array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 141

انكمش الناتج الإجمالي الإيراني العام الماضي (-3.7%) ليصل إلى (- 6.0%) العام الحالي

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

 تُعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران مع بواكير أبريل 2018م، من أشد وأقصى العقوبات الاقتصادية التي لم يشهد لها التاريخ الاقتصادي مثيلاً. وتستهدف الولايات المتحدة من وراء هذه العقوبات تصفير العوائد الاقتصادية التي تكسبها إيران من تصديرها للنفط ومشتقاته، علاوة على الحد من شراكاتها الاستثمارية والتجارية مع الدول الأوروبية والآسيوية التي فضلت التخفيف من معاملاتها في مجال الاستثمار والتجارة خوفًا من فقدان مصالحها الاقتصادية والاستثمارية مع الولايات المتحدة.

     وغني عن البيان، فقد طالت هذه العقوبات أغلب القطاعات الاقتصادية المهمة في إيران لاسيما القطاع المالي والمصرفي وقطاع النفط. وسوف نتناول في هذا المقال تداعيات العقوبات الأمريكية على المشهد الاقتصادي والتنموي في إيران والخيارات أمام إيران للخروج بأقل الخسائر من براثن هذه العقوبات التي تستهدف تدمير الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلاً من اختلالات بنيوية قبل القرار الأمريكي الأخير بفرض العقوبات الاقتصادية.

أولاً- آثار العقوبات على مؤشرات الاقتصاد الكلي في إيران:

    ما من شك، فقد أثرت العقوبات الأمريكية على مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي الإيراني والمتمثلة بمعدلات النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم وعلى معدلات البطالة وميزان المعاملات الجارية، وفيما يلي توضيحاً لهذه المؤشرات:

1)   معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي:

      شهد الاقتصاد الإيراني نموًا اقتصاديًا في عام 2016م، بلغ  نحو (12.5%)  بعد أن حقق انكماشًا بنحو (-1.6%) عام 2015م، وكان هذا النمو المرتفع كنتيجة لتحسن أسعار النفط بعد انهيارها في النصف الثاني من عام 2014م، وانتهاء العقوبات الاقتصادية الذي فرضتها الولايات المتحدة على إيران في عهد الرئيس أوباما، حيث شهد السوق الإيرانية تدفقًا للاستثمارات الأوروبية والصينية، وعودة للأموال المجمدة وانفتاح الكثير من الدول الآسيوية التي قامت بالتوقيع على اتفاقيات تعاون اقتصادي واستثماري وتجاري مع إيران، لكن هذا لم يدم طويلاً ،إذ سرعان ما شهدت السوق العالمية للنفط تدهورًا في الأسعار في الربع الأخير من العام 2017م، تلاه قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وبدء سيناريو جديد في التعامل مع إيران يختلف كليًا عن الإدارة السابقة، حيث بدأ بتطبيق العقوبات الاقتصادية اعتبارًا من أبريل 2018م، وبصورة تدريجية وصلت إلى ذروتها في يوليو 2019م، وكان حصاد هذه العقوبات انخفاض معدلات تصدير النفط الأمر الذي أنعكس سلبًا على مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني الذي شهد انخفاضًا غير مسبوق في نموه الحقيقي عام 2018م، حيث حقق  انكماشًا بلغ (-3.7%)، ومن المتوقع أن يواصل هبوطه الدراماتيكي خلال العام الحالي ليصل إلى نحو (-%6.0) وذلك نتيجة للعقوبات التي تطال قطاع النفط .

 

شكل (1) معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي (2020-2016) %

Source: International Monetary Fund (IMF), World Economic Outlook, April 2019, P.161

 

  وتجدر الإشارة إلى أن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن الاقتصاد الإيراني سوف يحقق نموًا منخفضًا جدًا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لم يتخط (0.2%) في العام 2020م.

