; logged out
الرئيسية / تماثل في أهداف الممرات التي ترعاها أمريكا والصين لكن يختلفان في المسار

العدد 192

تماثل في أهداف الممرات التي ترعاها أمريكا والصين لكن يختلفان في المسار

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

برز التنافس الجيوسياسي والاقتصادي الدولي والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط من خلال مبادرات تمثلت في ممرات اقتصادية تسعى إلى إعادة صياغة النظام الدولي حيث يتم طرح العديد من الأسئلة حول شكل ومستقبل العلاقات الدولية والذي أصبحت الصين تمثل فيه خطراً على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. كان آخر هذه المبادرات قد تم الإعلان عليها في قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي انعقدت في نيودلهي في سبتمبر الماضي، وهو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يهدف إلى إنشاء ممر بديل لمبادرة الحزام والطريق الصيني هناك مشروع آخر تم الإعلان عنه هو الممر التنموي بين الخليج وتركيا مروراً بالعراق، حيث تحاول كل هذه المشاريع والمبادرات أن تحقق أهدافها في ظل ظروف وتعقيدات دولية وإقليمية في غاية الصعوبة تشمل الحرب الإسرائيلية على غزة والتي سيكون لها ارتداداتها المستقبلية وعدم استقرار في دول مشاركة في هذه المبادرات وتضارب الملفات والمصالح بين هذه الدول. تحمل هذه الممرات في طياتها الكثير من التداعيات السياسية والاقتصادية دولياً وإقليمياً، إلا أنه من المؤكد أن هذه الممرات ستمكن دول مجلس التعاون الخليجي من تدعيم استراتيجياتها الاقتصادية، وتعزيز سياساتها الخارجية التي تهدف إلى توازن علاقاتها بين الشرق والغرب. وتظل دول مجلس التعاون الخليجي مصممة على توسيع شبكاتها في الغرب والشرق والجنوب العالمي من خلال الانخراط في هذه الممرات التي تجعل من منطقة الدول محوراً رئيسياً في هذه المبادرات مجتمعة.

إضاءة حول الممرات الاقتصادية:

أطلق الرئيس الصيني مبادرة الحزام والطريق في عام ٢٠١٣م، وتضم الآن ١٥١ دولة، مع انضمام ٣٢ منظمة دولية، بما في ذلك العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي أبدت استعدادها للمشاركة في أكثر من ٣٠٠٠ مشروع باستثمارات إجمالية تزيد على تريليون دولار. وقد وقعت ١٧ دولة في الشرق الأوسط و٥٢ دولة في إفريقيا على مبادرة الحزام والطريق، وهو مشروع ضخم للبنية التحتية يسعى إلى ربط الصين ببقية العالم من خلال سلسلة من الشبكات البرية والبحرية والرقمية. يعتبر واحد من أهم الدوافع الرئيسية لهذه المبادرة هو التنافس بين الصين والولايات المتحدة، كما أنها تهدف من ربط الدول المشاركة مع الاقتصاد الصيني، ومن ثم بناء نفوذ اقتصادي وسياسي للصين يدعم من سعيها للهيمنة الإقليمية والعالمية. في هذا السياق من الصراع الجيوسياسي بين الصين والولايات المتحدة، تم الإعلان في قمة العشرين عن المبادرة التجارية والاستثمارية الطموحة تحت الرعاية الأمريكية التي تعرف بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والتي تشمل إنشاء خطوط شحن بحرية جديدة بين الهند (ميناء ممباي ومندرا) ومن ثم نظام سكك حديدية للشحن يمر عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن إلى ميناء حيفا في إسرائيل للوصول للبحر المتوسط، ثم شحن البضائع إلى اليونان في أوروبا. يهدف الممر إلى تطوير طرق النقل البري والبحري الموجودة بالفعل، لزيادة الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا وأوروبا عبر البنية التحتية للطاقة، والسكك الحديدية، والكابلات عالية السرعة، وممرات الشحن. تشكل البلدان المشاركة في هذا الممر ٤٠٪ من سكان العالم وحوالي ٥٠٪ من الاقتصاد العالمي. وسيعتمد هذا الممر على الموانئ البحرية والطرق والمراكز اللوجستية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما يعمل على تعزيز أهمية دول الخليج العربية باعتبارها مجالاً محورياً في طرق التجارة العالمية.

