array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 136

"الناتو العربي" خطوة لإقامة بنية أمنية جماعية عربية وله ثلاثة محاور أمنية واقتصادية وسياسية

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

يواجه الأمن الإقليمي عددًا من التحديات التي تصاعدت بصورة ملموسة خلال الفترة الأخيرة، سواء بالنظر إلى الأزمات الداخلية بالمنطقة، وسياسات القوى الإقليمية الساعية لفرض هيمنتها، وكذلك بالنظر إلى مشروع تحالف الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيله.

تتناول هذه الورقة المقصود بمفهوم الأمن الإقليمي وارتباطه بالأمن القومي العربي، ونستعرض أهم التحديات التي تواجهه، وتركز الورقة على السياسات الإيرانية، والتركية كمهدد رئيسي، وكذلك إيضاح لمشروع تحالف الشرق الأوسط، ومدى تأثيره على الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي بصفة عامة.

مفهوم الأمن الإقليمي:

بدايةً، يمكن القول أن المنطقة العربية تواجه العديد من التحديات التي أعادت الحديث عن طبيعة مفهوم الأمن الإقليمي، ويشار في هذا الصدد إلى أن مفهوم الأمن الإقليمي يشتق من مفهوم الأمن الجماعي، والذي يمكن تعريفه على أنه ذلك النظام الذى يهدف إلى تحقيق السلم والأمن الدولى، عن طريق تكاتف الدول فى إطار تنظيم دولى للوقوف فى وجه أى دولة تلجأ إلى انتهاك هذا السلم أو تعمل على تهديده، واتخاذ التدابير الجماعية التى تؤدى إلى الحد من هذه الانتهاكات، وبالتالي يقوم الأمن الإقليمي على الأمن الجماعي لكن على نطاق أصغر جغرافيًا.

بالنسبة لمفهوم الأمن القومي للدولة فإن كان نطاقه أصغر من الأمن الإقليمي، إلا أنه يوضح مدى اتساع المجال للتهديدات التي تواجها الدولة على عكس المفهوم الضيق للأمن، والذي كان يرتبط فقط بالتهديد العسكري أو استخدام القوة تجاه دولة من الدول، ولكن مع تطور ذلك المفهوم نظرًا للتطورات المجتمعية المتسارعة، فقد دخلت العديد من المجالات في مهددات أمن الدولة ليظهر مفهوم الأمن القومي.

وانطلاقًا من ذلك يمكن القول أن الأمن الإقليمي يتشكل من أمن دول الإقليم الجغرافي الذي تنتمي إليه الدولة وتتواجد -عادة- مصالح حيوية مشتركة بينهم، بما يدفعهم لإنشاء الأحلاف وتوقيع المعاهدات العسكرية، بالإضافة إلى إنشاء المنظمات المُتخصصة لخدمة مصالح المنطقة أو الإقليم، وفي هذا السياق يصبح جوهر الأمن الإقليمي هو التعبئة الإقليمية من جانب، والتصدي للقوى الدخيلة على الإقليم من جانب آخر وحماية الوضع القائم من جانب ثالث، وقد بدأ الاهتمام بذلك المفهوم منذ أواخر الأربعينيات تزامنًا مع التكامل الإقليمي وظهور المنظمات الإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انقسمت الأدبيات وقتها إلى فريق يعنى بالإقليمية كسياسة وفريق آخر انخرط في جدال حول مدى أهميتها وكيفية تطبيقها في ظل المتغيرات العالمية وقتها.

