array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 82

دول الخليج وإيران.. حتمية الجوار تفرض إسقاط الصراع وإحلال الثقة

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

تنظر دول الخليج العربية إلى واقع ومستقبل العلاقات مع إيران من منظور يعتمد على حتمية الصيرورة التاريخية، ديمومة بقاء الجوار الجغرافي، الأخوة في الدين، والمصالح المشتركة. وتفترض هذه الدول أن هذه الأسس والثوابت تمثل منطلقاً للسياسة الإيرانية تجاهها، لكن سياسات طهران لا تبدو كذلك خاصة منذ رحيل بريطانيا عن المنطقة في مطلع سبعينات القرن الميلادي الماضي ثم استعرت بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979م، فكلما هدأت الخلافات وانتهجت دول الخليج العربية سياسة الانفتاح والتقارب مع إيران أرسلت طهران إشارات خاطئة ورسائل مفخخة لنسف هذا التقارب وتفجير علاقات حسن الجوار، ولا تزال دول الخليج تتعامل مع طهران وفقاً لسياسة حسن الجوار رغم رفضها الكامل للرسائل الإيرانية، ولا تتعامل معها باللهجة نفسها التي تحمل نبرات التعالي والغطرسة والتهديد المباشر.

إن إيران بعد الثورة الإسلامية دخلت في دهاليز سياسية متناقضة، ومارست أفعالاً تتناقض وأقوالها المعلنة، ففي الوقت الذي كان فيه خطابها السياسي يصطبغ بالصبغة الإسلامية المعادية للغرب خاصة أمريكا وإسرائيل لاستمالة الشارع الإسلامي بكل طوائفه ومذاهبه باعتبارها المدافعة عن الحقوق الإسلامية المغتصبة، ومحاولتها الدائمة إثبات أنها أكثر عداءً للغرب من الدول الإسلامية الأخرى خاصة العربية، نجدها تبرم صفقات سرية مع من تصفه بالشيطان الأكبر، بدءاً من فضيحة إيران - كونترا الشهيرة، مروراً بتقديم التسهيلات لهذا الشيطان في أفغانستان ودعم عناصر (القاعدة) لتبرير الوجود الغربي في هذا البلد الإسلامي ولتشويه صورة الإسلام السني باعتبار أن أتباعه هم الذين يرتكبون أعمال التفجير والقتل وغيرها من الأعمال الإرهابية، وجاء الدور الإيراني الداعم لأمريكا في احتلال العراق، وبلغ حد إفتاء مؤيدي طهران في العراق بتحريم مقاومة الاحتلال الأمريكي بل اعتباره المنقذ، واستمر مسلسل الوفاق الإيراني - الأمريكي في العراق ومازال منذ بدء ما عُرف بالحوار الأمريكي - الإيراني في بغداد على مستوى السفراء بالإضافة إلى اللقاءات السرية في العديد من العواصم الأوروبية أو عبر وسطاء.

رغم ذلك، انتهج الموقف الخليجي عدم التصعيد ضد إيران والدخول معها في مهاترات إعلامية، كما يحلو للمسؤولين الإيرانيين الذين يطلقون لألسنتهم العنان للهجوم على دول الخليج العربية، والموقف الخليجي هذا لا ينطلق من ضعف، لكن من رغبة صادقة في تعميق التعاون مع الشعب الإيراني المسلم والجار، وآملاً في أن تعود طهران إلى الجادة، ولتجنيب المنطقة ويلات الصراع الذي يستنزف الموارد ويفتح الباب للتدخلات الخارجية، كما أن هذه الدول موقنة بأن الصراع لم ولن يغير من جغرافية المنطقة أو يطال استقلال دولها الحرة ذات السيادة على أراضيها وقدرتها على الدفاع عن ترابها الوطني وسلامة شعوبها مهما كلّفها ذلك من ثمن.

إن المسؤولين الإيرانيين تستهويهم التصريحات الفجة والتطاول على دول الخليج العربية، بل يتبادلون الأدوار لتوجيه الشتائم، فها هو رئيس الأركان الإيراني الجنرال حسن فيروز بادي في 30 إبريل الماضي تأتي تصريحاته في أفضل أوصافها بأنها لا تليق أن تأتي على لسان مسؤول عسكري رفيع، حيث بدا كأنه يلقن دول الخليج دروساً في الديمقراطية، متناسياً حقيقة الوضع الديمقراطي في بلاده وما يتعرض إليه الشعب والمتظاهرون ورموز سياسية كبيرة تقف في صفوف المعارضة بينهم رؤساء جمهورية سابقون في إيران بعد الثورة مثل خاتمي ورفسنجاني وغيرهما، ويعتبر فيروز بادي أن تشكيل هوية لدول الخليج العربية يعد مؤامرة ضد إيران، ويصدر بياناً يعلن فيه أن الخليج ملك لإيران.

