصفة عامة، والخليج العربي بصفة خاصة، يتضح أن انعكاسات تلك المتغيرات  قد بدأت في الوضوح في الوقت الراهن، بما يحتم  ضرورة البحث والتنقيب عن مواطن الفرص لاقتناصها مبكرا ، وتحديد الرؤى العامة حول التحديات المستقبلية  للعمل على  تجنبها في الوقت المناسب،  الاستجابة  لمعطيات  التداعيات المتسارعة بطبيعتها الخطرة والمؤدية إلى خلق أوضاعا جديدة ترتفع معها بما يمثل  مهددات  للأمن القومي العربي بصفة عامة، ودول الخليج العربي بصفة خاصة، بيد أن مؤشراتها العملية بدأت تظهر على أرض الواقع في إطار تحولات جيوسياسية  في المنطقة .

 

 التغيير في الأوضاع الاستراتيجية بالشرق الأوسط

 

  أولا: أمريكا

      بالبحث المتعمق لوثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي[1] التي أصدرها رسميا الرئيس الأمريكي أوباما في منتصف عام 2013م، حدد فيها الخطوط الرئيسية ما يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية، وتضمنت تغير توجه  الاستراتيجية الأمريكية  للأمن القومي الأمريكي بالانتقال من الشرق الأوسط، والتحرك شرقا تجاه وسط آسيا حيث (بؤرة نمو التحديات والمهددات الجديدة) والتي ترى فيها  الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة  تحويل جهودها الرئيسية إليها، ما يعنى أن تركيز اهتمامات واشنطن على آسيا، ويقابل ذلك تلقائيا  تقليل درجات  اهتمامها بالشرق الأوسط  لأسباب متعددة .

      وقد شرعت الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات التنفيذ الفعلي لتلك الاستراتيجية الجديدة على أرض الواقع منذ لحظة صدورها، ويمكن رصد الرؤى الأمريكية الرئيسية حول أسباب هذا التحول وفي تلك الاستراتيجية الجديدة على الوجه التالي:

1-   على الرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية إلا أن كلتا الدولتين (الصين والهند) في صعود مستمر وحققا تقدما تكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا متفوقا، مكنهما من بناء قدرات تأثير إقليمية ودولية يصبح معهما الأمر معقدا أمام الولايات المتحدة خاصة إذا أضيف إليها أيضا قدرات تأثير أخرى في منطقة شرق أوروبا بدأت تظهر معالمها متدرجة مع بداية الصعود الروسي بضم جزيرة القرم إلى روسيا.

2-    ترى الاستراتيجية الأمريكية أيضا أن قدرات التأثير الإقليمي والدولي لم تعد تحتكرها الدول فقط، بل أصبح من الممكن أن يضاف إليها أيضا لاعبون جدد من خارج نظام الدولة مثل  (المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات المالية، والمنظمات الإقليمية، والمنظمات المجتمعية المحلية) بما يحتم على أمريكا ليس فقط القبول بهذا الواقع الجديد من التعدد في عناصر التأثير، ولكن عليها أيضا أن  تعترف بأن مراكز القوة التاريخية لم تعد بالضرورة الدولة فقط، بعد أن تحولت كافة منظمات المجتمع المدني عمليا إلى مركز للجاذبية ( الجيوسياسية).

 

3-   اهتمت الرؤية الاستراتيجية الأمريكية بضرورة التركيز مستقبلا بسرعة على التعامل مع كل عناصر التأثير المختلفة، باعتبار أنها إن لم تفعل ذلك سيصبح المستقبل أمامها غامضا (غير مؤكد) خاصا وأنها قد اكتشفت بعد الثورات التي حدثت في المنطقة العربية، أن الأفراد قد اكتسبوا القدرات والمهارات المؤدية إلى إعادة تشكيل الدولة، بينما الحكومات غير قادرة على العمل [2]على إحداث التغيير بنفس القدر.