ومن الجدير بالذكر أن اتساع ظاهرة التكتلات والتجمعات الإقليمية في السنوات الأخيرة أدى إلى ظهور بل ووجود أكثر من تكتل داخل الإقليم إلى حد اشتراك الدولة نفسها في أكثر من تكتل أو تجمع، وهو ما قد يُقلل من المكاسب التي تجنيها الدولة من وجودها في تكتل معين، بل وقد يمتد إلى تنازع التزامات الدولة بين هذه التكتلات بما قد يُمثل احتمالات حدوث ثغرة في أمنها القومي بفعل تضارب مصالحها، كما أنه يضع إشكالية تحديد نطاق الأمن الإقليمي الفرعي في ظل تعدد التكتلات الأخرى المعنية أيضًا بوضع نطاق إقليمي محدد، ويُشار في هذا الصدد إلى جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج، والاتحاد المغاربي، فضلاً عن وجود تقسيمات أخرى لم تنشأ بموجبها كيانات مؤسسية إلى الآن، مثل المشرق العربي، والدول المشاطئة على البحر الأحمر، وغيرها، الأمر الذي يشتت من الجهود والوحدة الإقليمية لمواجهة التحديات الخارجية.

فطبقًا لتعريف جامعة الدول العربية للأمن الإقليمي فهو: "توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية تحقيقًا للتعاون فيما بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها مع الحرص على المصالح المشتركة على كافة الأصعدة، ومنها تحقيق الأمن الإقليمي بما يوفر لها الاستقرار الداخلي لكل دولة وعناصر الحماية ضدالاختراقات المحتملة للأمن القومي العربي".

وعندما ننتقل إلى الأمن القومي العربي، الذي هو مجال اهتمام تلك الدراسة، فهو اشتقاق من الممارسات والمفاهيم سالفة الذكر، وذلك بالرغم من عدم وجود مفهوم محدد للأمن القومي العربي، ويُشار في هذا الصدد إلى تعريف تم إعداده في دراسة لجامعة الدول العربية يرى أنه: "قدرة الأمة العربية على الدفاع على أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية والتي تؤثر على الأمن القومي العربي، إلا أن ذلك المفهوم كان مثار جدل نظرًا لغموضه، الأمر الذي يعني أنه لازال هناك إشكالية في مضمون وجوهر الأمن الإقليمي العربي، أو مفهوم الأمن القومي العربي الذي لم يستقر المفكرون والنخبة العرب في تحديده وتوظيفه لخدمة المصالح المشتركة للدول العربية.

وبالرغم من عدم الاتفاق على مفهوم موحد، إلا أن هناك توافق على مهددات الأمن القومي العربي، حيث أقرت القمة العربية الـ 29 التي عقدت في أبريل 2018م، بالسعودية، وثيقة الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة، وتعهد القادة وفقًا للوثيقة بالعمل على تعزيز التضامن بين دولهم، وتنسيق مواقفها من أجل رؤية عربية مشتركة تخدم مصالحها العليا، وتحقق أمن واستقرار شعوبها، وتستجيب لتطلعات الأمة العربية نحو التنمية والازدهار والتقدم، كما دعت إلى العمل على تسريع وتيرة آليات العمل العربي المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وتنفيذ الاستراتيجيات العربية في تلك المجالات.

مهددات الأمن القومي العربي

يواجه الأمن القومي العربي العديد من المهددات التي تؤثر على مقوماته، والتي تتمثل في البعد السياسي المرتبط بالجهود المبذولة للحفاظ على الكيان السياسي للدولة، وهو ما برز مؤخرًا في الانكشاف الذي أضر بالعديد من دول المنطقة بعد تطورات 2011م، ويضاف إلى ذلك البعد الاقتصادي الذي يقوم على عدة مفاهيم أمنية، مثل الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، أمن الطاقة، وغيرها من المفاهيم التي تنعكس سلبًا على احتياجات المواطن العربي وتوفير سبل التقدم والازدهار لمواكبة التطور السكاني والمجتمعي، كما أن هناك العديد من المؤثرات من خارج المنطقة العربية التي تضرب البعد المعنوي والأيديولوجي، مستهدفة الفكر والمعتقدات والعادات والقيم خاصة تلك المرتبطة بالبعد الديني، كما أن هناك العديد من الأبعاد الأخرى مثل البعد الاجتماعي، والبيئي، والمعلوماتي التي أصبحت من المقومات الرئيسية للأمن القومي العربي، والتي يلاحظ استهدافها في السنوات الأخيرة، وذلك على مستوى الأمن الداخلي للدول العربية، أو حتى على مستوى الأمن الجماعي العربي.

