array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 134

سفير السعودية لدى روسيا رائد بن خالد قرملي لـ "آراء حول الخليج": صفقات تسليح وتوطين الصناعات العسكرية الروسية في السعودية لأول مرة

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

أكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى روسيا الاتحادية وبيلاروسيا د. رائد بن خالد قرملي، على تطور العلاقات السعودية الروسية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس فلاديمير بوتين، ووصفها بأنها تطورت بشكل نوعي ومهم وباتت أقوى من أي وقت مضى، مشيدًا بنتائج لقاءات خادم الحرمين الشريفين بالرئيس بوتين ونتائج الزيارات المتبادلة بينهما إلى موسكو والرياض، موضحًا أن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، اضطلع بدور حاسم وفاعل في تطوير العلاقات السعودية-الروسية، وفتح آفاق التعاون المشترك والمصالح المتبادلة بين البلدين في كافة المجالات.

وأشار السفير الدكتور رائد قرملي إلى أن العلاقات الثنائية بين المملكة وروسيا بلغت مرحلة نوعية مهمة يتفهم فيها كل طرف مواقف ومصالح الطرف الآخر، وتتوسع فيها باضطراد مساحات التعاون المشترك والمصالح المتبادلة، وتضيق فيها مساحات التباين والاختلاف، مع وجود ما يكفي من النضج للسعي لتجاوزها وتدشين حوار صريح منتظم حولها. وحول التعاون بين البلدين في المجالات العسكرية والصناعات الاستراتيجية قال السفير قرملي، لمسنا لدى روسيا كل ترحيب واستعداد لتطوير التعاون بين بلدينا في المجالات العسكرية والعلمية والتقنية، وتطورت علاقات التعاون في المجال العسكري بين البلدين بشكل غير مسبوق، فلأول مرة تحتضن معاهد وأكاديميات روسيا الاتحادية العديد من الطلاب والضباط السعوديين الذين يحضرون دورات تدريبية وبرامج تعليمية، بل ينتظم بعضهم في الدراسة في الأكاديميات العسكرية الروسية ليتخرجوا منها جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الروس. ولأول مرة يجري تنفيذ صفقات تسليح روسية للسعودية على أرض الواقع، وتتضمن لأول مرة أيضًا نقلاً للتقنية وتوطينًا جزئيًا للصناعات العسكرية داخل المملكة العربية السعودية بالشراكة مع روسيا

وفيما يلي نص الحوار:

*كيف تنظرون إلى واقع العلاقات الروسية السعودية، وكيف يمكن تطويرها على ضوء الزيارات المتبادلة والاتفاقيات المبرمة؟

**تطورت العلاقات السعودية-الروسية بشكل نوعي ومهم خلال الفترة الماضية، وباتت أقوى من أي وقت مضى. إذ تنامت الاتصالات المباشرة بين قيادة وحكومتي البلدين، وتزامن ذلك مع استعادة روسيا الاتحادية لموقعها وأهميتها على الساحة الدولية، وانتهاجها لسياسات براغماتية مؤثرة تركز على تحقيق مصالحها الوطنية. بالمقابل كانت السعودية تسعى باضطراد للانفتاح على أكبر قدر ممكن من الشركاء الدوليين، والسعي لتعزيز وترسيخ قواعد الشرعية الدولية والمصالح المشتركة. وكان للقاءات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، على كافة المستويات، دورًا مهمًا في تعريف كل طرف بحقائق ومواقف ومصالح الطرف الأخر، وفي توفير الأرضية اللازمة من الثقة والاحترام المتبادل خاصةً بين قيادتي البلدين. ففي فبراير 2007م، كان فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور المملكة، في زيارة التقى خلالها بالملك عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود، وبأمير الرياض حينها، الملك الحالي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الحكم، حضر قمة مجموعة العشرين في تركيا في نوفمبر 2015م، وكان هناك لقاء جانبي مباشر على هامش القمة بين الملك سلمان والرئيس بوتين. وكان الملك أول ملك سعودي يزور روسيا، عبر زيارته التاريخية في أكتوبر 2017م، أجرى محادثات رفيعة المستوى مع الرئيس بوتين، واخرى مع رئيس الوزراء الروسي دمتري ميدفيديف، ورئيس تتارستان، ورئيس الشيشان، ورؤساء بعض الجمهوريات المنضوية في الاتحاد الروسي، وقيادات دينية للمسلمين الروس. وتوجت الزيارة الملكية بالتوقيع على 14اتفاقية ومذكرة تعاون وتفاهم. ووفرت هذه الحزمة إطارًا قانونيًا واضحًا لتعاون البلدين، كما وسعت وعمقت مجالات التعاون لتشمل مختلف القطاعات.

