array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 116

عام عربي بمناعة أقل ومتربصون كثر.. وملء الفراغ أفضل خيار للمواجهة إصلاحات هيكلية كبرى تؤطرها رؤية سعودية شاملة على مستوى تطلعات العرب

الإثنين، 06 شباط/فبراير 2017

مرت مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت اتفاقًا وتفاهمًا بين فرنسا وبريطانيا بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ بعد تهاوي الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى في مايو 2016م، مقابل وصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 2017م.

كانت ردة الفعل الشعبية – الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين ـ مكماهون التي لم تكترث بها بريطانيا أو فرنسا، لإرضاء أتاتورك استكمالا لمخطط تقسيم وإضعاف سوريا عقدت اتفاقية معاهدة لوزان عام 1923م، لتعديل الحدود بين تركيا وسوريا في التنازل عن ميناء الأسكندرونة لتركيا.

وبعد أن ظل عرب الجزيرة يسيطرون على ساحلي الخليج العربي منذ أن فتح أبو موسى الاشعري منطقة الأهواز ظلت تحت الخلافة الإسلامية تابعة لولاية البصرة 637 – 1258 ثم جاءت المشعشعية العربية في الأحواز  1436 – 1724م، واعترفت الدولتان الصفوية والعثمانية باستقلالها ثم نشأت الدولة الكعبية 1724 – 1925م، لكن بعد تأهيل نهر كارون وإعادة فتحه للتجارة وإنشاء خطوط سكك حديدية مما حول مدينة الأهواز إلى أن تصبح نقطة تقاطع تجاري إلى جانب شق قناة السويس في مصر مما جعل بريطانيا تمنح الإمارة الغنية بالنفط خصوصًا عبدان إلى إيران بعد اعتقال أميرها خزعل على ظهر طراد بريطاني عام 1925م، ودخل العراق في مفاوضات لاسترداد الإقليم في عام 1937م، ومفاوضات أخرى في عام 1969م، وكان آخرها اتفاقية الجزائر عام 1975م، بين شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب الرئيس صدام حسين، بالطبع أتت الحرب العراقية الإيرانية 1980 – 1988م، أوقفت تلك المفاوضات.

تحالفت أمريكا مع العرب وبشكل خاص مع السعودية بتشكيل فصائل جهادية لمحاربة الإتحاد السوفيتي وإخراجه من أفغانستان في زمن الحرب الباردة ساهم ذلك في استنزاف الاتحاد السوفيتي إلى أن أنهار عام 1990، وتحول العالم من الثنائية القطبية إلى القوة الأحادية للولايات المتحدة، لكن أحداث 11 سبتمبر 2001م، جعلت الصقر الأمريكي يتجه نحو احتلال أفغانستان بذريعة أنه مأوى إرهاب القاعدة، ثم احتلال العراق عام 2003م، بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى اختلال موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

وقدمت إيران كل التسهيلات لأمريكا التي رفضها العرب وتركيا مما أطلق يد إيران في العراق، لكن بعدما تم توقيع الاتفاق النووي عام 2015م، بين إيران ودول 5+1 أطلق يد إيران بالكامل في المنطقة العربية وبشكل علني بدأت إيران تتحدى العرب بينما أوباما يتذرع بحجة أن الاستراتيجية الأمريكية تحولت جزئيًا نحو الشرق من أجل أن تتخلص من الإحراج ومن التزاماتها تجاه دول الخليج بعد التقارب بين إيران والولايات المتحدة الذي فرضه الاتفاق النووي.

السعودية بدأت تفقد الثقة في الولايات المتحدة والدور الأمريكي بعدما وجدت نفسها محاصرة من جميع الجوانب من قبل إيران، ما جعلها تقود تحالفًا عربيًا لشن عاصفة الحزم في اليمن وتخليصه من التدخل الإيراني الذي يريد أن يتخذ من اليمن منصة انطلاق لمحاصرة السعودية مستهدفة مكة المكرمة والمدينة المنورة، بل السعودية بشكل كامل، مستغلة الفراغ الذي تركته واشنطن بحجة الانسحاب نحو الشرق، وتعتبرها موافقة مبطنة على ما تقوم به إيران في اليمن وفي المنطقة.

