array(1) { [0]=> object(stdClass)#12960 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 130

سمة العلاقات السعودية - الجزائرية الهدوء والتقارب وتجاوز الخلافات السياسية

الأحد، 13 أيار 2018

توصف العلاقات الجزائرية ـ السعودية في السنوات الأخيرة بـ"الدبلوماسية الصامتة"، فرغم حرص المسؤولين في البلدين على إظهار العلاقات في وضعها الطبيعي من خلال تبادل الزيارات، لكن ذلك لا يخفي اختلافات في المواقف تجاه بعض القضايا الإقليمية، حيث شهدت الفترة الأخيرة زيارات متبادلة هدفها دفع قاطرة التعاون الاقتصادي وتقريب وجهات النظر في القضايا السياسية الإقليمية الراهنة، وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الاقتصادية بين البلدين توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات عدة، لم يؤثر التباين في المواقف السياسية لكليهما على ذلك، ولم يتعطل التعاون في المجالات الأخرى، وهو ما يثير التساؤل حول الدوافع والأبعاد الاستراتيجية لتفعيل التعاون الاقتصادي بين البلدين في ظل التباين حيال القضايا الإقليمية الراهنة.

   يؤكد الكثير من المحللين والمتابعين لطبيعة العلاقات الجزائرية ـ الخليجية أن هذه الأخيرة مرت في السنوات الأخيرة بما وصفه الكاتب الجزائري زرواق نصير بـ" نوع من المناكفة الصامتة غير المعلنة"، والتي لم تخرج عن واجب التحفظ الرسمي بالنظر لطبيعة الدبلوماسيتين التي تتسم بعدم التسرع والمحافظة عن اللياقة الدبلوماسية في كل الأحوال، فقد ظلت العلاقات السعودية ــ الجزائرية متأثرة بموجات المد والجذر بسبب القضايا الإقليمية ومنها قضية الصحراء، فالموقف الخليجي ليس متطابقًا مع موقف الجزائر ، إلا أن ذلك لم يعكر الأجواء بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي بصورة كبيرة، وظلت العلاقات بين الجانبين مقبولة، إلى أن جاءت موجة الحراك الاحتجاجي العربي أمام ما يسمى بثورات الربيع العربي، لتكشف النقاب عن حجم التباين في وجهات النظر بين الجانبين، ما ساهم في رفع منسوب عدم الوفاق في العلاقات بين الجانبين، بسبب اختلاف المواقف حيال ملفاتٍ سياسية إقليمية عديدة. 
       ورغم انعكاس تأثير عدة قضايا على علاقات الجانبين، إلا أنهما تمكنا من التقارب اقتصاديًا وتجاوز تناقضات المواقف السياسية، مما يعني أن هناك حاجة ملحة للطرفين لتجاوز الخلافات في إطار تقارب براغماتي تمليه العديد من الدوافع.

أولا: العلاقات الجزائرية السعودية: تحديات مشتركة ومواقف سياسية متباينة

   إن التحولات الجيوسياسية التي خلفتها موجة الحراك الاحتجاجي العربي، أو ما يسمى بثورات الربيع العربي منذ نهاية عام 2010م، ولدت مجموعة من التحديات التي كان على دول المنطقة مواجهتها وإيجاد مقاربات على مستوى سياساتها الخارجية من أجل التعامل معها، ولئن تقاربت مواقف بعض الدول من حركات الاحتجاجي العربي، إلا أن دولا أخرى مثل الجزائر و السعودية التي طالت حركات الاحتجاجي العربي دولا حدودية لهما، ظلت العلاقات السياسية بينهما رهينة بطياتها وتفاصيلها لسياسات وتوجهات إقليمية واستراتيجية، تتحكم فيها جملة من المبادئ رغم التحديات المشتركة التي فرضتها المتغيرات الإقليمية الراهنة ،ومنها :

- استفحال التهديد الإرهابي ووجود كل منهما بحدود إقليمية ملتهبة – رغم الاختلاف في تصنيف الجماعات الإرهابية-.

- تداعيات أزمات المنطقة المعقدة والمتشابكة (الأزمة الليبية، اليمنية، السورية) على الأمن القومي للبلدين.