واضطلع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، بدور حاسم وفاعل في تطوير العلاقات السعودية-الروسية، وفتح آفاق التعاون المشترك والمصالح المتبادلة بين البلدين في كافة المجالات. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة قام سموه بزيارات متعددة إلى روسيا، التقى خلالها الرئيس بوتين وعددًا كبيرًا من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال الروس. وحضر سموه مراسم افتتاح كأس العالم بجوار الرئيس الروسي في يونيو 2018م، وعقد الجانبان جلسة مباحثات مشتركة بمشاركة وفديهما. والتقى الرئيس الروسي وسمو ولي العهد مجددًا على هامش قمة العشرين التي عقدت في الأرجنتين نوفمبر/ ديسمبر 2018م، يتابع سموه بدقة تفاصيل العلاقات ومجرياتها، ويحرص على تعظيم زخم الاتصالات واللقاءات المتبادلة في كافة القطاعات. والنتيجة الماثلة أمامنا أننا نشهد كل شهر لقاءًا ثنائيًا، أو أكثر، على مستوى الوزراء في مختلف القطاعات.

*من خلال دوركم كسفير للمملكة العربية السعودية في روسيا-كيف ترون مواطن التوافق بين السعودية وروسيا، وكيف يمكن تفعيلها حتى يمكن تعظيم الفوائد؟

**عززت اللقاءات المتبادلة غير المسبوقة بين قيادتي ومسؤولي البلدين، أجواء الثقة والفهم المشترك والاحترام المتبادل. ويلتقي البلدان في تبني مبادئ جوهرية مشتركة توجه مواقفهما السياسية. فهما يركزان على الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة واستقلال جميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية وفقًا لمعايير الشرعية الدولية، ومناهضة ازدواجية وانتقائية المعايير التي تخفي مساعي أحادية للهيمنة والتوسع والاستغلال على حساب الآخرين، ومكافحة الإرهاب والتطرف بشكل جدي وحاسم وفاعل.

كما توسعت العلاقات بين البلدين لتشمل بحث أوجه التعاون في مجالات الإعلام والثقافة والرياضة والشباب والسياحة والتعليم والتدريب. وجميعها مجالات واعدة ومهمة، حيث كان كل شعب يجهل تمامًا واقع الآخر، وكانت الصور السلبية النمطية التي تروجها هوليوود هي المصدر الأساسي لمعرفة كل منا بالآخر، مما أنتج معرفة مشوهة وخاطئة. وكلما زاد التواصل والتعارف المباشر بين الشعبين، كلما فوجئنا أن ما بين الشعبين من قيم واهتمامات مشتركة أكبر مما كنا نتصور. نستقبل سنويًا أكثر من 22 ألف روسي مسلم لأداء شعائر الحج في مكة والمدينة. وخلال كأس العالم زار روسيا أكثر من 10 آلاف مواطن سعودي، وهو عدد غير مسبوق، وأقمنا على هامش كأس العالم مهرجانًا ثقافيًا سعوديًا في موسكو زاره الروس بشغف واهتمام. كما شهدت مدينة الظهران أول عرض لأوركسترا روسية. وخلال سنة واحدة زار وزير الإعلام السعودي روسيا ثلاث مرات. كما بادر وزير الثقافة السعودي، منذ بضعة أشهر، بزيارة منتدى سانت بطرسبرج الثقافي والتقى بكل من نائبة رئيس الوزراء لشؤون الثقافة والشباب، ووزير الثقافة الروسي، ومدير متحف الأرميتاج. كما زار المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وقائد الدفاع المدني السعودي، موسكو وشاركا في احتفالية يوم عاملي الطوارئ. وشهد العام المنصرم كذلك قدوم أول دفعة من الإعلاميين السعوديين الشباب، من الجنسين، للتدريب داخل منشآت إعلامية روسية.

