; logged out
الرئيسية / سفير اسرائيل الجديد في جوبا: مهام خارج نطاق العمل الدبلوماسي

العدد 93

سفير اسرائيل الجديد في جوبا: مهام خارج نطاق العمل الدبلوماسي

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

فور الاعلان عن استقلال الجنوب السوداني في تموز 2011 اعلنت اسرائيل عن اعترافها بدولة الجنوب؛ فكانت من اوائل الدول التي اعترفت بالكيان الجنوبي الجديد؛ وقامت بتسمية "دان شهام" Dan Shaham سفيراً غير مقيم لها في جوبا؛ على ان يكون جوهر عمله منصب على تأسيس علاقات طويلة ذات ابعاد استراتيجية والمساهمة في تطوير العلاقات بين البلدين الناشئة منذ زمن بعيد.

ان تسمية السفير السابق كانت لأشهر معدودة سرعان ما اتخذت اسرائيل قرارا اخر بتسمية سفير جديد؛ وعليه كان واضحا ان مهمة السفير كانت تأسيس وبناء العلاقات؛ بحيث عمل "دان" على ترتيب العلاقات وتدشينها مع الجنوب؛ وذلك للفترة التي تستقر فيها الاوضاع في الجنوب بحيث يمكنها استقبال سفيراً لها مقيم في جوبا؛ "دان شهام" كان يقيم في تل ابيب ويقوم بزيارة الى جوبا كل بضعة اشهر، إذ يقيم فيها باحد فنادق جوبا التي يملكها مستثمر اسرائيلي، باعتبار ان اسرائيل لم تعمل على بناء سفارة لها في الجنوب حتى الآن، رغم توارد المعلومات حول مخطط لإنشاء السفارة وسط جوبا منذ العام الماضي.

في العاشر من يناير 2012 قامت وزارة الخارجية الاسرائيلية بتسمية "حايم كورين" Haim Koren، الموظف بالخارجية الاسرائيلية سفيراً غير مقيم لإسرائيل في جوبا، خلفا لـ"دان شهام".

على الرغم من تسميته سفيراً الى جوبا الا ان "كورين" لم يزاول اعماله رسميا الا مؤخراً (في 9 مايو) حيث بقى "دان شهام" يتولى ادارة ملف جنوب السودان؛ وكانت آخر زيارة له في شهر 23 مارس والتي التقى فيها نائب رئيس جمهورية جنوب السودان والرجل الاقوى في الحركة الشعبية "ريك ماركر"  RiekMachar في جوبا ([1]) وتم الاتفاق على عدد من الملفات المشتركة، ابرزها:

-       الاتفاق على اعادة اللاجئين الجنوب سودانيين من اسرائيل الى موطنهم الناشىء في جنوب السودان؛ وقد بدأ هؤلاء بالتوافد منذ سنوات بحيث وصل عددهم الان حوالي ثلاث الاف جنوبي، وذلك بحسب احصاءات منظمات اغاثة اسرائيلية غير حكومية؛ وقد غادر جزء من هؤلاء بعد استقلال الجنوب لكن الاغلبية منهم لا زالوا يقيمون في مناطق مدن ايلات وتل ابيب وبعض مناطق الجنوب.

تم الاتفاق بين المسؤوليين على بدأ "تسفير" 1500 جنوبي كمرحلة اولى بدا من تاريخ الاول من نيسان الماضي.

-       الاتفاق على بناء سفارة لجنوب السودان في القدس وليس في العاصمة السياسية  تل ابيب كما كان معتقد؛ حيث تعتبر هذه الخطوة الفريدة من نوعها دلالة على حجم العلاقات بين البلدين التي بدأت منذ الستينات مع بدا حركات التمرد على الخرطوم؛ وقد اكد رئيس الجنوب سلفا كير انه نظراً لأهمية العلاقات بين البلدين التي توليها حكومة الجنوب مع اسرائيل فانه قرر تدشين السفارة في مدينة القدس المحتلة ضاربا بعرض الحائط كل الاتفاقيات والمعادلات الدولية والاقليمية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي من جهة ، وباهمية القدس كمدينة دينية لأتباع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام.