 

4-   وقد أشارت الاستراتيجية الأمريكية أيضا إلى خطورة الاعتماد المطلق على البترول من الخارج، بعد أن تبين أن هذا الاعتماد المطلق يؤدى إلى تعريض المصالح الأمريكية للخطر، نتيجة لاحتمالات حدوث مشاكل في مناطق مصادر البترول الحالية، مع تزايد التوقعات بأن تكون أكثر جسامة مستقبلا، بما يشكل تحديات مفاجئة وخطيرة قد لاتستطيع الولايات المتحدة التعامل معها، وهذا الأمر مثير للقلق البالغ على حد توصيف الوثيقة.

 

5-  لقد حددت الاستراتيجية الأمريكية حالة إيران بأنها  تسعى بنشاط ملحوظ لترتيب الأوضاع الأمنية والاقتصادية بوسائل عديدة  في الخليج العربي بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة، بما قد يوفر لها قدرات ( جيوسياسية) إضافية في إقليم الخليج والشرق الأوسط ،وأنه في حال  سعي إيران للانضمام لمجموعة ( الصين + الهند ثالث اقتصاد في العالم )، وحينئذ ستتشكل معادلة جيوسياسية جديدة، ستؤدى بتفاعلاتها الجيوسياسية حتما إلى تغير حاد في الاتزان الاستراتيجيى بوسط آسيا  ينتج تفاعلات  يتحول معها  الثقل العالمي من الغرب إلى الشرق ، وعلى ذلك حتمت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على أن تستجيب لتلك الضرورات  الجيوسياسية باتخاذ الاجراءات بإعادة التموضع  في ( وسط آسيا)، بما يوفر تنمية القدرات الأمريكية على الوفاء بالتزاماتها في الباسيفيك، وتسهيل  إمكانية مباشرة تسمح  بمتابعة  دقيقة لمراحل الصعود الاقتصادي والعسكري الصيني والهندي، وتحديد أبعاد ومدى طموحاتهم العسكرية، في الوقت المناسب بما يسمح بتطوير أساليب التعاطي المناسبة وفي الوقت المناسب .

 

6-  مع اعتبار أن ما نشر في وثيقة الأمن القومي الأمريكي الجديدة  أقل بطبيعة الحال من محتواها الأصلي، إلا أنه الملاحظ أنها أوردت في نهاية خلاصتها العديد من العبارات، توضح  بموجبها أنه  ستظل أمريكا عنصراً فاعلا ورئيسيا في الحفاظ على النظام الدولي، وبما يحتم عليها أن تكون جاهزة، باستمرار لتلك المهمة، مع ملاحظة التحلي بالمرونة والديناميكية الواقعية والخلاقة لحل المشكلات الدولية المعقدة والتي ستتنوع  في نتائجها  بين الرابحين ،والخاسرين في المعارك الجيوسياسية المستقبلية[3] ، بما يعني بوضوح  أن كل شيء وارد، وستكون أمريكا حينئذا في جانب  مع من يكون لديه القدرة على أن يفرض إرادته الجيوسياسية في المنطقة[4] 

 

      وفي إطار التعليق على تلك العبارة سنجد أنها  تعكس الثقافة السياسية التقليدية الأمريكية، والتي تحدد بصراحة ووضوح مبدأ " لاصديق دائم، ولا عدو دائم، ولكن توجد مصلحة دائمة " وهذا ليس بجديد في السياسة الدولية عموما، إلا أنها متصادمة و متناقضة مع الثقافة العربية التاريخية المنتمية للعالم الفاضل، حيث يمكن  قبولها إلى حد ما  داخل النظام العربي فقط دون سواه ، إلا أنه لا يجب التعويل أبدا على أي تعهدات أو تفاهمات أو حتى اتفاقيات في مجال الأمن القومي  فقط ، ولكن يجب  الاعتماد  على الاجراءات التي  توفر القدرة في التأثير  على الأوضاع الجيوسياسية على أرض الواقع , في مواجهة ما تسعى إليه حاليا في حالة كل من سوريا واليمن والبحر الأحمر .

        ومن خلاصة ما أشارت إلية وثيقة الأمن القومي الأمريكي في إطار التواجد العسكري للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقررت فيها إنهاء تواجدها العسكري المباشر في الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، وذلك بسبب التكلفة الهائلة التي يتحملها دافع الضرائب الأمريكي، حسبما أشارت الوثيقة.