وعلى الصعيد البرلماني زارت السيدة/ فالنتينا ماتفينكو، رئيسة مجلس الاتحاد الفدرالي الروسي، السعودية في إبريل 2017م، وعقدت لقاءات واسعة مع القيادات والمسؤولين السعوديين ورئيس وأعضاء مجلس الشورى. وفي أكتوبر 2017 م، شارك وفد من مجلس الشورى السعودي في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي السابع والثلاثين في سانت بطرسبرغ. وفي مارس 2018م، زار موسكو وفد من مجلس الشورى السعودي برئاسة نائب رئيس المجلس يحيى الصمعاني، والتقى كلاً من وزير الطاقة، ورئيسة مجلس الاتحاد الفدرالي الروسي، وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الفدرالي الروسي، ورئيس مجلس المفتين في موسكو، ونائب وزير التعليم الروسي. وفي يونيو 2018م، شارك وفد من مجلس الشورى في المنتدى الدولي لتطوير العمل البرلماني بموسكو. وفي سبتمبر 2018م، شاركت مسؤولات سعوديات لأول مرة في المنتدى الأوروآسيوي الثاني للمرأة، بتنظيم مجلس الاتحاد الفدرالي الروسي والجمعية البرلمانية لرابطة الدول المستقلة في سانت بطرسبرغ، تحت عنوان "المرأة من أجل الأمن العالمي والتنمية المستدامة"

*ما هي أبرز نقاط الاختلاف بين الرياض وموسكو، وكيف يمكن تجاوزها خاصةً تجاه بعض القضايا الإقليمية والدولية؟ تقييمكم للعلاقات الروسية-الإيرانية وأهداف التواجد الروسي في سوريا؟

**بلغت العلاقات مرحلة نوعية مهمة يتفهم فيها كل طرف مواقف ومصالح الطرف الآخر، وتتوسع فيها باضطراد مساحات التعاون المشترك والمصالح المتبادلة، وتضيق فيها مساحات التباين والاختلاف، مع وجود ما يكفي من النضج للسعي لتجاوزها وتدشين حوار صريح منتظم حولها. يتشاور البلدان باستمرار تجاه أبرز قضايا منطقة الشرق الأوسط، وسبل حل الصراعات. ويشمل ذلك قضايا السلام العربي-الإسرائيلي، وأزمات لبنان وسوريا واليمن وليبيا. نحن في السعودية نوضح باستمرار، وبكل صراحة وشفافية، للأصدقاء الروس رفضنا القاطع لتدخلات إيران في الدول العربية، ورعايتها للإرهاب والميليشيات الطائفية التي تنشر الدمار والخراب في المنطقة، وللسياسات الإيرانية التي تتعارض مع كافة قواعد حسن الجوار والشرعية الدولية. وقد تعززت المشاورات السياسية بين البلدين من خلال الزيارات المتبادلة واللقاءات المباشرة والرسائل والاتصالات الهاتفية بين وزارتي الخارجية ووزيريهما. ففي سبتمبر 2017م، زار وزير الخارجية الروسي/ سيرجي لافروف السعودية والتقى الملك وولي العهد ووزير الخارجية. وفي ديسمبر 2017م، التقى وزيرا خارجية البلدين في روما على هامش منتدى حوار المتوسط. وفي أغسطس 2018م، زار الوزير عادل الجبير موسكو والتقى نظيره الروسي. وحتى في قضايا لا تخلو من تباينات تفصيلية في مواقف البلدين، كثيرًا ما تفضي المشاورات إلى التنسيق والتعاون بشكل عملي. مثلاً حصل تعاون مهم بين البلدين في موضوع الأزمة السورية، حيث استضافت الرياض مؤتمر المعارضة الروسية في نوفمبر 2017م، بهدف تشكيلها لوفد موحد ينخرط في مساعي التسوية السلمية التي يقودها المبعوث الدولي. وقد زار المبعوث الروسي/ ألكساندر لافرونتييف الرياض لهذا الغرض، وحضر اجتماع المعارضة السورية، والتقى خلال زيارته بولي العهد السعودي وبوزير الخارجية.

