; logged out
الرئيسية / قراءة في تطور العلاقات التركية – الخليجية

قراءة في تطور العلاقات التركية – الخليجية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

العلاقات التركية-العربية-الخليجية قديمة قدم التاريخ نفسه، فعوامل التاريخ والجغرافيا والدين والثقافة كانت ولاتزال من العوامل الرئيسية الإيجابية التي تفرض على كافة الأطراف ضرورة الحفاظ على سقف محدد من العلاقات الرسمية في كل الأوقات حتى في أوقات التباعد التي امتدت منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وإلى أمد قريب جداً.

لقد استمرهذا الوضع حتى الوقت الراهن بعد أن تحول منذ عقد من الزمن إلى زمن للتقارب التركي-الخليجي بسقف مرتفع نوعاً ما بعد أن عادت تركيا من خلال عاملي التجارة والعمالة المهنية المدربة إلى المجتمعات الخليجية ليرتفع السقف أكثر إلى عرين السياسة العربية الإقليمية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق لتبدأ في لعب دورها السياسي التوازني التقليدي في المنطقة.

صحيح أن تركيا العثمانية خلفت وراءها في المنطقة الكثير من المآسي، وتركت في نفوس شعوب المنطقة الكثير من المشاعر السلبية والمخاوف التي كان لها ما يبررها في الماضي، بيد أن تركيا العلمانية الحديثة بتوجهاتها وثقلها العالمي ودورها التقليدي في المنطقة وثقافتها السياسية الجديدة أثبتت اختلافها التام عن تركيا العثمانية.

وضعت بعض القوى الغربية العراقيل والعقبات أمام تحقيق حلم تركيا الوحيد في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي 

وهذا على الأقل ما بدأت تشعر به الأجيال العربية والخليجية الحالية على الرغم من التقارب التركي-الإسرائيلي، وعلى الرغم من الانعزال والبعد التركي الطويل عن مشكلات وقضايا المنطقة العربية وعزوفها المتعمد عن الانخراط بتلك المشكلات  والتحديات.

 محاولة التقارب التركي-الغربي على حساب التباعد التركي-العربي

تاريخياً يعتبر العامل التركي في المنطقة لا يقل أهمية عن العامل الفارسي، فالدولة العباسية قامت على أكتاف الفرس، وشهدت صراعاً عنيفاً ومتواصلاً بين الفرس وبين العرب من جهة، ومن الجهة الأخرى بين الفرس والعرب، وبين الفرس والأتراك. وهذا ما أثبته التاريخ في الدولة الأموية ومن ثم إبان الدولة العباسية منذ عهدي الأمين والمأمون وإلى عهد المعتصم بالله، وحتى انهيار الدولة العباسية على أيدي الأتراك أنفسهم.

نعم يمكننا القول إن تركيا ابتعدت لعقود طويلة من الزمن عن العالمين العربي والإسلامي، وسعت إلى التقارب والتوحد مع العالم الغربي خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي. ولا شك في أن تركيا تمكنت بالفعل من التحالف والتقارب مع العالم الغربي سياسياً نظراً لأهمية موقعها الجغرافي والسياسي من الاتحاد السوفييتي سابقاً ولدورها العسكري في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لكن يا لسخرية السياسة، ويا لقضائها المصلحي المحتوم، ويا لألاعيبها ومؤامراتها وحيلها التي لا تنتهي بفعل خضوعها لمنطق السياسة الدولية التي لا تعرف إلا منطق ولغة المصالح القومية. هكذا ستبقى السياسة الدولية على منطقها هذا طالما ترجمت المصالح والعلاقات بمعايير الأمن القومي، وطالما عرف الأمن القومي بأنه مجموعة مترابطة من العوامل والمتغيرات يحتل مقدمتها ويوجهها بل يتحكم فيها عاملا العرق والدين.

ولذلك وضعت بعض القوى الغربية العراقيل والعقبات أمام تحقيق حلم تركيا الوحيد في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي لتستفيد من مقومات التقدم الغربي في مختلف المجالات الصناعية والاقتصادية والتجارية. وجاء قرار الاتحاد الأوروبي بتأجيل النظر في قبول عضوية تركيا إلى عام 2005م بعد أن ثبت أنها لم تحقق الشروط الصارمة التي وضعها الاتحاد لقبولها في منظومته في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.

أخيراً جاء تصريح المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر مؤكداًأن موعد قبول تركيا قد يتأخر ويتخطى ذلك التاريخ،مؤكداً في ذلك على أزمة الثقة الأوروبية بتركيا على الرغم من أن تركيا قدمت كل شيء، وتنازلت عن كل شيء في سبيل تحويل هويتها من الشرق إلى الغرب، وأن تنفض عن كاهلها التاريخ الإسلامي، وتضع نصب عينيها المستقبل الغربي.