-       الاتفاق على ترتيب زيارات ورحلات لقادة الحركة الشعبية المسيحيين للسفر والحج الى مدينة القدس وزيارة الاماكن المسيحية بالمدينة المقدسة

-       الاتفاق على ان تولي اسرائيل اهمية خاصة على تدريب وتأهيل اللاجئين الجنوب سودانيين قبل مغادرتهم لجوبا على مختلف المهن والاعمال

-       الاتفاق على انشاء مدرسة عبرية في جوبا لإحتواء اللاجئين الجنوب السودانيين وابقاء التواصل بينهما بعد سفرهم من اسرائيل، اي ابقاء التواصل الاستخباري والمعلوماتي بين اللاجئين واسرائيل.

قد يشير البعض الى ان انشاء مركز ثقافي اسرائيلي هو خطوة متقدمة لكن المتتبع للشأن الجنوبي سوداني يجد ان اغلب القبائل الكبيرة لا توجد لغة واحدة مشتركة بينهم، بل كل منهم لديه لغته القبلية ولا يعرف لغة القبائل الاخرى باستثناء العربية التي تعتبر اللغة المشتركة بينهم.

اسرائيل تنتقل بعلاقاتها في جوبا سريعا من الدبلوماسية الى تنفيذ اجندات سياسية في افريقيا

تسعى اسرائيل الى نشر العبرية كلغة محادثة مشتركة بين قبائل اللاجئين السودانيين

يشير احد المصادر الى ان انشاء مدرسة لغات عبرية في جوبا هو لتعزيز اللغة العبرية على حساب اللغة العربية باعتبارها لغة التواصل المشتركة بين مختلف اللغات الجنوبية التي يصل عددها الى ستون لغة؛ تعزيز اللغة العبرية بين صفوف اللاجئين في اسرائيل ولابناءهم نظراً لتعدد اللغات في جنوب السودان، حيث العربية هي اللغة الاكثر انتشارا وهي لغة التواصل المشتركة بين القبائل؛ وعليه تسعى اسرائيل الى نشر العبرية كلغة محادثة مشتركة بين اللاجئين الذين يجدون صعوبة بالتواصل مع اللغات واللهجات الاخرى للسكان المحليين وابناء القبائل؛ في حال تأسيس هذه المدرسة ستكون هذه المدرسة أشبه بمركز ثقافي الاول من نوعه في جوبا.

-       الاتفاق على الاستعانة بالخبرات الاسرائيلية "الشرطية" في نزع السلاح من السكان المدنيين والقبائل الجنوبية وخصوصا في منطقة ولاية جونجلي.

هذه الاتفاقات قد لا تحوي جوانب وابعاد سياسية ومستقبلية مهمة بقدر انها تدشن العلاقات الرسمية بين البلدين -على الرغم من اهميتها - الا ان بامكان موظف (سفير) اسرائيلي صغير ادارتها بحيث لا تحتاج الى خبرة سياسية كبيرة بالصورة والخبرة المهنية العالية التي يمثلها "حايم كورين" في مجال العمل الاستخباري والسياسي.