تقوم الولايات المتحدة برعاية هذا المشروع تحت مظلة مشروع الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي والتي تهدف لسد فجوة البنية التحتية في البلدان النامية وتعزيز الاقتصاد وسلاسل التوريد على المستوى الدولي وتعزيز الأمن القومي الأمريكي. تأتي هذه المبادرة أيضاً في إطار التنافس الأميركي في مقابل مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين، كما أن المشروع علاوة على بعده الاقتصادي، له أهمية سياسية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل من خلال الدفع بقطار التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج من خلال هذا التعاون الاقتصادي، حيث يبني على اتفاقيات إبراهيم للسلام (التي وقعتها الإمارات والبحرين عام 2020). وشدد الرئيس الأميركي جو بايدن على أهمية هذا المشروع التاريخي، بينما لم يشارك الرئيسين الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين التي ينظرون إليها كامتداد لمجموعة السبعة، كما أنها تعكس عدم الرضا الصيني عن مشروع الممر الاقتصادي الذي تم الإعلان عنه.

من جهة أخرى، أطلقت تركيا والعراق مبادرة أخرى هي مشروع طريق التنمية، الذي يشكّل رابطًا جديدًا بين منطقة الخليج وأوروبا عبر تركيا من خلال موانئ في الإمارات وقطر والعراق. يتمثل المشروع في خط للسكك الحديدية والطرق السريعة حيث يربط ميناء الفاو الكبير في البصرة بالحدود التركية الجنوبي، ويقلل النقل بين شرق آسيا وشمال أوروبا إلى ١٥ يومًا سيبلغ طول المشروع ١٢٠٠ كيلومتر، وتُقدر تكلفته المبدئية بـ١٧ مليار دولار ويمتد من الحدود مع تركيا في الشمال إلى الخليج في الجنوب. وأشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى أن المشروع سيكون حجر الزاوية لاقتصاد مستدام لا يعتمد على النفط، ويساهم في التكامل الإقليمي. سيكون ميناء الفاو الكبير حين اكتماله من بين أكبر الموانئ في الشرق الأوسط، بمساحة تبلغ ٥٤ كيلومترًا مربعًا ومساحة لاستيعاب سفن الشحن الأكبر. تشارك ١٠ دول على مستوى الإقليم في مشروع التنمية وهي: السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر، والإمارات، والبحرين، وإيران. وتنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع حسب ما هو مخطط له بحلول عام ٢٠٢٨م، كما تنتهي المرحلة الثانية بعدها بعشر سنوات، إذ تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى ٤٠٠ ألف حاوية، وصولا إلى المرحلة النهائية المقررة عام ٢٠٥٠م، سينتفع الممر من وجود خط للسكة الحديدية يتم تحديثه حالياً يمتد من جنوب الموصل، كما أن دول الخليج تهدف للربط بينها بخطوط للسكك الحديدية. إن طريق التنمية يتماشى مع السياسة التركية الراهنة التي تهدف إلى تقوية علاقاتها مع دول الخليج، خاصة بعد أن بدأت في إعادة ترميم وتطوير علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعد فترة من الخلافات.

تكامل توجه الخليج نحو التكتلات الاقتصادية ومشاريع الممرات:

تسيطر دول الخليج على ٣٠٪ من احتياطيات النفط العالمية و٢١٪ من احتياط الغاز الطبيعي العالمي. تلعب المنطقة دوراً مفصلياً في هذه الممرات، وتنظر دولها إلى هذه الممرات الدولية في سياق التعددية القطبية التي بدأت تتشكل في العلاقات الدولية. ولذلك تنخرط دول المجلس في تكتلات اقتصادية مختلفة من أجل تنويع شراكاتها وتحقيق توازن في علاقاتها مع القوى العظمى. في هذا الإطار انعقدت أول قمة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول الآسيان "الآسيان" وتضم ١٠ دول من جنوب شرقي آسيا في الرياض أكتوبر الماضي بهدف رفع التعاون بين الجانبين إلى المستوى الاستراتيجي، وبلغ حجم التبادل التجاري في السلع إلى ١١٠ مليارات دولار، وهو ما يمثل ٩٪ من التجارة الخارجية لدول الخليج. يتمتع أيضاً خمسة من دول مجلس التعاون الخليجي الست (ما عدا سلطنة عمان) بوضع شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، أهم المنظمات في القارة الآسيوية والتي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة معادية للغرب لمصالحها، بقيادة الصين وروسيا، تمهيدًا للحصول على عضوية كاملة في هذا الاتحاد السياسي والأمني، وتسعى من خلال تواجدها في هذه المنظمة من تنويع مصادر الدخل إضافة لعوائد النفط والاستثمار، حيث تبلغ مساحة دول منظمة شنغهاي ٦٠٪ من مساحة منطقة أوراسيا ويبلغ عدد سكانها ٣.٢ مليار نسمة وحجم اقتصاد ٢٠ تريليون دولار. تسعى دول الخليج العربية وكذلك إيران بشكل كبير إلى توسيع قدراتها التصنيعية والتحديث وتطوير قدراتها، فضلاً عن رفع الكفاءة في مجال التكنولوجيا الرقمية والمالية، والمدن الذكية ولذلك تجعل خبرة الصين وقدراتها في هذه المجالات حيوية شريك منطقي ومهم لهذه البلدان. إن طلب الصين المتزايد من النفط والغاز من منطقة الخليج دفع أيضاً إلى تعزيز التعاون المتبادل. لقد تمت دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ضمن ست دول أخرى للانضمام لمجموعة البريكس BRICS. ويثير توسع هذه الكتلة مسألة احتمالية التخلص من الدولار، وهي العملية التي من خلالها يتحول الأعضاء تدريجيًا إلى استخدام عملات أخرى غير الدولار الأمريكي للتعامل التجاري، كما تتحدث دول البريكس أيضًا عن عملة مشتركة، وهي فكرة وصفها المحللون بأنها غير قابلة للتطبيق و"غير محتملة" في المستقبل القريب.