- حالة التذبذب وعدم الاستقرار التي يعرفها السوق النفطي، ناهيك عن ضعف التعاون الاقتصادي بين البلدين.

     ومن المعروف أن العلاقات الجزائرية ــ السعودية، التي غالبًا ما توصف بالبراغماتية لتأثرها بالسياق الجيوسياسي، أدت بعد اندلاع موجة الحراك الاحتجاجي العربي نهاية العام (2010م) إلى تباين في المواقف بينهما بسبب حسابات إقليمية متباينة، إذ أن تكرار المواقف الجزائرية التي يكتسيها نوع من التحفظ بصفة ملحوظة لم يشكل عاملاً دافعًا لتحقيق تقارب سياسي مع المملكة العربية السعودية، بفعل تمسك الجزائر بما أسماه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في رسالة حملها مستشاره الخاص الطيببلعيز في أبريل (2015م) إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالموروث السياسي للجزائر القائم على جملة من المبادئ، أهمها: مبدأ عدم التدخل وضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية، مؤكدا من خلالها بأن مواقف الجزائر تجاه بعض القضايا العربية الساخنة ليست موجهة ضد أشقائها العرب، وأن هذا فُهم خطأ، وموضحًا في السياق ذاته أنه يسهر شخصيًا على صون العلاقات الجزائرية ـ السعودية رغم محاولات الماكرين.

     وفي المقابل يلاحظ أن السعودية بدأت - منذ العام 2015م - عملية واسعة من إعادة النظر في سياستها الخارجية و تحديد أولويات أمنها الوطني في أعقاب التغيرات الدراماتيكية التي لحقت بعدد من الملفات والقضايا الإقليمية، حيث تبنت الرياض منذ 2015 م نهجًا في السياسة الخارجية أكثر فعالية وإقدامًا، وأظهرت من خلال الخطوات التي خطتها خلال هذه المرحلة أنها جادة في تطبيق استراتيجية تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، هي: مواجهة مخاطر نفوذ إيران المتزايد في المنطقة، وبناء تحالفات جديدة على المستوى العالمي والمنطقة، وتطوير شراكة اقتصادية جديدة على نطاق العالم كله في سبيل تعزيزقدراتها الاقتصادية.

وبناء على ما تضمنته مقاربة السياسة الخارجية للبلدين في التعاطي مع مختلف التداعيات التي أنتجها الحراك القائم في المنطقة العربية منذ 2010 م، اختلفت المواقف حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية، أهمها:

-         الموقف من أزمات المنطقة (الأزمة الليبية /السورية /اليمنية):

       حيثرفضت الجزائر كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الثلاث، وتجلى ذلك واضحًا عندما اعترضت الجزائر -بالإضافة إلى سوريا- على قرار مجلس جامعة الدول العربية  رقم 7360 الصادر 12/03/2011م ،الذي كان بمثابة الشرعنة التي أضفتها الجامعة العربية على التدخل في ليبيا، وتبنت مقاربة دبلوماسية لفترة ما بعد نظام معمر القذافي  قائمة على ضرورة العمل على دفع الأطراف الليبية -دون إقصاء أي طرف - نحو حوار سياسي يكون كفيلا بوقف الصراعات المسلحة الداخلية، وفي سورياتظل المقاربة الجزائرية تؤكد على أمور ثلاثة: الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ضرورة الحوار بين السلطة والمعارضة وتجنب عسكرة النزاع، ضرورة مكافحة الإرهاب، وفي اليمن رفضت الجزائر  المشاركة في عملية عاصفة الحزم، التي انطلقت في 26 مارس 2015م الموجهة ضد جماعة الحوثيين في اليمن المدعومة من إيران.

-الموقف من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب:

     وعلى الرغم من محورية مكافحة الإرهاب في السياسة الخارجية الجزائرية، إلا أنها رفضت المشاركة في التحالف العسكري الإسلامي في 15ديسمبر 2015م، بالنظر إلى عاملين اثنتين:

- الدستور الجزائري في مادته (26) ينص على عدم السماح بمشاركة الجيش الجزائري في مهمات خارج حدود بلاده.