وقد شهد الأمن الإقليمي تحديات متعددة في السنوات الأخيرة على عدة مستويات استهدفت جميعها محاولة اختراق الأمن القومي لدول المنطقة مع تزايد انهيار بعض النظم ودخول بعضها في نزاعات أهلية على السلطة، فإن مساحة ومجالات التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية قد تزايدت بصورة كبيرة وهو ما يثير الكثير من علامات الإستفهام حول طبيعة ومستوى الأمن الإقليمي في مواجهة ذلك.

ولاشك أن من أهم المخاطر الرئيسية التي تهدد الأمن الإقليمي وتؤثر بشكل مباشر عليه هي التدخلات الإقليمية خاصة ممارسات كل من إيران وتركيا وإسرائيل، ويشار في هذا الصدد إلى أن خطورة تلك التدخلات تكمن في الإختراقات الأمنية للدول العربية وهو ما تكشفه الممارسات الإيرانية في سوريا والعراق واليمن وكذلك اختراقات تركيا لكل من سوريا والعراق، فضلاً عن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينة ومحاولة القفز على التطبيع مع الدول العربية دون التجاوب مع أية طروحات عربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي أو الإلتزام بالمواثيق والقرارات الدولية.

حدود التنافس الإقليمي بين الجانبين التركي والإيراني

تشهد العلاقات بين إيران وتركيا توترًا من حين لآخر وهو ما يعكس خلافًا علنيًا بين الدولتين حول عدد من القضايا الإقليمية والتنافس بين الجانبين في عدد من الأزمات الإقليمية في المنطقة خاصةً الأزمتين السورية والعراقية. ويتسم التصادم بين تركيا وإيران بأنه يمر بفترات متلاحقة من الكمون والعلنية وذلك اتساقًا مع درجة التجاذب بينهما حول الملفات الإقليمية. وعلى الرغم من ذلك قد تشهد بعض الفترات تقاربًا مؤقتًا بين الجانبين ارتباطًا بمجموعة من المصالح المشتركة التي تُحفز على هذا الأمر. ولا شك أن الأجندات المتصارعة من جانب كلاً من أنقرة وطهران في الأزمات العربية تخصم تدريجيًا من صلادة منظومة الأمن القومي العربي المتبقية.

يأتي التوتر الحالي في العلاقات بين إيران وتركيا في ضوء التنافس بين هاتين القوتين على ملف الزعامة والقيادة في منطقة الشرق الأوسط التي يحاول كلا منهما بسط نفوذه وهيمنته فيها، وتناقض وجهات نظر ومواقف الدولتين بشأن بعض الملفات المثارة حاليًا في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأزمتين السورية والعراقية، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالي:

-       التنافس في الساحة السورية،فرغم التقارب النسبي التكتيكي بين الجانبين في الساحة السورية من خلال تنسيقهما مع الجانب الروسي في مساري الأستانة وسوتشي، إلا أن للطرفين مصالح استراتيجية متباينة في سوريا، فبينما تسعى أنقرة على سبيل المثال إلى السيطرة على مناطق الأكراد مثل منبج، تريد طهران أن يسيطر الجيش السوري على تلك المناطق، يٌضاف إلى ذلك الرغبة الإيرانية في إطلاق عملية عسكرية لطرد الجماعات الإرهابية من محافظة إدلب، في حين لا تزال تركز تركيا على فكرة عزل المتشددين.

-       التنافس في الساحة العراقية، حيثيُعد الملف العراقي أحد أهم ملفات التجاذب التركي الإيراني في المنطقة، في ظل تخوف أنقرة من الدرجة التي وصل إليها نفوذ طهران في العراق، والذي تعاظم مع مشاركة قوات "الحشد الشعبي" في الإنتخابات التشريعية الأخيرة وحصول إئتلاف "الفتح" التابع لهم على المرتبة الثانية في قائمة الإئتلافات الفائزة في تلك الإنتخابات. وتأتي أنقرة فى طليعة المنزعجين من الدور الإيراني المتصاعد فى العراق وذلك لكون العراق بمثابة المنبع الرئيسي للنفوذ الإيراني في المنطقة كما تعد الجبهة العراقية المفرخة الرئيسية للنشاطات السلبية الإيرانية في الإقليم.