2)   معدل التغير في متوسط أسعار المستهلك (معدل التضخم):

    شهد معدلات التضخم في الاقتصاد الإيراني معبرًا عنها في التغير في متوسط أسعار المستهلك اتجاهًا تصاعديًا، فبعد أن شكل معدل التضخم رقمًا فرديًا عامي 2016و2017م، حيث بلغ نحو (%9.1و9.6%) على التوالي، غير أنه بدء مع عام 2018م، يحقق رقمًا مزدوجًا، نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، حيث تخطى معدل التضخم (31%)، ومن المتوقع أن يرتفع بقرابة (6%) خلال العام 2019 ليصل إلى نحو (37.2%)، مع استمرار سياسة فرض العقوبات على إيران.

 

شكل (2) معدل التضخم في إيران للفترة (2016-2020) %

Source: International Monetary Fund (IMF), World Economic Outlook, April 2019, P.166

 

     ومن المتوقع أن تبقى معدلات التضخم في أيران تسجل أرقامًا مرتفعة خلال 2020م، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات لاسيما التي يتم استيرادها من الخارج الأمر الذي سينعكس سلبًا على معيشة المواطن الإيراني العادي الذي يعاني أصلاً من ارتفاع معدلات الفقر، حيث يعيش (3%) من سكان إيران تحت خط الفقر المدقع (1.9) دولارًا في اليوم.

3)   ميزان الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي:

     شهدت السنوات الثلاث التي تلت رفع العقوبات الاقتصادية على إيران بعد توقيعها على الاتفاق النووي تحسنًا في ميزان الحساب الجاري، وذلك نتيجة لارتفاع حجم الصادرات النفطية الإيرانية والتي وصلت إلى ذروتها (2.4) مليون برميل يوميًا في أبريل 2018م، لاسيما مع الدول الآسيوية كالصين وكوريا والهند، حيث حقق ميزان المعاملات الجارية فائضًا موجبًا لصالح إيران بلغ ذروته عام 2018م، حيث وصل إلى نحو (4.3%) من الناتج المحلي الإجمالي، بيد أن  هذا التطور الإيجابي سرعان ما تغير بعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على قطاع النفط  التي بدأت في شهر مايو 2018م، والذي قادت إلى انخفاض حجم الصادرات النفطية الإيرانية إلى أقل من نصف مليون برميل يوميًا في شهر يونيو 2019م، وفقًا لمصادر البنك المركزي الإيراني، الأمر الذي أنعكس سلبًا على ميزان الحساب الجاري الذي يتوقع أن يحقق عجزًا يقدر بنحو (-0.4%) من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني لعام 2019 وسيرتفع إلى (-0.6%) عام 2020م.

 

  شكل (3) ميزان الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (2016-2020) %

Source: International Monetary Fund (IMF), World Economic Outlook, April 2019, P.176

 

4)   معدل البطالة:

    شهدت معدلات البطالة في إيران تصاعدًا ملحوظًا خلال السنوات المنصرمة، نتيجة للعقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران قبل أكثر من عام، وسوف يفقد أكثر من مليون شخص فرصة عملهم نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية وذلك وفقًا لتصريح لوزير العمل الإيراني السابق. وبلغ معدل البطالة عام 2018 نحو (12.3%) وفق تقرير لجهاز الإحصاء الإيراني في شهر أبريل2019، ويشكل معدل البطالة بين الرجال (10.7%) من معدل البطالة في إيران، بينما تشكل البطالة بين النساء (18.5%)، كما وصل معدل بطالة الشباب إلى (28.1%) ونحو (17.8%) بين حملة الشهادة الجامعية، وشهد معدل البطالة في المدن نموًا بنسبة (0.4%) خلال الفترة من مارس 2018م، إلى مارس 2019م، حيث بلغ (13.3%).

     ويشير رئيس جمعية أصحاب العمل في إيران: "إذا لم نعمل بسرعة لإطلاق وثيقة التوظيف الوطنية، فإن الوضع سوف يخرج من اليد ومعدل البطالة سوف يرتفع على أساس يومي". وأضاف أن أرقام البطالة الرسمية لا تعكس الحقيقة. ويعد بعض الخبراء أن معدل البطالة يتخطى بكثير نسبة الــــ (%25).