 لم تتوقف السعودية عند هذا الحد بل اتجهت إلى تشكيل التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب يتكون من 41 دولة بعدما انضمت إليه سلطنة عمان، مما جعل السعودية تتحول إلى رقم صعب كونها تمتلك مقومات استراتيجية عديدة منها دينية واقتصادية وذات مكانة عالمية.

  تمكنت السعودية من تحقيق مفهوم القوة الإقليمية قبل القمة الأمريكية ــ السعودية في الرياض، وأثبتت أنها تمتلك القوة والقدرة على التأثير داخل إقليمها، حتى أصبحت مشابهة للقوى الكبرى في النظام الدولي، على المستوى الإقليمي، والفرق بين القوة التقليدية والصاعدة امتلاك القدرة على القيادة، حيث أصبحت السعودية بمشاركة دول الخليج وخصوصًا دول عربية كبرى مثل مصر رغم التفاوت في الرؤى بينهما حول العديد من الملفات، وبين دول إسلامية مؤثرة في المنطقة مثل تركيا والباكستان.

 أصبحت السعودية تتمتع بامتلاك مهارة القيادة مما جعلها قادرة على تشكيل ائتلافات، خصوصًا أنها تمتلك قدرًا كافيًا من مصادر القوة الصلبة والناعمة جعلها قادرة على التصرف في قضايا النظام الدولي بتبني أنماط من السلوك ترتكز على التوافق، بالإضافة إلى محاولة الخروج بحلول قائمة في الأساس على مبدأ الشراكة لتحقيق مصالح مشتركة.

تزامن عقد القمة الخليجية ــ الأمريكية عقد قمة خليجية مغربية لضبط الاستقرار، ما يعني أن السعودية رقم صعب، وممثلة للأمتين العربية والإسلامية، بل لديها تحالفات دولية واسعة مع الصين والهند، وهي التي استطاعت أن تحصل على القرار الأممي 2216 حول اليمن الذي يعتبر أهم قرار يدين النفوذ الإيراني، وحصلت على قرارات خليجية وعربية وإسلامية لإدانة اقتحام قنصليتها وسفارتها في إيران.

في هذه القمة الثانية أثبتت السعودية أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران أصبح هشًا بعدما شكل إحدى نقاط التباين بين الجانبين وسيكون أكثر هشاشة في عهد ترامب، حتى أن وزير الدفاع الإيراني اعتبر دعوات كيري للتفاوض حول الصواريخ مجرد ثرثرة، بل إن البحرية الأميركية نفذت أكبر مناورة بحرية بمشاركة 30 دولة للتدريب على حماية الممرات المائية هرمز وباب المندب وقناة السويس وهي رسالة لإيران لوقف تدخلها في المنطقة، ولن تقبل هيمنة إيران على تلك الممرات الدولية.

 رغم أن هناك دول خليجية طالبت واشنطن بتوقيع معاهدة دفاع مشترك على غرار معاهدة حلف الناتو، إلا أن السعودية في الوقت نفسه تتجه نحو الاعتماد على القوة العربية المشتركة التي لم تفعل حتى الآن نتيجة اختلاف الرؤى العربية تجاه تشكيل هذا التحالف، لأن السعودية ترفض أن تستمر في إطفاء الحرائق، حيث أن الولايات المتحدة حسب تصريحات كارتر بأنها أعطت الضوء الأخضر بشراء دول الخليج في سنة واحدة نحو 35 مليار دولار تجهيزات عسكرية، وضاعف الجانبان من الدوريات البحرية المشتركة في مياه الخليج، كما يعملان على مشروع دفاع جوي وصاروخي مشترك للدول الست المنضوية في مجلس التعاون.