*ما مدى استعداد روسيا أن تكون شريكًا استراتيجيًا للسعودية على ضوء سعي المملكة لتعدد الشراكات وتنمية علاقاتها مع كافة الدول؟

**قيادة البلدين تسعى باستمرار إلى تعميق وتوسيع وتنويع مجالات التعاون بين البلدين، واسمح لي أن أوضح ذلك بمقارنة الماضي باليوم. كان الاتحاد السوفييتي، عام 1926م، أول دولة تعترف دبلوماسيًا بالمملكة العربية السعودية إبان توحيدها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. لكن العوامل الأيديولوجية والجيو – استراتيجية أدت إلى توقف العلاقات السعودية – الروسية لمعظم سنين القرن العشرين. من الناحية الأيديولوجية كان من الواضح التناقض بين أيديولوجيا ماركسية معادية للأديان عمومًا، وبين السعودية التي تحتضن المقدسات الإسلامية وتعد قبلة المسلمين. ومن الناحية الجيو – استراتيجية، كان البلدان على طرفي نقيض خلال الحرب الباردة، وكانت السعودية تنظر بقلق بالغ لمحاولات الاتحاد السوفييتي تشجيع الأنظمة الثورية والانقلابات العسكرية لتحل محل الأنظمة الملكية في العراق ومصر وليبيا واليمن بشطريه الشمالي والجنوبي. واعتبرت السعودية أن حملة الاتحاد السوفييتي العسكرية في أفغانستان مصدر خطر وتهديد، وأنها تجسد نواياه في التوسع وبسط الهيمنة أو النفوذ في مناطق مختلفة في إفريقيا وآسيا. تمت استعادة العلاقات السعودية – الروسية عام 1991م، حيث استأنف البلدان تبادل البعثات والعلاقات الدبلوماسية. وقدمت السعودية حينها منحة مالية مهمة لروسيا التي كانت تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة. وكانت الاتصالات السياسية بين البلدين تركز على وجوب إنهاء الاحتلال العراقي للكويت، واستعادة الكويت لسيادتها واستقلالها. وتم ذلك بتحالف عسكري دولي كبير لم تشارك روسيا فيه، لكنها لم تحاول عرقلته في مجلس الأمن. العلاقات السعودية – الروسية حتى بعد استئنافها رسميًا لم تشهد نشاطًا كبيرًا لعدة سنوات. فمن ناحية أدت فترة الانقطاع الطويلة إلى غياب معرفة تفصيلية لدى كل من البلدين تجاه الآخر، وهو ما أدى بدوره إلى استمرار خلفيات الشك وعدم توافر أرضية كافية من الثقة المتبادلة. ومن ناحية ثانية كانت روسيا الاتحادية تشهد قضايا داخلية وحدودية معقدة استأثرت بجل اهتمامها المباشر.

حاليًا الصورة مختلفة تمامًا. لنأخذ التعاون بين البلدين في مجال الطاقة على سبيل المثال. لقاءات وزيري الطاقة السعودي والروسي باتت منتظمة ومكثفة خلال العامين المنصرمين، وتجذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية باستمرار. في ديسمبر 2017م، حضر وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح تدشين تحميل أول ناقلة بالغاز المسال في مشروع يامال الروسي للغاز الطبيعي، والتقى الرئيس بوتين ووزير الطاقة الروسي. وفي فبراير 2018م، زار وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك المملكة والتقى بدوره الملك سلمان ووزير الطاقة السعودي. وفي إبريل 2018م، حضر وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك اجتماع لجنة المتابعة الوزارية لمنظمة أوبك في جدة. وفي مايو 2018م، ترأس وزير الطاقة خالد الفالح وفد المملكة إلى منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، وافتتح جناح المملكة مع وزير الطاقة الروسي والمدير التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، وضم الوفد السعودي معالي رئيس صندوق الاستثمارات العامة، ومساعد رئيس هيأة الاستثمار، وممثلين لهيآت حكومية متعددة، ورجال أعمال. وفي يونيو 2018م، التقى وزيرا الطاقة السعودي والروسي مجددًا في موسكو على هامش افتتاح كأس العالم. وفي أكتوبر 2018م، شارك وزير الطاقة خالد الفالح في منتدى روسيا للطاقة في موسكو، والتقى مع وزير الطاقة الروسي وعدد من مدراء الشركات النفطية العالمية على هامش المنتدى.