وتنزعج تركيا بصورة أساسية من إيران في العراق بسبب استفادة إيران من ميليشيات الحشد الشعبي في تعميق نفوذها العسكرى مع العراق وأن يبقى لها دور بارز في العراق وضمان ألا يشكل أي فاعل إقليمي أو دولي خصمًا موضوعيًا من نفوذها ورصيدها الاستراتيجي في العراق. الجدير بالذكر أن ظهور الحشد الشعبي في العراق حقق أهدافًا سعى إليها الجانب الإيراني، وأبرزها تأمين الإبقاء على الطريق مفتوحًا بين إيران وسوريا عبر العراق وضمان وجود ممر بري يصل إيران بحلفائها في المنطقة، كما أن ذلك سهل من المسعى الإيراني لامتلاك طريق يؤدى إلى البحر المتوسط عن طريق سواحل سوريا.

ولعل آخر أهم التحركات الإيرانية غير المباشرة في العراق، والتي من المتوقع أن تُزعج الجانب التركي هي مواصلة ميليشيات الحشد الشعبي العراقية التابعة لإيران تحركاتها الهادفة إلى بناء اقتصاد موازي لها داخل المؤسسات الحكومية وخارجها، وذلك في تكرار واضح لتجربة الحرس الثوري الإيراني. ويستهدف الحشد الشعبي خلق كيان اقتصادي موازٍ للاقتصاد العراقي الرسمي في الرغبة في التأسي بتجربة الحرس الثوري الإيراني الاقتصادية، والعمل على مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. ومن الواضح أن اهتمام ميليشيات الحشد الشعبي بخلق نفوذ اقتصادي لها في المناطق السنية المجاورة للحدود العراقية السورية، سيرسخ من المسعى الإيراني لخلق تواصل وربط جغرافي بين أدوات طهران العسكرية في كل من الساحتين العراقية والسورية.

وسيبقى تخوف وقلق بعض الأطراف والقوى السياسية العراقية، خاصة المكون الشيعي وفصائل الحشد الشعبي، من أى تحرك رسمي عراقي نحو تعزيز العلاقات مع تركيا، من أهم العراقيل أمام عودة العلاقات بصورة طبيعية بين البلدين، حيث ترفض بعض تلك القوى تعزيز التعاون مع أنقرة بصورة ملحوظة، على اعتبار أن ذلك سيأتي على حساب تطوير العلاقات مع طهران.

وعلى الرغم من المساعي التركية المكثفة لزيادة حضورها بالعراق، وضمان امتلاكها أدوات تكفل لها منافسة النفوذ الإيراني إقليميًا، إلا أنه من الصعب على أنقرة منافسة طهران في الداخل العراقي، أو الوصول إلى نفس درجة نفوذها عراقيًا، وذلك لتعدد حلفاء إيران بالعراق.

كما تشهد العلاقات الإيرانية ـــ التركية تقاربًا مؤقتًا في فترات مختلفة ارتباطًا بمجموعة من المحفزات، والتي يتمثل أهمها فيما يلي:

-       تصاعد الزخم الكردي في المنطقة: حيث يعتبر هذا الملف مصدر قلق مشترك بين البلدين لوجود كيانات كردية بهما، وقد تصاعد هذا القلق لدى الجانبين على سبيل المثال إبان محاولة إقليم كردستان الفاشلة للإنفصال عن بغداد والتي ساهم التعاون النادر بين أنقرة وطهران في إجهاضهما.

-       تشابه موقف الطرفين من الأزمة الخليجية: حيث تقوم تركيا وإيران منذ بداية الأزمة القطرية بمواقف متطابقة تقريبًا من خلال دعم قطر سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وهو ما أعطى الدوحة القدرة على مواجهة الحصار السياسي والاقتصادي الذي تفرضه الدول المقاطعة. وقد فرض تسابق الطرفين لدعم قطر إلى تقارب غير مباشر بين طهران وأنقرة، على اعتبار أنهما باتتا في جبهة واحدة، كما أصبحتا طرفًا في الأزمة.