- جاء هذا التحالف في وقت وبيئة إقليمية تتسم بالغموض بالنسبة للجزائر في ظل اشتداد حدة التجاذب الإقليمي، إذ قد يتم في هذا السياق تسييس مفهوم الإرهاب من المنظور الجزائري كما لاحظنا مع قرار تصنيف حزب الله بمنظمة إرهابية من قبل جامعة الدول العربية في مارس عام 2016م، وهو القرار الذي تم رفضه من قبل الجزائر.

   إن البحث في خلفيات الموقف الجزائري من قضايا وملفات المنطقة غير المتوافق مع المواقف الخليجية يثير العديد من الإشكاليات، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الجزائرالالتزام بالحياد الإيجابي والنأي بنفسها عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية ، هناك وجهة نظر أخرى ترى بأن السياسية الخارجية الجزائرية تجاه القضايا الراهنة لا تتسم بالحياد ،إذ هناك بعض المؤشرات التي تظهر بأن الجزائر محسوبة على المحور الروسي- السوري- الإيراني، على حساب الموقف الخليجي الذي بات يشمل المغرب(الرباط) أيضًا، وبالتالي تقارب وجهات النظر بين الجزائر والمحور السابق حول القضايا الراهنة لم يكن على نحو الصدفة أو مرتبطًا بمبادئ السياسية الخارجية الجزائرية، بل كان يعبر عن صراع محاور بات يشمل حتى المغرب والجزائر، ومن المؤشرات على ذلك :

- تبادل الزيارات السورية ـ الجزائرية والذي قابله في فترة وجيزة تأكيد الدعم الخليجي للمغرب حول قضية الصحراء الغربية، إذ تضمن البيان الختامي لأول قمة خليجية ـ مغربية في 20/04/2016م التأكيد على الالتزام الخليجي بدعم الموقف المغربي حول قضية الصحراء الغربية القاضي بـتقديم حكم ذاتي للصحراء الغربية وهو ما يتنافى مع الموقف الجزائري.

- التحرك الإيراني صوب المغرب العربي عبر بوابة الجزائر هدفه الأساسي محاصرة المغرب الذي ينظر إليه نظام الملالي بأنه القوة السنية المغاربية الحريصة على محاربة النفوذ الإيراني.

     رغم هذه المؤشرات التي تدل على أنه هناك نوع من التقارب الجزائري مع محور إيران، إلا أن ذلك لا يعني بأن الجزائر تعمل ضد الموقف السعودي أو الخليجي في المنطقة، فلحد الآن لا يوجد مؤشر واحد يمكن من خلاله اعتبار الجزائر جزءًا من الصراع في المنطقة خاصة بين إيران والسعودية، نتيجة اعتبارات عدة منها:

- إن الاختلاف في وجهات النظر بخصوص السياسة الخارجية بين الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي سببه أن الجزائر ترغب في الحفاظ على وزنها ودورها كدولة قوية في المنطقة.

- رغم أن التعاون الإيراني ـ الجزائري أخذ أبعادًا كثيرة، يبقى التعاون الثقافي مستبعدًا -في شقه العقائدي-لأن النظام الجزائري لن يسمح بوجود كيانات ترعى توجهات ثقافية تختلف عن التوجه العام الجزائري.

ثانيًا: العلاقات الجزائرية ـ السعودية: التوجه نحو الديبلوماسية الاقتصادية

     إن العلاقات الجزائرية ـ السعودية ، تمر بمرحلة جديدة كليًا من خلال إعادة ترميمها بما يخدم الوضع الإقليمي الراهن ويحفظ حدًا مقبولا في العلاقة الدبلوماسية، إذ يبدو أن البلدين يتجهان إلى ترسيخ علاقة براغماتية مرحلية يغلب عليها التعاون الاقتصادي قد يؤدي مستقبلا إلى تحقيق أبعاد استراتيجية تتعدى هذا الأخير (البعد الاقتصادي) لتخدم مصالح الطرفين سياسيًا وأمنيًا.