       وتجدر الإشارة إلى أن من أهم مشاكل سوق العمل وتفاقم البطالة في إيران يكمن في فشل السياسات الحكومية والفساد المتفشي في الأوساط السياسية والحكومية لعقود طويلة، وانخفاض مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي، وعجز الاقتصاد الإيراني عن توفير فرص عمل للشباب، والاعتماد على قطاع النفط، خاصة في العقد الأخير، علاوة على عدم تلبية وجود استراتيجية تحقق الموائمة ما بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

ثانيًا- آثار العقوبات على القطاع المالي والمصرفي:

   منعت الإدارة الأمريكية في مطلع أغسطس 2018م، الحكومة الإيرانية من شراء الدولار، ما أدى إلى صعوبات جمة بوجه السكان والشركات للحصول عليه. كما تم حظر التعاملات بين المؤسسات المالية الأجنبية والمصرف المركزي الإيراني وكامل المصارف الإيرانية. ولم يعد بإمكان هذه المصارف الوصول إلى النظام المالي العالمي بسهولة.

   وتجدر الإشارة إلى أن عزل إيران عن شبكة سويفت من شأنه أن يضاعف من أزمتها المالية ويعزلها عن النظام المالي العالمي، لا سيما وأن هذا الشبكة تعمل لصالح أكثر من (11) ألف مؤسسة مالية ومصرفية في (200) دولة في العالم.وحتى إن غامرت بعض الشركات بتعريض نفسها للانفصال كليًا عن منظومة الاقتصاد الأمريكي بشرائها للنفط الإيراني، سيكون من المستحيل تقريبًا لإيران تسلم الثمن، إن لم تكن مصارفها ضمن منظومة "سويفت". ومراعاة للبعد الإنساني قررت شبكة السويفت أنه بإمكان بعض المؤسسات المالية الإيرانية التي لم تخضع للعقوبات البقاء ضمن منظومة "سويفت"، لكن لعمل تحويلات نقدية ترتبط فقط بالدواء والطعام.

     ورغم تأثير العقوبات في الآونة الأخيرة، فإن هناك أزمات داخلية يعانيها القطاع المصرفي الإيراني، أهمها غياب الرقابة وإجراء معاملات مصرفية غير قانونية. وكان المصرف المركزي الإيراني قد أعلن في الثاني من مارس 2019م، عن دمج خمسة بنوك ومؤسسات مالية تابعة للقوات المسلحة الإيرانية في بنك واحد يدعى "سيباه"، في محاولة للتخفيف من حدة هذه الأزمات. وتعاني المصارف الإيرانية من أزمات اقتصادية منذ عدة أعوام، في ظل قروض ممنوحة لجهات داخلية وافتقاد الرقابة المصرفية المناسبة.وقد أفلست العديد من المؤسسات الائتمانية، مما أثر سلبًا على مدخرات الملايين من الناس، وشكل هذا الوضع عبئًا غير ضروري على كاهل الحكومة والمصرف المركزي من أجل إنقاذ المصارف المهددة بالإفلاس.

     وتجدر الإشارة إلى أن تدهور قيمة الريال لم يؤثر على أسعار السلع المستوردة فقط، وإنما أثر سلبًا أيضًا على الإنتاج المحلي للسلع الأساسية. ففي الشهور الـ 12 الماضية، ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء والدجاج بنسبة (57%)، وأسعار الحليب والجبن والبيض بـــ (37%)، والخضراوات بنسبة (47%)، وأدى ارتفاع الأسعار إلى وجود طوابير كبيرة عند متاجر الأغذية التي تدعمها الحكومة.

    وبالرغم من تمكن الحكومة من المحافظة على استقرار سعر صرف العملة الإيرانية لأربعة أعوام تقريبًا، غير أن الريال خسر نحو (60%) من قيمته مقابل الدولار الأمريكي في السوق غير الرسمية منذ أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على إيران. ولا يستخدم سعر الصرف الرسمي للريال إلا في نطاق ضيق منذ 30 أبريل 2019.