      وقد أكدت وثيقة الأمن القومي الأمريكي على أهمية تبني فكرة إقامة الترتيبات الأمنية والسياسية، بما يضمن بشكل مقبول تحقيق إجراءات الحفاظ على المصالح الأمريكية والمتوازنة مع مصالح دول الشرق الأوسط، وتحقيق أمن إسرائيل بالعمل معها بشكل مستمر لضمان تفوقها الإقليمي.

      وقد أصبح هذا الاختيار الأمريكي أمرا محتما نظرا لمديونيتها الاقتصادية الضخمة والمتزايدة، ومن ثم يعد الاتفاق النووي بين أمريكا / إيران نموذجا واضحا لتطبيق فكرة الترتيبات السياسية والأمنية، بالإضافة إلى التصور الأمريكي، باجتماع الرئيس أوباما في واشنطن مع قادة دول الخليج، حيث أوضح أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة سيكون بها بديلا كافيا لمواجهة التدعيات السلبية للاتفاق النووي مع إيران، ومن الواضح أن وجهة النظر العربية لم تقتنع بما أوضحه الرئيس الأمريكي، مما يحتم على الدول العربية أن تستخدم نفس الأوراق الاستراتيجية التي تستخدمها واشنطن في تصوراتها عن أمن منطقة الخليج العربي، والمنطقة العربية، وهى ببساطة المرابحة الجيوسياسية[5] العربية، بمعنى ضرورة التحرك العربي في جميع الاتجاهات بتحالفات جديدة، تؤدي إلى سرعة حسم الموقف في كل من ( سوريا- اليمن) لصالح القوة السياسية العربية ، فيما يتعلق  بالاستعداد لما هو قادم مستقبلا .

 

الإطار الحالي للتواجد العسكري الأمريكي في الخليج:

وبالنظر إلى نظام الأمن الذي اتبعته القوات الأمريكية في منطقة الخليج العربي[6] سنجده يعتمد اعتمادا مطلقا في استقراره (بتشكيل قوة أمامية عسكرية أمريكية) متواجدة في عددا من الدول العربية المشاطئة للخليج عدا (السعودية) حيث تتضح ملامح محاوره في إطار التواجد العسكري الأمريكي بإحجام متنوعة في الدول التالية:

1-   الكويت: قوة برية أمريكية تبلغ 15000 فرد.

2-   دولة الإمارات العربية: قوة جوية أمريكية 5000 فرد.

3-   عمان: قوة نقل جوية وإعادة ملء جوي200 فرد.

4-   البحرين: مركز متقدم لقيادة الأسطول الخامس الأمريكي 7000 فرد.

5-   قطر: القواعد الجوية والقيادة المتقدمة للقوات المركزية الأمريكية بقاعدتي السيلية والعديد، ومن غير المتوقع أن تتخلى أمريكا عن التواجد بها في جميع الأحوال.

6-   قوة جوية محدودة بالأردن.

7-   العراق: قوة تدريبية أمريكية 150 فرد يعملون كمستشارين للتدريب.

 

بالإضافة إلى بعض التمركزات المتنوعة للافرع التخصصية لقيادة قوات المركزية ( CENTCOM)[7] البرية والبحرية، والجوية، والقوات الخاصة، والمارينز ، ويجدر بالذكر أن كافة تلك القوات المتمركزة في المناطق المشار إليها هي قوات محدودة، إذ  أنها تمثل القاعدة الأمامية أو المتقدمة ، والتي طبقا للتخطيط الأمريكي تعتبر كنواة للاستناد عليها في  الفتح الاستراتيجي الشامل  لقوات أمريكية أكبر في حال نشوب حرب في المنطقة[8] .

