array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 118

دول ما بعد الحربين العالميتين في المنطقة مهددة بالتقسيم التدخل الإيراني وضعف التصدي الإقليمي وراء تفشي جرائم الإرهاب

الخميس، 30 آذار/مارس 2017

الأسئلة الكبرى في منطقتنا اليوم تدور حول قضايا (الإرهاب) وقد غدا هذا المفهوم كقميص عثمان، الذي يتعلل به صاحب الدم الحقيقي والمدعي على حد سواء. وكأي ظاهرة (اجتماعية / سياسية / اقتصادية) لها عدد من الأسباب، وتتغير تلك الأسباب بتغير المكان والزمان. والظروف التي تنشأ فيها، في وقت ما كانت (المقاومة) الفلسطينية، حتى في شكلها السلمي، هي إرهاب في نظر (الدولة الإسرائيلية)! من جهة أخرى فإن أول ظهور لتعريف الإرهاب في الشرق الأوسط في الموسوعة البريطانية، كان عن إرهاب (العصابات الصهيونية في فلسطين) وقد احتارت الأمم المتحدة لسنوات في تعريف الإرهاب، ولم يحصل توافق كامل حول ذلك المفهوم. ظهر أيضاً في مفاهيم السياسة ما عرف بــــ (إرهاب الدولة) أي أن تقوم الدولة باستخدام القوة المفرطة تجاه شريحة من شرائح المجتمع، خارج القانون والمتعارف عليه في إدارة الدول، في وقت ما استخدمت المؤسسات التي لها علاقة بالمخابرات شيئًا من أعمال الإرهاب ضد جماعات أخرى ترى أنها مهددة لمصالح بلدها. كما ظهر مؤخرًا الإرهاب (السيبري) أي الإرهاب من خلال استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا فإن مفهوم (الإرهاب) كان ولا يزال مفهومًا نسبيًا إلى حد كبير ومسيس أيضًا، ويمكن التلاعب به للاستخدام السياسي المرحلي أو الدائم، بل أصبح (الإرهاب) في بعض الوقت مبررًا لارتكاب (الإرهاب)!.

واقع الإرهاب اليوم:

 يجمع كثير من المراقبين أن (الإرهاب) في معناه الشامل هو ( الاستخدام المفرط للقوة، ضد مدنيين وأهداف غير عسكرية وأناس أمنيين) الغرض منه (فرض  الهلع على الناس من أجل خلق واقع جديد وتحقيق مصالح سياسية) عن  طرق إدخال الرعب في قلوب عدد واسع من المواطنين، وهو بهذا المعنى إجبار الآخر باستخدام أدوات وسائل غير مشروعة ( في الحروب ) من أجل الخضوع والتسليم أو إبقاء الخصوم في قلق دائم وتعطيل مصالحه الاقتصادية، وعلى غموض المعنى العام، أصبح الإرهاب اليوم لكثيرين هو تنفيذ أفعال مروعة في مدنيين آمنين، وتلك الأفعال  في سياق حرب معلنة، من أجل تحقيق صدى هائل يجبر الآخر على التراجع أو الخضوع.وسيظل (الإرهاب)  مكان نقاش، وتهمة تلصق بالحق أو بالباطل، ولها بعد سياسي لا تخطئه العين.

إلا أن الحديث عن الإرهاب اليوم، ولغرض هذا البحث، يذهب إلى الإشارة إلى (أعمال ما عرف بداعش) أو (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو (القاعدة) وهما تنظيمان يفرخان تنظيمات أخرى، لها علاقة بقيادة مركزية أو لا تنتمي فعليًا لتلك القيادة، أو كما اصطلح عليه (ذئاب منفردة) وقد اقترفت هذه الجماعات الأهوال في إرهاب المدنيين وإلحاق الأذى بالدول، في داخل منطقة الشرق الأوسط وفي خارجها.

لماذا الإرهاب ( الداعشي، القاعدي )؟[1]

إن حصرنا نقاشنا في إرهاب (داعش ) وقبلها ( القاعدة) أو معها، وهما موضوع هذه الورقة فسوف نلاحظ  أن (داعش) أصبح لها حيز من المكان الجغرافي [2]، أما القاعدة [3] فقد نمت في جبال أفغانستان، كما سوف نلاحظ  أن هناك العديد من المدخلات الإقليمية والدولية أدت إلى ظهور هذه الجماعات ووصل الأمر  إلى ما نحن فيه من واقع إرهابي أدخل المجتمعات في الشرق الوسط في حروب بعضها أهلي وبعضها بيني وبعضها دولي، وهي أي تلك المدخلات التي سوف نعرضها قد أطلقت ديناميكيات ساهمت على مدى سنوات وبشكل تراكمي في تهيئة الفضاء السياسي / الاجتماعي لظهور تلك التنظيمات، كما أن تلك المدخلات كان لبعضها قوة أكبر من بعضها الآخر في الدفع بظهور تلك التنظيمات، ولعلي هنا أضع بعض تلك المدخلات في عدد من المؤشرات.