-       ورغم ذلك فإن التفاهمات الروسية مع كل من تركيا وإيران، لعبت دوراً في وصول أنقرة وطهران لتفاهماتهما الحالية، فعلى سبيل المثال، ترى تركيا وإيران أن روسيا هي صاحبة اليد العليا حالياً في سوريا، وأنها بمثابة الموازن الدولي للموقف الأمريكي السلبي تجاه كلاً منهما، والتنسيق حول ملف الحدود المشتركة، خاصة وأن الجانب التركي قام مؤخراً ببناء جدار لحدوده مع إيران بطول 144 كم لمنع المرور غير الشرعي عبرها، والتفهم الإيراني لأهمية ذلك في ضوء الجهود التركية لمكافحة نشاطات حزب العمال الكردستاني.

وإجمالاً، هناك عدد من الملاحظات الهامة المتعلقة بالدورين التركي والإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وتأثير ذلك على الأمن القومي للدول العربية، ومن أهمها ما يلي:

-       يبدو أن الدافع الرئيسي للتقارب بين الجانبين التركي والإيراني من حين لآخر هو الخطر الكردي المتصاعد في المنطقة، على اعتبار أنه يمس الاستقرار الداخلي للبلدين.  

-       يبقي التقارب التركي ـ الإيراني الحالي من فترة لأخري هو التقاء مصالح مؤقت واضطراري بينهما لمواجهة تحديات مشتركة، وسرعان ما سينقضي هذا التفاهم سريعاً بانقضاء الأسباب التي دعت إليه، وسرعان ما تعود الدولتان لسابق عهدهما من التنافس الإقليمي على زعامة المنطقة.

-       تحاول أنقرة من حين لآخر إظهار نفسها كشريك إيجابي لدول الخليج. كما تحاول أنقرة أحياناً توظيف توترها مع طهران للدفع نحو تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة في ضوء موقف إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" المشابه والرافض للتحركات الإيرانية في المنطقة.

الناتو العربي وتداعياته على الأمن الإقليمي

طرح وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" فكرة إقامة تحالف استراتيجي للشرق الأوسط وأجرت الولايات المتحدة اتصالات مع العديد من دول المنطقة استهدفت إيضاح الاستراتيجية الأمريكية في المرحلة المقبلة وسياسة الرئيس الأمريكي حيال المنطقة، والتي وضحت من خلال التحركات الأمريكية الجديدة في المنطقة سواء فيما يتعلق بحل الأزمة اليمنية والانسحاب الأمريكي من سوريا وإعادة انتشار قواتها في العراق وحث الدول العربية والخليجية على إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، ومشاركتها في إعادة أعمار سوريا، فضلاً عن توجهات الكونجرس الأخيرة غير الإيجابية تجاه بعض الدول العربية الفاعلة.

كما جاءت تلك الزيارة لتشير إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية بصدد وضع استراتيجية جديدة تمثل خارطة طريق لتوجهاتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط والمنطقة العربية في المرحلة المقبلة، بالرغم من أن هذه التوجهات تتنافى مع عقيدة ترامب، الذي أعلن مرارًا بأن أمريكا لا يمكن أن تكون شرطي الشرق الأوسط أو شرطي العالم، وأنه سيعمل جاهدًا على التقليل من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة وفقًا لاستراتيجية توسيع آليات التشاور الإقليمية التي تبنتها الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق "باراك أوباما"، كما أن المحور الرئيسي لهذه الإستراتيجية يتمثل في احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة والتقليل من تمدد طهران في العواصم العربية، لاسيما في سوريا والعراق، وطمأنة حلفاء واشنطن من الحرب ضد تنظيم "داعش" والحرب على الإرهاب بشكل عام، كما ترغب واشنطن في الهيمنة على النظام الأمني في الشرق الأوسط، ومواجهة خطر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، لاسيما فيما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني دون الإشارة إلى السلاح النووي الإسرائيلي.

