array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 112

تعزيز العلاقات اليابانية - الإيرانية بعد توقيع اتفاقية الاستثمار لا يعتبر حتميًا تجربة اليابان في استخراج نفط المنطقة المقسومة: النتائج والرؤية

الثلاثاء، 04 تشرين1/أكتوير 2016

عبر البوابة الدينية، سجل التاريخ الحديث أول تداخل للعلاقات بين اليابان ومنطقة الخليج العربي. حيث قام السيد كوتارو ياماوكا من اليابان بأداء فريضة الحج في عام 1909م، ليؤلف كتابًا عن المتاعب التي واجهها أثناء أدائه الحج وليتبعه بعدد من مرات الحج للأعوام 1924م و 1933م.  إن السيد ياماوكا لم يكن وحده في أداء فريضة الحج، بل حج معه عدد من المسلمين اليابانيين قبل الحرب العالمية الثانية (تاريخ العلاقات اليابانية السعودية، الصفحة الرسمية لسفارة اليابان في الرياض).

إن تداخل بعض المسلمين من الشعب الياباني في منطقة الحجاز ، قد أدى بشكل أو بآخر إلى تداخل اقتصادي فيما بعد بين اليابان وبين دولة يقع بعض من أجزائها الغنية بالنفط على ضفاف الخليج العربي ألا وهي المملكة العربية السعودية بعد توحيدها عام 1932م. فقد كان توثيق أول اتصال رسمي بين السعودية واليابان، بزيارة المبعوث السعودي لدى بريطانيا آنذاك السيد حافظ وهبة عام 1938م، لليابان لحضور حفل افتتاح مسجد طوكيو(تاريخ العلاقات اليابانية السعودية، الصفحة الرسمية لسفارة اليابان في الرياض). 

ولم يمض إلا عام واحد فقط، ليقوم المبعوث الياباني لدى مصر السيد ماسايوكي يوكوياما كأول مسؤول ياباني بزيارة الرياض ليلتقي بالملك عبد العزيز. وبعد تطورات الحرب العالمية الثانية، سجل التاريخ أيضًا أول زيارة لوفد اقتصادي ياباني للسعودية عام 1953م، ليتوج ذلك التداخل بعد تلك الزيارات المتبادلة بين الجانبين بإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الدولتين في عام 1955م. (تاريخ العلاقات اليابانية السعودية، الصفحة الرسمية لسفارة اليابان في الرياض). 

والمتتبع لتاريخ العلاقات الخليجية – اليابانية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا الحاضر، لابد أنه سيدرك أن المنفعة الاقتصادية المتبادلة نسبيًا بين الجانبين هي من جلبت علاقات التعاون الاقتصادي المثمر دون سواها من العلاقات بل هي من أسست لعلاقات سياسية ومعرفية  وتجارية يحترمها ويرعاها كلا الطرفين.

ولعل الحدث الأبرز لتلك المنفعة الاقتصادية،  يكمن في منح السعودية حق امتياز التنقيب واستخراج النفط لليابان بعد توقيع حق الامتياز بين كلا الطرفين في ديسمبر عام 1957م، في منطقة الخفجي الذي تلاه توقيع الكويت حق الامتياز النفطي مع اليابان في عام 1958م. امتيازان لدولة واحدة من قبل دولتين، لاشك أن الحق  يقع في منطقة مشتركة بينهما. نعم، هو كذلك.    

حيث أنه في عام 1922م، تأسست المنطقة المحايدة بين السعودية ودولة الكويت  تلك المنطقة التي كانت تعتبر محمية بريطانية. وكان الهدف من إقامة المنطقة المقسومة بين دولتين من دول الخليج العربي، السماح للقبائل العربية الرحل من الانتقال والتجوال بكل أريحية ويسر بين الدولتين. وفي عام 1953م، أعلنت الدولتان واحدة  تلو الأخرى " حقوقهما في منطقة الأرخبيل القاري وخليج رأس الخفجي في المنطقة المغمورة المواجهة للمنطقة المحايدة واحتفظتا باقتسام العوائد من موارد قاع البحر وتحت التربة بالتساوي"( صحيفة اليوم، عدد 13403،  2010). 

