; logged out
الرئيسية / المجتمع الخليجي : قادرون بغيرنا أم قادرون بأنفسنا

العدد 93

المجتمع الخليجي : قادرون بغيرنا أم قادرون بأنفسنا

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

بعد عقود من تدفق النفط في المنطقة الخليجية وما أحدثه من تحولات كبيرة في المجالات الحياتية  الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نجد ثمة أسئلة طرحت خلال فترات مضت تتعلق بكيفية تحقيق التحديث، فهل يؤدي التحديث إلى المساس بالمجتمع الخليجي ذو الإرث الحضاري المشبع بالعادات والتقاليد والقيم وغيرها من الجوانب؟

ركزت كثير من البرامج التنموية في دول الخليج على مبدأ تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة،  وما يتطلبه ذلك من سن التشريعات والقوانين التي تحفظ للمجتمع جوهر أصالته أثناء إنجازه شرط التحديث للمؤسسات والبنى الحكومية؛ لتكون قادرة على التعامل مع متطلبات المواطنين والدولة الحديثة، إلا أن الحفاظ على ذلك المبدأ لم يكن بالأمر السهل في منطقة تشهد العديد من المشاريع التي تتطلب باستمرار إمكانات بشرية تفوق الإمكانات البشرية لهذه المجتمعات مما أوجد العديد من التحديات الاجتماعية والثقافية في مختلف المجتمعات الخليجية، هذه التحديات وإن لم تكن جديدة إلا أنها تظل هاجساً مرعباً يهدد هذه المجتمعات التي تقف عاجزة عن تنظيم نفسها لمواجهة هذه التحديات عندما لم تكترث الجهات الرسمية بها، أو أنها تقف موقف المتفرج مدخرة تدخلها عند حدوث الأزمة، ومن أبرز التحديات الثقافية والاجتماعية التي تواجهها المجتمعات الخليجية الآتي:

أولاً: تحولت بعض المجتمعات الخليجية إلى أقليات ثقافية، حيث تصل نسبة السكان الأصليين من إجمالي مجموع السكان في دول الخليج طبقاً لإحصاءات 2010، إلى 12 % في دولة الإمارات العربية المتحدة، و13% في قطر، و30 % في الكويت، و48% في البحرين، و70% في سلطنة عمان، و73% في المملكة العربية السعودية  (البرصان، 2011)، وطبقاً لهذه الإحصاءات توجد أربع مجتمعات خليجية يمثل السكان الأصليين فيها أقل من 50%، هذا دليل على أن الثقافة الوطنية في هذه البلدان تواجه ثقافات أخرى لها عاداتها وتقاليدها، وسلمها القيمي، ويعتبر ذلك مؤشرا على وجود حالة جزر للثقافة والهوية الوطنية، وحالة مد للثقافات الأخرى مما يقود مستقبلاً إلى فرض واقع ثقافي لا يتلاءم والثقافة الوطنية والهوية العربية الإسلامية ،الأمر الذي سيوجد تحديات أخرى ثقافية واجتماعية واقتصادية وقيمية، وقد تصل بعض هذه الدول إلى سن قوانين للحفاظ على هويتها الوطنية مما يقودها إلى الاصطدام مع بعض الدعوات العالمية لقبول تعدد الثقافات والأعراق والأجناس.

ركزت كثير من البرامج التنموية في دول الخليج على مبدأ تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة

في دول الخليج هناك حالة جزر للثقافة والهوية الوطنية وحالة مد للثقافات الأخرى

العمالة في دول الخليج أصبحت ذات مدلول سلبي تتعالى عليه الذات الاجتماعية

ثانيا: ثمة تحدي لغوي مرتبط بالهُوية الوطنية لهذه البلدان، وهو تحد يتفاقم يوماً تلو الآخر، وهذا التحدي هو ضريبة التحديث والتنمية التي شهدتها مجتمعات الخليج، فاليوم ورغم أن دساتير المنطقة تؤكد على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية إلا أنها في الواقع ليست لغة الدراسة في مؤسسات التعليم العالي، وليست لغة المؤسسات الاقتصادية، والمواطن الخليجي الذي لا يجيد الحديث باللغة الأجنبية أو لغة العمالة الوافدة في بلده يواجه صعوبات شتى مرتبطة بالتواصل لإنجاز معاملاته اليومية، وصعوبات في الحصول على وظيفة مناسبة، وفي ظل هذا الواقع انطلقت العديد من الدعوات التحذيرية في السنوات الماضية من هذا المواقع، ومن أبرز هذه الصرخات، صرخة الشيخ الدكتور عائض القرني في مقالة بعنوان :"الأرض بتتكلم أوردو" ومما جاء فيه "يهدد الخليج طوفان جارف من العمالة الآسيوية السائبة والمنظمة التي استولت على سوق العمل، وغيرت لهجات سكان الوطن، فأصبح الخليجي يرطن للعجم بلغتهم، وصار المواطن يبحث عن عمل ولو في سيارات الأجرة وبيع الخضار، فإذا بالسوق كله يعج بالأوردو والبشتو، وصاحب الشركة والعمل يقدم العمالة الوافدة لرخص أجرتها، ...والواجب علينا أن ندرس الأخطار المستقبلية لهذه السيول البشرية من العمالة الوافدة، لأنهم يشكلون قنبلة موقوتة قد تدمر الدولة في الخليج".

ثالثاً: ظهور مجتمع استهلاكي، فقد أثرت طفرة النفط وعملية التحديث في جوهر المجتمعات الخليجية التي كانت مجتمعات مكتفية بذاتها في تلبية مختلف احتياجاتها، والآن في ظل الدولة الريعية  بدأ أصحاب المهن في الاختفاء تدريجيا، ليظهر أصحاب الوظائف الحكومية، مما أدى إلى امتهان العمالة الوافدة لمهن الخليجي الأب التي ورثها عن جده وأتقنها، وهذا ما ولّد حالة عجز ثقافي لدى الإنسان الخليجي الذي أصبح ينظر إلى العامل الوافد بأنه قادر على عمل أي شيء مهما كان صعباً، في الوقت الذي نظر هو إلى ذاته بأنه مهما حاول لن يكون بمهارات العامل الوافد، وقد طرح الدكتور عبدالله الغذامي هذه الإشكالية في دراسة بعنوان "حكاية الحداثة في المجتمع السعودي" وهي في نتائجها تنطبق على مختلف المجتمعات الخليجية، حيث أطلق على بعض نتائج عملية التحديث مصطلح "الحداثة المشوهة"، ووصف عملية الاعتماد الكلي على الآخر الوافد في عملية التنمية ب "الغلطة القاتلة"، حيث أن عملية التنمية وإن أوجدت واقع معيشي وحياتي أفضل إلا أنها حولت المجتمع ليكون "مجتمع قادر بغيره، وما كان لدينا من قيم عمل تقليدية توارثية تراجعت ليحل محلها إتكالية وسيادية تعطل كل رغبة نفسية أو اجتماعية في العمل، وصارت المهنة رديفاً دلالياً للعمالة، وصارت العمالة ذات مدلول سلبي تتعالى عليه الذات الاجتماعية، وتبع ذلك انفصام بين عمارة المكان وعمارة الإنسان، حيث صارت التنمية مكانية أكثر منها بشرية، وانتزع البعد الإنساني فيها، حتى إنك لتشعر بلاإنسانية المكان...قادرون بغيرنا وعاجزون عن تمثل شرطنا الإنساني، حتى صارالمكان عندنا أرقى من الإنسان، وصار المكان هو الحداثي لإنسان لما يزل خارج اللعبة". وإذا اتفقنا أو اختلفنا مع الصورة التي يرسمها الدكتور عبدالله لأثر الحداثة في المجتمعات الخليجية، إلا أننا لن نختلف على حاجتنا إلى تبني سياسات تنموية تركز على الـتأهيل والتعليم الجيدين اللذان يجعلاننا قادرين على إنجاز شرطنا الإنساني، ولإعداد الفرد الخليجي المؤهل المدرب حتى لا نظل قادرين بغيرنا، لأن هذه القدرة القاصرة لها عواقبها التي لا يمكن تجاهلها على المدى البعيد.

