; logged out
الرئيسية / قراءة في بعض الآثار التي خلّفها الاحتلال الأمريكي على الوضع الاجتماعي في العراق

قراءة في بعض الآثار التي خلّفها الاحتلال الأمريكي على الوضع الاجتماعي في العراق

الجمعة، 01 أيار 2009

ليس خافياً الأهداف المعلنة التي احتل بسببها العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها وتندرج جلها تحت مسميات أمنية واقتصادية ودينية إلى حد ما. وهناك أيضاً أهداف غير معلنة اختلف الباحثون والدارسون حولها، ومنها أن الولايات المتحدة أرادت التأثير في الوضع الاجتماعي العراقي باتجاه السلب، إذ يعد المجتمع العراقي من أبرز المجتمعات في المنطقة التي تتميز بالوحدة والتكاتف والتآلف.

عمد الاحتلال منذ أيامه الأولى إلى إدخال(أمراضه) إلى الجسم الاجتماعي العراقي

هذا المجتمع في حقيقة الأمر سلاح رادع بوجه المشاريع الأمريكية والصهيونية التي تعمد إلى تفكيك المجتمعات العربية كمرحلة أولى نحو التفتيت السياسي والجغرافي للمنطقة ككل. ولذلك عمد الاحتلال منذ أيامه الأولى إلى إدخال(أمراضه) إلى الجسم الاجتماعي العراقي، فأصيب المجتمع بأمراض لم يكن يعاني منها في السابق مثل الجريمة المنظمة والقتل على الهوية، المخدرات، الإيدز، والتشظي العائلي وغيره من الأمراض.

اتضح زيف الادعاءات الأمريكية بتحويل العراق إلى واحة للديمقراطية

وقد اتضح زيف الادعاءات الأمريكية بتحويل العراق إلى واحة للديمقراطية ومثال يحتذى في دول الشرق الأوسط. فقد كتبت صحيفة (الصباح) البغدادية الرسمية بتاريخ 23 سبتمبر 2007 وبقلم رئيس تحريرها تقول (تحول العراق بعد أربع سنوات من الاحتلال إلى دولة فاشلة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً،وأوضحت تقارير 4 منظمات دولية وإحصائيات لوزارات عراقية متعددة أنالعراق بات الدولة الأكثر فساداً، والثالث بين 60 دولة فاشلة في العالم. وتؤكد التقارير، التي صدرت جميعها خلال إبريل الماضي، أن العراق تحول خلال السنوات الأربع الماضية منذ دخول القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولاياتالمتحدة إلى دولة قاتمة المعالم ومجتمع غالبيته من الأرامل واليتامى والمطلقات والمعوزين، تسود فيه جرائم الفساد الإداري والاعتداء على الملكية العامة‏‏ والتهريب، وارتفعت معدلات السرقة والسطو المسلح‏‏ وعمليات الاختطاف ‏‏والاغتصاب‏ والإدمان‏ وفقدان الشعور بالأمن وجنوح الأحداث).

ووفق تقييم منظمة الشفافية العالمية للعام 2007، فإن العراق تصدر قائمةأسوأ دول العالم في الفساد المالي والإداري بسبب النهب الواسع لثرواته وموارده وسوء الإدارة فيه، حيث وصل انتشار الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة في ظلالحكومات التي أعقبت الاحتلال لأكثر من 70 في المائة حسب تقدير راضي الراضي مسؤول هيئة النزاهة في العراق. وكشف تقرير المنسق الإنساني للمنظمة الدولية في العراق عن زيادةأعداد الأرامل اللواتي يعلن أسرهن. كما ارتفعت معدلات الطلاق 22 في المائةبين عامي(2003 ـ 2006)، في حين تراجعت نسبة الزواج لنفس الفترة إلى 50 في المائة، بحسب إحصائياتوزارة العدل العراقية. أما على الجانب الاجتماعي الذي شهد انهياراً حاداً فقد أظهرتدراسة بعنوان (خريطة الحرمان ومستوى المعيشة في العراق) أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة التخطيط والإنماء العراقية عن واقع مستوى المعيشة للعائلة العراقية، حيث أشارت الدراسة إلى أن مستوى المعيشة منخفض في ميدان التعليم بنسبة 31.8  في المائة وفي مجال الصحة 22.7  في المائة والبنى التحتية الضرورية للعائلة بنسبة 58.2 في المائة والسكن 20.1 في المائة والوضع الاقتصادي بنسبة 55.1 في المائة، بينما بلغ انخفاضمستوى المعيشة للأسر نسبة 31.2  في المائة، كما أوضحت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية أن مستوى الفقر تجاوز بمقدار 35 في المائة عن مستوى الفقر قبل عام 2003، وأن حوالي 5.6 مليون عراقي يعيشون تحت مستوى الفقر بينهم 40 في المائة يواجهون تدهوراً حاداً في معيشتهم،مما أدى إلى اتساع ظاهرة الباحثين عن الرزق بين أكوام القمامة وحقول الألغام وغيرها. وأكدت تقارير لمنظمات إنسانية أخرى أن حالة التدهور الأمني وتنامي نسب البطالة والهجرة القسرية من المناطق الساخنة ومن الأرياف إلى المدن والتضخم المتزايد أوجدتضغوطاً متصاعدة على الأسرة مما تسبب في تفكك بعض الأسر وازدياد نسبة الفئات المهمشة‏‏ من الأيتام‏ والمشردين‏ والمعوقين‏ والمتسولين‏ والأرامل المعيلات لأسرهن‏، اللائي اضطررن إلى إيجاد أماكن للسكن لها في بيوت الصفيح والمباني المهجورة.    