إذًا بلغ التعاون والتفاهم والتنسيق بين المملكة العربية السعودية وروسيا في مجال الحفاظ على التوازن في سوق الطاقة العالمي مستويات بالغة التقدم والانتظام، وأتى عمليًا بنتائج باهرة لم يقتصر أثرها على البلدين بل امتد ليشمل العالم بأسره. الحقيقة الموضوعية أن أكبر ثلاثة منتجين للنفط عالميًا هم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة العربية السعودية. لكن أمريكا مختلفة لعدة عوامل، فهي مستهلكة أكثر منها مصدرة، ورغم تنامي صادراتها فهي لا تشكل نسبة كبرى من حجم صادراتها الكلية، وهي تعتمد على النفط الصخري غير التقليدي باهظ الكلفة، كما أن آفاق قراراتها عادةً قصيرة الأجل أكثر منها طويلة الأجل. أما روسيا والسعودية فيشتركان موضوعيًا في أهمية الصادرات النفطية لصادراتهما، وفي أهمية النفط التقليدي لديهما، وفي تركيزهما على تحقيق استقرار السوق على المديين البعيد والمتوسط وليس فقط على الأجل القصير. من هنا باتت أوبك + 1 نتيجة منطقية ومهمة ومؤثرة لهذه المعطيات، وهي معطيات تدفع بوضوح نحو علاقة تعاونية تنسيقية استراتيجية ذات أمد طويل.

*السعودية تخطط لتوطين الصناعات بصفة عامة، والصناعات العسكرية بصفة خاصة، وكذلك إنشاء المحطات النووية للأغراض السلمية. كيف ترون رغبة وقدرات مساهمة روسيا في توطين هذه الصناعات، وهل هناك خطوات تمت على هذا الطريق؟ وما الدور الذي يمكن أن تقوم به موسكو كمصدر لتسليح السعودية، وتلبية احتياجاتها من الصواريخ ومنظومة الدفاع الجوي المتقدمة؟

**روسيا دولة متقدمة من الناحيتين العسكرية والتقنية، ولمسنا لديها كل ترحيب واستعداد لتطوير التعاون بين بلدينا في المجالات العسكرية والعلمية والتقنية. تطورت علاقات التعاون في المجال العسكري بين البلدين بشكل غير مسبوق. فلأول مرة تحتضن معاهد وأكاديميات روسيا الاتحادية العديد من الطلاب والضباط السعوديين الذين يحضرون دورات تدريبية وبرامج تعليمية، بل ينتظم بعضهم في الدراسة في الأكاديميات العسكرية الروسية ليتخرجوا منها جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الروس. ولأول مرة يجري تنفيذ صفقات تسليح روسية للسعودية على أرض الواقع، وتتضمن لأول مرة أيضًا نقلاً للتقنية وتوطينًا جزئيًا للصناعات العسكرية داخل المملكة العربية السعودية بالشراكة مع روسيا. حيث تهدف رؤية المملكة إلى تحقيق 40% محتوى محلي لمجمل الإنفاق العسكري السعودي الضخم بحلول 2030م. ويتعاون البلدان بشكل منتظم ومستمر في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وتتبادل أجهزتهما المختصة اللقاءات والمعلومات في هذا المجال المهم. وشكل الجانبان لجنة مشتركة للمشاورات بخصوص مكافحة الإرهاب برئاسة وكيلي وزارة الخارجية، حيث عقدت اجتماعين وينتظر أن تعقد اجتماعها الثالث قريبًا.