وفي عام 1965م،  تم توقيع اتفاقية بين السعودية ودولة الكويت مفادها " أن المنطقة المحايدة تقسم إلى منطقتين تفرض كل دولة منها سيطرتها على أحداهما بينما تظل الحقوق المشتركة لموارد تحت التربة مقتسمة بالتساوي، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ اعتبارًا من شهر يونيو عام 1970م" ( صحيفة اليوم، عدد 13403،  2010).

ما بين: 1922 و 1970م،  هناك بعض التطورات والأحداث و الأعوام  جدير بتوضيحها لأهميتها وليكن عام 1956م أولهم.  حيث يعتبر ذلك العام مصيريًا في عمر العلاقات الاقتصادية: الخليجية و اليابانية بل والمؤسس الحقيقي لصناعة النفط في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت.  الكثير من المراقبين والمعنيين بصناعة النفط في منطقة الخليج العربي، يرجعون صناعة النفط في منطقة الخفجي إلى السيد ياماشيتا تارو ومجموعة من رجال الأعمال والمقاولين اليابانيين وزيارتهم للسعودية في ذلك العام. تلك الزيارة التي هدفت الحصول على حق الامتياز النفطي في منطقة الخفجي. 

وبعد مفاوضات إيجابية لتحقيق هدفه مع الحكومة السعودية  من زيارته لها، قام السيد ياماشيتا بتأسيس شركة التشغيل "الزيت العربية المحدودة ". وقد  تم تكليف السيد ياماشيتا  فيما بعد، "لإجراء مفاوضات نيابة عن المالك، المملكة العربية السعودية، وتم إرسال وفد إلى الكويت ... بشأن اتفاقية الامتياز في المنطقة الحيادية المقسومة بين الدولتين... وفي ديسمبر 1958م، تم اختتام المفاوضات بتوقيع اتفاقية امتياز الحكومة السعودية والشركة اليابانية لتجارة البترول المحدودة". ( الصفحة الرسمية لعمليات الخفجي، KJO.COM.SA ).

إن تأسيس شركة الزيت العربية المحدودة في عام  1958م وما صاحبه من ظهور كيان تجاري- صناعي نفطي جديد، أدى إلى تحويل جميع الامتيازات من الشركة اليابانية الأم  لتجارة البترول المحدودة إلى الشركة الوليدة التي لعبت دور صانع النفط في المنطقة منذ ذلك التاريخ و إلى عام 2000م . 

 شركة الزيت العربية المحدودة ، قد حصلت على رخصة حق التنقيب  لمدة عامين والاستكشاف  لمدة أربعين عامًا من قبل الحكومة السعودية اعتبارًا من تاريخ تأسيسها و على أربعة وأربعين عاما من قبل الحكومة الكويتية  وتشمل أعوام التنقيب والاستكشاف.   ليس هذا فحسب،  بل وبموجب حق الامتياز فإن للشركة نسبة 80%  من الإنتاج و10% لكل من السعودية والكويت مقسمة  بالتساوي.  ( صحيفة الحياة، عدد 13495، 2000). 

وفي عام 1960م،  تم اكتشاف الزيت بكميات كبيرة  في منطقة الخفجي التي أصبحت " القاعدة الدائمة للعمليات في الخفجي وعلى اللسان المائي الكائن بها لتقام بها كل المرافق البرية المساعدة في الإنتاج والشحن والسكن وغيرها من المنشآت التي تستدعيها عمليات الشركة المتطورة".  ( صحيفة اليوم، عدد 13403،  2010).

وبحلول عام 2000م ، بدأت مرحلة جديدة لصناعة النفط في المنطقة المقسومة ما بين الكويت والسعودية. حيث انتهى حق الامتياز لشركة الزيت العربية المحدودة بالنسبة للجانب السعودي بالرغم من وجود بعض المحاولات الجادة لتجديد حق الامتياز للشركة قبل انتهائه وأجريت في سبيل ذلك عدة جلسات بين الجانبين، ولكن لم يكتب لتلك المحاولات النجاح.