وعليه، يتضح الان ان العلاقات بين البدين بدأت تتخذ جانبا يبتعد عن الدبلوماسية وترتيب العلاقات السياسية بين البلدين من خلال انشاء سفارة في القدس أو الاتفاق على الدبلوماسيين العاملين، أو الى تنظيم هجرة الجنوب افريقيين المقيميين في اسرائيل وتشجيعهم على العودة الى بلدهم، لكن بتولي "حايم كورين" مسؤولية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل أصبح مسؤولآ عن رسم وتخطيط سياسة اسرائيل تجاه جنوب السودان بشكل خاص وافريقيا على العموم؛ لقد بدى واضحا ان تعيين شخصية بحجم كورين رغم حاجة إدارة الخارجية الاسرائيلية له كبيرة نظراً لتمتعه بمهنية عالية، ودراية كبيرة في سياسة الشرق الاوسط، وخصوصا تجاه احتواء ايران حيث عمل فترة طويلة بالخارجية على رسم سياسة اسرائيل تجاه ايران، فوجود هذا الشخص بهذه المؤهلات تجعل منه اكثر اهمية في الملف الايراني خصوصا في هذه المرحلة حيث تصاعد التوتر بين اسرائيل واوربا وامريكا من جهة، وايران من جهة اخرى نتيجة الملف النووي الايراني؛ وعليه وجود هذه الشخصية سفيراً في دولة ناشئة يوحي ان اسرائيل تولي علاقاتها مع الجنوب اهمية استراتيجية تفوق اهميتها تجاه ايران، ما يعني -أيضا- ان اسرائيل ربما ليس من اولوياتها الانخراط بعمل عسكري بحجم مواجهة ايران؛ بحيث تقتضي منها الدفع بكل الامكانات البشرية المتاحة لتسهيل هذه المهمة الكبيرة،  بل تجد ان احتواء ايران و"التطرف الاسلامي" بحسب رؤية اسرائيل وجنوب السودان في افريقيا والجنوب اهمية أكثر الحاحا؛ حيث بدانا نلحظ تزايد التصريحات الاسرائيلية والجنوب سودانية من تصاعد وجود الحركات الاسلامية والقاعدة في افريقيا وخصوصا في الجنوب السوداني، الامر الذي يستدعي مواجهتها من قبل المجتمع الدولي؛ كما اتضح ذلك بتصريحات مسؤولين امريكيين من ضمنهم سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الامن التي طالبت بفرض عقوبات مشتركة على الدولتين السودان وجنوب السودان، على الرغم من ان الاخيرة هي التي اعتدت على السودان، وبتصريحها الاخير فقد ساوت رايس بين الجاني والضحية باعتبار انها ترى ان التطرف الاسلامي والتنظمات المسلحة منتشرة وموجودة في البلدين، ما يقتضي على المجتمع الدولي مواجهتها والاتحاد لمحاربتها.

لعل نظرة فاحصة على السيرة الذاتية للسفير الجديد لإسرائيل في جوبا توحي حجم المطلوب منه، بحيث يتعدا تدشين وتقوية العلاقات بين الجنوب السوداني واسرائيل، بل يمتد الى تنفيذ اجندات وجمع معلومات عن دول الجوار والسودان على وجه الخصوص ([2])؛ فاسرائيل الطامحة منذ فترة طويلة للنفوذ للقارة السمراء وجدت بعلاقاتها مع الجنوب السوداني فرصة مواتيه لتعزيز النفوذ الاسرائيلي بمنطقة القرن الافريقي؛ حيث لإسرائيل تواجد كبير في اثويوبيا واريتريا وكينيا واوغندا، وبجودها في الجنوب تكون اسرائيل قد احكمت الدائرة حول جنوب العالم العربي.

قبل تولي "حايم كورين" مسؤوليته في جوبا كسفير غير مقيم، كانت جمهورية تركمنستان الدولة السوفيتية السابقة رفضت اعتماده (كورين) سفيراً لإسرائيل في عشق آباد، عاصمة تركمنستان؛ في البداية رفضت تركمنستان تقديم الاسباب التي حالت دون استقبال السفير الجديد وهو ما اثار غضب وزير خارجية اسرائيل ليبرمان الذي هدد بنسف مشروعه في انشاء سفارة اسرائيلية في هذه الدولة الناشئة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ يأتي غضب ليبرمان كونها المرة الاولى في تاريخ الدبلوماسية الاسرائيلية التي يتم فيها رفض اعتماد اسماء سفيرين لإسرائيل بدولة بصورة متوالية؛ فقد رفضت الخارجية التركمانية اعتماد "ريوفن دانيال" Reuven Daniel كونه خدم في الموساد الاسرائيلي لفترة طويلة، وعندما تم تسمية كورين في اغسطس 2010 كسفير لإسرائيل في عشق آباد تم رفضه للاسباب ذاتها، رغم عدم تعليق وزارة الخارجية التركمانية؛ فقد عمل "كورين" كمخطط وصانع السياسات في مجلس الامن القومي الاسرائيلي لمدة ثلاث سنوات، وهو الامر الذي وجدته تركمنستان كافيا بوصفه واعتباره جاسوسا اسرائيلياً؛ خصوصا انه خدم في المجلس كصانع قرارات ومخطط استراتيجي وذلك لتنفيذ سياسات استخبارية وجمع معلومات وخصوصا حول ايران؛ وعليه وجود هذا السفير في عاصمة تركمنستان كان الهدف منه هو جمع المعلومات الاستخبارية عن ايران، الجارة الجنوبية لتركمنستان، وهو ما ادى الى رفض اعتماده سفيراً خشية ان يشكل ذلك حساسية لدى النظام الايراني.