           -التقارب الاقتصادي بين الجزائر والسعودية: المؤشرات والدلالات

     شهدت العلاقات بين البلدين منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الرئاسة تطورًا ملحوظًا في المجالات الاقتصادية، خاصة بعد الزيارة الرسمية التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيـز خلال ولايته للعهد إلى الجزائر يومـي 11 و12 أكتوبر 1999م، بدعوة من رئيس الجمهورية الجزائرية، والتي صدر على إثرها بيان مشترك ورد فيه أنهما أصدرا توجيهاتهما للجهات المسؤولة في البلدين لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتطوير العلاقات الاقتصادية سعيًا لتدعيم وتشجيع المبادلات التجارية والاستثمارية.

     وفيما أكد وزير الصناعة والمناجم الجزائري عبد السلام بوشوارب بتاريخ 15 فبراير 2017م،  وجود (16) مشروعًا فقط في إطار الشراكة الجزائرية-السعودية بين الفترة (2002 و2015م) تم تجسيدها في مجالات عدة، شهد نفس التاريخ (15 فيفري2017م) التوقيع  على (8) اتفاقيات تفاهم وشراكة اقتصادية تخص عدة مجالات للاستثمار خلال لقاء الأعمال الجزائري  ـ السعودي، كما قدر حجم المبادلات التجارية بين البلدين عام (2016م) حوالي 654 مليون دولار ،وتطمح الجزائر والسعودية إلى رفع هذه المبادلات وكذا الاستثمارات إلى حوالي 15 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.

     وفي ذلك دلالة واضحة على انتهاج العلاقة بين البلدين مؤخرًا سياسة تعتمد تطوير العلاقات الثنائية بالاعتماد على تفعيل التعاون الاقتصادي أساسًافي ظل غياب توافق سياسي حول بعض قضايا المنطقة، ويمكن إبراز دلالات ومؤشرات هذا التوجه عبر ما يلي:

- الزيارات المتبادلة التي غلب عليها الطابع الاقتصادي، حيث شهدت الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين وتيرة متصاعدة منذ الزيارة التي أداها مستشار الرئيس بوتفليقة إلى الرياض في إبريل 2015م، أبرزها زيارة الوزير الأول الأسبق الجزائري عبد المالك سلال للسعودية في نوفمبر 2016م،حيثأكد سلال في منتدى اقتصادي رفيع المستوى مخصص لتشجيع متعاملي البلدين على تطوير الاستثمار المنتج وتكثيف مبادرات الشراكة الكفيلة بتعزيز علاقات الأعمال القائمة والرقي بها إلى مستوى العلاقات المتميزة التي تربط الجزائر والسعودية.

- العمل والتنسيق المشترك والاتفاق الاستراتيجي عام (2017م) فيما يخص تسقيف إنتاج النفط والعمل على إيجاد آليات لعودة أسعار النفط إلى الاستقرار، ويعد من أهم النقاط التي تدفع بالعلاقات الثنائية نحو الدفء والتواصل المستمر، فالسعودية التي امتنعت منذ عام (2014م) عن تخفيض إنتاجها للنفط، قررت الاستجابة لتشجيعات الجزائر، ووصف وزير طاقتها خالد الفالح الالتزام بالاتفاق بـ"الرائع والمذهل"، متماهيا بالتالي مع توجهات الجزائر.

   وقد قامت الرياض خلال يناير 2017م بتعيين سامي بن عبد الله سفيرًا فوق العادة لدى الجزائر، والذي سبق أن شغل هذا المنصب بالجزائر حتى العام (2013م).

     -تقارب اقتصادي بحسابات براغماتية:

        إن في انتهاج العلاقة بين البلدين مؤخرًا سياسة تعتمد تطوير العلاقات الثنائية بالاعتماد على التعاون الاقتصادي له ما يبرره بعد أن أصبحت النشاطات الاقتصادية من العناصر الضامنة لاستمرارية ومتانة العلاقات بين الدول، عبر توظيف العامل الاقتصادي في التعامل السياسي.
وبالنظر إلى ما تشكله السعودية كوزن جيو-سياسي والجزائر كفاعل في الإقليم والقارة الإفريقية، هناك جملة من الدوافع التي تصب في مسار إعادة الفاعلية بينهما، فرغم الاختلاف في وجهات النظر حول الكثير من القضايا الإقليمية، إلا أن البلدان يجدان نفسيهما بحاجة إلى بعضهما البعض.
ولئن كان استقلال الجزائر النسبي عن المدار الجيوسياسي لدول مجلس التعاون الخليجي ينبع إلى حد كبير من التاريخ الفريد للثروة والموارد الطبيعية في البلاد، فقد نجحت سابقًا في مقاومة الضغوط المالية من بعض دول الخليج العربي، إلا أن الأزمات التي أضحت تعاني منها الجزائر بسبب تذبذب أسعار النفط، ومواقفها السياسية التي جعلت منها شبه معزولة عربيًا، جعلت منها تفكر في توطيد العلاقة الدبلوماسية مع السعودية، وهي أكبر دول الخليج، كضرورة لا غنى عنها، فهي وان كانت تحتفظ بعلاقات ودية مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي إلا أنها بحاجة للمملكة العربية السعودية في ملفات رئيسية تمكنها من تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية التالية:

-         دور السعودية في تهدئة منطقة المغرب العربي: في ملفات عدة منها:-

الإسهام في إيجاد حل للقضية الصحراوية، حيث تسعى الجزائر لدعم المملكة العربية السعودية لحل مشكلة الصحراء أو الاكتفاء بموقف محايد وعدم مساعدة المغرب في الاستثمار بالمناطق الصحراوية لأن القضية الصحراوية تكتسي أهمية كبيرة في السياسة الخارجية الجزائرية التي طالما أكدت أن قضية الصحراء في عهدة الأمم المتحدة.
- سعي الجزائر إلى منع المساعي المغربية من بناء محور شمال غرب إفريقيا وربطه بوسط القارة حتى يكون لديه ممر إلى تحالف آخر بناه المغرب خصوصًا في سنوات 2010م، إلى الآن مع دول الخليج، لأن موقع هذه الدول الاستراتيجي وعملها يوجد في شرق القارة السمراء خصوصًا السعودية والإمارات والبحرين، وإلى حد ما في الوسط، مما يتيح إمكانية التلاقي، خاصة وأن مبادرة انضمام المغرب للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "سيدياو" التي تضم 15 دولة إفريقية تدخل ضمن المقاربة السياسية والاقتصادية التي اعتمدت عليها الدبلوماسية المغربية في الرجوع الإفريقي وكان على رأسها عودته إلى حضن الاتحاد الإفريقي (من وجهة نظر كاتب المقال).

- مكافحة الإرهاب: 

تشكل الأوضاع في ليبيا تهديدًا كبيرًا لأمن الجزائر نظرًا لانتشار الأسلحة وحالة الفوضى التي تعرفها البلاد، وللسعودية علاقات جيدة مع بعض الأطراف الفاعلة في النزاع الليبي سواء الأطراف الليبية الداخلية أو الدول الفاعلة في النزاع الليبي على غرار الإمارات العربية المتحدة، وتستطيع السعودية لعب دور يتماشى مع الرؤية الجزائرية، وتؤدي دور إيجابي في دعم استقرار ليبيا ووحدتها التاريخية، فضلاً عن تونس ومالي، وهي الحدود الملتهبة التي تؤرق الدولة الجزائرية، خاصة في ظل التحرك السعودي – الإماراتي لتفعيل قوة الساحل الإفريقي (جي5)، حيث تعهد البلدان الخليجيان خلال قمة باريس الأخيرة (13 ديسمبر 2017م) بالإسهام في تمويل هذه القوة بـ130 مليون يورو ،و تأخذ أهداف التحرك السعودي – الإماراتي في الساحل الإفريقي ثلاثة أنماط من الدوافع المتشابكة:
- الترابط بين قضية مكافحة الإرهاب، وتأمين المصالح الأمنية والاقتصادية لهما بالمنطقة.
- إن التحرك المزدوج ماليًا ولوجستيا يوحي بأن الإدراك الخليجي لمكافحة الإرهاب بات يأخذ نمطًا من الاستراتيجيات الاستباقية الهجومية في المناطق البعيدة، وليس فقط الدفاعية القريبة.
- تصاعد التحذيرات الدولية من مغبة انتقال مقاتلي داعش إلى جغرافيات هشة أخرى أكثر قابلية لتصاعد حدة الظاهرة الإرهابية، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي، كونها تعج بتنظيمات متطرفة عابرة للحدود.