رابعاً: الخلل السكاني، وَلدّت عملية التنمية والتحديث خلل سكاني يُخشى أن يكون مزمنا في بعض المجتمعات الخليجية المطلوب منها أن تدفع ضريبة مشروعات وسياسات اقتصادية لم تنال منها إلا الآثار السلبية التي أثرت على حقوقها كما يرى الدكتور علي الكواري أن من "حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دورُ، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة، ولغتهم هي اللغة السائدة، ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص هي محط الخيارات والموجه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية"، وهذا الاختلال في السياسة السكانية تفاقم مع فتح معظم دول الخليج أبواب التملك العقاري في المشاريع العقارية الكبرى، مما دفع إلى إطلاق صيحة تحذير أخرى من قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان الذي قال "أخشى أننا نبني العمارات ونفقد الإمارات" وهي صيحة كنا نأمل أن تلقى صداها في مختلف المجتمعات الخليجية بحيث تبنى استراتجيات عملية للتعاطي مع هذه الإشكالية التي تؤثر على المجتمعات الخليجية وثقافتها.

خامسا:التحدي التعليمي: أثرت عملية التطوير التي شهدتها المجتمعات الخليجية على التوسع في نشر التعليم، ولكنها لم تنجح في تحقيق الجودة المنشودة التي تجعل من المواطنين الخليجيين قادرين على الالتحاق بسوق العمل مباشرة بعد الانتهاء من عملية التمدرس، ولم تحقق الأنظمة التعليمية ذلك النجاح المأمول في حماية الأجيال الخليجية من شبح البطالة، حيث تكشف نتائج الاختبارات العالمية مثل اختبار تيمز "TIMSS" أن نتائج طلبة دول الخليج في العلوم والرياضيات لا تزال دون المستوى العالمي، مما قاد في النهاية إلى تزايد معدلات البطالة للشباب في أكثر من بلد خليجي، على الرغم من معدلات الانفاق الكبيرة التي تنفقها دول الخليج على التعليم، حيث بلغ إنفاق دولة الكويت على التلميذ بين مرحلتي الابتدائي والجامعي عام 2006 ما متوسطه 47 ألف دولار لكل تلميذ، مقارنة ب 27 ألفاً في فنلندا في السنة نفسها، ونحو 8 آلاف في كوريا الجنوبية عام 2005م، في حين بلغ الانفاق الاجمالي على التعليم في سلطنة عمان  31% و28%  من مجمل الإنفاق العام عامي 2005-2006م، مقارنة ب 12.6% في فنلندا عام 2006، و 15.3% في سنغافورة عام 2008م،(ياقوت، 2010، 47-48)، ولذلك يشكل التعليم إشكالية تنموية ثقافية أخرى تواجه المجتمعات الخليجية، فالأعداد المتزايدة من الطلبة إما أن تكون دافعا محركا لعملية التنمية أو أنها تكون عبئاً عليها، وبذا فقد يكونون صمام أمان أو عامل عنف وضغط عندما يجدون أنفسهم غير قادرين على تحقيق أحلامهم وهم مواطنين في دول تتميز بوفرة النفط، وهذا سيقود في النهاية لأن يعمل الفرد الخليجي في وظائف ومهن أقل دخلاً ومستوى اجتماعية من تلك التي يعمل بها الوافد ، مما يفاقم من أزمة التنمية في المجتمعات الخليجية.

تحتاج عملية التحديث والتنمية في المجتمعات الخليجية إلى عملية أخرى يمكن أن نطلق عليها "إصلاح التنمية" وهذه العملية تقتضي الوقوف عند هذه التحديات، والعمل الجاد لمواجهتها وتذليلها.

مقالات لنفس الكاتب