يعني عدم النجاح سدل الستار على حقبة حق الامتياز لليابان (شركة الزيت العربية المحدودة ) من الجانب السعودي، ليستمر لعام 2003م من قبل الجانب الكويتي وليسدل بعد ذلك أيضًا. إن سدل الستار، قد قابله ظهور شركتين خليجيتين في صناعة نفط الخفجي: أرامكو لأعمال الخليج  والشركة الكويتية لنفط الخليج. ولكن، كانت هناك ثلاثة أعوام قبل تأسيس الشركة الكويتية لنفط الخليج مهمة، و تعد بحق أنموذج تعاون اقتصادي مثمر بين دول الخليج العربي.

استطاعت شركة أرامكو لأعمال الخليج بعد تكوينها في الأول من أبريل عام 2000م، خلق بيئة ثقة العمل الإداري للموظفين المحولين لها من قبل شركة الزيت العربية المحدودة.  حيث أبقت على جميع الامتيازات السابقة التي كانوا يحصلون عليها.  وفور قيام الشركة، قامت بإبرام اتفاقية " إنتاج الزيت المشتركة" مع شركة الزيت العربية المحدودة الممثلة للجانب الكويتي آنذاك.

لاشك أن إدارة إنتاج الزيت في المنطقة المقسومة، كانت تحتاج إلى آلية عمل مشتركة تم تفعيلها من خلال تكوين لجنتين مشتركتين هما " اللجنة التنفيذية المشتركة كجهاز أعلى صانع للقرار حول سياسة العمليات المشتركة وبرامج التشغيل والميزانية ولجنة العمليات المشتركة التي تتولى مهمة الإشراف على العمليات والنشاطات اليومية وتضم ستة أعضاء من الطرفين" ( صحيفة اليوم، عدد 13403،  2010).

تميز الأداء الإداري التعاوني بين الشركتين في تلك الفترة، بتحقيق الإدارة الفعالة لمنطقة مقسومة نفطية بين الدولتين.  حيث عمل الموظف السعودي بجانب الموظف الكويتي وعملا سويًا مع الموظفين الأجانب وتلاشت الخصوصية لتحل مكانها روح الفريق والهدف الواحد وكيمياء التناغم والانسجام الإداري. وقد استمر الأداء الإداري الفعال حتى بعد إنشاء الشركة الكويتية لنفط الخليج عام 2002م.  ومن الجدير بالذكر هنا، أن إنتاج منطقة الخفجي من النفط يبلغ اليوم        و بشكل  يومي 700 ألف برميل مقسمة بالتساوي بين الكويت والسعودية ( قناة العربية، 2016).

وفي عام 2007م، ظهر خلاف تقني بين السعودية والكويت حول إنتاج النفط في منطقة الخفجي بل توقف إنتاج النفط فيه مؤقتًا. كان جوهر الخلاف يدور حول تمديد امتياز لشركة شيفرون من قبل الجانب السعودي ذلك التمديد الذي سينتهي في عام  2039م  التي حاججت الكويت بعدم أخذ مشورتها فيه. وفي الجانب الآخر ، كانت الحجة السعودية تتمثل في القضايا  البيئية. 

بغض النظر عن عدم التشاور أو عامل البيئة،   فإن النفعية الاقتصادية المشتركة التي تم بناؤها من قبل شركة الزيت العربية المحدودة على مدار عقود من الزمان و القائمة على أسس متينة من التعاون والتفاهم والانسجام  التي تم ترسيخها بين الدولتين، هي من لعبت دورًا أساسيًا في حل المشكلة. حيث تم حل تلك المشكلة بشكل أخوي- مهني من جانب الدولتين.  ويوجد الآن تنسيق مستمر من قبل الشركتين لمواجهة أي تطورات قد تحدث  في المستقبل من جديد. 