- المساهمة في تنويع الاقتصاد الجزائري وتكسير هيمنة النفط:

فالجزائر التي تعتمد ميزانيتها على عائدات البترول تعاني أزمة اقتصادية حادة نتيجة تذبذب أسعاره لذلك وجب التفكير في الحفاظ على استقرار السوق النفطي، خاصة أن المملكة العربية السعودية تستطيع مقاومة سقوط أسعار النفط لفترة أطول من الجزائر لأنها تملك احتياطي صرف كبير مقارنة بالجزائر، كما أن الجزائر بحاجة ماسة لاستثمارات السعودية حتى تنوع اقتصادها وتواجه ضائقتها المالية.

وبدورها السعودية، لا يمكنها تجاهل أهمية الدور الذي تلعبه الجزائر كفاعل أساسي في القرار السياسي الإقليمي والإفريقي وكقوة اقتصادية تؤثر في أسواق النفط العالمية، وبإمكانها أن تسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي العربي والتوازن السياسي المغاربي، لذلك فالطرفان يستطيعان تحقيق مكاسب سياسية وأمنية تحديدًا، هي كالآتي:

- استثمار الخبرة الديبلوماسية الجزائرية في حل أزمات المنطقة: تدرك المملكة العربية السعودية أن إعادة الدفء وتصفير العلاقات مع الجزائر مهم للغاية، فمن الممكن أن تلعب الدبلوماسية الجزائرية دورًا في الملف الإيراني، وفي قضايا أسعار النفط، وفي فتح قنوات التواصل للمساهمة في حل الأزمة السورية وربما في اليمن، بالنظر إلى عاملين اثنين:

- الكثير من دول مجلس التعاون الخليجي أضحت تدرك أن طريقها نحو سوريا يجب أن يمر عبر الجزائر، لأن الجزائر حافظت على شعرة معاوية بعلاقاتها مع نظام الأسد بشكل يجعلها قادرة على لعب أي دور باسم الدول العربية في الملف السوري.

- إمكانية أن تؤدي الجزائر دور المساعد في إطلاق حوار بين مختلف الأطراف في الأزمة اليمنية، بحكم أن الجزائر لم تتحيز إلى أي طرف في هذه الأزمة، وقد رددت تقارير إعلامية أنباء حول وساطة جزائرية في الأزمة اليمنية لكن دون تأكيدها رسميًا من الطرفين، إذ اكتفى وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة بالقول :"إن الدبلوماسية الجزائرية قائمة على مبدأ خدمة الغير والتضامن دون استعمال دبلوماسية مكبر الصوت..."،ومن جهته، رفض السفير السعودي بالجزائر سامي بن عبد الله الصالح في حوار مع صحيفة "الخبر" الجزائرية تأكيد أو نفي وجود هذه الوساطة، موضحًا أن "مكانة الجزائر في المجتمع الدولي وموقعها الجيوسياسي يجعلها قادرة على حلحلة الأزمات في اليمن أو في غيره".

- إيجاد تعاون أمني فعالمعالجزائر: الوضع الإقليمي يحتاج معالجة أمنية في ظل انتشار الإرهاب والحروب اللاتماثلية، والجزائر تمتلك جيشًا محترمًا إلى جانب خبرة أمنية كبيرة على مستوى تأمين الحدود أو مكافحة الإرهاب العابر للدول أو المعلومات الأمنية، ولطالما أكدت الجزائر من خلال مسؤوليها على أن أمن الخليج خط أحمر وهو ما يعد نقطة انطلاق في تعزيز الروابط ما بين البلدين.

- مواجهة المنافسة الشرسة في إفريقيا: السعودية تشهد منافسة عديدة في إفريقيا، لذلك هي بحاجة لبديل استراتيجي في إفريقيا، حيث شكلت الدوحة مجموعة إفريقية لسفراء 25 دولة إفريقية برئاسة سفير الجزائر لديها، الذي تعهد بـ"دعم علاقات التعاون بين قطر والدول الإفريقية وإبراز إمكانات القارة، وخاصة الاقتصادية"، ما يؤكد أهمية دور الجزائر المحوري في التقارب الخليجي ـ الإفريقي. 