توجه السعودية أكثر استقلالية نتيجة تحكم متغيرات استراتيجية في القرار السعودي:

حتى الآن لم تثبت سياسة تنويع الشراكات السعودية قدرتها على الإحلال محل التحالف السعودي – الأميركي أو تقديم ضمانات فعلية لأمن الخليج بديلاً عن المظلة الأمنية، لكن خيار الضرورة في البحث عن توجهات استقلالية، وهو نفس النهج الذي سار عليه الملك عبد الله بن عبد العزيز بقيادة الدبلوماسي المحنك سعود الفيصل ـ يرحمهما الله ـ ردا على سياسات واشنطن الغامضة بشأن الالتزامات الأمنية تجاه منطقة الخليج والتي لم تقنع زعماء دول الخليج حتى في قمة كامب ديفيد.

تنويع الشراكات الدولية لا تعني إحلالاً أو استقطاعًا من رصيد علاقات السعودية وبقية دول الخليج بالولايات المتحدة، لكن وجدت السعودية غايتها في روسيا، وتوقيت هذا التوجه في وقت يفرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا محاولة فرض العزلة الدولية عليها، وجدت السعودية أن روسيا تغازل السعودية، وكذلك السعودية هي بحاجة إلى أن تغازل روسيا أيضًا واستبدالها كموازن للضغط على مواقف الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت محاولة حلحلة مواقف روسيا في سوريا واليمن وإيران.

وكما لدى دول الخليج هواجس حول العلاقة المستقبلية بين أمريكا وإيران، فإن لدى روسيا نفس الهواجس من تطوير العلاقات الإيرانية ـ الغربية، لذلك من المقنع أن تجد روسيا هناك حوافز مع السعودية كبديل مستقبلي محتمل لإيران، خصوصًا إذا أعيد تموضع إيران في الاستراتيجية الأمريكية، فهل هي استدارة سعودية نحو روسيا، أو روسيا نحو الخليج، وهل تقبل أمريكا أن يتحقق ذلك على أرض الواقع في المستقبل على المدى القريب والمتوسط؟، ما جعل بريطانيا تسارع إلى حضور قمة خليجية في البحرين لأول مرة لملء الفراغ الأمريكي وفي نفس الوقت احتواء الغضب السعودي.

إذا توجه السعودية تجاه روسيا وفرنسا بشكل خاص توجه تكتيكي متوازن ذو أساس استراتيجي من أجل ضمان عدم أخذ الغرب مواقف مشتركة ضد السعودية، وهي خطوة ذكية من السعودية في تعدد الشراكات ليس فقط مع روسيا التي يضع الغرب عليها عقوبات.

واجهت السعودية تحديات وتهديدات استراتيجية، وضعتها في قلب المواجهة الإقليمية مع الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، فهي بحاجة إلى دائرة تحرك استراتيجية لن تختلف عن عهد الملك عبد الله.

هناك العديد من المحللين ممن راهن على نأي الملك سلمان عن النهج الذي اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز خصوصًا تجاه مصر، ولكنهم جميعًا خسروا رهانهم خصوصًا بعدما لاحظوا استمرار نهج الملك سلمان الذي اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي اعتبر دولة مصر مرتكز أمني لدول الخليج في عصر لم يعد هناك تطابق في المواقف السياسية، بل هناك تنسيق حول مواجهة التحديات المشتركة رغم اختلافهما حول العديد من الملفات لكن التحديات التي تواجه دول الخليج ومصر ستفرض عليهما توحيد مواقفهما خصوصًا وأن السعودية فرضت إرادتها بحكم قدرتها على صناعة التحالفات الإقليمية والإسلامية والدولية التي يفرضها الواقع الجديد على بقية الدول العربية في الفترة المقبلة ولا يمكن أن تتطابق الرؤى بين الجانبين السعودي والتركي حول سوريا وتختلف وجهة نظر دولة عربية كبرى مثل مصر.

هل يصحح بوتين نظرة ستالين القاصرة للمملكة العربية السعودية ؟

على مدى ستين عامًا قبل الثورة البلشفية التي أطاحت بالإمبراطورية عام 1917م، تلقت روسيا ضربات أغلقت في وجهها الطريق إلى القسطنطينية، وفقدت السيطرة على الشعوب السلافية في البلقان على يد الإنجليز ثم ألمانيا وبمساندة النمسا، وفي عام 1905م، هزمتها اليابان وأوقفت كل توسع لها في اتجاه منشوريا وكوريا.