وانتشرت الجريمة المنظمة بعد مدة قصيرة من وقوع الاحتلال، وانتشر القتل على الهوية على نطاق واسع بعد التفجير الأسود في سامراء 2006 مما غرس خنجراً في وحدة النسيج العراقي قد لا يبرأ جرحه بسهولة.

إن أحداث القتل على الهوية والجريمة المنظمة في العراق لم تظهر عقب يوم الاحتلال في 9 إبريل 2003 مباشرة، وإنما بقي العراقي الشريف في كل أرجاء العراق يعيش حياته الاعتيادية حتى دون سلطة الدولة التي تعوّد عليها لسنوات طوال سابقة. بينما بدأت أعمال الجريمة المنظمة بعد أشهر عديدة من الاحتلال عندما بث المحتل فيروساته الخبيثة لتتفاعل مع أجسام لم تكن تمتلك المناعة التي تؤهلها لرفض أثر تلك الفيروسات.

لقد صدر الأمريكيون إلينا الأسوأ في تجربة صيرورتهم دولة جديدة، ومنعوا عنا الحسن منها. لو قرأت التاريخ الأمريكي(تاريخ مشاورات وضع الدستور الأمريكي وتشكيل نواة الدولة الاتحادية 1787) لوجدت أنه يحمل الكثير من العلامات المضيئة. يأتي المستوطنون الجدد من المستعمرات الثلاث عشرة وهم مختلفو المرجعيات والانتماءات والأهواء، فيجتمعون ويتناقشون ويتداولون حتى ينتهوا إلى صيغة يتفق عليها الجميع تخدم مصالح الكل ولا تقصي مستعمرة أو عرقاً أو ديناً أو مذهباً. هذه التجربة منعوها من التصدير، ووضعوا لنا بدلاًمنها المحاصصة المقيتة، التقسيمات الطائفية والقومية والعرقية، و(كوتات) النساء، بينما هم من يدعون الديمقراطية والحرية لايفرضون في الكونغرس مثل هذه(الكوتة).

وبدلاًمن العلامات المضيئة، صدّروا إلينا الصحائف السود من أفعالهم، عندما أبادوا السكان الأصليين عن بكرة أبيهم ليستولوا على أراضيهم بحجة أحقيتهم باستصلاحها واستعمالها، وأنها أعطيت لأشخاص ليسوا بأهل لها. نعم، قامت كثير من عمليات القتل بأيدي عراقيين وللأسف الشديد، ولكن رصاص البنادق لم يكن عراقياً، واشتمت من رائحة البارود وصفات لأصابع خفية لايمكن إلا أن يعلم بها المحتل. ولا نتكلم هنا عن نوع واحد من الجريمة، بل كل أنواع الجرائم التي تهدف إلى إزهاق الأرواح مثل القتل على الهوية، قتل الكفاءات العلمية، وجميع أسباب القتل الأخرى.

وكانت نتيجة عمليات الجريمة المنظمة والقتل المتعدد الأسباب أن العراقيين أصبحوا الأكثر بين دول العالم الذين قدموا طلبات لجوء إلى دول أخرى. إذ ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إننحو 19500 عراقي تقدموا بطلبات لجوء إلى دول غنية خلال النصف الأول من عام 2008ليظلوا الأكثر بفارق كبير بين الجنسيات الأخرى التي تطلب اللجوء إلى الخارج.