نتائج التجربة اليابانية في استخراج النفط من المنطقة المقسومة ما بين السعودية والكويت   

أثبتت العلاقات الخليجية - اليابانية عبر تاريخ استخراج النفط من المنطقة المقسومة، بعض النتائج والحقائق التي يجب أن تكون متغيرات وعوامل توثيق للعلاقات المستقبلية بينهما حيث تأتي الجغرافيا على قائمة تلك النتائج.  إن البعد الجغرافي لم يكن يومًا من الأيام سببًا في عدم قيام تعاون اقتصادي مثمر بين الجانبين بل أن متانة تلك العلاقات اليوم أكدت العكس. 

حيث أن التباعد الجغرافي قد كان سببًا في تنمية العلاقات الاقتصادية بين منطقة الخليج العربي واليابان  ليس هذا فحسب، بل ومتغيرًا مستقلًا في تعزيز التعاون الاقتصادي البيني بين الكويت والسعودية المشتركتان في حدود جغرافية. ولعل تحليل الوقائع والحقائق الإمبيرقية لتجربة استخراج النفط في المنطقة المقسومة وتأثيرها على العلاقات الخليجية- اليابانية، قد يوضح صحة ذلك الافتراض. 

فلكثير من أساتذة العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية، أن التقارب والتداخل الجغرافي قد يؤدي إلى بروز قضايا للصراع أكثر منها للتعاون . فالدول المتجاورة جغرافيًا، قد يؤثر على علاقاتها قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وتغييرًا ديموجرافيًا بحكم الجغرافيا. فالعلاقات الدولية تخبرنا الكثير عن الملفات الغير سارة بالنسبة لقضايا الحدود بين الدول .

وحين مقارنة علاقة: الحدود السعودية - الكويتية باليمنية على سبيل المثال، سندرك كيف أثر وجود شركة الزيت العربية المحدودة كمتغير وسطي مستقل في إزالة بؤر الصراع الحدودي الذي كان من الممكن في حالة عدم وجوده أن ينشأ صراعًا في أي وقت من الأوقات بينهما لاسيما أن المنطقة الحدودية المشتركة غنية بالنفط.

في المقابل نجد أن غياب المتغير المستقل الخارجي، قد أثر سلبًا على العلاقات الحدودية بين السعودية واليمن.  فمنذ اتفاقية الطائف 1934م وإلى اتفاقية جدة عام 2000م والصراع الحدودي يستمر،  ليحل ذلك الملف الحدودي الشائك بمنطق أخوي عقلاني بعيدًا عن مبادئ وأسس نظريات العلاقات الدولية بالتحديد منها: الواقعية (المصلحة) والليبرالية (التعاون). صحيح أن قضية الحدود السعودية - اليمنية قد حلت في نهاية الأمر، ولكنها حرمت الدولتين لفترات زمنية طويلة من بناء مشاريع تعاونية اقتصادية مشتركة تعود على مجتمعاتهما بالنفع وتقلل فرص قيام صراع بينهما كما حصل بين الكويت والسعودية. 

إن قضايا الحدود ليست مقتصرة على دول الخليج العربي.  فكثير من الدول مازالت وربما تنتظر وجود المتغير المستقل الخارجي لكي يخف معه وطأة الصراع الحدودي ، وطابور القضايا هذا طويل.  فهناك الكثير من القضايا الحدودية العالقة التي لم تحل بعد بل وتراوح مكانها وكأنها قنابل تنتظر حدثًا ما ليشعل فتيلها فكشمير الحدودية بين الهند وباكستان مثالًا ملتهبًا على تلك القضايا الحدودية ناهيك عن فتيل قضايا الحدود بين المغرب والجزائر.

ولهذا، فإن المتفحص لتجربة استخراج النفط في المنطقة المقسومة سيدرك أهمية التجربة التي ساعدت في تنمية العلاقات اليابانية و الخليجية- الخليجية لتقلل من هاجس القضايا الحدودية وما كان سيترتب عليها من أثار سياسية واقتصادية واجتماعية وسكانية لكلا الدولتين و في  نفس الوقت رفعت سقف التعاون البيني وعززت ثقافة حسن الجوار.  