الثورة البلشفية التي أسست أول دولة اشتراكية ضمت لها 15 جمهورية سميت باسم الاتحاد السوفيتي الذي ضم ما يزيد عن مائة أمة وقومية، برز دور الاتحاد السوفيتي عام 1943م، عندما تمكن من مواجهة الجيش الألماني في ستالينجراد واستسلم الجيش الألماني السادس، بل نجحت القوات السوفيتية في وقف هجوم ألماني على كورسك، لكن القوات الأمريكية كانت تتابع الانتصارات السوفيتية ودخلت الأراضي الألمانية في سبتمبر 1944م، بعد شهور من عبور القوات السوفيتية من الحدود الشرقية.

زار الملك فيصل بن عبد العزيز موسكو عام 1932م، بعد عدة زيارات قام بها إلى أوربا وكانت الزيارة اقتصادية أكثر منها سياسية، حيث كان هذا العام عام كساد في الولايات المتحدة، بينما كان يتمتع الاتحاد السوفيتي برخاء، ولم تكن عوائد النفط حينها بدأت تتدفق على خزانة الدولة، خصوصًا وأن الدعم الإنجليزي كان محدودًا.

 لم يقدر ستالين مكانة السعودية حق التقدير بل اعتبرها بلاد صحراوية لا تعني له شيئًا خصوصًا وأنه كان أوروبيا التوجه، ولم يعي ستالين أن الملك عبد العزيز كان يهدف على الاستقلالية رغم الضغوط التي تمارس عليه من الجانب الإنجليزي، رغم ذلك لم يوافق ستالين على منح الملك فيصل قرضًا خصوصًا وأن الملك فيصل لم يكن متحمسًا للحصول على السلاح حتى لا يثير ضغائن لندن.

رغم ذلك ساهمت موسكو بإقامة أول محطة للهاتف الآلي في الطائف عام 1934م، وتم تدريب سعوديين، لكن تجمدت العلاقة بين البلدين عام 1938م، بسبب إعدام موسكو كريم حكيم الممثل السوفيتي في السعودية بعد اتهامه بأنه تخلى عن ثورة 1917م، وأصبح جاسوسًا للملك عبد العزيز ورفض الملك عبد العزيز استقبال مبعوثًا آخر وهي خطوة يستخدمها ستالين لترهيب دبلوماسييه خصوصًا وأن مرحلة شبح النازية العالمية بدأت بعدما ضمت ألمانيا النمسا وتتطلع لضم تشيكوسلوفاكيا وكان ستالين مشغولا بمتابعة الأوضاع في أوربا ولم يكن معروف أن السعودية تمتلك احتياطيات ضخمة من البترول تقدر بربع احتياطيات العالم.

فيما أوفدت السعودية جون فلبي المستشار الخاص للملك عبد العزيز في عام 1943م، بعد الانتصارات التي حققها الاتحاد السوفيتي مع النازية، وقابل مخائيل رئيس مركز الاستشراق في القاهرة الذي أسس عام 1917م، فيما أقيمت سفارة للاتحاد السوفيتي لاحقًا في القاهرة، وحاول أن يقنع رئيس المركز السفارة في القاهرة بعودة العلاقات بين السعودية وموسكو التي توقفت، لكن السفارة طلبت من فلبي أن يتجه نحو القنوات الدبلوماسية خصوصًا وأن الملك عبد العزيز التزم الحياد حتى عام 1945م، ولم يرد إثارة الإنجليز المهيمنين على الجزيرة العربية في ذلك الوقت.

لكن اغتنمت أمريكا الفرصة عندما التقى فيها روزفلت مع الملك عبد العزيز في 14 فبراير 1945م، على السفينة في قناة السويس .