المدخل الأول -الصراعات وحلها:

أي مجتمع في العالم تظهر فيه عوامل صراعية، يقوم هذا المجتمع بحل تلك الصراعات من خلال إما حروب لها درجات مختلفة من العنف، أو من خلال توافق على آليات لحل الصراع، وخارطة الصراعات الجارية اليوم في الفضاء العربي، بها عدد من المكونات المنفردة أو المتداخلة التي تفرز عددًا من الصراعات هي على التوالي إقليمية، قطرية، اقتصادية،عرقية، مذهبية، إدارية، ثقافية،تفرز أشكالاً متعددة من الصراعات الساخنة أو الباردة. إلا أن الملاحظ أن أسباب الإفراز  الصراعي تلك  لم تحل بعد، فلا زال الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي على أشده، وهو يرفد الجسم الإقليمي بالكثير من السموم، سموم المزايدة عليه أو الاتهام بالتخلي عنه، كما يُرفد هذا الجسم  ببذور صراع أساسه فشل على نطاق واسع في إقامة الدولة الحديثة العادلة، بالمعنى العام والحديث  للعدل والمساواة، ويغذى كل ذلك بأفكار ثقافية سلبية لها  علاقة بالماضي أكثر بكثير مما لها بالحاضر أو المستقبل، وتساعد العولمة بهجمتها على هذه المجتمعات على التقوقع والخوف  وظهور الكراهية  للآخر المختلف . وتفتقد النخبة العربية المسيطرة على الأمور الخيال السياسي الابتكاري لوضع آليات لضبط تلك الصراعات، فهي تغرق في المحلية وتشجيع الانعزال، متجاهلة التيارات الحديثة في العالم، من قبول للتعددية والمشاركة وإقامة المؤسسات الحديثة، التي تخدم الشعوب بجميع فئاتها. من هنا فإن أسباب الصراع متعددة  المصادر ومتداخلة المراحل والطبقات في فضائنا العربي، تتراوح بين الشدة  الذي تصل إلى الحرب وفي الليونة التي تصل إلى نفي الآخر وعدم الاعتراف به، سوف تظل  هذه العوامل تعمل في منطقتنا وتفرز نتائج سلبية في محيط  سياسي شبه انتهازي وغير قابل للتعرف على موجبات العصر، سوف ينتج كل ذلك أن الدول العربية التي نشأت في حدود  جغرافية معروفة بعد الحرب العالمية الأولى / الثانية لن تستمر كما هي نتيجة لهذا الصراع المحتدم، فبعضها سوف ينقسم على نفسه عرقيًا أو مذهبيًا أو اقتصاديًا أو جغرافيًا، وكدارس للمجتمع أرى أن ذلك طبيعي وبديهي بسبب كل تلك العوامل الفاعلة الداخلية / الخارجية، فهي تخلق ميكانيكيتها المستقلة، التي تبقى تعمل إلى أن يحقق الصراع  نهايات معينة، هي بطبعها نهايات مؤقتة نسبيًا تحمل في جذورها صراعًا آخر لها ميكانزمات جديدة، إن لم تقم النخب العربية بإيجاد آليات سلمية تحقق التحكم في الصراعات.

المدخل الثاني -القضية الفلسطينية:

في عالمنا العربي الذي يسير في طريق الحداثة ولم يبلغ بعد غايتها، ظهر الصراع الخشن لفترة طويلة ولا يزال بسبب عاملين أساسيين، لا زال على الأقل أحدهما يفعل فعله الصراعي أو يتأثر به الصراع القائم، الأول هو الاستعمار الغربي، والثاني قيام دولة إسرائيل، ويلام الأول أنه سبب الثاني. الاستعمار انحسر من بلادنا ولكن وجود إسرائيل وشعور غالبية المجتمعات العربية بالغبن الذي يقع على بني جلدتهم (الفلسطينيون) فجر أنواعًا من الصراعات لازالت تفعل فعلها في مجتمعاتنا. فقد كان الاستعمار وأفعاله  دافعًا لقطاع من المجتمع  للقيام بالتخلص منه، وخاضت الدول العربية ومجتمعاتها صراعًا مع الاستعمار بعضه خشن ( الجزائر كمثال ) وبعضه  شبه خشن (مصر وسوريا كمثال آخر) وبعضه ناعم ( الخليج) وتراوحت النعومة والخشونة في هذا الصراع  حتى أصبحت الدول / المجتمعات العربية محررة من الاستعمار المباشر، كما أثرت الصراعات الداخلية لدى الدول المُستعمرة دورًا في تفشي الصراع في الدول المُستعمرة، خلفت هذه الفترة  الاستعمارية أنظمة  محافظة فوجدت من جديد بعض الشرائح الحديثة في المجتمع العربي (ضباط الجيش، وبعض النخب) أن تلك الشريحة الحاكمة لم تقم بواجبها نحو القيام بــــ (إنصاف) الفلسطينيين وتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني، فتطورإلى صراع  داخلي في الدول العربية حتى وصلت جماعات حاكمة جديدة (معظمها ضباط جيش بالتحالف مع بعض النخب) إلى الحكم، إلا أن هذه الفئة بعد فترة تبين لكثيرين  أنها لم تحقق لا ( تحرير فلسطين) ولم  تقم بإنصاف مجتمعها ( التوزيع غير العادل للثروة وفشل في التنمية) فقامت ضدها شرائح جديدة تطيحها من الحكم. في هذا الخضم ظهر صراع آخر، وهو  احتلال دولة غير (مؤمنة) شيوعية  لدولة إسلامية ( أفغانستان)  وتدخل عدد من الظروف الدولية والإقليمية ليتكون صراع ( أيدلوجيات) سرعان ما تحول إلى صراع ساخن، فشارك عدد من أبناء العرب في ذلك الصراع، هناك من جديد ظهرت القضية الفلسطينية (كثير من قادة الصراع العرب هناك كانوا من أصل فلسطيني) ثمّ اندلع صراع آخر  لم تكن فلسطين بعيدة عنه، هذا التراكم أفرز ما عرف لاحقاً بــــ ( القاعدة) التي تطور نشاطها من حرب (الشيوعية) إلى حرب الأهل، بعد أن مرت أو مر قادتها بالكثير من الصراعات. لم تكن أيضًا القوى الكبرى من جهة وحركة الإخوان المسلمين من جهة ثانية بعيدة عن الأرضية التي مهدت لظهور القاعدة.

المدخل الثالث -الثورة الإيرانية:

لقد فجرت الثورة الإيرانية صراعًا أيديولوجيًا وسياسيًا  منذ تسلم رجال الدين الشيعة الحكم في إيران ،عندما طرحت الدولة الإيرانية ثنائية ( الصراع مع إسرائيل والصراع من المستكبرين) في آن واحد، وعلى رأس الاستكبار العالمي (الولايات المتحدة) وحلفاؤها من المحاطين ،الولايات المتحدة التي ناصرت إسرائيل، وكانت قد تدخلت لإفشال ثورة وطنية في إيران عام 1953م (ثورة مصدق)  فكان أن خلق استقطابًا سهلاً بين الجماهير الإيرانية جديدًا، إلا أن  نشاط الثورة الإيرانية تحت الشعار المزدوج، وخاصة (الاستكبار) كما تفسره ظهران، سرعان ما أدخل المنطقة في ( تناطح أصولي / مذهبي) عانت منه ولا تزال كل من العراق، لبنان، سوريا، اليمن أخيرًا، كما أثر في ديناميكيات التغيير والثبات في دول أخرى في المنطقة، التدخل الإيراني الذي لم يكن إلا (نصرة طائفة) وتمدد نفوذ، أطلق ديناميكية مضادة لدى قطاع واسع من السنة العرب، تم تهميشهم في وطنهم بسبب التدخل الإيراني، ولم يجدوا تنفيسًا سويًا لهم ضد ذلك التدخل إلا بالذهاب إلى أيديولوجية مماثلة في المعنى ( الارتكاز على تفسيرات دينية) ومضادة في الهدف، ونظرت تلك الأيديولوجية إلى الجميع أنهم أعداء، فمن ليس معنا هو ضدنا،  فقامت تدريجيًا بسب ذلك، ولأسباب أخرى ما عرف لاحقًا ( بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا: داعش) التي دخلت في صراع خشن مع الجوار الذي رأت أنه معاد لها، واستخدمت وسائل غاية في الفضاضة أثارت العالم ضدها، ليس في العراق وسوريا فقط ولكن على مستوى عالمي أوسع, لقد أثار التشدد الإيراني تشدد مضاد له، أراد أن يماثله في العنف،والوقوف أمام طموحات لدول إقليمية تحاول الاستفادة من معادلة ( (مقاتلة إسرائيل وأمريكا / وإنصاف المستضعفين) ولأن هذا الطرح  اعتمد  على مذهبية ( شيعية)، فقد قابله تعصب سني مضاد وصراعي أيضًا، كانت جذوته  في أفغانستان ثم  انتقل إلى العراق والشام وانتهى بمجموعات سنية تكبر أو تصغر في عدد من الدول العربية ترى أن مشروعها ( إقامة العدل في دولة إسلامية ) على نمط الدولة الإسلامية الأولى، ومحاربة كل المختلفين.