لقد أوجدت الجغرافيا اليوم أيضًا فرصًا استثمارية للعلاقات السعودية – اليابانية بناءً على التجربة اليابانية. حيث بسبب التباعد الجغرافي بين السعودية واليابان،  فإن السعودية قد لجأت لتخزين النفط في جزيرة أوكيناوا اليابانية " وتحصل مقابل ذلك أفضلية للحصول على النفط عند الطوارئ ، كما تساعد المملكة على زيادة إنتاجها اليومي من النفط إلى 12.5 برميل ... مع هامش احتياطي يقدر بمليون ونصف المليون إلى مليوني برميل يوميًا" ( آراء الخليج عدد110، 2016). وكذلك فعلت أبو ظبي من تخزين لنفطها في اليابان. 

إن اللجوء إلى تخزين النفط في اليابان، سيفتح فرصًا خليجية نفطية في سوق آسيا.  حيث ستكون اليابان مركزًا لتلك الفرص. والمتغير الجغرافي المستقل إذا ما تم توظيفه بالشكل الأمثل، يعتبر موثقًا جيدًا للعلاقات الاقتصادية بين اليابان والخليج العربي في المستقبل المنظور.  وليس بعيدًا عن متغير الجغرافيا، فإن المبادرات تصنع المعجزات.

سيظل التاريخ يكرر اسم  السيد ياماشيتا ومجموعته مع كل بحث ومقال وكتاب يكتب عن صناعة النفط في منطقة الخفجي ليس حبًا في اسم الرجل بقدر احترامًا وتقديرًا لمبادرته التي غيرت مسار المنطقة من منطقة حدودية ربما كان سيتم الصراع عليها إلى منطقة فتحت معها أفاق للتعاون بين اليابان ومنطقة الخليج العربي. 

وبسبب مبادرته وما ترتب عليها عبر الزمن من توسع اقتصادي مشترك، تعتبر اليابان اليوم من أهم الأسواق الرئيسية للصادرات الخليجية وتأتي في المرتبة الأولى في سلم الأسواق بنسبة 15.7 % وبمبلغ 139.7 مليار دولار وتأتي في المرتبة الخامسة للأسواق الرئيسية للواردات الخليجية  بنسبة 4.9% وبمبلغ 24.9 مليار دولار في عام 2014م.( مركز الجزيرة للدراسات، 2015). إن مبادرة السيد ياماشيتا، يجب أن تكون توثيقًا و نبراسًا للمبادرات القادمة وأساس تلك المبادرات: التكنولوجيا اليابانية في مقابل الفرص الاستثمارية الخليجية.  ولكن نجاح المبادرات ، تحتاج بيئة مشجعة ناجعة لتحقق أهدافها وليست بيئة مضطربة السياسات. 

حيث تبرز نتيجة من التجربة اليابانية مفادها أن الشراكات والامتيازات الدولية تنجح وتزدهر حين تتوفر لها بيئة: سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وتشريعية مستقرة واضحة الأولويات و مشجعة وعادلة وشفافة ويلتزم بها جميع الأطراف. هذا ما حصل مع شركة الزيت العربية المحدودة حينما منحت فرصة البيئة الناجعة للامتياز حيث حققت أهدافها. 

في المقابل، لم تبخل الشركة في تعليم وتدريب أبناء منطقة الخفجي بل وأيضًا في إرسالهم لبعثات دولية لإتمام تعليمهم.  إن البيئة الناجعة المستقطبة للاستثمار وليست المنفرة منه، يجب أن تكون عنوان المرحلة القادمة للعلاقات اليابانية – الخليجية. وإذا توفرت البيئة الناجعة، فإن النفعية الاقتصادية التي أتى بها دافيد ميتراني يجب أن تتحقق. إن تجربة اليابان في استخراج النفط من منطقة الخفجي في حد ذاتها، منفعة اقتصادية لليابان والخليج العربي لابد من توثيقها وتوسيع دوائرها. 