 حيث أدرك روزفلت أهمية السعودية، وكان يعلم أنها تمتلك ربع احتياطيات النفط، بل أخبر روزفلت الملك عبد العزيز بأنه رجل أعمال قبل أن يكون رئيسًا لأمريكا على عكس ستالين الذي يجعل الأيديولوجية هي الأولوية، ونجح روزفلت في تمرير قانون يمنح السعودية مساعدات في إطار التأجير والإعارة ولم يقيم روزفلت سفارة في السعودية فقط بل وسع من البعثات ولم تسع أمريكا لترسيخ الرأسمال الأمريكي بل لترسيخ الدولة الأمريكية في السعودية، لذلك قال روزفلت للملك عبد العزيز روسيا تقرر الحرب بينما أمريكا تقرر السلام.

عام 2017م، عربي جديد ولكن بمناعة أقل ومتربصون كثر، يبقى أفضل خيار لمواجهة المتربصين خارجيًا القائم على إصلاحات هيكلية كبري تؤطرها رؤية سعودية شاملة في مستوى تطلعات الشعب العربي.

وهو الدور الذي تقوم به لملء الفراغ العربي حينما انهارت أسعار النفط لم تتدخل السعودية كعادتها في قيادة خفض الإنتاج بل تركت السوق ينهار نتيجة الصراع على تمسك الدول الكبرى المنتجة للنفط حينها أدرك بوتين أن عليه أن يعيد دراسة المستقبل من خلال أخطاء ستالين الذي لم يعير أهمية السعودية التي احتضنتها أمريكا نتيجة وعيها الجيواستراتيجي خصوصًا وأن التحالف السعودي الأمريكي أصابه وعكة نتيجة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي مكنت إيران من التوغل في المنطقة العربية ولم تعد تثق السعودية في مخططات أمريكا رغم أنها لا تستطيع أن تستغني عنها لكنها تبحث عن خيارات أخرى لتغطية هذا العجز.

 وكيف نجحت أوبك بقيادة السعودية مرة أخرى لدورها المعتاد في السوق بقيادة السعودية بعد التنسيق مع روسيا، حيث اقتنعت روسيا بنصيحة السعودية بأن نمو مستدام لأسعار النفط مرهون بإجراءات إضافية من المنتجين بعد تقليص مليون وثمانمائة ألف برميل يوميًا.

هذا التفاهم بين السعودية وروسيا أوجد ثقة بين الطرفين وظهرت هناك فرص تعاون جديدة لتطوير العلاقات بين الطرفين في العديد من الملفات، وبشكل خاص الملف السوري حيث ترغب روسيا في الحصول على سوريا المفيدة روسيًا ولن تقبل بأن تصبح سوريا المفيدة إيرانيًا، وهو ما جعل ترامب يشيد بذكاء بوتين مما أثار حفيظة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

تريد إيران من الآستانة استسلامًا لا هدنة بينما يريد بوتين الحل السياسي .. إيران تريد مواصلة الحرب حتى الاستسلام أي أن الاتفاق بين روسيا وتركيا فرض على إيران بسبب أن وقف إطلاق النار يربك مشروع إيران بربط سوريا بالعراق لذلك يحاول نظام الأسد امتصاص غضب إيران باستئناف العمليات العسكرية قرب دمشق.

 وبدأ هناك تضارب أجندات بين روسيا وإيران من جهة وبين إيران وتركيا من جهة أخرى، ما جعل مستشار خامنئي يعلن أن حزب الله لن يخرج من سوريا، وبدأت تركيا تتهم دولا ومجموعات بمحاولة عرقلة وقف إطلاق النار في سوريا، وهو ما نجد أن هناك إرهاب في إيران وتركيا ولأول مرة هناك تفجيران يستهدفان أنابيب ثاني أكبر حقول النفط الإيرانية ينقل 500 ألف برميل يوميًا تبناه النضال العربي لتحرير الأحواز، بينما في تركيا لإضعاف دورها وإشغالها حتى تتخفف من مطالبها من جهة الأكراد التابعين للولايات المتحدة والسماح لإيران بالحصول على نفوذ أسوة بروسيا أي تقسيم سوريا ولكن هل تقبل السعودية وتركيا بذلك؟.