وهي فكرة قد سبق وأن دعا إليها الجنرال "مايكل فلين" رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية السابقفي عام 2015م، أمام إحدى لجان الكونجرس، يتضمن ضرورة إنشاء هيكل دفاعي عربي شبيه بحلف الناتو لمواجهة إيران بسبب مواصلتها برنماجها النووي، وفي عامي 2016 و2017م، ترددت فكرة إنشاء ناتو عربي في مطبوعات مركز لندن للدراسات الاستراتيجية، وكان من أبرزها دراسة للجنرال "مايك فلين" عن مشروع الناتو العربي، وجدير بالذكر أن الرئيس دونالد ترامب عينه لعدة أسابيع مستشارًا للأمن القومي.

وفي مايو عام 2017م، أخذت الفكرة دفعة جديدة في ظل الأحاديث المتكررة للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن ضرورة أن يتحمل الحلفاء مسؤولياتهم العسكرية والمالية وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحارب نيابة عن أحد ولن تتحمل تكاليف حماية أمن الدول الأخرى، فخلال زيارة الرئيس الأمريكي "ترامب" للرياض في مايو 2017م، طرح إقامة هذا التحالف حيث تركزت الفكرة الرئيسية له حول الحفاظ على الأمن القومي لواشنطن والدول العربية المشاركة فيه.

وتبلورت الفكرة بشكل أوضح خلال فعاليات القمة العربية الإسلامية الأمريكية، ووردت هذه الفكرة أيضًا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2018م، وتمت إضافة أبعاد اقتصادية وسياسية لهذا التحالف بالإضافة إلى البعد الأمني بالطبع.

ويتمثل الهدف الرئيسي للولايات المتحدة من وراء تأسيس هذا التحالف في تكوين جبهة قوية في مواجهة إيران من جهة، وحماية المصالح الأمريكية من جهة أخرى، وفي هذا الإطار يمكن للناتو العربي أن يتطور إلى شراكة عسكرية قوية تنسق الدفاعات الصاروخية والتدريبات العسكرية وتدابير مكافحة الإرهاب، ويمكن لهذه المجموعة أيضًا أن تعزز الأمن على طول الممرات البحرية الخليجية الاستراتيجية التي تحمل الكثير من إمدادات النفط في العالم.

وبمرور الوقت، فقد طور الخبراء الأمريكيون مفهوم "الناتو العربي" بطرق مختلفة تسمح للولايات المتحدة بتقليص وجودها العسكري دون فقدان نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دفع الدول العربية نحو زيادة الاستثمار في تعزيز أنظمتها الدفاعية العسكرية، بما يسمح بمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة.

وقد تضمن مشروع التحالف الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط أو الناتو العربي، ثلاثة محاور رئيسية أهمها:

-       المحور الأمني: حيث يسعى الناتو العربي إلى تعزيز قدرات الدفاع العسكرية للدول الأعضاء، وذلك من خلال مراكز القدرات الإقليمية التي تغطي قطاعات أمنية مختلفة (القوات البحرية - السيرانية - الجوية والصاروخية) وكذلك أمن الحدود والحروب غير المتماثلة والقيادة والسيطرة، ويتضمن أيضًا تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية والتدريبات المشتركة وإشراف الولايات المتحدة على برامج تدريبية للقوات المسلحة للدول الأعضاء، حيث ترغب واشنطن في تعزيز التعاون العسكري المشترك مع دول الخليج العربي للحد من الصفقات الصينية المنافسة لها.

-       المحور السياسي:يتضمن مشروع التحالف آليات لتعزيز الحوكمة داخل الدول الأعضاء وتعزيز العلاقات بين بعضها البعض، كما سيزود الدول الأعضاء بآلية لحل الخلافات ومنصة ضرورية للغاية لتنسيق العمل خلال الأزمات الإقليمية، الأمر الذي من شأنه أن يمنع التنظيمات الإرهابية من ملء الفراغ السياسي والأمني الناتج عن هذه الأزمات، كما يحد من تصاعد النفوذين الصيني والروسي، كما ترغب واشنطن من هذا المشروع أن يساعدها في إتمام ما يسمى بـ "صفقة القرن" في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

-       المحور الاقتصادي: يتضمن مشروع الناتو العربي سبل تعزيز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وجذب وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما يعمل على تشجيع الدول العربية الأقل ثراءًا للإنضمام لهذا التحالف بما يساعدهم على تحقيق التنمية الاقتصادية ودمج قطاع الطاقة بمساعدة الوكالات الأمريكية المختلفة والمتخصصة في القطاعات الاقتصادية المختلفة وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي والطاقة النووية.