لقد رحب وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا ووصفه بأنه سيكون المكافئ لمبادرة الحزام والطريق. كما تضمن البيان المشتـرك في ختـام القمـة الصينيـة -السـعودية في ٢٠٢٢م، بأنه "يجـب العمـل علـى تعميـق التعـاون المشـترك في مبـادرة "الحـزام والطريـق"، والترحيـب بانضـمام المؤسسـات السـعودية المعنيـة إلى شراكـة الطاقـة والاسـتثمارات المختلفـة في إطـار "الحـزام والطريـق"، وتعزيـز موقـع المملكــة كمركــز إقليمــي للــشركات الصينيــة لإنتــاج وتصديــر منتجــات قطــاع الطاقــة. من ناحية أخرى أعربت الإمارات وقطر عن دعمهما لمشروع طريق التنمية العراقي التركي. من ثم، تأتي أهمية هذه الممرات الدولية بالنسبة لدول الخليج في إطار انخراطها مع هذه التكتلات الاقتصادية المختلفة، كما أنها تدرك أن هذه الممرات ستعمل على تعزيز مركزية دول المنطقة الغنية بالطاقة في الاقتصاد العالمي، حيث يستمر تحول مركز الثقل الجيو-اقتصادي العالمي بعيدًا عن الغرب إلى الشرق والجنوب العالمي. من الجدير بالذكر أن الأحداث على مستوى النظام الدولي أكدت أهمية دول قوى وسطى كالمملكة العربية السعودية والإمارات في تشكيل التوازن الجيوسياسي والاقتصادي دولياً في مواجهة دول عالمية مهيمنة. تنظر دول الخليج الى أن القوى العالمية المهيمنة -الولايات المتحدة والصين وروسيا-ليست وحدها التي تقوم بتشكيل التوازن الجيوسياسي والاقتصادي في العالم. بعد تسارع الانقسام بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب على الساحة الدولية في أعقاب الحرب الروسية / الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022م، والتي زعزعت الاستقرار عالمياً ودفعت بأزمة الطاقة في أوروبا وانعدام الأمن الغذائي كان هناك ضغطاً مكثفاً على دول الخليج لاختيار جانب في هذا الصراع. اختارت دول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من ذلك توجهات مستقلة ترتكز على العلاقات العميقة مع دول في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا وانعكس ذلك في انخراطها الكبير في تكتلات اقتصادية متنوعة. يعتبر هذا النهج في التعامل الدولي منطقيًا حيث إنه يمنح أعضاء مجلس التعاون الخليجي قدرًا أكبر من الاستقلالية والنفوذ في الشؤون العالمية، وذلك من خلال العمل مع أكبر عدد ممكن من القوى، بما في ذلك القوى المعادية والمتنافسة مع بعضها البعض. كما أن هذا التوجه في تنويع الشراكات يرتبط أيضًا مع رؤى واستراتيجيات وأجندات التنويع الاقتصادي لأعضاء مجلس التعاون الخليجي (رؤية المملكة العربية السعودية ٢٠٣٠، رؤية قطر الوطنية ٢٠٣٠، رؤية الإمارات ٢٠٢١، رؤية البحرين ٢٠٣٠، رؤية عمان ٢٠٤٠، رؤية الكويت ٢٠٣٥).