أما المخدرات، فإنها اللعنة الكبرى التي أدخلها أو سمح بإدخالها الاحتلال إلى العراق، البلد الذي كان الأبرز بين البلدان العربية التي تحارب هذه الآفة العظيمة، والتي كان يحاكم ناقلها وخازنها وبائعها ومتعاطيها إما بالسجن المؤبد أو الإعدام.

ومن المعروف أن القوانين الرادعة التي سنتها الحكومات السابقة للاحتلال الأمريكي كان لها أثر كبير في التصدي لهذه الظاهرة، وقد تراوحت العقوبات ما بين السجن مدى الحياة والإعدام. ويضاف إلى ذلك فإن الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية التي كان العراق يزخر بها قبل الاحتلال، كانت تقف حائلاًدون اتساع هذه الظاهرة، وفي مرحلة السبعينات ومنتصف الثمانينات كان العراق من أنظف دول العالم من ناحية خلوه من المخدرات، حسب بيانات الأمم المتحدة ولجنة مكافحة المخدرات، حيث لم يرد اسم العراق مطلقاً كدولة تعاني من هذه الظاهرة، ولذلك في الاجتماعات التي كانت تعقد في الأمم المتحدة حول هذه الظاهرة، كان العراق متغيباً عن معظمها باعتبار أنه ليست له صلة بالموضوع أصلاً، أو يحضر كمراقب فقط، وكانت شعبة مكافحة المخدرات في الداخلية العراقية تتابع الموضوع من الناحية النظرية، وأحياناً تتعاون مع جهاز الأنتربول الدولي لملاحقة بعض التجار من العرب وبقية دول العالم. وتشير صحيفة (ديلي تلغراف)إلى أنه خلال الحكم السابق (لم يكن الهيروين معروفاً في العراق بسبب التطبيق الحرفي للقانون الذي لم يكن يحظر الاتجار بها فقط، بل مجرد حيازتها، ويوقع عقوبة الإعدام بحق من يتاجر فيها أو يمتلكها).

ومع احتلال العراق، وتردي الأوضاعالسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتدهور الأمن وانعدام الاستقرار، انتشرت المخدرات في العراق بشكل واضح ولافت للنظر، إذ صرح مدير برنامج مكافحة المخدراتالتابع لوزارة الصحة بأن عدد المسجلين لدى الوزارة كمدمنين على المخدرات بلغ 2920شخصاً حسب إحصائية أجرتها الوزارة بين الأول من مايو 2003 لغاية 13 أغسطس 2004. بينما ذكرت صحيفة (الصباح) البغدادية الرسمية بتاريخ12 يونيو 2006 أنها حصلت على إحصائية للهيئة العليالمكافحة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي ورد فيها اكتشاف أكثر من 7 آلاف حالة إدمانمختلفة، وقد احتلت مدينة كربلاء المرتبة الأولى في عدد المدمنين على المخدرات بسبب دخول المخدرات عن طريق بعضالزوار الإيرانيين للعتبات المقدسة في المدينة.

وتعليقاً على خبر نشرته صحيفة (الصباح) البغدادية الرسمية بتاريخ 29 مارس 2006 أشار إلى عثور شرطة مدينة العمارة جنوب العراق على 128 كغم من المخدرات، كتب رئيس تحرير الصحيفة فلاح المشعل يقول (هذا الخبر يعد فاجعة حقيقية تهددالوطن والمواطن، لأنه ببساطة تامة يشير إلى انتشار المخدرات في العراق بصورة عامةوانتشار تعاطيها في مدن الجنوب على نطاق واسع،فإذا كانت الشرطة قد عثرت على 128 كغم فهذا يعني أن المئات وربما الأطنان من المخدرات ذهبت لأبناء مدن الجنوب لتخرب عقولهم وتهدم بيوتهم وتفتك بحياتهم. لقد نمي لي أن تعاطي الحشيشة وبقية أنواع المخدرات صار منتشراً في مقاهي مدن الناصرية والعمارة والبصرة وغيرها من مدن العراق، وهذه المخدرات التي تردنا منإيران وأفغانستان صارت تجتذب مافيات كبيرة وتحقق عائدات بمليارات الدولارات).