 

         ويعد هذا الأمر لافتا للنظر، وجديرا بالتحليل والدراسة بشكل أكثر عمقا وشمولا، وذلك لأنه مثير أيضا للعديد من التساؤلات، فعلى سبيل المثال هل يمكن اعتبار أن قرار الرئيس أوباما بسحب القوات الأمريكية من منطقة الخليج أنه انسحابا عسكريا من المنطقة على الأطلاق؟

 وكيف يمكن تصور أن الجيش الأمريكي المنتمي لعقائد الجيل الرابع للحرب، غير قادر على الفتح الاستراتيجي لقواته المسلحة في أي منطقة في العالم دون الحاجة للارتكاز على ما يسمى بقوات أمامية متقدمة، وغيره مما هو منتمي للجيل الثالث للحرب؟

  ولماذا استعرض الجيش الأمريكي بالتفصيل في تقريره حول البنية التحتية للطرق بأنواعها، والمطارات، والقواعد البحرية في منطقة الخليج العربي؟

 

          وهذا التصور يمكن طرحة للدراسة التفصيلية فيما بعد، ولكننا في مقالنا الحالي سنظل في إطار التصور الذي يفترض خروج أمريكا من منطقة الخليج العربي، بما يطرح العديد من التساؤلات حول التوجهات والاختيارات المتاحة.

 

     وبصفة عامة يمكن أن نستخلص مما تقدم أن إعادة تعديل إحجام/ إخلاء تام للقوات العسكرية الأمريكية، بأنواعها البرية والجوية والبحرية، قد أصبحت مسألة وقت فقط، ويستلزم من الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي من التفكير في رؤية جديدة لاستراتيجية الأمن القومي العربي خاصة، مع بروز الطموحات الروسية الجديدة وتحالفها الواضح مع إيران عدو العرب الرئيسي.

 

ثانيا: روسيا

إن فكرة عودة روسيا مرة أخرى كلاعب دولي مؤثر على الساحة الدولية، كانت فيما يبدو كامنة في عقل الدولة الروسية الجديدة والتي قامت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، ومن الواضح أنها كانت تحتاج إلى وقت تعيد فيه إعادة ترتيب أوضاعها، والتركيز على إعادة البناء في إطار رؤية استراتيجية تستهدف استعادة مكانتها الدولية كدولة عظمى، وقد أحرزت الدولة الجديدة تقدما اقتصاديا كبيرا ساعدها دون شك على إحياء الفكرة القومية الروسية.

        حيث  استغلت روسيا  تراكم هذا الحجم الضخم  من التفاعلات العالمية المتسارعة  والمتشابكة في الشرق الأوسط ، وإمكان تحويله إلى المرتبة الثانية من الاهتمام  بمقتضى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة،  والتي مهدت الطريق بدون شك  لدور روسي  فاعل في الشرق الأوسط ، بما أنتج الكثير من المتغيرات  في  منطقة الشرق الأوسط دون شك، فبعد أن كانت أمريكا تهيمن على المنطقة، بدء دورها في التراجع عمليا منذ لحظة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، بالإضافة لحدوث تفاعلات إقليمية رئيسية أخرى، مثل الانفتاح المصري على روسيا، كرد فعل مصري  مضاد  للموقف الأمريكي العدائي من ثورة 30 يونيو 2013م ، وتهديد مصر بإيقاف المساعدات العسكرية، والذي استفادت منه روسيا، باتخاذ مواقف واضحة بدعم و تأييد التحرك الشعبي المصري الذي أسقط نظام الإخوان، الأمر الذي أعطى لروسيا قبولا على المستويين الشعبي والرسمي في مصر ، خصما من حساب أمريكا.

 

        كما اقتنصت روسيا أيضا فرص البطء الأمريكي في إيجاد حل للأزمة السورية، بالتدخل السريع، فوضعت قواتها على الأرض بأحجام كبيرة ونوعية متقدمة في سوريا، حرصا على مصالحها العسكرية في طرطوس واللاذقية، مع تنشيط وتعميق تحالفاتها العسكرية مع إيران، وتوقيع اتفاقيات تسلح جديدة معها (نظم الدفاع الجوي المتطورة س300).

 

         وقد استفادت روسيا أيضا من قيام أمريكا بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، "فكان التمدد الروسي، بمقابل الانكماش الأمريكي في الشرق الأوسط "، وهذا لايمكن فهمه بأن روسيا قد أصبحت قوة عظمى، ولكنه يظل في إطار السعي الروسي باستغلال فرص الفراغ الاستراتيجى الإقليمي والدولي لتصبح قوة دولية مؤثرة يؤهلها لأن تكون شريكا في الاحداث العالمية، وفي إطار جيوسياسي يحقق مصالحها[9] بالدرجة الأولى.