لذلك بدأت إيران بتخريب المبادرة الروسية – التركية لتكرار التجربة الأفغانية إذا لم تنضم الولايات المتحدة إلى تلك الاتفاقية التي ترفض المساس بالأكراد فإن الاتفاقية ستصبح بيد إيران تتلاعب بها، ومنذ سقوط حلب روج حزب الله والمليشيات الأخرى التي تقاتل إلى جانب النظام بان الوجهة المقبلة هي إدلب لكنهم تفاجؤوا بالاتفاق بين روسيا وتركيا وفرض هذا الاتفاق على إيران وحزب الله رغم أن روسيا ضمت تركيا وإيران كضامنين للاتفاق، لكن إيران لن تستسلم لمثل هذا الاتفاق الذي يحرمها من التغيير الديموغرافي الذي تمارسه منذ فترة طويلة لتحقيق النفوذ الذي رسمته.

 روسيا تريد استثمار التحولات العسكرية والاستفادة من الفراغ الأمريكي في ظل غياب أمن عربي تحاول ملؤه السعودية:

أوروبا والعرب عصفت بهما أزمات، وهما منشغلين بسد الثغرات في مشروع كل منهما الخاص، فقارة أوروبا عصفت بها أزمات الهجرة وخروج بريطانيا ما جعلها تفقد القدرة على التفكير بأسلوب استراتيجي، واكتفى العرب في اجتماعهم الطارئ المتمثل في وزراء الخارجية رفضهم لأي إجراءات ينتهجها النظام السوري أو حلفاؤه لإحداث تغييرات ديمغرافية لكن الموقف الجديد للسعودية يرفض الاستمرار في اجتماعات سلبية دون استخدام أدوات تملكها الدول العربية على الأقل تشكيل قوات عربية مشتركة تدافع عن مكتسباتها وهي خطوة لم تخرج إلى العلن لكن اتجهت السعودية إلى بدائل أخرى ريثما يكون العرب في أهبة الاستعداد.

من الأخطاء الإستراتيجية أن العرب لم تكن لديهم قوة عسكرية وحتى دبلوماسية يتمكنون من خلالها وقف احتلال العراق السد الذي منع تمدد إيران في المنطقة العربية، لكن نرى أن الإمبراطورة النمساوية الشهيرة ماريا تيريزا قالت أنا لن أسمح أبدا بتفتيت الإمبراطورية التركية، وقالت أتمنى ألا يشهد أحفادي من بعدي طردها من أوروبا، بعد اضمحلال قوتها وبداية معاناتها من التحلل السياسي والعسكري التدريجي خلال القرنين الثامن والتاسع عشر.

 بوتين على غرار القيصر بطرس الأكبر الذي انتشل روسيا من التخلف وأنشأ جيشًا قويا يسانده أقوى أسطول يستطيع من خلاله مد نفوذ روسيا في ثوبها السياسي والعسكري وهو ما جعل الصدام بين الروس والعثمانيين حتميًا من أجل السيطرة على البحر الأسود وفتح المجال أمام الأسطول الروسي للتحرك ما جعله يحتل مدينة أزوف على البحر الأسود وهو ما جعل أوربا تدعم تركيا بعد مشاركة تركيا في اتفاقية باريس عام 1856 التي أنهت حرب القرم بهزيمة روسيا على أيدي التحالف الفرنسي البريطاني العثماني، بينما بوتين يحاول ملء الفراغ الذي تركته أوربا في رفض انضمام تركيا.

  إذًا تدرك الولايات المتحدة أن روسيا تستعرض قوتها وكما قال ريتشارد بيرت المستشار السياسي لرئيسين أمريكيين سابقين بأن ترامب لن يسمح لإيران ولا لروسيا بالانتصار في العراق وسوريا، خصوصًا بعدما أخرج بوتين بالتحالف مع تركيا الغرب من سوريا، وأننا نجد أن القوات الأمريكية بدأت العودة مرة أخرى إلى أفغانستان والعراق، ونجد أن الولايات المتحدة وأوربا يجددان العقوبات على روسيا لإضعاف اقتصادها المتهالك، وكذلك وضعت أمريكا عقوبات لعشر سنوات على إيران، ولا زالت روسيا تبحث عن مخرج ولم تعد الاختباء خلف أصبعها لكي تتجنب ردود الفعل المتوقعة وغير المتوقعة على ما جرى في حلب حيث تريد الولايات المتحدة لبوتين أن ينتحر سياسيًا واقتصاديًا، لأن بناء الأمبراطوريات باهظ التكلفة في وقتنا الحاضر أدركها أوباما بأن احتلال بوش الابن العراق كان سببًا في الأزمة المالية التي ألمت بأمريكا عام 2008م، رغم أن بوتين يتجه نحو تعزيز قوة روسيا الضاربة النووية الذي سيكلف روسيا اقتصاديًا أيضًا في ظل اقتصاد متهالك حيث بدأت روسيا في التوسع في صناعة صواريخ اسكندر في مواجهة صواريخ الولايات المتحدة توهاموك.