وحتى نهاية عام 2005، قدرت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات أعداد المتعاطين بأكثر من 10000 شخص. فيما قدرتهم وزارة الصحة العراقية بحوالي 24 ألف عراقي تعاطوا المخدرات عام 2006 بمن فيهم 7000 مدمن، وهو رقم يبدو أقل بكثير من الواقع الحقيقي إذا ما أخذنا في الاعتبار الكميات الكبيرة من المخدرات التي عثرت عليها السلطات العراقية أكثر من مرة. إذ أشار الدكتور سيروان كامل مدير البرنامج الوطني لمكافحة المخدرات إلى أن الإحصائيات المتعلقة بموضوع انتشار المخدرات غير دقيقة فالأرقام الخاصة بحجم المشكلة لا تمثل أكثر من 10 في المائة من الحجم الحقيقي لانتشار الظاهرة.

وعدّ وكيل وزارة الداخلية العراقية السابق أحمد كاظم أن العراق (أصبح بيئة آمنة لتجارة الجنس والمخدرات، وأن مدينتي البصرة والعمارة تمتلك مخازن فيها أطنان من المخدرات القادمة من إيران). كما أكد الدكتور علي عبد الرزاق مسؤول برنامج مكافحة المخدرات في وزارة الصحة العراقية(نقلاً عن تصريح لصحيفة (الصباح) بتاريخ 25 يونيو 2006) وجود الكثير من المؤشرات التي تدل على انتشار المخدرات في العراق لاسيما في المحافظات الجنوبية خصوصاً الناصرية والسماوة، فقد تم إلقاء القبض على متاجرين ومتعاطين بها، وأن هناك الكثير من المخدرات يتم إدخالها إلى العراق عن طريق الدول المجاورة بعد أن أصبح العراق طريق مرور لعبورها من إيران وأفغانستان إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج وقد تم ضبط 1900 كيلو غرام من الحشيش والمورفين وإلقاء القبض على أكثر من (70) متهماً في محافظة واسط، كما وجدت أكثر من 57 ألف حبة مخدرة.

وما زاد الأمر سوءاً، الانتقال من تجارة المخدرات إلى زراعتها. إذ بعد أن أصبح العراق من دول المتاجرة والاستهلاك للمخدرات تحول إلى مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن هذه الصيغة وهي زراعة الأفيون و(الخشخاش) في سابقة خطيرة. وإذا كانت بعض المصادر الرسمية قد نفت وجود أراض مزروعة بالمخدرات في العراق، مثل تصريح الدكتور عدنان فوزي عطية عضو البرنامج الوطني لمكافحةالمخدرات الذي قال (إنالهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي لم تكتشف أيةأراض مزروعة كما زعم عدد من مواطني المناطق الجنوبية، وأن كل كمياتالمخدرات الموجودة آتية من دول الجوار)، لكن مصادر أخرى تحدثت عن هذه الظاهرة، فقد ذكر بعض المسؤولين في محافظة ديالى أن زراعة الخشخاش في مناطق عدة من المدينة ترجع إلى غياب رقابة الحكومة. في حين أرجع بعض رؤساء العشائر أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة بغية تمويل أعمال العنف المسلح. وفي عام 2006 اكتشف حقل لزراعة الحشيش في محافظة نينوى، ومزرعة للقات في كربلاء.

وفضلاً عن الجريمة المنظمة والمخدرات، يأتي انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة(الإيدز) ليشكل علامة سيئة لنتائج الاحتلال الأمريكي للعراق. فقد دخل مرض الإيدز إلى العراق من خلال الدم الملوث المستورد من فرنسا عام 1983 عبر شركات (افنتيس) و (سانوفي) الفرنسيتين و(باكستر) الأمريكية وهيوريثة (شركة ماريو) التي كانت زودت وزارة الصحة العراقية بكميات من الدم مطلعالثمانينات لمعالجة حالات الأطفال المصابين بالهيموفيليا. وقد أدى ذلك إلى إصابة 244(حسب مصادر أخرى 239 شخصاً)، توفي غالبيتهم ولم يبق منهم على قيد الحياة أثناء الاحتلال سوى 44 شخصاً.