حيث يرى دافيد ميتراني أستاذ النفعية، أن قيام مشروع اقتصادي بين دولتين لابد أن يتولد عنه مشاريع اقتصادية أخرى الأمر الذي سيؤدي في نهاية الأمر إلى تشابك المصالح بين الدولتين. إن المصالح الخليجية – اليابانية اليوم، متشابكة فعلا وتحقق النفعية.  ولكن، بحاجة ماسة لرفع مستواها إلى أن تصبح تلك المنافع متشابكة استراتيجيا.  وإذا أصبحت النفعية بينهما منفعة استراتيجية، فهذا في حد ذاته يعتبر أهم توثيق للعلاقات بين اليابان ودول الخليج العربي في المستقبل.

ولكن، كيف يمكن توثيق العلاقات بينهما استراتيجيًا والنفط الذي كان ومازال أساس النفعية الاقتصادية أسعاره تترنح و يتنازعه مع دول الخليج العربي أطرافًا إقليمية منها إيران والعراق ودول أخرى وتوجه عالمي نحو التحول إلى الطاقة المتجددة ؟  الإجابة على هذه الأسئلة، يعني ضرورة صياغة الخطوط العريضة لرؤية مستقبلية للعلاقات اليابانية – الخليجية في ضوء متغيري: الطاقة والتكنولوجيا.  

رؤية مستقبلية للعلاقات اليابانية – الخليجية في ضوء متغيري: الطاقة والتكنولوجيا        

صياغة رؤية مستقبلية لتوثيق العلاقات اليابانية – الخليجية  ودفعها نحو التشابك الاستراتيجي، يتطلب تحليل للمتغيرات التي تؤثر في بنائها.  فنتائج التجربة عبارة عن متغيرات أساسية للرؤية المستقبلية تتوازى معها متغيرات أخرى:  سياسة اليابان الخارجية بالتحديد الطاقة منها وأمن الإمدادات النفطية، وعودة إيران والعراق لأسواق النفط ومنافسة بعض الدول على سوق الطاقة الياباني، ومتغير الطاقة المتجددة ، وأخيرًا وليس آخر متغير التكنولوجيا.  

حيث تتميز السياسة الخارجية لليابان تجاه الخليج العربي بعاملين أساسيين: " المصالح الاقتصادية. والتي تستند أساسًا على تــأمين إمدادات النفط: وثانيًا الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بتأمين خطوط الملاحة البحرية من مضيق هرمز مرورًا بمضيق ملقة، حتى تصل إلى وجهتها في الموانئ اليابانية " ( مركز الجزيرة للدراسات، 2015).

والحلف الياباني النسبي مع أمريكا بالنسبة لأمن إمدادات النفط لسياسة اليابان الخارجية، يمكن معه تلمس اتجاه سياسة اليابان الخارجية تجاه الخليج العربي وإيران ويدخل  ضمن ذلك إرسال قوات لمنطقة الخليج العربي كأول عمل عسكري خارجي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية. 

إن الحظر التجاري على إيران بقرارات أمنية في عام 1995م، وما صحبه من تشديد العقبات بلغ أوجه في عام 2006م، تعتبر أمريكا هي المحرك الأساسي له بل و ضغطت على اليابان لكي تشدد العقبات على إيران. فنصيب اليابان من النفط الإيراني قدر في عام 2005م بـ 11 % ( آراء الخليج عدد110، 2016) لتنحدر تلك  النسبة إلى 5% بـ 166 ألف برميل يوميًا في عام 2014م . ( مركز الجزيرة للدراسات، 2015).  

ولهذا، يمكن أن نتفهم أسباب تقليص اليابان  من استيرادها واستثمارها في حقول النفط  وخاصة حقل آزادغان النفطي الإيراني خلال فترة العقوبات.  فقبل ذلك بعدة أعوام ، كانت شركة إنيبيكس اليابانية تستحوذ على قرابة  75% فيه عام 1996م من ذلك الحقل ومن ثم تقلصت تلك النسبة لتصل إلى 10% في عام 2011م . (مركز الروابط للبحوث والاستشارات، 2016).