 

 

   وفيما يشهد الريال الإيراني تقلبات كبيرة نتيجة التطورات في الخليج وتشديد خناق العقوبات الأمريكية، لاتزال الأسواق التجارية تتسم بارتفاع الأسعار عمومًا باستثناء سوق السيارات، بينما ارتفعت الأسعار أكثر في بعض السلع الأخرى المسألة التي آثارت تساؤلات خصوصًا أن تراجع سعر صرف العملة الإيرانية يفقد المواطنين جزء كبير من قوتهم الشرائية لتصبح الأسعار فوق طاقة غالبيتهم العظمى، كما يعاني الاقتصاد الإيراني من شح السيولة الذي يعترض نشاط الوحدات الإنتاجية بسبب ارتفاع سعر صرف النقد الأجنبي عمومًا، وهذا يتطلب من المصرف المركزي بذل جهد حثيث للتحكم بالسيولة.

ثالثًا- آثار العقوبات على قطاع النفط:

    وصل إنتاج إيران من النفط الخام مطلع عام 2018م، إلى (3,8) مليون برميل يوميًا، وفق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وكانت إيران تصدر آنذاك حوالي (2.4) مليون برميل يوميً، وكانت ثماني دول تشتري هذا النفط منحتها الولايات المتحدة استثناءات من العقوبات التي تفرضها على إيران هي: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان وإيطاليا.

 

    

   ونص قرار الاستثناء على أن مصارف هذه الدول سيسمح لها بمواصلة العمل والتعاون مع البنك المركزي الإيراني دون أن تتعرض لعقوبات أمريكية شريطة أن تقوم بتقليل اعتمادها على مشتريات النفط الإيراني ولكن، وبحلول مارس 2019م، كانت صادرات النفط الإيراني قد انخفضت إلى (1.1) مليون برميل يوميًا، وفقًا لشركة SVB الاستشارية لشؤون الطاقة. وكانت تايوان واليونان وإيطاليا قد أوقفت شراء النفط الإيراني، بينما خفضت الصين والهند الكميات التي تستوردها بنسبة (39%) و(47%) على التوالي.

    ومع بدء سريان إلغاء قرار منح استثناءات لبعض الدول في مطلع مايو 2019م، انخفض حجم مشتريات كل المستوردين بلا استثناء حتى أكبر المشترين. حيث أعلنت سلطة الجمارك بكوريا بأنها لم تستقبل أي شحنة نفط من إيران في شهر يوليو الحالي، كما انخفضت واردات الصين من النفط الإيراني بنحو (60%) في شهر يونيو، وتقدر إجمالي صادرات إيران من النفط خلال شهر يوليو 2019 بنحو 400 ألف برميل يوميًا فقط.

 

    شكل (4) صادرات النفط الإيراني من أبريل 2018 إلى يوليو 2019 ألف برميل يوميًا


 المصدر: وكالة الطاقة الدولية

    ويمكن القول بأن إيران مازالت تصدر النفط حاليًا من خلال "عمليات بيع غير رسمية وغير تقليدية". وبأسعار تقل كثيرًا عن السعر العالمي وتفرض الدول المستوردة للنفط شروطها، فعلى سبيل المثال لا تزال الهند تستورد النفط الإيراني لكن الدفع بالعملة الهندية، وهذا يجعل الاقتصاد الإيراني رهينة للاقتصاد الهندي دون غيره، ما يسبب صعوبات اقتصادية كبيرة.