ديناميكية التحديات التي تواجه الممرات:

هناك تماثل في أهداف الممرات التي ترعاها الولايات المتحدة والصين، غير أنهما يختلفان في المسار، حيث يهدف الممر الاقتصادي الجديد بين الهند وأوروبا من خلال مساره إلى الدفع بدمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل وأيضًا يؤسس لمستويات شراكة أكبر بين الغرب والشرق من خلال التبادل التجاري. ومن خلال هذا المشروع، تهدف الولايات المتحدة والهند إلى منافسة الوجود الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، حيث عكست الوساطة التي قامت بها بكين هذا الأمر في مارس الماضي من خلال التقريب في وجهات النظر بين إيران والمملكة العربية السعودية. تريد الولايات المتحدة أيضاً ربط الهند بشكل أكثر مع الغرب، وتعزيز مكانتها باعتبارها قطبًا مضاداً للصين، خاصة مع وصول علاقاتهم إلى أدنى مستوياتها بسبب النزاع الحدودي بينهما، وتصارعهم على النفوذ. من ثم تحاول الولايات المتحدة طمأنة حلفائها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط بالتزاماتها تجاه المنطقة بطرحها لبديل لمبادرة الحزام والطريق ومواجهة النفوذ الصيني الجيو-اقتصادي في خضم الحرب الباردة الجديدة حيث أثارت علاقات بكين العميقة مع الدول المتحالفة معها تاريخياً في المنطقة العربية وإسرائيل وأوروبا الهواجس في واشنطن.

من جهة أخرى، فإن الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة نتيجة للهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر٢٠٢٣م، سيؤدي لا محالة إلى تعويق هذا الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا على المستوى العملي وإعطاء أفضلية لمبادرة الحزام والطريق والممر التنموي، خاصة وأن عملية التطبيع التي كان يجري الإعداد لها ستتوقف بين الكيان الصهيوني والدول المحورية بالخليج في هذا المشروع. وقال الرئيس الأمريكي بأن هجوم حماس على إسرائيل كان هدفه تخريب مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

من ناحية أخرى تنظر الهند إلى هذا المشروع باعتباره حيوياً، حيث أن قدرتها للوصول للغرب محدودة لانسداد الطريق إلى الغرب كنتيجة لعلاقاتها المتأزمة مع الباكستان، حيث أنها ولتصل إلى أفغانستان فإنها تحتاج إلى أن تأخذ منعطفاً من خلال طاجيكستان وإيران. وعلى الرغم من أن مشروع الممر الاقتصادي ينافس مبادرة الحزام والطريق إلا أن الشركات الصينية التي تعمل في السعودية والإمارات فإنهم يعملون ولسنوات مضت على تطوير خطوط السكك الحديد في الصحراء العربية والتي سيتم استخدامها من قبل مشروع الممر الاقتصادي، حيث قاموا بإنشاء حوالي ٥٣٦ كلم من الخطوط الحديدية. لقد تم اكتمال أو يستمر العمل في ٨٢٠ كلم من خطوط السكك الحديدية من مجموع ٢١٩٥ كلم هي المسافة بين الإمارات وميناء حيفا في إسرائيل، تقوم مجموعة أداني الهندية بإدارة ميناء موندارا في قجرات بالهند وميناء حيفا، كما أن لدى المجموعة الرغبة في تولي إدارة عدد من الموانئ في اليونان، ومن جهة أخرى تتولى شركة صينية إدارة ميناء بيرايوس اليوناني.

وبينما تستفيد اليونان من هذا المشروع والتي ستكون بوابة المشروع إلى أوروبا، رفضت تركيا هذا الممر حيث صرح الرئيس التركي بأنه لا يمكن أن يكون هناك ممرًا دون تركيا، وأنها مركز إنتاج وتجارة مهم، وأسهل الطرق للوصول من الشرق إلى الغرب هو عبر تركيا. ويمر الطريق الملاحي بين ميناء حيفا الإسرائيلي وميناء بريوس اليوناني عبر مياه متنازع عليها بين البلدين، وكانت الهند قد أثارت مخاوف مماثلة حول ممر الحزام والطريق الصيني والذي يمر عبر أراضي متنازع عليها في كشمير. ويعتبر الكثير من المراقبين الأتراك أن هذا المشروع هو محاولة لمحاصرة وتهميش تركيا التي لديها أطول السواحل المطلة على البحر المتوسط. في هذا السياق، تدعم تركيا مشروع ممر التنمية مع العراق حيث أشار الرئيس التركي أردوغان أن هذا المشروع يمثل أولوية بالنسبة لتركيا وأن قطر والإمارات تدعمان هذا المشروع. من جهة أخرى هناك تحديات كبيرة تواجه طريق التنمية العراقي التركي، تشمل عدم الاستقرار السياسي، وتعقيدات تتعلق بالبنية التحتية، والتهديدات التي تشكلها الجماعات المسلحة بالعراق. تجدر الإشارة هنا الى أنه برغم تحسن الوضع الأمني في العراق في السنوات الأخيرة، غير أن وجود الميليشيات كالحشد الشعبي، وأنشطة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق التي تعتبره تركيا منظمة إرهابية يشكلون تحدياً عملياً لهذا المشروع. إن حدود العراق والطرق الرئيسية تمتلئ بنقاط تفتيش غير قانونية تابعة لقوات الحشد الشعبي لابتزاز الإيرادات من وسائل النقل التجارية والخاصة، وقد قدر وزير مالية عراقي سابق أن حوالي ٩٠٪ من عائدات الجمارك العراقية قد تمت سرقتها من قبل قطاع الطرق التابعين لهذه الميليشيا. إضافة إلى ذلك فإن سجل العراق الحافل بالمشاريع المتوقفة والفساد، وتحول سوريا والعراق إلى مراكز توزيع رئيسية للمخدرات تحول من نجاح هذا الممر الدولي الحيوي.