وفي نفس السياق، فإن مصلحة اليابان في النفط الإيراني قد عادت بقوة عقب توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست في 2 أبريل 2015م.   حيث أن اليابان لم تكن من الدول الست الموقعة مع إيران على ذلك الاتفاق بينما كانت روسيا والصين من ضمن الدول الست.  الصين المنافس التقليدي لليابان، كانت فعلًا بدأت في منافسة اليابان حول حقل آزادغان النفطي الإيراني حيث حصلت مؤسسة البترول الوطنية  الصينية )  CNPC ) في عام 2010م، على حصة من ذلك الحقل إلا أنها كانت قصيرة الأمد.  حيث غلبت إيران اليابان في نهاية الأمر  بسبب التقنية والخبرة اليابانية على المؤسسة الصينية. (مركز الروابط للبحوث والاستشارات، 2016).

 ولكن إن تعزيز العلاقات اليابانية - الإيرانية بعد توقيع اتفاقية الاستثمار في 5 فبراير 2015م، لا يعتبر حتمي لأسباب ثلاث على الأقل. أولهم، سياسة أمريكا تجاه إيران في الأيام القادمة هي من ستحدد سياسة تعاون اليابان النفطي من عدمه مع إيران.  ثانيًا، أن معاودة التعاون النفطي بين اليابان وإيران يحدده أيضًا مدى الالتزام الكامل من قبل إيران بتنفيذ بنود الاتفاق النووي وأن أي إخلال بالاتفاق يعني تقليص التعاون.  ثالثًا، مبادئ اليابان الثلاث الخاصة باستخدام الأسلحة النووية التي عبارة عن " حظر امتلاكها، أو إنتاجها أو السماح بإنتاجها"  (مركز الروابط للبحوث والاستشارات، 2016).  ولهذا، فإن استمرار التعاون النفطي بين الجانبين يعتبر غير مضمون في الأيام القادمة ويحدده فقط الأسباب المشروحة والأحداث العالمية السياسية والاقتصادية منها على وجه التحديد والكوارث الطبيعية.

وليس بعيدًا عن تعاون اليابان مع إيران النفطية فإن تعاون اليابان مع العراق النفطية، كان قد بدأ  فعلًا منذ عام 2005م حينما ألغت اليابان ديون العراق بستة بلايين دولار . وقد زاد التعاون بينهما بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نور المالكي لليابان في 2011م. تلك الزيارة التي تمخض عنها التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون النفطي والصحة والتعليم بين الدولتين.

ومعروف أن نسبة العراق من إنتاج النفط العالمي بلغت في عام 2014م  3.8 % بـ 2.390 مليون برميل يومي ( انهيار أسعار النفط وتداعياته ، الجزيرة نت) .  هذه النسبة مرشحة للزيادة لسببين.   أولًا، التعاون النفطي مع اليابان بعد زيارة المالكي و أيضًا بسبب تواجد  تحالف بريطاني - صيني لتطوير حقولها النفطية والاستثمار فيها. ثانيًا،   فرص النجاح في القضاء على داعش من التحالف الدولي اليوم، أصبحت مواتية وخاصة بعد التحرك الكبير من قبله ومساندته للعراق بعد تفجيرات أوروبا في أوقات مختلفة من هذا العام مما سيؤدي إلى زيادة حصة العراق في سوق النفط العالمي. 

وبغض النظر عن الزيادة المحتملة - المرتقبة لإنتاج إيران والعراق من النفط وعملية التفضيل التي لابد لليابان من أن تقوم بها في مرحلة مقبلة بين نفط دول الخليج العربي وعلاقتها معه من جهة ونفط إيران والعراق من جهة أخرى، فإن اليابان لديها حساباتها وتوجهاتها لرسم سياسة جديدة للطاقة.

حيث كانت الطاقة النووية اليابانية، تشكل ثلث احتياجها من الطاقة بينما تمثل الطاقة النظيفة 22 % من ذلك الاحتياج والباقي يكتمل باستيرادها: النفط والغاز والفحم. إلا أن حادثة فوكوشيما النووية في عام 2011م وما ترتب عليها من أثار سلبية على اقتصادها، جعلت اليابان تستورد " الفحم، والغاز الطبيعي المسال، والنفط، بما يقارب من 90% من احتجاجاتها من الطاقة"( مركز الجزيرة للدراسات، 2015). 