ستكون إيران الفاشل الأكبر خصوصًا وأن حكومة حسن روحاني قابعة تحت ضربات التضخم والفساد والبطالة والفقر الجماعي وهي غير قادرة على تنفيذ أهدافها الاستراتيجية في سوريا خصوصًا إذا علمنا أن ترامب في الانتخابات كان يتحدث عن منطقة آمنة في سوريا وهي تزعج روسيا وإيران ويطاردها غضب جماهيري في الشارعين العربي والإسلامي وهي تكسب المعارك ولكنها ستخسر الحرب بل ومن المجتمع الدولي تجاه روسيا وإيران إذ أقرت الجمعية العامة آلية لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب في سوريا، وهناك 53 دولة إسلامية أدانت النظام السوري وحلفاءه حيث اعتبرت جرائم حلب ترتقي إلى جرائم حرب.

لم يتبق أمام العرب سوى تشكيل خريطة للتعاون العربي – الأوربي والذي اجتمع بالفعل في القاهرة وتوافق على ملفي ليبيا واليمن وأدان جرائم نظام الأسد الوحشية في حلب، وعلى العرب أن يدركوا أن معركة سوريا هي جزء لا يتجزأ من الهيمنة على العراق الذي يمتلك مخزونا هائلا من النفط ولن تسمح الولايات المتحدة لا لروسيا ولا لإيران أن يسيطران على العراق وربما يصبح العراق المعركة المقبلة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق وما جبهة داعش سوى جزء من هذا الصراع من أجل أن يصبح التدخل لمحاربة داعش حجة.

 وسيكون العراق محل اختبار بين الولايات المتحدة وإيران في عهد ترامب مخالف لمرحلة التعاون بين الولايات المتحدة وإيران وتوقيع الاتفاق النووي الذي ترك يد إيران في المنطقة في عهد أوباما، خصوصًا وأن في العراق هناك قوى شيعية وغير شيعية مناهضة لإيران، لذلك من الخطورة الانجرار نحو تسمية ما يدور حرب بين السنة والشيعة، بينما هي حرب بين مليشيات متطرفة أيا كان تسميتها بدعم مشاريع فارسية وروسية استغلت الفراغ الأمريكي استعدادًا لرسم خرائط جديدة تحولوا إلى أدوات تنفيذ هذه المخططات الجديدة.

توجه السعودية نحو التصنيع العسكري محليًا:

لم يعد أمام السعودية خيار سوى التوجه نحو التصنيع العسكري المباشر وقد كشف مسؤول في شركة السلام لصناعة الطيران السعودية عن خطوات حثيثة لصناعة الطائرات العسكرية بشكل كامل داخل البلاد بما في ذلك قطع الغيار وتوسيع أعمال الشركة لتشمل صيانة الطائرات الخليجية داخل السعودية سواء كانت عسكرية أو تجارية وسيتم تصنيع 90 % من المواد الهيكلية داخليا بحلول عام 2030م، حيث يضمن نقل 50 في المائة من قيمة المشتريات العسكرية التي تصرف عليها الدولة إلى السعودية بحلول عام 2030م.