*كيف لمستم مدى رغبة روسيا في زيادة الاستثمارات المشتركة مع المملكة، وفي أي المجالات؟

**تركز رؤية السعودية 2030 على تنويع القاعدة الإنتاجية، والاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الواعدة، وإيجاد تكامل أكبر بين النفط والصناعات البتروكيماوية، وتنمية مصادرنا للطاقة البديلة بما فيها الطاقة النووية والطاقة الشمسية والمتجددة، والاستفادة من مواردنا الواعدة من اليورانيوم. وفي مجال الطاقة النووية السلمية والطاقة الشمسية بلورت السعودية برنامجًا طموحًا وكبيرًا، وهو ما يفتح فرصًا مهمة لمجالات جديدة من التعاون بين السعودية وروسيا. كما يجري حاليًا تطوير استثمارات مشتركة بين البلدين في مجالات النفط والبتروكيماويات وتقنيات الطاقة بمختلف أنواعها، وهي استثمارات تتضمن تصاعدًا ملفتًا لمشاريع مشتركة للقطاع الخاص للبلدين.

وأعلنت السعودية عن نيتها استثمار 10 بلايين دولار في الاقتصاد الروسي. وقد تم بالفعل استثمار بليوني دولار فعليًا عبر صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وكانت النتائج مرضية ومشجعة. وتدور مباحثات نشطة بين أرامكو السعودية والجانب الروسي بغية تملك الأولى لنسبة مهمة من مشاريع الغاز الروسية. وقد شارك رئيس صندوق الاستثمار الروسي المباشر/ كيريل ديمتريف، مع وفد روسي كبير، في منتدى مستقبل الاستثمار المنعقد في أكتوبر 2018م، في الرياض. والتقى الوفد الروسي بسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير/ محمد بن سلمان. وقام ديمتريف أيضًا برئاسة وفد كبير من ممثلي كبريات الشركات الروسية بزيارة المملكة في يناير 2019م، حيث التقوا وزير الطاقة ورئيس صندوق الاستثمارات العامة ومدير شركة أرامكو وعدد من كبار المسؤولين والشركات السعودية.

كما نما التبادل التجاري بين البلدين بوتيرة متنامية كما يكشف الجدول التالي. حيث ارتفع بنسبة 86% عام 2017م، وبنسبة 49% مجددًا خلال النصف الأول من عام 2018م، ويسجل التبادل التجاري بين البلدين فائضًا لمصلحة روسيا.

*العرب كانوا ينظرون إلى الاتحاد السوفياتي على أنه نصير للقضايا العربية. أين تقع منطقة الشرق الأوسط على أولويات روسيا، خاصةً تجاه القضية الفلسطينية وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل؟

**ما تزال روسيا تمارس دورًا فاعلاً وإيجابيًا في تشجيع حل الدولتين ودعم حقوق الشعب الفلسطيني ودعم خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وهو دور نثمنه نحن كعرب كثيرًا، ونعول عليه في ترسيخ مبادئ الشرعية الدولية ودعم الحقوق العربية المشروعة. وكانت روسيا من أبرز الجهات الدولية التي واكبت قمة القدس (القمة العربية التاسعة والعشرين) التي ترأسها الملك سلمان وعقدت في إبريل 2018م، في السعودية، حيث حضر ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وألقى كلمة الرئيس الروسي في القمة. كما أن روسيا عضو مراقب في منظمة التعاون الإسلامي التي تحتضنها المملكة. وحتى خلال فترة الانقطاع الطويلة في العلاقات السعودية مع الاتحاد السوفييتي، والتي امتدت حتى انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن الباحث سيجد نقاط التقاء متعددة في سجل البلدين في التصويت في الأمم المتحدة. صوتت السعودية والاتحاد السوفييتي مرارًا وتكرارًا لدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ولحل سلمي للصراع العربي – الإسرائيلي قائم على مبدأ الدولتين ومعادلة الأرض مقابل السلام، ولحق مصر وسوريا في استعادة أراضيهما التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، كما صوت البلدان مرارًا وتكرارًا لمصلحة استقلال عدد كبير من الدول الآسيوية والإفريقية، وإنهاء حقبة الاستعمار البغيضة.

 

 

مجلة آراء حول الخليج