array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 104

التوازنـــات الخليجيـــــة: المنافع الخاصة والمكاسب الإقليمية

الخميس، 11 شباط/فبراير 2016

إن مفهوم علاقات الدول يتأسس على ما قد يمكن أن تتلمسه  كل دولة أولا من حقيقة وجود مصالح حيوية لها وتريد تحقيقها بعدما تم التأكد مسبقا من حجم ما تكتسبه هذه المصالح من أهمية لتنميتها أوما تمثله من ضرورة لأمنها، ثم بناء على التيقن ثانيا من أنه لا يمكن لها تحقيق هذه المصالح بمفردها وبمعزل عن المجتمع الدولي أي بدون علاقات تعاون دولي ثنائي و متعدد الأطراف، وبناء على هذين الاعتبارين يتم التقارب بين الدول لبحث كيفية إقامة علاقة تحقق المبتغى يليه تحديد المستوى السياسي الذي يسمح  لدراسة سبلها والاتفاق على محدداتها وأهدافها، والاتفاقيات الدولية هي الإطار القانوني الذي يحدد طبيعة وموضوع المصلحة أو المصالح ويرسم حدود هذه العلاقة ويصيغ حقوق كل طرف والتزاماته تجاه الطرف أو الأطراف الأخرى، ومعنى ذلك أن الاتفاقية الواحدة يمكن أن تتعلق بتحقيق أكثر من مصلحة ولأكثر من طرف.. ومع التنوع الهائل والتوسع المطرد في النشاط الإنساني اكتسبت مختلف الدول وزنا معينا في العديد من مجالات النشاط، ويرتبط أكثرها تقدما بمدى ما تمكنها قدراتها الذاتية من الانفراد بقدر من التميز النسبي سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي، أو التجاري والاستثماري، أو العلمي والثقافي والفني، أو العسكري ... ومن هنا برزت مسألة ضرورة التمييز بين المصالح المشتركة والمصالح المتبادلة والمصالح المتكافئة...وبين المصالح المؤقتة والمصالح الدائمة، وبين المصالح المحدودة والمصالح الاستراتيجية.

 

ظل المجتمع العربي والدولي ينظر إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه كتكتل إقليمي بعين التقدير والاحترام بعدما عكس النضج السياسي لقيادات دوله الست وعيا عميقا بطبيعة وحجم الجهود المطلوبة لتحقيق أعلى مستويات التنمية الشاملة، وأثبت سداد الرأي صوب التوجهات السياسية بشأن العلاقات داخل المجلس وخارجه على المستوى الإقليمي والدولي، وأكدت روح المسؤولية الجماعيةعلى صحة النظرة الثاقبة في رسم معالم المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة بعد تحديد هوامش التحرك الدولي في إطار السيادة الوطنية لكل دولة، وبذلك تحددت المصالح التي صيغت في ديباجة التأسيس، ولعل ما ساعد كثيرا على تبوء المجلس مكانة القدوة والمثال العربي والدولي هو وحدة النسيج المجتمعي لشعوب منطقة الخليج العربي والأواصر المتينة التي ربطت تاريخيا مجتمعاتها ببعضها وأهمها وحدة الهوية والديانة والثقافة وعلاقات القربى ،بالاضافة إلى تقارب الموقع الجغرافي والتشابه المناخي الذي ساهم في تقارب آخر في النشاط الإنساني، وعليه  لم يكن عسيرا على القيادات السياسية سرعة تحديد وبلورة المشاكل القائمة وتفهم طبيعتها والتعرف على أبعادها، ثم التجاوب الجماعي المشترك بكل فعالية مع النهوض بالحلول المناسبة لها انطلاقا من وحدة الهدف المبني أساسا على وحدة التصور، وبالتالي تشكل بصفة تلقائية ومنذ البداية مستوى عال ومعين من وحدة المصلحة .

