array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

طريق واحد .. وفرص متعددة: آفاق التعاون العربي - الصيني ضمن مبادرة الحزام والطريق

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

تحتل الدول العربية قلب العالم القديم وهي تنتشر على ملتقى الطرق التجارية لثلاث قارات، وتحولت التجارة بفضل هذا الوضع الجغرافي إلى محرك قوي للتقدم وعامل رئيسي للازدهار الاقتصادي في أوقات مختلفة.إذ أن هناك عدة شواهد تاريخية للدور الذي لعبه الموقع الجغرافي الذي تحتله الدول العربية – الانتشار عبر ثلاث قارات – في ازدهار التجارة والتقدم الذي شهدته مختلف الحضارات والامبراطوريات التي قامت عبر التاريخ في هذه المنطقة، وكيف أدت الابتكارات في الملاحة ومعرفة الرياح التجارية الموسمية في المحيط الهندي وبحر العرب والبحر المتوسط من رفع شأن التجارة الدولية. ويتبادر إلى الأذهان – كنموذج لازدهار هذه التجارة طريق الحرير الذي امتد من الصين عبر آسيا والشرق الأوسط حتى أوروبا. ولم يقتصر الازدهار على الشرق الأوسط فقط فقد شارك شمال إفريقيا في هذا الازدهار من خلال التجارة التي قامت وامتدت مع غرب ووسط إفريقيا (تجارة الملح والذهب) وكذلك التوسع التجاري الأوروبي حول الأطلسي وإفريقيا خاصة منذ منتصف الألفية الأولى. كما شكلت العلاقات التجارية المزدهرة بين شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي(تجارة البن في شرق إفريقيا) علامات في التاريخ التجاري المزدهر للمنطقة.وقامت التجارة في البحر الأبيض المتوسط منذ ظهور الامبراطوريات الأولى (فينيقيا وأوغاريت شرق المتوسط وقرطاجنة في شمال إفريقيا) وكيف قامت التجارة بالربط بين الشرق الأوسط ودول المتوسط (بين أوروبا ودول الساحلي الجنوبي).

ولا يخفى على أحد الازدهار التجاري الكبير الذي عرفته المنطقة الممتدة من شبه جزيرة أيبيريا وعبر شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي والشرق الأوسط وآسيا الصغرى وحتى حدود إمبراطورية الصين عبر وسط آسيا وجنوب شرقها بسبب التأثير المزدوج لانتشار الإسلام عبر الغزوات أو عن طريق التجار المسلمين. ويرى البعض أن هذا الازدهار التجاري تماشي مع الانفتاح الكبير الذي كانت تلعبه دول المنطقة وكيف استطاعت تأمين طرق التجارة وتخفيف المخاطر والتكاليف المرتبطة بها ومنحها التجار مجالًا للابتكار، ولكن حين بدأت التجارة بالتراجع بسبب التغييرات السياسية التي أدت بدورها إلى إغلاق الطرق التجارية القديمة أو ظهور طرق أخرى منافسة خاصة أثناء التوسع الأوروبي الكبير عبر البحار راحت الفرص تبتعد عن المنطقة.

ولعل التغييرات الأحدث عهدًا خلال القرون الخمسة الأخيرة، من خلال خضوع المنطقة تقريبًا لشكل ما من أشكال الاستعمار الأجنبي والصراعات التي خاضتها من أجل التحرير والاستقلال تعد الأكثر تأثيرًا على شكل النظام الاقتصادي الذي ورثته عقب هذه الأحداث وكذلك دورها على الساحة التجارية الدولية. إلا أن مع تسارع وتيرة العولمة الاقتصادية وتبدل الجغرافيا التجارية الدولية، ظهرت قوى تجارية صاعدة ومترابطة، يميزها عمليات التدويل الشاملة لرؤوس الأموال والإنتاج ضمن سلاسل عالمية، تقع الصين باعتباره ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر قوة تجارية مصدرة ومستوردة ضمن قلب هذه العملية. وبهذا تخطو الصين منذ ما يربو عن 4 عقود بثبات نحو تحقيق المزيد من المشاركة القوية في الاقتصاد العالمي، مما جعلها تتحول تدريجيًا إلى قاطرة للنمو العالمي.