 

 وجهة النظر الروسية بشأن الشرق الأوسط

يمكن فهم المواقف الروسية تجاة الشرق الأوسط من خلال مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث لديها مخاوف -كما تعلن دائما - من امتداد الإرهاب الديني إلى محيطها الجغرافي الجنوبي، و تخشى موسكو من  ارتفاع  أخطار التماس الجغرافي مع (20 مليون مسلم في روسيا) ، ويعد ذلك تبريرا يستهدف ملء الفراغ الأمريكي فيما يبدو ، خاصة أن لروسيا  تطلعات في حصة من طلبات التسلح للدول العربية، باعتبار أن الدول العربية  تعد  من أكبر مناطق العالم طلبا للسلاح، كما أنها تسعى أيضا  لتوسيع مصالحها والمتفقة أيضا مع مصالح حليفها الصيني، وتطلع روسيا أيضا إلى تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية  مع دول مجلس التعاون الخليجي والذي تعتبره روسيا من أهم ركائز الشرق الأوسط .

 

      ومن ذلك يمكن استخلاص معادلة القوة الاستراتيجية الروسية / الأمريكية في الشرق الأوسط من أنها تعكس حالة (الاتزان /الرفض /القبول) بينهما تجاه القضايا الاستراتيجية، بمعنى أنه إذا استقرت الأمور بينهما، كان التنسيق بينهما لضبط علاقتهما بالشرق الأوسط وبدرجات متفاوتة طبقا للحالة والعكس صحيح.

 

        وتعد (سوريا) نموذجا وتعبيرا دقيقا عن ذلك، فحينما أعلنت المقاطعة الأوروبية والأمريكية لروسيا بسبب قيامها بغزو جزيرة القرم وضمها لأراضيها، ردت عليها روسيا جيوسياسيا، بالانغماس الأعمق سياسيا وعسكريا في سوريا بصورة غير متوقعة، بما وفر لروسيا موقعا متقدما في الوساطة والتلاعب بين أطراف النزاع المتعددة في سوريا، بغية تحقيق دور عالمي مؤثر يضيف إلى مكانتها كقوة دولية فاعلة، ولعلنا نرى كيف استغلت روسيا حادث إسقاط طائرتها بواسطة تركيا، بزيادة التمدد في سوريا وعزل تركيا بريا عنها.

 

       ومن الفرص السانحة التي استغلتها روسيا أيضا، وبصور متعددة هو استغلال تراجع التأثير الأمريكي في المنطقة، في بناء تحالفات تحت مسمى الحرب ضد الإرهاب يشمل كل من إيران، والعراق، وسوريا، وحزب الله اللبناني.

 

          والمتابع للشأن الروسي، وبصفة خاصة أثناء انعقاد مؤتمر العشرين (نوفمبر 2015) في تركيا، سوف يلاحظ في تصريحات بوتين الإعلامية لغة استخدام القوة، أثناء مناقشة الموقف في سوريا، وكذلك التلويح الدائم عن استعداد بلاده لاستخدام القوة العسكرية ضد أية محاولات لإلحاق الضرر بالأمن القومي الروسي أو يهدد أيا من مصالحة العالمية أو الإقليمية.

 

دول الخليج التوجهات، والاختيارات

 

  التوجه الرئيسي لدول الخليج:

 

 في إطار العلاقات الدولية، هو الحرص على مبادىء القانون الدولي والتي تنص على العدل والمساواة والتعاون والاحترام المتبادل بين الدول، ولكن إن كان هناك دولة ما لا ترغب في احترام تلك القواعد القانونية، فينبغي إذا التعامل معها بما يستحق من قوة رادعة، ومع اعتبار أن أمن الخليج يعد جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، فهذا يعني بالضرورة أن أي اعتداء على دولة ما داخل منظومة الأمن القومي العربي، فيعد هذا الاعتداء هو بمثابة الاعتداء على جميع الدول الأعضاء داخل المنظومة العربية.