 

أحدثت التغيرات السياسية والاقتصادية على الصعيد العالمي تداعياتها الواسعة على العلاقات الدولية وامتدت كأمواج متسارعة وبشكل متلاحق على المنطقة العربية ومنها منطقة الخليج العربي، فالأفكار المسوقة بشأن العولمة ومحاولات الدفع نحو الانضمام للمنظمة العالمية للتجارة أحدثتا نوعا من الأنانية في سياسات الدول على خلفية الحرص الشديد على الحفاظ على المكاسب المالية والتجارية والاستثمارية المحققة من جهة، ولتعظيم الفوائد والمنافع من جهة أخرى عبرالتسابق المحموم نحو التوسع في إقامة علاقات اقتصادية وفق مفاهيم متطورة أسست لمرحلة جديدة من حيث تزايد الاستثمارات الخارجية وإقامة مشاريع الشراكة الاستراتيجية وأخرى لتقاسم الإنتاج التي دفع بريقها إلى التجاوز في عدد منها حالة الحساسية السياسية التي شابت علاقات بعضها بدول أخرى وذلك من أجل تحقيق هدف ضمان مواجهة مقتضيات الاندفاع الطموح نحو رفع وتيرة التنمية بنسب كبيرة إلى جانب الاضطرار إلى مواصلة رفع ميزانيات التسلح والإنفاق العسكري كضرورة إقليمية ولكن العجلة في تحقيق هذه الأهداف لم يكن ليمر بدون متاعب  ذلك أن الشواهد الحالية تشير إلى أن عدة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي أو العسكري قد تم إبرامها بدون تنسيق مسبق للمواقف يستند إلى توافق سياسي يراعي مصالح كل دول المنطقة الخليجية خاصة إذا تعلق الأمر بتواجد عسكري أجنبي على الأرض الخليجية كالحالة القطرية، أوالتوجه نحوالتقارب السياسي أو تدعيم القدرات المالية لدول أخرى ينظر اليها بعين الشك والارتياب في نواياها التوسعية كالحالة الإيرانية أو التركية، هذا فضلا عن حالات الخروج الصريح عن المباديء الأساسية للمجلس ومخالفة مبادئه التي تحكم علاقاته الدولية وعلى رأسها عدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كالحالة في سوريا وفي ليبيا واليمن، وحتى إن كانت ثمة مبررات تم تسويقها لذلك إلا أنها  كلها في حقيقتها مظاهر لحالة التناقض الذي أفضي إلى التضارب في المصالح السياسية بدرجة أساسية مثلما كان الحال مؤخرا بين دولة قطر من جهة وثلاث دول خليجية من جهة أخرى التي بلغت حد سحب السفراء من الدوحة بسبب الموقف من الأزمة السياسية التي عرفتها مصر بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي وسقوط نظام الإخوان المسلمين حيث برز الاختلاف في كيفية التعامل مع النظام الشرعي الجديد المدعوم شعبيا إذ لا تزال بعض دول المجلس على غير توافق معه، على خلاف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت الداعمة له بشكل مطلق فيما تحتفظ دول أخرى كسلطنة عمان بعلاقات عادية حتى يبدو أن الصمت هو سمتها الظاهرة...إلى حين، وفي كل هذا يبقى اعتبار المصلحة على كافة أشكالها قائما وطرفاها الدعم الاقتصادي مقابل التعاون الأمني والعسكري أو الدعم السياسي مقابل التعاون الاستخباراتي .. وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى غض الطرف عن الخلافات القائمة فعلا والاختلافات العميقة في المرئيات والتصورات المستقبلية بل ويبلغ حد مرحلة التراجع عن التشدد في مواقف سياسية ثابتة تجاه قضايا دولية ذات اهتمام مشترك وذلك كله مقابل مكاسب اقتصادية واستثمارية، والذي يترددـ بغض النظر عن دقته ـ  في مثل هذه الظروف أن بعض الدول الخليجية أصبحت تصنف سفراءها على حسب ما يجلبون لها من استثمارات  خلال فترة عملهم في دول التمثيل وبخاصة في القطاعات الاستراتيجية، ونجد صدى ذلك على سبيل المثال في ما بلغه مستوى علاقات التعاون الاقتصادي حاليا بين دولة قطروالجزائرالذي أصبح  يوصف "بالمتميز" بعد  جفاء دام سنوات بسبب التناول الإعلامي المسيء لقناة "الجزيرة " الفضائية القطرية للوضع السياسي والأمني بالجزائر طيلة سنوات اشتداد العمل الإرهابي المسلح طوال التسعينات الماضية والذي كاد يؤثر في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد موجة الانتقادات الحزبية والإعلامية الجزائرية الحادة تجاه ما اعتبرته تدخلا في الشؤون الداخلية اذ تلاقت أخيرا حاجة الجزائرالشديدة لجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع سياسة دولة قطربتوجيه فوائضها المالية نحو الاستثمار في الخارج، ومن أجل ذلك طوت قيادتا البلدين ما كان، وغلب منطق المصلحة الاقتصادية لدى الطرفين  على كل اعتبارآخر .