 وبإطلاقها لمبادرة الحزام والطريق سنة 2013م، أسّست الصين رؤيتها -على مشروع قديم عمره يزيد على ألفي سنة، ألا وهو "طريق الحرير القديم". كان هذا الطريق يمتد من الصين عبر آسيا الوسطى إلى شواطئ المتوسط، ومن هناك يمتد بحرًا إلى أوروبا التي كانت تستقبل البضائع الآسيوية الثمينة حينها من البهارات والخزف والحرير الصيني. وتحاول بكين من خلال هذه المبادرة توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وتشير الخطط الأوليّة للمبادرة إلى أنَّ الخطوط التي تم تبنيها (ستة خطوط) يمر نصفها أو ينتهي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط عبر الشرق الأوسط والبلدان العربية، وهذا ما يجعل الصين تولي هذه المنطقة عناية كبيرة في مبادرتها. ومن هنا تنبع الحاجة إلى ضرورة تحليل الفرص والمكاسب الممكن للدول العربية تحقيقها من خلال المشاركة في هذه المبادرة، وهذا ما تحاول هذه الورقة التركيز عليه.

مبادرة الحزام والطريق: الخطط الأولية والمكاسب المتوقعة

في سبتمبر 2013م، ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة في جامعة نزارباييف الكازاخستانية، دعا من خلالها لإعادة إحياء (طريق الحرير) التاريخي، تلك الكلمة التَّاريخية باتت لاحقًا تُعرف باسم (الحزام والطريق). وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبُنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال قارة آسيا بالقارة الأوروبية والإفريقية عبر طرق تجارية برية وبحرية.فيما يتعلق بالبر تشمل المبادرة بناء ممر جديد يصل آسيا بأوروبا، مع تطوير ممرات اقتصادية تربط الدول الآسيوية بأوروبا، ومن الممرات البرية المقترحة، ممر الشمال، من الصين إلى آسيا الوسطى، ثم إلى روسيا فأوروبا وصولًا إلى بحر البلطيق.وممر بري من الصين إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا. وممر ثالث من الصين إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولًا إلى المحيط الهندي.وبالبحر تركز المبادرة على بناء روابط بين الموانئ الرئيسية، ومن الممرات البحرية المقترحة ممر يربط الموانئ الصينية بالمحيط الهادئ عبر بحر الصين الجنوبي. وآخر يربط الموانئ الصينية بأوروبا.ومن خلال المبادرة أسست الصين صندوقًا استثماريًا برأس مال يقدر بمليارات الدولارات لتمويل المشاريع. كما تهدف المبادرة إلى تعزيز الحوار والتواصل ومبادلات العملة والتواصل الشعبي.

في عام 2015م؛ أعلنت الحكومة الصينية ورقة تسمى "خطة تشغيليّة لمبادرة الحزام والطريق"، تضمّنت الخطوط العريضة للمبادرة التي دعت دول آسيا والعالم إلى الانضمام إليها، وجعلت المشاركة في البنك الآسيوي لتنمية البنية التحتية -الذي تساهم الصين بحصة الأسد فيه-المدخل للمشاركة في هذه المبادرة.

وبلغ اليوم عدد المشاركين فيه قرابة سبعين دولة، وليست كلها دولًا آسيوية أو دولًا من العالم الثالث؛ بل شاركت فيها حتى دول أوروبية كألمانيا وبريطانيا مثلًا.