وانتشر المرض بعد الاحتلال انتشاراً ملحوظاً، ورغم أنه لاتوجد إحصائيات رسمية كاملة توضح العدد الحقيقي للمصابين بهذا المرض، إلا أنه يمكن الاستشفاف من خلال مايرد من تصريحات هنا أو هناك أن المرض آخذ بالانتشار. وقد كشفت صحيفة (الصباح) الرسمية بتاريخ 11 أغسطس 2005 ووجود أكثر من 250 إصابة بمرض الإيدز في العراق. وارتفعت نسبة المصابين بالمرض لاسيما في المناطق الجنوبية ومناطق الفرات الأوسط وفي بغداد وبعض مناطق شمال العراق، التي دخلها المرض عن طريق حقن الأنسولين الإيرانية المستوردة للإقليم لمعالجة مرضى السكري، الأمر الذي دعى وزارة الصحة في إقليم كردستان إلى (وقف تصريف حقن الأنسولين المستوردة من إيران بعد الاشتباه في حملها فيروس الإيدز)، فيما دعت لجنة الصحة في برلمان الإقليم قوات (البشمركة) إلى مراقبة الحدود واتخاذ إجراءات صارمة ضد المهربين.

ولخطورة انتشار المرض، أكد الدكتور حسين عبدالله الجابري مدير معهد الأمراض السارية والمعدية في مدينة النجف في أثناء محاضرة ألقاها في جامعة الكوفة خلال الندوة التي عقدتها الجامعة والتي جاءت تحت شعار(نحو جنوب آمن من الإيدز نتكاتف معاً) أن معدلات الإصابة بمرض الإيدز في مناطق الجنوب العراقي في ارتفاع مخيف جداً. وعزا الجابري ذلك إلى كثرة الزوار والسياح القادمين من إيران وباكستان وغيرهما. ويذكر أن النجف سجلت في شهر واحد رقماً قياسياً بلغ أكثر من 80 حالة إيدز وأكثر من 4000 مدمن على المخدرات.

ولم يتوقف الأمر عند الإيدز، بل يخشى أن يتطور الأمر إلى ماهو أسوأ، ففي السنوات الأخيرة تغير النمط الوبائي في العراق من خلال اكتشاف العديد من الإصابات المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي لمجاميع عالية الاختلاط مثل (البغايا) مما ينذر بازدياد الحالات المكتشفة ليس لمرض العوز المناعي بل أكثر من ستة أمراض خطيرة أخرى. إذ أشار مصدر مسؤول في وزارة الصحة إلى أن مجموع حالات الأمراض المنقولة عن طريق الجنس في إحصائية قامت بها الوزارة بداية 2007 بلغ أكثر من 64,428 حالة، وأن الوزارة ستقوم قريباً بإجراء مسح شامل لمرض نقص المناعي المكتسب (الإيدز) في العراق للوقوف على حجم هذه المشكلة. كما أشار إلى أن المعطيات المتوفرة لدى الوزارة تبين زيادة في انتشار الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، موضحاً أن العوامل المساهمة في انتشار الأمراض هي الفقر والجهل بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني في البيوت الصغيرة التي تضم عوائل كبيرة العدد.

ومن هنا فقد نظرت وزارة الصحة في تخصيص أربعة مليارات دولار أمريكي لضمان عدم انتشار المرض وكي لايكون هناك وباء في العراق.

كان للآثار السلبية السالفة الذكر مخرجات سلبية على المجتمع العراقي، ربما من أبرزها التفكك الأسري الذي لم يكن يعاني منه المجتمع العراقي في السابق. ومن أبرز علامات هذا التفكك الارتفاع الملحوظ في حالات الطلاق، وكذلك ارتفاع نسبة قتل النساء(دفاعاً عن الشرف)، فضلاً عن التشظي العائلي عبر تفكك العوائل العراقية لاسيما العوائل الريفية إلى عوائل صغيرة جداً ضعيفة ومشرذمة.

لقد كشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة العراقية، محمود الشيخ الراضي(مارس 2008) عن ارتفاع غير مسبوق بنسبة حالات الطلاق في المجتمع العراقي لتتراوح ما بين 50 إلى 60 في المائة من الزيجات.

وكتبت صحيفة (لوس أنجلس تايمز) في عدد 13/4/2008 في تحقيق لها من العراق تحت عنوان (الزواج من ضحايا الحرب)، إن عدد حالات الطلاق ارتفع إلى الضعفين منذ بدء الاحتلال عام 2003، وإن التوترات الطائفية والبطالة من بين أسباب ذلك الوضع.