هكذا يتضح أن مشروع "الناتو العربي" خطوة نحو إقامة بنية أمنية جماعية للدول العربية، خاصة وأنه يربط الأمن العسكري بالأمن السياسي والاقتصادي، إلا أن الولايات المتحدة طرحت هذا المشروع لتحقيق أهداف أمريكية في المقام الأول متمثلة في استهداف إيران وتقليص الوجود الصيني والروسي في منطقة الشرق الأوسط في ظل تصاعد نفوذهما في المنطقة خلال الفترة الأخيرة. وفي هذا الإطار، فإن هناك مجموعة من العوامل والمتغيرات التي قد تؤثر على فكرة تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط "الناتو العربي" ومن أهمها ما يلي:

-       افتقار مشروع الناتو لإطار أمني مقنع وراء فكرة مواجهة إيران، خاصة مع وجود بعض الدول العربية التي ترفض اعتبار إيران عدوًا، فبينما عبرت كل من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والبحرين على أهمية التحالف لمواجهة إيران.

-       غياب الإجماع العربي، بسبب استمرار الأزمة الخليجية القطرية والتي تمثل عائقًا أمام نجاح هذه الفكرة، وخاصة أن التحالف الرباعي (السعودية - الإمارات - مصر - البحرين) يرفض السياسات القطرية الراعية للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، ويرفض كذلك السياسات العدائية القطرية تجاهها، الأمر الذي دفع بإيران للتقليل من أهمية الحديث عن الناتو العربي في ظل غياب الإجماع العربي واستمرار الأزمة الخليجية القطرية، ونظرًا لاختلاف أولويات دول المنطقة وعدم اتفاقها على من هو العدو ومصادر التهديد، فإن فرص هذا الحلف محدودة للغاية.

-       إن الولايات المتحدة تتجاهل قضايا الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، واستمرار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وسعي إسرائيل لضم هضبة الجولان وهي أراض سورية محتلة، وكلها قضايا صدر بشأنها قرارات دولية واجبة التنفيذ، وهو ما يؤثر سلبيًا على الأمن الإقليمي بصفة عامة.

-       إقامة ناتو عربي من شأنه تشجيع سياسة المحاور في المنطقة، بمعنى أن إقامته تقتصر على مشاركة بعض الدول العربية دون غيرها ولا تفتح الباب أمام مشاركة دول عربية أخرى، ويدعم ذلك الانقسامات الحالية بين البلاد العربية بشكل مؤسسي وصريح.

-       التحفظ بشأن إقامة تحالف شرق أوسطي أو ناتو عربي حتى لا تتصاعد الأبعاد المذهبية، فقد ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن الهدف من ذلك التحالف هو إقامة محور سني في مواجهة محور شيعي تتزعمه إيران.

-       تجاهل مشروع التحالف للتنظيمات والجماعات الإرهابية باعتبارهم فاعلين سياسيين تسببا في عدم الاستقرار داخل الدول العربية.

-       تباين التوقعات لدى الدول المرشحة لعضوية الناتو العربي وتزايد فجوة الثقة تجاه كل منهم والولايات المتحدة بشأن الأهداف الحقيقية الكامنة وراء هذا التحالف، فالناتو العربي هو تحالف عسكري بالدرجة الأولى قد لا يخدم مصالح كل دول المنطقة.