من ناحية المكاسب المحققة منذ خمس سنوات من إطلاق المبادرة وكذلك تلك المتوقعة خلال السنوات المقبلة، ووفقًا لأرقام رسمية، تجاوز إجمالي الاستثمارات الصينية خلال السنوات الخمس الماضية مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق 5.5 تريليون دولار بمتوسط نمو سنوي بلغ 1.1%، ووصل الاستثمار الصيني المُباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول إلى أكثر من 80 مليار دولار، حيث شَهدت الشركات الصينية نُموًا في الاستثمارات المُباشرة غير المالية في تلك الدول بنسبة 12.3%.فيما بَلغت القيمة الإجمالية لتجارة الصين مع دول الحزام والطريق خلال الأشهر التسع الأولى من عام 2018 م، ما قيمته 863 مليار دولار، وبحسب بيانات وزارة التجارة الصينية، فإنَّ هذا الرقم يعكس مُعَدّل نمو على أساس سنوي يربو على 13%، بينما شَكّلَت تجارة الصين مع دول الحزام والطريق خلال عام 2018 مَا نسبته 27.3% من إجمالي قيمة الصادرات والواردات الصينية.
وأشَارَت البيانات إلى ارتفاع واردات الصين من دُول الحزام والطريق بمُعدّل 20.9% على أساس سنوي إلى 391 مليار دولار، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018، فيما زادت صَادرات الصِّين إلى تلك الدول بنسبة 7.7%..

وتُخطط الصين في السنوات الخمس القادمة لاستيراد ما يزيد عن 8 تريليونات دولار أمريكي من البضائع وتستثمر 750 مليار دولار في الخارج.

وأقامت الصين في إطار مُبادرة الحزام والطريق، 82 منطقة خارجية للتعاون الاقتصادي والتجاري، وأتَاحَت للدول المُضيفة عائدات ضَريبيَّة تتخطَّى ملياري دولار، ووفّرت 244 ألف فُرصة عمل، وفقًا لبيانات وزارة التجارة. إن مُبادرة الحزام والطريق ليست مُجرّد مسار اقتصادي، بل تتضمّن مسارات أخرى، حيث تسعى الصين لأن تكون وجهة للتبادل الثقافي والعلمي وتمّ إنشاء بَرنامج للمنح الدراسيَّة لدول مُبادرة طريق الحرير في العام 2017م، وبلغ عدد طلاب المُبادرة بالصين أكثر من (300) ألف طالب، وفي مجال السياحة فإنَّ الصين تتوقع بحلول 2020م أن يبلغ عدد السياح (85) مليون سائح سوف يدخلون للبلاد حوالي (110) تريليونات دولار، فيما سترسل الصين لدول المبادرة 8 ملايين سائح.

ثالثًا، الدول العربية والصين

تضرب جذور الصداقة بين الصين والدول العربية في أعماق التاريخ. على مدى أكثر من الـ 2000 سنة. وكان تأسيس الصين الجديدة واستقلال الدول العربية قد بشر بعهد جديد للعلاقات الصينية العربية، فتمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجميع الدول العربية البالغ عددها 22 دولة خلال الفترة ما بين عامي 1956 و1990م، وكانت الصين تدعم الحركات التحررية الوطنية العربية، وفي المقابل، قدمت الدول العربية دعمًا قويًا للصين في استعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة وفي قضية تايوان وغيرها.

وخلال الـ 60 سنة التي مضت على بدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، تعمَّق التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات بشكل مستمر، حيث تمت إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة أو علاقات الشراكة الاستراتيجية أو علاقات التعاون الاستراتيجي بين الصين و8 دول عربية وآلية للحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. 

وفي عام 2004م، تأسس منتدى التعاون الصيني العربي الذي صار إطارًا للتعاون الجماعي يشمل مجالات عديدة وتنبثق عنه أكثر من 10 آليات.هذا وصارت الدول العربية أكبر مورد للنفط الخام للصين وسابع أكبر شريك تجاري لها، حيث بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية في عام 2004 36.7 مليار دولار، ليقفز إلى 191.352 مليار دولار في عام 2017م، بزيادة 11.9 % على أساس سنوي. ما بوَّأ الصين لتصبح أكبر شريك تجاري للدول العربية مجتمعة. وعلى صعيد الاستثمار، بلغ حجم الاستثمار الصيني المباشر في الدول العربية 1.26 مليار دولار أمريكي عام 2017 م، بزيادة 9.3 %. 

على صعيد الدول فرادى، تعد الصين أهم شريك تجاري للدول العربية، بنسبة صادرات بلغت حوالي 10 % ونسبة واردات بلغت 16.5 سنة 2016م، وهي تمثل ضعف تلك النسبة المسجلة مع الو.م.أ الحليف التقليدي لعدة دول عربية (الشكل الموالي):

 

العلاقات التجارية العربية مع مختلف الشركاء سنة 2016

المصدر: جامعة الدول العربية] الأمانة العامة و آخرون [, التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2017 ، ص:145.