مردود هذه الممرات بين المنافع والتحديات:

هناك الكثير من التحديات التي تواجه هذه الممرات التي تمتد عبر عدة قارات ومن الصعب التنبؤ بكل عواقبها الجيوسياسية على المستوى البعيد. تعكس هذه المبادرات الدولية والإقليمية ومحورها منطقة الخليج تنافس محموم في ظل صعود الصين الجيو-اقتصادي في الشرق الأوسط. يسلط ممر التنمية الأمريكي مزيدًا من الضوء على الاختلاف الجوهري في الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربية إلى صعود الصين. وعلى الرغم من تفاؤل الولايات المتحدة والغرب بشأن ممر التنمية الأمريكي الذي تم الإعلان عنه، والذي يذخر بالعديد من الفرص لتعميق الروابط الاقتصادية والتجارية والطاقة والاستثمارية والتجارية بين الدول الغربية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلا أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن هذا المشروع سيؤدي إلى تجاهل أو انسحاب دول الخليج كالسعودية والإمارات من مبادرة الحزام والطريق، حيث ستزيد هذه المشاريع من قدرتها على الحفاظ على علاقات التوازن في الصراع الدولي. ستزيد هذه المبادرات من الانخراط الاقتصادي الدولي مع منطقة الخليج في سياق الصراع السياسي بين الصين والولايات المتحدة. إن الحرب الراهنة التي تدور بين إسرائيل وحماس أحبطت تمامًا حالياً مساعي التطبيع بين الرياض وتل أبيب وسيظل هذا الأمر عقبة كؤود في نجاح مشروع الممر الأمريكي. يعطي ذلك دفعة حقيقية لمبادرات الممر التنموي بين الخليج وتركيا مروراً بالعراق ومبادرة الحزام والطريق. لقد وطدت هذه الممرات من أهمية منطقة الخليج كمركز للمنافسة الجيوسياسية والذي تسعى فيه دوله الدفع بأولوياتها الاستراتيجية وما يترتب من آثار على التكامل في مجال الدفاع إقليمياً والأمن البحري. انعكس ذلك في انخراط عدد متزايد من الدول من خارج منطقة الخليج في الأمن البحري للمنطقة في السنوات الأخيرة، من خلال التدريبات العسكرية البحرية في المنطقة. في عام 2021م، أجرت الرباعية (الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا) بالإضافة إلى فرنسا والإمارات العربية المتحدة لأول مرة مناورات بحرية بين الخليج العربي وخليج عمان. وفي عام 2023م، أجريت أول مناورات بحرية ثنائية على الإطلاق بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند والإمارات العربية المتحدة، خارج السواحل الإماراتية، كما عُقدت الدورة الأولى من تمرين الشراكة البحرية الإماراتية الهندية الفرنسية في خليج عمان. في هذا الإطار، ستدفع هذه المشاريع الدولية من تعزيز مفهوم إن المصلحة الإقليمية تتركز في استقرار منطقة الخليج. ومع اختلاف المصالح الجيوسياسية ووجهات النظر حول التعددية القطبية، فإن كل دولة على طول مسار هذه الممرات العابرة للقارات وحتى في منطقة الخليج ستنظر إليها بشكل مختلف. إن الثابت الوحيد في هذه الممرات هو الفرص التي تتيحها لدول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لكي تصبح مراكز ذات أهمية متزايدة للتواصل بين الشرق والغرب في التجارة العالمية، مما يساعد في الخطط التي تهدف لمزيد من التنويع الاقتصادي بعيدًا عن اقتصاد الهيدروكربونات.

مقالات لنفس الكاتب