هكذا يتضح أن الأمن الإقليمي، والذي هو في جوهره الأمن القومي العربي يواجه في السنوات الأخيرة تحديات كبيرة متزايدة، وأن سياسات القوى الإقليمية غير العربية (تركيا -إيران -إسرائيل) تمثل تحديًا كبيرًا، ولا شك أن عدم صياغة موقف عربي جماعي يواجه هذه السياسات يزيد من سلبية التأثير العربي ويسمح بمجالات حركة لتلك القوى واختراق واضح للأمن القومي العربي بصفة عامة، ويزيد من حدة الاستقطاب والتوتر بين الدول العربية.

ويأتي مشروع الناتو العربي ليزيد من حجم التهديد للأمن القومي العربي، حيث أنه في جوهره محاولة لصياغة تكتل يضم بعض الدول العربية، وتبقى دولاً عربية أخرى خارجه، ورغم أنه يستجيب للمخاوف العربية من الممارسات الإيرانية إلا أنه يتجاهل الممارسات الإسرائيلية والتركية، ويمكن أن يؤدي في حالة نجاحه لربط الأمن الإقليمي بالاستراتيجية الأمريكية التي لا تتفق مع بعض عناصر الأمن القومي العربي.

 

 

 

 

المراجع:

  1. نشأت عثمان الهلالي: الأمن الجماعي، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، سلسلة مفاهيم، العدد التاسع، (القاهرة، سبتمبر 2005).
  2. علي عباس مراد: مشكلات الأمن القومي..نموذج تحليلي مقترح، سلسلة دراسات استراتيجية، العدد 105، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، (الامارات، 2005).
  3. محمد صفي الدين خربوش: مفهوم الشرق الأوسط والأمن القومي العربي، مجلة دراسات شرق أوسطية، المجلد الخامس، العدد 13، (الأردن، 2000).
  4. الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، دراسة حول الأمن القومي العربي، جامعة الدول العربية، (القاهرة، 1993).
  5. عبد المنعم المشاط: الانكشاف وتهديد الأمن القومي العربي، جريدة الشروق المصرية، 17/12/2013.
  6. لمياء محمود: الأمن القومي العربي كجزء من الأمن الإقليمي الشرق أوسطي “الأخطار وأدوار الفاعلين، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، متاح على: https://democraticac.de/?p=51048
  7. قباني عاشور: الأمن القومي العربي التحديات وسبل المواجهة، متاح على:

https://www.researchgate.net/publication/330366530_alamn_alqwmy_alrby_althdyat_wsbl_almwajht

  1. د. علي الدين هلال، حكاية الناتو العربى، جريدة الأهرام، 20 يناير 2019، العدد 78257، متاح على: https://bit.ly/2tZ54tT
  2. بومبيو يقوم بجولة في الشرق الأوسط تشمل الخليج، روسيا اليوم، 4 يناير 2019، متاح على: https://bit.ly/2scx7Fr
  3. استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط في ضوء زيارة مايك بومبيو، مركز الفرات، 13 يناير 2019، متاح على: http://fcdrs.com/polotics/1193
  4. محمد العرابي، صراعات طويلة الأمد وإرادة مخطوفة، الشرق الأوسط، 19 يناير 2019، متاح على: https://bit.ly/2VJI6mu
  5. "ناتو عربي".. هل ينجح ترامب في تشكيله؟، بي بي سي عربي، 28 سبتمبر 2018، متاح على: https://bbc.in/2HbimMx
  6. ناتو عربي.. أمريكا تكشف تفاصيل مشروع "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي"، يورو نيوز، 27 سبتمبر 2018، متاح على: https://bit.ly/2VOMAbx
  7. Dan Boylan, U.S. quietly makes progress toward 'Arab NATO', washingtontimes, October 3, 2018, at: https://bit.ly/2UU5Og5
  8. Trump trying to broker Israel-Arab NATO-style alliance — report, The Times of Israel, March 2017, at: https://bit.ly/2VSnvwr
  9. YASMINE FAROUK, The Middle East Strategic Alliance Has a Long Way To Go, Carnegie endowment for international peace, FEBRUARY 08, 2019, at: https://bit.ly/2HddIh0
  10. James Sperling:Regional Security, 28 JULY 2015, AT:https://bit.ly/2TBoDqP

 

مجلة آراء حول الخليج