       ومن ثم يترتب على ذلك أن مشاركة الدول العربية في اتخاذ الإجراءات الجماعية، وبالتعاون مع النظام الدولي، الأخذ في الاعتبار النظر في أهمية تنمية العلاقات العربية مع روسيا، كقوة سياسية مضافة والتي من شأنها إضافة أبعاد سياسية جديدة في تشكيل حزمة الضغوط والتدابير الجماعية الفعالة، وما قد يصاحبها من إجراءات حاسمة قادرة على ردع العدوان.

 

مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن أي أعمال عدائية تحدث في منطقة الخليج العربي ستتسبب في إرباك حركة البترول، في كل من مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، سيقود حتما إلى تدمير الاقتصاد العالمي والإقليمي، بما يعني أنه لايجب اعتبار أمن منطقة الخليج العربي مجرد قضية محلية، أو عربية تقع مسئولية تأمينها على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي وفى إطار جامعة الدول العربية.

 

الاختيارات:

في إطار التوجه الاستراتيجي لدول الخليج، وتحديد المهددات الرئيسية والتي على رأس قائمتها إيران، فيكون الاختيار الاستراتيجي في الإطار العام الآتي:

 

1- إن تحقيق الاتزان الاستراتيجى داخل كل دول الخليج هام وضروري ، إذ أن الأخطار المتوقعة تكمن أساسا داخل منطقة الخليج، خاصة بعد رحيل أمريكا من منطقة الخليج، فمن المحتمل أن  تقوم  إيران باتخاذ إجراءات تستهدف  منها تدعيم نفوذها في منطقة الخليج ، بما قد يسهل فرض أجندتها الفارسية على المنطقة، وهذا التهديد يعطى لدول الخليج، والدول العربية  الحق في أن يكون لديهم مخاوف عميقة من السلوك والنوايا الإيرانية، خاصة أن الإشارات العدائية الصادرة عن  قيادات الحرس الثوري الإيراني  يفهم منها وبوضوح، ،نهم الجهة الرئيسية لاتخاذ القرار الاستراتيجي داخل إيران، وهذا أمر لا يخفى على أحد، بالإضافة لما تملكه إيران من إرث عدائي نحو العرب .

 

2- إن نظام الدفاع الجماعي  لدول مجلس التعاون الخليجي الحالي يعد أساسا جيدا للبناء عليه وتطويره بشكل يستجيب لمعطيات المتغيرات الجيوسياسية الجديدة، والتي تدفع  بضرورة توسيع المشاركة الدولية والعربية فيها، ولايجب قصره على دول المواجهة العربية المشاطئة للخليج فقط ، ولكن بضرورة تكاملية تؤدي إلى بناء أنساق سياسية دولية وإقليمية متعددة ليس فقط في العمق  العربي، ولكن تحيط جيوسياسيا أيضا بشرق  الخطر الإيراني، مثل " الصين- اليابان- الهند- ماليزيا" شركاء في نظام الأمن والتعاون الجماعي في الخليج فوجود تلك الدول سيكون فاعلا للغاية في مجال التحييد الاستراتيجي لإيران  .

 

    3-هناك دور حتمي للعديد من القوى الفاعلة الأخرى من خارج إقليم الشرق الأوسط، مثل كل من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، بالإضافة للولايات المتحدة، جميعهم لديهم مصالح استراتيجية هامة في استقرار وتنمية منطقة الخليج العربي، ومن ثم فإنه يجب الاستعانة بهم من خلال مشاورات متعددة الجوانب حول أفضل الصور لصياغة نظام آمن (صلب / ناعم) يحقق استدامة الاستقرار في منطقة الخليج العربي.

 

4-  إن دراسة تطبيق نظام للأمن الجماعي في منطقة الخليج  هو الأكثر مناسبة، خاصة وأن هناك نظما للأمن الجماعي مطبقة في أماكن عديدة في العالم ويمكن الاستفادة من الأفكار العديدة الواردة  في بناء  منظومات الأمن والتعاون المطبقة حاليا في كل من : - منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)[10] ، - مفوضية الأمن والتعاون في أوروبا(CSCE )[11] -  منظمة دول شرق آسيا (ASEAN )[12] ، وهي جميعا نماذج مناسبة لأماكنها، لكن ومن خلال تطوير أفكارها بما يسمح بتطبيق بعضا منها في بناء نظام جديد للأمن والتعاون في منطقة الخليج العربي .