وقد أجرت الشركة تعديلات على الطائرات العمودية للأسطول العسكري الذي يتبع وزارة الداخلية، وبدأت الشركة من مرحلة صيانة وتعديل وتحديث الطائرات إلى مراحل تجميع وتصنيع مكونات رئيسية لبعض الطائرات، بجانب تصنيعها لبعض قطع غيار الطائرات والمعدات العسكرية الأخرى بعد تصنيع أول منتج لمقدمة طائرات القوات الجوية السعودية ( 15Sa – F)  ضمن البرنامج الذي يتم فيه تحويل الطراز(15S – F) إلى الطراز ( 15Sa – F ) وذلك كثاني بلد بعد كوريا الجنوبية يتم فيه تنفيذ مثل هذا العمل والذي يأتي بشكل متوافق مع ما تشهده البلاد من تطور متسارع.

وسبق أن دشنت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في 20 ديسمبر 2016م، في العاصمة الأوكرانية طائرة أنتونوف ( AN-132 )  متعددة المهمات، ذات الوزن الخفيف وهي ضمن مبادرات برنامج التحول الوطني 2020 لتحقيق رؤية المملكة 2030 وهي تمتلك 50 % من حقوق الملكية الفكرية لهذه الطائرة، وسيكون خط إنتاج الطائرة بالتوازي في المملكة وأوكرانيا.

هناك تحولاً كبيرًا في مجال السياسة الدفاعية في الإنتاج الحربي وهو من أجل تقليل التبعية السياسية للولايات المتحدة خاصة وأن السعودية تقود مرحلة مواجهة اندلاع أزمات إقليمية ويمكنها ذلك دون الرجوع للولايات المتحدة التي تستورد منها الأسلحة المرتبطة بقيود في استخدام هذه الأسلحة بأن تكون فقط دفاعية عن حدود الوطن.

ولا يعقل أن تستمر السعودية ثالث أكبر جيش في الإنفاق العسكري عالميًا بنحو 87 مليار دولار متجاوزة روسيا التي احتلت المرتبة الرابعة مكتفية بإنفاق 66 مليار دولار وبريطانيا العظمى في المرتبة الخامسة بإنفاق 55 مليار دولار والهند في المرتبة السادسة تنفق بواقع 51 مليار دولار وفرنسا السابعة تنفق بواقع 50 مليار دولار خلال عام 2015م، فيما تقييم السعودية متراجع إلى المرتبة الـ 20 وهو ما يعتبر أن هناك خلل في التوازن بين الإنفاق والقدرات.

تسعى السعودية على المدى القريب توفير نحو 50 % من صناعاتها الدفاعية الحالية لوجود الإمكانات المادية واللوجستية حيث عملت المؤسسة العامة للصناعات الحربية على تجميع دبابة ليوبارد وتطويرها بالتعاون مع ألمانيا، وتجميع قطع غيار وهياكل الطائرات بالتعاون مع شركة بوينغ الأمريكية، فضلا عن إنتاج أجهزة الاتصالات، وقد أضيف في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز مشروع الطائرات من دون طيار ( لونا ) ومشروع عربات النقل العسكرية وذخائر المدفعية الثقيلة، رغم ذلك فإن الصناعات العسكرية لم تف بأكثر من 2 % من الحاجة المحلية في حين شهدت الفترة الأخيرة إبرام اتفاقات وتطورات هامة بهذا الشأن وهي بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100 % للحكومة تطرح لاحقًا في السوق السعودي حتى يكون المواطن مطلعًا على الصفقات العسكرية وأداء الشركة وهي المرحلة التي تصر عليها الدولة وهي الشفافية في أدائها على كافة المستويات، من جانب آخر هناك إعادة هيكلة العديد من الصفقات العسكرية التي تبرمها الدولة مع جهات خارجية بحيث تكون مرتبطة بصناعات سعودية، وإجراء عقود ما تسمى بعقود أوفسيت ( Offset agreement ) أو العمليات المقابلة التي تجبر المزودين الأجانب على الاستثمار في المشاريع الصناعية المحلية حتى يتسنى لهم تجنب مزيد من التكاليف الباهظة، ومن ثم ينعكس على تزويد العاملين المحليين بمزيد من الخبرة المعرفية المتطورة التي تساهم في توطين التقنية محليًا.

مجلة آراء حول الخليج