قفزت سلطنة عمان على الهواجس الخليجية من طبيعة تمدد النفوذ الإيراني في منطقتي الشرق الأوسط و الخليج العربي بالرغم من أنها هواجس لا تنطلق من فراغ قديما وحديثا فاستمرارالتعنت الإيراني في الاحتلال الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ثم التدخل السافرللحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق ولبنان ، قد عزز مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيرا جاء تشكيل الذراع الفارسي في جنوب شبه الجزيرة العربية المتمثل في المتمردين الحوثيين باليمن ليحول الاعتقاد إلى يقين بطبيعة السيناريو الإيراني ، و بالتزامن مع هذه التطورات خطت سلطنة عمان خطوات كبيرة في علاقات التعاون مع إيران من خلال الاتفاق على عدة مشاريع شراكة واستثمارات إيرانية ضخمة تفوق بكثير قدرة الهيكل الانتاجي في عمان على  مجرد المشاركة فيها ناهيك عن استيعابها، كما أن المشاريع المتفق عليها تتعلق بأنشطة لا يمكن للسلطنة توفيرالحجم الضروري من العمالة الفنية والماهرة  لها، ويفهم من هذا أن التوافق(الثنائي) كان سيد الاعتبارات لتحقيق هذا التقارب، فالمدخل الإيراني في عمان هو تحقيق تنمية فيها بالرغم أنه كان بإمكان السلطنة ضمانها بقدر كبير مع أي طرف آخر من دول المجلس الخليجي أو العربي أو الأوروبي .. هذا في مقابل مظهر تمركز إيراني مشبوه في صورة حجم كبير من "العمالة " قريبا من الأحداث الجارية باليمن يتزامن مع تطور العمليات العسكرية لقوات التحالف ضد المتمردين الحوثيين، اذن هو استغلال المصلحة المذهبية المتوارية خلف معطيات اقتصادية لتحقيق أهداف سياسية.

 

يدور الحديث عن وجود اتجاه  لعقد لقاء خليجي ـ إيراني مزمع قبل نهاية العام الجاري 2015م، والاعتقاد أنه لن يخرج عن التشديد على مبدأ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو أمرسبق ترسيخه والدعوة إليه في العلاقات الدولية وجرى تأكيده في مختلف المحافل العالمية، وتناوله مجددا يعني حقيقة وجود ما يعد مبرراكافيا لإعادة مناقشته في صيغة مطالب خليجية مشددة ستقابلها مطالب إيرانية مماثلة أيضا بشأن الوضع في سوريا واليمن على وجه الخصوص ،ولكن بالنظر إلى بلوغ تطورات الأوضاع في هذين البلدين مرحلة اللاعودة فإن اللقاء المذكور ينظر إليه بعين الشك حيث يستبعد أن يحقق توافقا ملموسا بين طرفيه وهو ما سيعد اخفاقا غير محمود العواقب حيث سيقلل من وزن إيران الاستراتيجي كحليف للولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب تركيا في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية للتمكين لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط أولا ثم التمهيد للتمركز الأمريكي بالمنطقة قريبا من الصين وروسيا، والضرورة تقتضي بداهة الاتفاق الدائم بين دول مجلس التعاون الخليجي على عدم ترك الفرصة لتتمتع إيران بذلك الوزن لأنه سينعكس وبالاً عليها، والضغط عليها من أجل الحصول على أقصى الضمانات لعدم مساسها  باستقرار المنطقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأنه يعني مباشرة تهديدا للأمن الخليجي، وعلى أساس التوازنات داخل مجلس التعاون الخليجي وتقديرات دوله بين المنافع الخاصة على المستوى القطري وبين المكاسب الإقليمية على مستوى مجلس التعاون تتأرجح المصلحة الخليجية.  

مجلة آراء حول الخليج