المدخل الرابع الصراع الدولي:

المحن في السابق أن الصراع الدولي (خاصة في فترة الحرب الباردة) أفرز صراعات بالوكالة في عدد من مناطق العالم، وما يهمنا هنا الصراع الذي انطلق في أودية وجبال أفغانستان، والتدخلات الإقليمية المصاحبة له، بعد غزو الإمبراطورية السوفيتية لذلك البلد واحتلاله، تنادت أطراف كثيرة رسمية وشعبية منظمة وغير منظمة ( للجهاد) في أفغانستان، وهناك تطورت الأمور من جهاد موضعي كان برضًا من الدول إلى جهاد عالمي مضاد للدول، وظن بعض قادته أن بإمكانهم أن يعمموه على العالم، وهكذا تطورت الأمور إلى أحداث كثيرة كانت قمتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2000م،الولايات المتحدة ، التي أطلقت بذاتها ديناميكيات مضادة للإرهاب، لازالت تعمل بأشكال مختلفة، بدأت بالإطاحة بنظامين النظام الأفغاني (طالبان) والنظام البعثي في العراق ! ولا زالت ردود الفعل العالمية والإقليمية تتفاعل بسبب سلسلة الأحداث تلك.

المدخل الخامس -فشل الدولة العربية في إقامة دولة مدنية عادلة:

جزء من ديناميكيات ظهور الإرهاب فشل بعض الدول العربية الحديثة في ركوب سكة الحداثة من سيادة القانون والمساواة والرعاية وإقامة العدل والعودة إلى الناس لتقرير مستقبلهم ( الانتخابات الحرة والشفافية والحكم العادل) الفساد وفشل إقامة إدارة حديثة جعل من شرائح في المجتمع تقاوم تلك الدولة ونشطت جماعات منها ما له خلفية دينية ومنها ما له خلفية سياسية، في مقاومة تلك الدولة القمعية، قاد كل ذلك لما عرف بــــ ( ثورة الربيع العربي) التي وصلت بعض الدول إلى حرب أهلية ( اليمن /سوريا) أو إلى إنعاش (الدولة العميقة) مما جعل من القوى المنظمة تقود أشكالاً من الإرهاب، كما يحدث اليوم في سيناء المصرية.

الخلاصة:

تلك المدخلات الخمس تفاعلت مع بعضها وبدرجات مختلفة، كي تنتج في النهاية ديناميكيات أدت إلى ظهور تلك الحركات المتشددة، وإن كان للمتابع أن يضع أولويات للأسباب، فإن التدخل الإيراني السلبي في المنطقة يظهر على قمة تلك الأولويات وتساعده العناصر الأخرى، وخاصة ذات العوامل الداخلية، التي يمكن تلخيصها بفشل الدولة الإقليمية في التصدي الحقيقي لمهامها.

 

[1] هناك أشكال من النشاطات الإرهابية كمثل إرهاب بوكو حرام  في إفريقيا جنوب الصحراء، أو إرهاب (نمور التأميل) في سيريلانكا !

[2]في كل من الموصل ( ثاني مدينة عراقية) ( والرقة من مدن سوريا الكبرى)  كما لها فروع في كل من ليبيا وربما اليمن، وحتى سناء المصرية.

[3]القاعدة بقى بعضها في الجبال بين أفغانستان وباكستان، وتبع لها عدد من الجماعات في اليمن وبعض البلاد الأخرى.

مجلة آراء حول الخليج