رابعًا- الخيارات أمام إيران للتقليل من المألات السلبية للعقوبات الاقتصادية:

   حاولت إيران منذ بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها في مايو 2018م، البحث عن قنوات يمكن الركون إليها للتقليل من أثر هذه العقوبات، فقام المسؤولون الإيرانيون بزيارات لشركائهم التجاريين وحلفائهم، فكانت بكين العاصمة الأولى التي يزورها وزير الخارجية جواد ظريف بعد الانسحاب الأمريكيّ من الاتِّفاق النووي، وكان يأمل من هذه الزيارة أن تبقى الصين على تجارتها واستثماراتها لأنه سيضمن عدم التوقف الكلي للتدفقات المالية للموازنة الإيرانيَّة، من بيع النِّفْط، وسدّ الفراغ الناتج عن خروج الاستثمارات الأوربية من مجالات إنتاج الطاقة والسيارات كتوتال وبيجو، غير أن المشهد كان صادمًا للإيرانيين، حيث مع دخول المرحلة الأولى من العقوبات الأمريكيَّة، خفضت الصين شراءها النِّفْط الإيرانيّ بنحو 20% في الفترة من مايو إلى أغسطس 2018م. والأنكى من ذلك أن الصين بعد انتهاء فترة السماح لشراء النفط الإيراني، قامت خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة بالاعتماد على النفط الروسي لسد احتياجاتها بدلاً من النفط الإيراني، كما أن الأمريكيين الذي تخطى إنتاجهم من النفط الخام (12) مليون برميل يومياً يطرحون أمام الصينيين في سياق إنهاء الحرب التجارية بينهما خيار استيراد النفط الأمريكي مقابل تقديم التسهيلات للحصول على التكنولوجيا المتقدمة في مجال المعلومات والاتصالات وذلك لضرب عصفورين بحجر واحد الأول تقليل قيمة العجز التجاري بين البلدين الذي تخطى (300) مليار دولار عام 2018م، والثاني تحييد النفط الإيراني من معادلة السوق العالمية للنفط، ومن المرجح أن تحصل الصفقة بينهما لأن الصين لديها مصالح كبرى مع الولايات المتحدة سواء على الصعيد التجاري أو الاستثماري لا تقارن أساسًا بحجم تعاملها التجاري مع إيران، الذي لم يتخطى (40) مليار دولار لعام 2018م. كما أن القطاع الخاصّ الصيني سيتردد كثيرًا لمزاولة نشاطه في إيران وذلك لثقل وزن علاقاته التجارية مع الولايات المتَّحدة.

    أما بالنسبة للحليف الروسي فقد وقَّعَت روسيا اتِّفاقية مقايضة مع إيران في مايو 2017م، تورَّد بموجبها سلع ومعدات روسية مقابل النِّفْط الإيرانيّ. لكن هذه الاتِّفاقية لم تطبَّق لحد الآن، لا كليًّا ولا جزئيًّا.وخلال الفترة (2007 – 2014م)، وهي فترة تضمنت عقوبات دولية على إيران، اقتصر التعاون بينهما على التسليح المسموح به في إطار العقوبات المفروضة، وعلى بعض الآلات والمعدات، ولم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما (1.67) مليار دولار في عام 2014م، كما لم يرتفع كثيرًا في عام 2016م، مسجلاً قرابة مليارَي دولار على الرغم من رفع العقوبات الدولية عن إيران ووصول التعاون السياسي والعسكري بين البلدين إلى ذروته فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط الشائكة، أي إن التعاون التجاري كان محدودًا خلال العقوبات الدولية الماضية واستمرّ حتى بعد رفعها، فإذا كان هناك دعم روسي لإيران خلال فترة العقوبات، فلن يكون على حساب الإضرار بمصالح روسيا الكبرى، وانسحاب شركة “روس نفت” من إيران عقب العقوبات خير مصداق على كلامنا هذا، فضلاً عن حجم التبادل التجاري بينهما الذي بلغ (1741) مليون دولار فقط في عام 2018م، فالاقتصاد الروسي يعاني أزمات متعددة، يضاف إليه الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتَّحدة وبعض الدول الأوروبية على خلفية تدخُّل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكيَّة الأخيرة، وضمّ روسيا إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية. لذا فإن النِّظام الروسي غير مستعد لإثارة مزيد من الضغوط الاقتصادية عليه أو زيادة حِدَّة خلافاته مع المجتمع الدولي، ولا يملك اقتصاده كثيرًا ليقدمه إلى إيران سواء عبر المقايضة أو النقد، غير بيع الأسلحة وبعض المعدات والتكنولوجيات المحدودة.