 

5- تتصف نظم الأمن الإقليمي بأنها لاتركز على الاعتماد بشكل كامل على القوة العسكرية فقط( وإن كانت جزء رئيسي من منظومة أمن الخليج)  ولكن  تتأسس أيضا على أفكار للأمن متعدد الشركاء ، لما تحتويه من قواعد تحدد أسسا للسلوك الإقليمي يستهدف منع الاعتداء ، مع استعدادها في نفس الوقت لردع أي اعتداء حال حدوثه  باستخدام القوة العسكرية والتي يلزم أن  تتصف بقدرات ردعية متفوقة، وعالية الكفاءة  ترسل رسالة توضح أن تكلفة العدوان باهظة في إطار منظور العقاب الجسيم.

 

6-القوة العسكرية العربية ستعد حجر الزاوية في بناء منظومة أمن الخليج، ومن الواضح أنه مازالت هناك مشاكل تقنية لم تحسم بعد، ولكن يمكن البدء في مراحل بناء القوة العسكرية على مراحل إذ أن طبيعتها تتطلب التدرج، على أن تكون البداية في المرحلة الأولى، هي تشكيل النظام المشترك للقوة الجوية العربية والدفاع الجوي، وفي إطار خطوط عامة   كمثال:

     أولا: الوحدات الجوية متمركزة كل فى قواعده الجوية.

    ثانيا: وحدات وعناصر الدفاع الجوي أيضا في أماكنها، مع تخطيط نظم موحدة للإنذار، وتنفيذ مهام العمليات، وعلى أساس التدريبات المشتركة المستمرة سيتم بطبيعة الحال الوصول إلى خطط متكاملة ومرنة، فهكذا يجب أن تكون البداية المبسطة والتدريجية، ووفقاً لقاعدة أن ما لا يدرك كله، لا يجب أن يترك كله.

 

 

المراجع:

هذه الوثيقة لم تكن سرية ، او على الأقل ماتم نشره من مهام امريكية انذاك قد تم تنفيذه بالفعل [1]US National Security Strategy 2013. ‘ٍ

[2]تلك العبارة صادرة حرفيا فى وثيقة الان القومى 2013 – وهى تضع مهاما قاطعة لمجتمع المخابرات الامريكى بأكملة  بالتعامل مع الافرا والجهات بخلاف الدولة اذا وجدت فيهم القدرة على احداث التغييرات التى تراها ، ومن ثم فتطبيقها جدير بالدراسة .

International order becomes more dynamic and requires adaptability. Flexibility and creativity in perceiving and solving complex international problems will differentiate tomorrow’s geopolitical winners and losers.P14.

[3]

[4] لدينا ادلة عديدة مثل حرب اكتوبر 73 وتعديل مصر الاوضاع الجيوسياسية انذاك ،ماقامت به امريكا فى العراق ، و ماقامت به روسيا وتقوم به فى  اوكرانيا , وسوريا .

[5]

تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه ، بمعنى سياسة السيطرة على الأرض ، وبسط نفوذ الدولة في جميع البلدان يمكن الوصول إليه. إذ أن النظرةالجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا فعالا في أوسع مساحة خارج نطاقها الجغرافى.

 

[6]2015 Index of U.S. Military Strength, Assessing America’s Ability to Provide for the Common Defense, 2015 by The Heritage Foundation

 

 

[7]المرجع السابق

[8] المرجع السابق

[9]انظر ، وثيقتى مبادىء السياسة الخرجية الروسية – والعقيدة العسكرية الروسية الصادرتين فى 2000 ، علما بانه لم تفعل عمليا الا بعد وصول بوتين للسلطة فة 2012 ، بالتدخل العسكرى فى اوكرانيا .

[10]OSCE: Organization for Security and Co-operation in Europe

 

[11]CSCE: Commission on Security and Cooperation in Europe

 

[12]ASEAN: Association of Southeast Asian Nations

 

مجلة آراء حول الخليج