 

الدول العربية ومبادرة الحزام والطريق بين المكاسب المتوقعة والفرص الممكنة

تعد مشاركة الدول العربية الأضعف في الاقتصاد العالمي، فالصادرات العربية لا تتجاوز في أحسن الأحوال 5 % من الصادرات العالمية، والأمر كذلك بالنسبة للواردات، رغم ما تمتلكه الدول العربية من إمكانيات، فهي تمتد على مساحة كبيرة جدًا تبلغ حوالي 14 مليون كلم مربع. وعبر هذه المساحة الكبيرة يتنوع المناخ والتضاريس وأنوع التربة وتتنوع المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية ومصادر الطاقة. فضلاً أن الدول العربية تعتبر مستودعًا طبيعيًا غنيًا بالعديد من الموارد المعدنية والطاقة فهي تختزن % 60  من احتياطي النفط العالمي و %30  من الغاز الطبيعي و %14  من الحديد و %13  من النحاس و 80  % من الفوسفات.  بالإضافة إلى مواد أولية أخرى كالذهب والمنجنيز والزنك والرصاص والفلين والقطن والجلود. وعلى مستوى حجم السوق العربية تتوافر في كل من الدول العربية سوق مناسبة ومساعدة لعملية التكامل ترتكز على الامتداد الجغرافي وكذلك التعداد الكبير للسكان الذي يفوق 400 مليون نسمة.

 

اندماج الاقتصاديات العربية في التجارة العالمية

المصدر: جامعة الدول العربية] الأمانة العامة و أخرون [, التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2017م، ص:143.

 

إن هذه الإمكانيات التي يمكن أن تشكل قاعدة أساسية لتنمية عربية و مشاركة قوية لها في الاقتصاد العالمي، في حالة ما تم إعداد الخطط و السياسات الملائمة لذلك، و تم استقطاب الاستثمارات اللازمة، و هذا ما يمكن أن توفره مشاركة الدول العربية ضمن مبادرة الطريق و الحزام الصينية، فالفرص التي تتيحها المبادرة يمكن أن تسهم في لحاق الاقتصاديات العربية و اندماجها أكثر في الاقتصاد العالمي من خلال المشاركة في سلاسل القيمة العالمية وتعود المشاركة في هذه السلاسل بفوائد جمة على الجهات المعنية كافة، وتؤدي بالتالي دورًا محوريًا في تعزيز التنمية العربية.
خاصة في ظل العديد من المشاكل المزمنة التي تعاني منها الاقتصاديات العربية، كضعف البنى التحتية، وهي محور أساسي ضمن مبادرة الحزام والطريق، ففي معظم الدول العربية تعتبر البنية التحتية من التحديات التي تعترض تطوير قطاع النقل والمشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي. فلا تزال بلدان عدة تفتقر إلى بنية تحتية تمنحها القدرة على المنافسة في التجارة الدولية وبحسب مؤشر الأداء اللوجيستي الخاص بالبنك الدولي، تندرج أربعة بلدان عربية فقط في الخمس الأول والخمس الثالث من التصنيفات الخاصة بتوفر البنية التحتية للنقل، وأربعة بلدان أخرى في الخمس الأخير.

 

ترتيب الدول العربية حسب مؤشر الأداء اللوجيتسي سنة 2016

 