- ملء الفراغ: الفراغ الذي تشهده المنطقة، هو مساحة استثمار لبعض الأجندات من خلال ضخ استثمارات اقتصادية، فقد دخلت إيران بعمق إلى الأسواق الجزائرية منذ إنشاء لجنة اقتصادية مشتركة بين البلدين عام (2003م)، وتم توقيع (54) اتفاقية تعاون اقتصادي مشترك، وبذا تعي دول مجلس التعاون الخليجي عامة والمملكة العربية السعودية خاصة أهمية تعزيز حضورها من خلال بناء شراكة اقتصادية حقيقية في محاولة استراتيجية لاحتواء الجزائر وإبعادها عن محور طهران-موسكو.

الخاتمة:

   رغم أن البعض ذهب إلى حد الرهان على تعثر العلاقات الجزائرية ـــ السعودية معللين ذلك بواقع المنطقة العربية والتحديات التي تعرفها، إلا أن التاريخ ومسار هذه العلاقات لطالما أكد أن سمة هذه الروابط هو الهدوء والتقارب، بالنظر إلى جملة من الدوافع التي تصب في مسار إعادة الفاعلية، إذ تكشف طبيعة التعاون الاقتصادي الراهن بين البلدين تشكل إطار تقارب براغماتي مرحلي يفسر طبيعة العلاقات القائمة بين الاقتصاد والسياسة في ظل التناقض القائم في العلاقة بين البلدين (تفعيل التعاون الاقتصادي /غياب توافق سياسي إقليمي) ،حيث أصبح تحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين متغيرًا رئيسيًا في توطيد العلاقات الديبلوماسية من خلال توظيف العامل الاقتصادي في التعامل السياسي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ علوم سياسية ـ جامعة باجي مختار – عنابةـ الجزائر

-         قائمة المراجع:

-         عمر فرحاتيويسرىأوشريف، تداعيات الأزمة الليبية على الأمن الجزائري، الجزائر: الدار الجزائرية للنشر والتوزيع، 2016

-         صادق حجال وهشام الغنجة، "السياسة الخارجية الجزائرية في سياق التحولات الجيوسياسية في المنطقة العربية: بين الثبات على المبادئ وضرورات التكيف"، مجلة العلوم السياسية والقانون، عدد03،يونيو 2017

-         زياد عقل، "الأزمة الليبية من الاحتجاج السلمي إلى التدخل الأجنبي"، ملف الأهرام الاستراتيجي، عدد.196، أبريل 2011

-          الموقع الرسمي للسفارة السعودية بالجزائر: http://embassies.mofa.gov.sa/sites

-         محمد لعقاب،"الجزائر السعودية وسياسة تصفير المشاكل: رسائل للأمل وأخرى لتصحيح سياسات خاطئة"، على الربط الإلكتروني: http://aljazairalyoum.com

-         خالد أبجيك،" لماذا تتخوف الجزائر من الصعود الاقتصادي للمغرب بإفريقيا؟"، على الرابط الإلكتروني: https://arabi21.com "

-         عبد الرازق بن عبد الله،المحور الجزائري السعودي.. حركية دبلوماسية تغلب مواقف سياسية متباينة"، على الرابط الإلكتروني: /https://aa.com.tr

-         خالد حنفي علي،" لماذا التحرك السعودي-الإماراتي لتفعيل قوة الساحل الإفريقي؟"، على الربط الإلكتروني: www.siyassa.org.eg/News/15452.aspx

-         أحمد ميزاب،"العلاقات الخليجية -الجزائرية: تحديات الواقع العربي ورهانات التكامل"،على الربط الإلكتروني :http://araa.sa/index.php?

-        منية فاضل،" لجزائر ودول الخليج العربي: اختلافات كبرى ودبلوماسية ناجحة"، على الربط الإلكتروني: https://gulfhouse.org/posts/1143

-         لينا كنوش،" العلاقات الجزائرية ـ السعودية: تقارب براغماتي؟"، على الربط الإلكتروني:

-         https://al-akhbar.com/Arab/225616

-         عبد الرازق بن عبد الله، "المحور الجزائري السعودي.. حركية دبلوماسية تغلب مواقف سياسية متباينة"، على الرابط الإلكتروني: /https://aa.com.tr

مجلة آراء حول الخليج