وبالرغم من أن العودة المرتقبة للطاقة النووية أصبحت وشيكة مع حلول عام 2017م بعد إجراء الإصلاحات الضرورية على مفاعلاتها النووية المتضررة، إلا أن سياسة الطاقة اليابانية اليوم تتجه أكثر نحو الطاقة النظيفة الشمسية ولديها برنامج لطاقة الرياح طموح يعد الأفضل بعد أوروبا. ليس هذا فحسب، بل لديها برنامج ترشيد للطاقة ناهيك عن انخفاض عدد  سكانها.  وبجانب ذلك، فإن أستراليا وبابوا غينيا الجديدة أصبحا من مزودي اليابان بالغاز ( مركز الجزيرة للدراسات، 2015). إن دخول دول جديدة على خط إمدادات اليابان بالطاقة، يعني تقليص دور   بعض دول الخليج وزيادة فرص دول أخرى في نصيب وارداتها من الطاقة. 

إذا، هناك توجه ياباني نحو تقليص استخدامها من الوقود الأحفوري وبخاصة النفط منه وبتنويع مصادر الدول المصدرة للطاقة خلال العقدين المقبلين.  يقابله، منافسة النفط الصخري الأمريكي في سوق النفط العالمي ، وبزوغ أنموذج عالمي نحو التوجه للطاقة البديلة - النظيفة التي تبدو اليوم مرتفعة التكاليف في إنتاجها. ولكن، إن متغير التكنولوجيا هو من سيقلل من تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة النظيفة في السنوات المقبلة ويجعلها أكثر قبولًا بل ومسيطرًا على أسواق الطاقة العالمية.

ومتغير التكنولوجيا هذا،  يجب أن يكون لدول الخليج العربي  بمثابة حجر زاوية الرؤية المستقبلية لعلاقتها مع اليابان خاصة لمرحلة ما بعد النفط.  حيث أن التصالح مع التكنولوجيا هو من سيجلب معه توثيق استراتيجي للعلاقات الخليجية – اليابانية وربما سيؤدي إلى تعزيز تواجد اليابان في الخليج العربي بشكل أكبر خاصة مع تقليص الوجود الأمريكي فيه.

 فاليابان تمتلك التكنولوجيا ودول الخليج العربي لديها فرص استثمارية بحاجة ماسة لتكنولوجيا اليابان.  فهناك فرص تدريب، وتعليم، وبنية تحتية، وطاقة شمسية ، ومناطق طاقة – معادن، وتنمية حضرية...إلخ تحتاجها دول الخليج العربي. تستطيع اليابان من خلال شركاتها التكنولوجية العملاقة المساهمة بشكل فعال الاستثمار في تلك الفرص الأمر الذي سيؤدي إلى بناء شراكة استراتيجية بين اليابان والخليج العربي بعيد عن متغير النفط ومبني على متغير التكنولوجيا لمرحلة العلاقات الاستراتيجية لما بعد مرحلة النفط.

ولتوسيع آفاق الرؤية وربط الخليج العربي بإيران والعراق لمرحلة ما بعد النفط، نجد أن اليابان كمتغير مستقل خارجي مهيئ للقيام بدور تاريخي في منطقة الخليج العربي والعراق وإيران.  فهل تستطيع مبادرة  السيد ياماشيتا مثلًا أن تتجدد بأسماء ومشاريع وامتيازات مختلفة لتجمع هذه الدول في إطار التعاون الجغرافي المشترك؟ وهل يمكن لشركات التكنولوجيا اليابانية من أن تقوم بدور في تحويل منطقة الخليج العربي من منطقة صراع دولي عليها إلى منطقة تعاون - استثماري إقليمي مشترك؟ الإجابة المنطقية، تقول نعم أو ربما لو توفرت الإرادة السياسية لليابان والأطراف الأخرى في المنطقة وتبقى الأيام القادمة هي من ستحدد متى وكيف ومن سيقوم بهذه المبادرة ؟. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية المساعد كلية الاقتصاد والإدارة

جامعة الملك عبد العزيز بجدة

 

 

مجلة آراء حول الخليج