إن دول مجلس التعاون قدمت ومازالت تقدم لإيران إشارات قوية ومواقف واضحة غير قابلة للتأويل مفادها عدم إلحاق الضرر بها، فهذه الدول كانت ولا تزال ضد توجيه أي ضربة عسكرية أجنبية ضد البرنامج النووي الإيراني، ولم تؤيد أية عقوبات اقتصادية على طهران، ومع ذلك فإن إيران لم تكف يوماً عن التهديد والوعيد والإنذار بالمزيد لدرجة أنها تعلن أن دولة خليجية مستقلة وذات سيادة وعضو في المنظمات الدولية والإقليمية كافة وعضو مؤسس في مجلس التعاون الخليجي جزء من أراضيها وهي مملكة البحرين، وطهران تعلم يقيناً أن البحرين جزء أصيل وغال من شبه الجزيرة العربية منذ ما قبل التاريخ مروراً بدولة دلمون وحتى الآن، وستظل كذلك وستكون دوماً عصية على الطامعين. ونذكّر طهران بنتائج استفتاء عام 1969م، الذي وضع حداً لأطماع إيران الشاه التي بدأت منذ عام 1941م، إثر اكتشاف النفط في البحرين حيث بدأت موجات الهجرة الإيرانية إلى البحرين، واستمر نهج التصعيد الإيراني بعد ذلك وتوالت التصريحات الإيرانية المناقضة لسياسات حُسن الجوار والعمق الإسلامي والتاريخي في العلاقات الخليجية-الإيرانية، ففي عام 1975م أصدرت الحكومة الإيرانية قراراً بضم مملكة البحرين وأطلق عليها القرار اسم الإقليم الرابع عشر، وهذه المزاعم ظهرت مجدداً على لسان رئيس التفتيش العام في مكتب المرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر ناطق نوري في فبراير 2009م، حيث زعم (أن مملكة البحرين كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني الإيراني).

وكشفت طهران عن سياسة غير مقبولة تجاه الأحداث الطائفية التي اندلعت في البحرين في شهر فبراير الماضي، حيث ساندت بوضوح (الطائفية)، وتجددت معها التصريحات المستفزة من طهران، معلنة بذلك التدخل العلني في شؤون دولة أخرى مستقلة وذات سيادة، بالإضافة إلى تكرار الأطماع الإيرانية في مملكة البحرين، حيث اعتبر وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بلاده وصية على البحرين واعترض على وصول قوات (درع الجزيرة) لتأمين المنشآت الحيوية في المنامة، وقال في هذا الصدد (نحن متأكدون من تداعيات سيئة في المنطقة إذا استمر الوضع كما هو في البحرين).

إن للسياسة الإيرانية وجهاً تآمرياً ضد دول مجلس التعاون الخليجي، يتمثل في دعم القلاقل، الانقلابات، والتجسس، وبدأت هذه السلوكيات الإيرانية منذ أن أعلنت البحرين في عام 1996م، عن تفكيك تنظيم سري باسم (حزب الله الإيراني)، وأوضحت أنه يسعى إلى قلب نظام الحكم، وأن المتهمين تدربوا في طهران، وكانت دولة الإمارات قد أعلنت عن تفكيك شبكة تحمل الاسم ذاته (حزب الله الإيراني) في عام 2009م، وفي مايو من العام الماضي ضبطت دولة الكويت خلية للتجسس لصالح إيران، وتمت محاكمة أعضاء هذه الخلية بعد أن ثبت تورطهم في التخابر لصالح إيران، واعترفوا بأنهم يعملون لحساب الحرس الثوري الإيراني.