     أما فيما يتعلق بالهند، كان موقفها من الالتزام بالعقوبات الأمريكيَّة مترددًا بدرجة كبيرة، ويبدو أنه سيبقى كذلك، فالنِّفْط هو السلعة الأهمّ التي تربط الهند بإيران، فالهند تمثل لإيران ثاني أكبر مستورد لنفطها، وإيران تمثّل للهند ثالث أكبر مَورِد للنِّفْط بعد العراق والسعوديَّة، أو ما يعادل (10%) من احتياجات الهند من النِّفْط الخام. في ذات الوقت لا يمكن أن تستهين الهند بمصالحها الأمنية والاقتصادية المشتركة مع أمريكا، فكان الارتباك الهندي واضحًا في البداية خشية خسارة أي من الجانبين، ففي البداية ظهرت تصريحات غير مؤكَّدة عن نية الهند وقف استيراد نفط إيران بحلول نوفمبر 2018م، ثم أعلنت رسميًّا اعترافها بالعقوبات التي تفرضها الأمم المتَّحدة فقط لا العقوبات أحادية الجانب وقالت إنها قد تخفض استيرادها من النِّفْط الإيرانيّ بنحو 50% بشرط حصولها على محفزات من الولايات المتَّحدة لفعل ذلك وانخفضت بالفعل في أغسطس 2018م، بمقدار النصف. أما بالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية، فهما من أوائل الدول التي قلصت وارداتها من النفط والبتروكيماويات عند فترة الحظر الأول، وبدأت تدريجيًا بإنقاص وارداتها من إيران حتى وصلت إلى الصفر مع مطلع يوليو 2019م.

   أما فيما يتعلق بدول الجوار، فتركيا أعلنت وقف وارداتها من النفط الإيراني، اعتباراً من مايو 2019م، التزامًا بالعقوبات الأمريكية، أما بالنسبة للعراق فقد سمحت له الولايات المتحدة باستيراد الكهرباء والغاز من إيران والتي تقدر كلفة استيراده بنحو 1.2 مليار دولار.وتحاول إيران للإفلات من العقوبات من خلال زيادة حجم تجارتها الخارجية مع العراق من (12) مليار دولار إلى (20) مليار دولار، غير أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب مثل هذا النشاط. كما تتمتع بفهم متعمق للمعاملات المقوّمة بالدولار التي تعتمد على الاحتياطيات العراقية الموجودة في "البنك الفيدرالي الأمريكي". وعليه فإن الأمر ليس بالسهولة كما كان الوضع أثناء العقوبات الأمريكية السابقة، حيث شكل العراق طوق النجاة للاقتصاد الإيراني من خلال تجيير مزاد بيع الدولار لصالح إيران، علاوة على فتح اسواقه للسلع الإيرانية التي غزت السوق العراقية واثرت بشكل كبير على الإنتاج الزراعي والصناعي في العراق.

    وصفوة القول فإن إيران تتفنّن في البحث عن طرق للالتفاف على العقوبات، وما إن تفشل طريقة حتى تبتكر أخرى، ومن ثم تبحث الإدارة الأمريكية عن طريقة للمواجهة قد تنجح أو لا. غير أن المسألة الهامة في الموضوع هي أن جُل هذه الحيل أكثر تكلفة على الاقتصاد الإيرانيّ من استخدام الطرق المباشرة والقانونية. فبيع النِّفْط من خلال الطرق غير القانونية، وإن كان مناسبًا لموازنة البلد من لا شيء، بيد أنه يستدعي تضحيات سعرية لإقناع المشتري بتحمُّل مخاطر التعامل مع إيران، الذي ستبقى تواجه تحديات كبيرة للإفلات من العقوبات الاقتصادية الأمريكية في ظل النظام الاقتصادي والمالي العالمي الحالي الذي تهمين عليه الولايات المتحدة والتي لا تستطيع أي دولة أن تحيد عنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي متخصص بالشؤون الاقتصادية

 

مقالات لنفس الكاتب