إن من شأن استفادة الدول العربية من مسارات مبادرة الحزام والطريق، عبر تدفق الاستثمارات الموجهة نحو تطوير البنية التحتية للنقل داخل الدول العربية وبينها ومع العالم الخارجي، سواء النقل البري أو البحري، تعزيز مشاركتها في الاقتصاد العالمي وتعظيم استفادتها من الفرص التي تتيحها العولمة.
إن الزخم الذي أصبحت تشهده العلاقات العربية الصينية، بانخراط كل الدول العربية تقريبًا ضمن مبادرة الحزام والطريق، يشكل رافعة قوية لتعزيز اندماج الاقتصاديات العربية ومشاركتها ضمن الاقتصاد العالمي. إلا أن هذه المشاركة تفرض وضع مخطط استراتيجي لمستقبل العلاقات بين الطرفين بمختلف جوانبها، السياسية والاقتصادية والثقافية بحيث يقوم على تقييم نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات التي تؤثر على مسيرة التعاون العربي الصيني وبالتالي تحديد المسارات التي تعزز نقاط القوة والفرص في هذه المسيرة.
فمن بين نقاط القوة وجود رغبه تاريخية في تطوير وتنمية التعاون بين الدول العربية والصين، وما يؤكده تجديد اللقاءات على أعلى مستوى من خلال منتدى التعاون العربي – الصيني وكذلك اللقاءات الثنائية بين مختلف الدول العربية والصين.
وتبرز أحد أكثر الأولويات أهمية لتعزيز فرص مشاركة واستفادة الدول العربية من مبادرة الحزام والطريق من خلال التعاون الاقتصادي والمالي، من خلال تنمية التبادل التجاري والاستثمارات في إطار شراكة نافعة للطرفين العربي والصيني.
ولن يتسنى ذلك دون تعزيز الخطوات التي اتخذت في العديد من الدول العربية نحو تحسين بيئة الاستثمار وإقامة ترتيبات مشتركة لضمان الاستثمار. كما من الممكن اختيار قطاعات محددة للاستثمار الصيني في الدول العربية مما يتطلب توفير المناخ وأفضل الظروف لاستقطاب هذه الاستثمارات وإعطاء ضمانات وافية للأموال الصينية المستثمرة في المنطقة العربية ووضع آليات مناسبة لمواجهة مخاطر الاستثمار فيها، وتوفير التمويل الضروري لهذه الاستثمارات ووضع آليات للتنسيق والتعاون بين المستثمرين العرب والصينيين لتمكينهم من منافسة المستثمرين الآخرين في هذه الأسواق الواعدة، وربما يلاحظ أن الاستثمارات الصينية بدأت تنتشر بشكل كبير في الدول العربية في قطاعات الموانئ والطرق.
كما أن هناك أهمية لتشجيع الدول العربية المنتجة للنفط على الاستثمار في مشاريع تعتمد على تقنيات الإنتاج المبتكرة المؤدية إلى التنويع الاقتصادي، لزيادة حجم التبادل التجاري مع الصين، واتخاذ الترتيبات اللازمة لتسريع إنتاج وتجارة السلع الغذائية الاستراتيجية، وخفض الحواجز الجمركية وإزالة الحواجز غير الجمركية بين هذه الدول .وقد يساعد ذلك على نشوء الاستثمارات التكاملية بين الدول العربية والصين في قطاعات الإنتاج الزراعي بما يحقق الاكتفاء الذاتي للعالم العربي لتوفر المناخ المناسب والموارد المائية والمالية للطرفين وخصوصًا أن هناك طلب غير عادي على المنتجات الزراعية الطبيعية في الأسواق العربية. أما الاستثمارات الإنتاجية الأخرى، في المنشآت الأساسية مثل البنى التحتية ووسائل الإعلام والاتصالات والنقل والكهرباء والصحة والتعليم والسياحة، يمكن أن تسمح بوضع التجربة الصينية في خدمة التنمية العربية، ففي قطاع الطاقة يمكن الاستفادة من موارد الدول العربية النفطية في مجال الإنتاج البترولي ومشتقاته. أما في مجال المعادن فيمكن الاستفادة من مصر وسوريا والأردن في مجال استخراج المعادن الرخيصة والثمينة على حد سواء وفي قطاع السياحة يمكن الاستفادة من التجربة والخبرة المصرية في مجال السياحة وكذلك جمهورية تونس والمملكة المغربية.
و يبقى على الحكومات في الدول العربية والصين العمل على تعزيز الجهود من أجل بناء اقتصاداتها لإرساء أساس أفضل وأقوى لتحقيق النمو المستدام، وخلق فرص العمل، والحد من الفقر في إطار جهود التنمية المستدامة ومن المتوقع أن يكون للشراكة والتعاون بين الطرفين دور حاسم في تحقيق ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أسـتـاذ مـحاضر ــ كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر

مقالات لنفس الكاتب