خدم "حايم كورين" في وزراة الخارجية الاسرائيلية واعتمد كدبلوماسي في سفارة اسرائيل لدى الولايات المتحدة، ومصر، ونيبال؛ يتحدث اللغة العربية بطلاقة وخصوصا لديه دراية كبيرة في اللهجات العربية والسودانية على وجه الخصوص؛ تم استدعائه من قبل الاجهزة الامنية الاسرائيلية طوال الاعوام الماضية للتحقيق من هوية ومصداقية اللاجئين الافارقة الذين يفدون الى اسرائيل، وتحديد جنسيتهم واماكن اقامتهم في دولهم الاصلية؛ حيث كانت لديه المعرفة باللهجات المحلية ومعرفة اي المناطق يقطنون سواء اذا كانون من الجنوب السوداني او من دارفور او غيرها.

السيرة الذاتية لـ حايم كورين

عمل كورين في وزارة الخارجية الاسرائيلية، وهو مسؤول دائرة الشرق الاوسط بالخارجية، ومدير مركز ابحاث وزارة الخارجية. عمل مخططا وصانع السياسات في وزارة الخارجية ومتحدثا اعلاميا باسمها في بعض المناسبات.

-       قنصل اسرائيل في شيكاغو، الولايات المتحدة.

-       قنصل اسرائيل في الاسكندرية، مصر.

-       سكرتير ثاني في مدينة كاثماندو، نيبال.

-       محاضر في جامعة حيفا، ومحاضر في الاعلام العربي- قسم الاتصالات

-       مدرس في جامعة حيفا – قسم تاريخ الشرق الاوسط – التطور الاجتماعي والسياسي لعرب اسرائيل

-       حاصل على دكتوراة –الدرساات العليا- عنوان اطروحته حول " ارشيف "تاريخ" اقليم دارفور (غرب السودان ) خلال الفترة ما بين 1720-1916"

-       محاضر في كلية اميرك يازيل، تاريخ الشرق الاوسط، علم الاجتماع الاسلامي، الاعلام العربي.

-       عضو مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة شيكاجو الامريكية

-       محاضر زائر،  قسم العلوم السياسية – شؤون الشرق الاوسط، جامعة حيفا

 

[1]  وهو الذي قاد بنفسه قوات احتلال مدينة هجليج مؤخراً على راس قوات قوامها ست عشر الف مقاتل من جنوب السودان وحركات التمرد السودانية المعارضة.

[2] تسعى اسرائيل الى ان تكون جوبا وجنوب السودان منطقة متقدمة للتغلغل الى السودان باعتبار الاخير جزء من المنطقة العربية التي لا ترتبط بعلاقات ودية مع اسرائيل بل تصنف السدوان باعتبارها من الدول العدوة لإسرائيل خصوصا لأستضافتها لأجتماعات حركة حماس واتضح ذلك بشن اسرائيل اكثر من غارة اسرائيلية على السودان استهدفت غاراتها اهدافا سودانية تعتقد اسرائيل انها تأوي حماس او تهدف الى منع تهريب السلاح من السودان باتجاه مصر سيناء قادمة من ايران وصولا الى قطاع غزة؛ ومؤخراً قامت اسرائيل بالعدوان على السودان بحيث قصفت مركبة سودانية على مدخل مدينة بورسودان يوم الثلاثاء 23 مايو، ما أدى إلى مقتل سوداني. وبحسب وزير الخارجية السوداني فإن الطريقة التي حصل بها الانفجار مماثلة جدا للطريقة التي عملت فيها إسرائيل في منطقة البحر الأحمر سابقا.

تم اعداد هذا المقال قبل اسبوعين من الاستهداف الاخير؛ الامر الذي يجعلنا نتساءل عن دور السفير الجديد في هذا العدوان خصوصا انه لم يتولى امر سفارته في جوبا اقل من اسبوعين ما يدعو الى احتمال ان تشهد السودان عدوانا اكثر خلال المرحلة المقبلة.

مجلة آراء حول الخليج