موقف طهران من قضية احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) يعتمد على رفض كافة المبادرات الإماراتية والخليجية التي تعتمد نهج الحوار والحل السلمي، بل تقابل طهران كل مبادرة جديدة بموقف أكثر تعنتاً وتصريحات أكثر استفزازاً، ولعلنا نستشهد بما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست العام الماضي رداً على تصريحات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات عندما شبّه احتلال جزر بلاده باحتلال إسرائيل الأراضي العربية، وكذلك رد المسؤول الإيراني نفسه على تصريحات أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق عبدالرحمن العطية عقب انتهاء أعمال القمة الخليجية التشاورية الثانية عشرة والتي عقدت العام الماضي دعا من خلالها العطية قادة إيران إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة الإمارات أو قبول مبدأ التحكيم الدولي حول الجزر المحتلة، حيث زعم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن هذه التصريحات (غير متزنة وغير ناضجة، وستكون لها تبعات، وإذا تكررت وتعدت حدودها فعليهم أن يتوقعوا رداً حازماً)، بالإضافة إلى دعوة دولة الإمارات إلى ما أسمته طهران (الكف عن سياسة عدو الضبع خلف الأسد) وغيرها، وجاءت هذه التصريحات في خضم إجراء طهران مناورات عسكرية ضخمة في الخليج (مناورة الرسول الأعظم - 5) (22 - 25 إبريل من العام الماضي)، ثم مناورة (الولاية 89) (5 مايو 2010م واستمرت عشرة أيام)، كأنها تستعرض قوة السلاح مع قوة التصريحات الملتهبة.

على صعيد آخر تقود طهران توجهاً محموماً لنشر المذهب الشيعي في قارة إفريقيا والدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي كأنها في سباق مع الزمن وتنفق ملايين الدولارات في سبيل تحقيق أهداف تعلمها وتخطط لها طهران جيداً.

وإذ نذكّر بهذه المواقف الإيرانية، فإننا لا نهدف من ذلك إلى سكب المزيد من الزيت على النار، أو إلهاب المشاعر المتأججة التي تشعلها طهران بما تفعله من ممارسات وصلت إلى حد فصل مضيف طائرة ذكر الخليج بـ (الخليج العربي) وفي أكثرها التآمر على أنظمة حاكمة وأمن واستقرار دول خليجية، بل نريد تذكيرها بأن الحوار يجب أن يكون هو الخيار الأول بحكم التاريخ والجغرافيا والعقيدة الواحدة والإيمان بالمصير المشترك للمنطقة، لذلك يجب أن تنتهج طهران سياسة العيش المشترك الذي يضمن السلام للجميع بعيداً عن الهيمنة التي لا يقبلها أي طرف (الخليجي أو الإيراني)، وعلى الطرفين البحث في تحقيق التعاون والتكامل وتبادل المنافع ونشر المحبة والتآخي بين الشعوب بدلاً من بذر بذور الكراهية والتوجس.

رغم كل ما تقدم، على كل من دول الخليج وإيران أن تلتقيا تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي وفوق الجغرافيا المشتركة، لتفعيل مبدأ حُسن الجوار، والتآخي الإسلامي، والبقاء الأبدي للجانبين على ضفتي الخليج، وتحقيقاً لهدف سام وهو إبعاد شبح التوتر والصراع عن هذه المنطقة الحساسة من العالم، بدلاً من اتهام الدول الأجنبية بمحاولات التدخل في المنطقة أو فرض نفوذها الذي يتحقق في حال وجود خلافات بين دول الجوار الجغرافي ومحاولات الهيمنة انطلاقاً من مزاعم بوجود طرف أقوى يريد أن يكون هو صاحب الكلمة العليا ما يجعل التدخل الأجنبي مشروعاً لتأمين المصالح الدولية.

وينبغي على إيران أن تضع في استراتيجيتها أن دول الخليج ستظل عربية، ولم ولن تتخلى أية دولة عن جزء من سيادتها أو عروبتها، وأن تقتنع بأن التعايش بين أتباع المذاهب الإسلامية قديم قدم ظهور هذه المذاهب ذاتها، ولا يمكن إقصاء أتباع أي مذهب أو دين سماوي، وأن سياسة تصدير الثورات إلى الخارج مرفوضة باعتبار أن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها السياسية، تركيبتها الاجتماعية والقبلية والثقافية والحضارية، ولا يصلح النموذج الإيراني المسبق الصنع لكل الدول، وأن تعي أن التنافس المحموم على نشر التشيع في إفريقيا وغيرها ليس الأسلوب الأمثل لكسب ثقة الآخر، وبناء جسور التعاون مع أتباع المذاهب الأخرى.

وإذا تضمنت استراتيجية إيران هذه الثوابت فسيحل التعاون والإخاء والمودة في منطقة الخليج، وسوف تمضي المنطقة قدماً على طريق التقدم والازدهار، ولن تحتاج إلى تسليح تقليدي أو نووي أو إلى وجود أجنبي.

مقالات لنفس الكاتب