وقالت الصحيفة إن موجات القتل والتشريد -ناهيك عن الضغوط الطائفية- مزقت العائلات العراقية إرباًإرباً، كما أن ارتفاع معدلات البطالة أضاف عنصراً جديداً لا يمكن احتماله، وحوّل بالتالي شيئاً كان محظوراً إلى واقع شائع في الحياة العراقية، ألا وهو الطلاق.

ووفقاً لأرقام صدرت عن المجلس القضائي الأعلى في العراق، فإن عدد حالات الطلاق التي تقع سنوياً في المحاكم العراقية تضاعف منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، فارتفعت من 20,946 حالة عام 2003 إلى 28,689 عام 2004، وفي عام 2005 ارتفعت إلى 33 ألفاً و348 وعادت فارتفعت عام 2006 إلى 35 ألفاً و627 لترتفع مجدداً في عام 2007 إلى 41 ألفاً و536 حالة طلاق. وعلى الصعيد ذاته، أكدت مديرة هيئة الطفولة ورئيسة لجنة المرأة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الدكتورة كوثر إبراهيم أن ظاهرة التفكك الأسري أصبحت كبيرة في المجتمع، بسبب تداعيات الحروب، وأن ظاهرة التفكك الأسري قادت إلى انتشار ظواهر سلبيةأخرى في المجتمع العراقي، يأتي الطلاق على رأسها.

كما ازدادت بشكل كبير حوادث القتل غسلاً للعار- وهو قتل المرأة من قبل أحد أفراد عائلتها لارتكابها عملاً مخلاً بالشرف يجلب العار للعائلة- في العراق منذ الاحتلال الأمريكي. يقول فاروق أمين بكر، المدير العام لمعهد الطب العدلي في بغداد بتاريخ 18/5/2005 (من الصعب إعطاء رقم دقيق عن حوادث القتل هذه لأن الكثير منها لا يتم الإبلاغ عنها).

تم اغتصاب أكثر من 400 امرأة منذ الاحتلال وحتى عام 2005

وبناء على دراسة أعدتها وزارة شؤون المرأة، فقد تم اغتصاب أكثر من 400 امرأة منذ الاحتلال وحتى عام 2005، وتم قتل أكثر من نصفهن غسلاً للعار، الأمر الذي استدعى من منظمة حرية المرأة، وهي منظمة غير حكومية، أن تؤسس ملجأ للنساء اللاتي يهربن من القتل غسلاً للعار وغيره من أشكال العنف. وما يثير الاشمئزاز أن من ضحايا الاغتصاب التي أدخلت للملجأ، إحدى النساء التي اغتصبت من قبل أحد (رسل الديمقراطية والحرية). وعندما طالب الملجأ،بالنيابة عن أهل الفتاة، القوات الأمريكية بالتعويض وبمنح الضحية اللجوء الإنساني في دولة أخرى. فإن أياً من الطلبين لم تتم تلبيتهما. والسبب أن المحتل يريد أن تشيع هذه الحالات على مستوى المجتمع العراقي بدل أن يواجه من يفعل ذلك بعقوبات رادعة.

وأخيراً، يؤسفني أن أنهي كلامي عن الآثار الاجتماعية السلبية للاحتلال بالإشارة إلى حالة طارئة على المجتمع الريفي العراقي، وهي ظاهرة تشظي العوائل الريفية إلى عوائل صغيرة جداً، فبدل أن كان البيت الواحد يجمع أكثر من عائلة كلها تتبع السيد الأكبر (الجد أو الأب أو الأخ الأكبر)، فإنه بعد الاحتلال ولعوامل عديدة تشظت تلك العوائل إلى (عويلات) صغيرة.

عندما وقعت الحكومة العراقية على الاتفاقية العراقية-الأمريكية أو اتفاقية الانسحاب الأمريكي من العراق كما أطلق عليها، فإن واحدة من إيجابياتها أنها وضعت سقفاً زمنياً لا حياد عنه لخروج المحتل، وعندما يخرج المحتل فإن الكثير من الآثار السلبية التي حلّت بالمجتمع العراقي بسببه لابد أن تزول معه، ولكن بالتأكيد هذه الآثار لن تزول بسرعة خروج المحتل من العراق (كما يفترض أن يكون بنهاية 2011)، إلا أننا مع ذلك لنا أن نأمل خيراً في الشعب العراقي في أن يعود لفضائله التي استقاها من تاريخه الموغل في القدم، وكذلك من فضائل المجتمع العربي الأصيل.

 

مجلة آراء حول الخليج