وينطلق السبب الرئيسي للرفض الغربي لتركيا من حقائق التاريخ التي لا يمكن أن تنساها ذاكرة الإنسان والدول، ويستحيل أن تمحوها التطورات أو التغيرات من متون الورق أو من خلايا الذاكرة القومية. فالتاريخ حقائق لا يمكن تغييرها والهروب منها كما لا يمكن تجاهل وقائعه. والمعارك الدينية والسياسية والعسكرية التي اتسمت بها العلاقات التركية-الأوروبية من قبل، وفتح السلطان محمد الفاتح لمدينة القسطنطينية (قلعة المسيحية الأرثوذكسية) لا يمكن أن تغفلها ذاكرة الأجيال لأنها عمّقت من الجراح، وزادت من مشاعر الخوف والشك، وضاعفت أزمة الثقة بين تركيا والعالم الغربي، بل في الوقت ذاته بين تركيا والعالم العربي الذي يرى البعض من المحللين والمؤرخين أنها ارتكبت في حقه الكثير من الأخطاء الإنسانية والسياسية إبان عهد الدولة العثمانية.

تاريخياً يعتبر العامل التركي في المنطقة لا يقل أهمية عن العامل الفارسي

ومن هنا فإن تركيا التي نبذها الغرب، وشكك في نواياها وتوجهاتها اليوم (نظراًإلى خلفيتها الدينية والعرقية) اعتقدت بالأمس في بداية القرن العشرين بعد ثورة كمال أتاتورك عراب العلمانية التركية أنها يمكن أن تتحول إلى دولة أوروبية معتمدة في ذلك على ظاهرها العلماني، كما اعتقدت أن بمقدورها أن تنقل قدمها الراسخة من على أرض الشرق إلى جانب القدم الأخرى المتأرجحة على أرض الغرب.

بيد أن الغرب يريد تركيا العصرية بعقيدة سياسية غربية، وعقلية ليبرالية غربية، وثقافة تعددية غربية، وهو وضع قد يصعب تحقيقه في ضوء الحقائق التاريخية الدينية والثقافية التركية. فالثقافة السياسية التركية ثقافة شرقية مهما حاولت أن تثبت عكس ذلك، وخير دليل على ذلك هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسة المدنية التركية.

والحقيقة التي كان يدركها الشرق العربي،خصوصاً الخليجي،أن تركيا بمجرد أن هزمت في الحرب العالمية الأولى، تخلت عن هويتها الإسلامية، وحاولت التنصل من ماضيها الإسلامي، وعملت على اللحاق والالتحاق بالعالم الغربي، وحاولت الارتماء في أحضانه.ولذلك ألغت اللغة العربية من قاموس تعاملها، وأوقفت التعامل بالشريعة الإسلامية، بل أعلنت عن علمانيتها صراحة على الملأ.والنتيجة الحتمية لذلك أن تركيا أصبحت من الدول التي تعاني عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الاجتماعي العميق.

ومن جانب آخر، وعلى الرغم من تلك السياسات التقاربية الاحتضانية مع الغرب، رفض الأخير أن يفتح لها ذراعيه، ولم يقبل بارتمائها في أحضانه، لذا لا تزال تركيا تقبع ساكنة على هامش الحدود الأوروبية الغربية، ولم تفتح لها الأبواب السياسية أو حتى الاقتصادية، ولم تتغير النظرة الغربية لتركيا من كونها الدولة التي حالفت المحور النازي الفاشي في الحرب العالمية الأولى، والدولة التي كانت تهدد في يوم ما الأهداف والمصالح والأمن الأوروبي، وأنها دولة إسلامية على الرغم من عدم اعترافها بذلك.

وتكمن المشكلة برمتها في أن الحاضر التركي على مستوى النخب السياسية السابقة لما قبل عهد رجب طيب أردوغان يرفض الماضي الشرقي، فيما الواقع الغربي يرفض الماضي والحاضر التركيين إلى أن تنسخ تركيا ماضيها تماماً وتتجرد منه إلى غير رجعة بعد أن تستوفي الشروط الأوروبية الصارمة المفروضة عليها.

 معضلة التاريخ ولعنة الجغرافيا

معضلة السياسة العربية - الخليجية – التركية هي المعضلة التاريخية ذاتهابمسلسلات الصراع والحروب التي أوجدتها لعنة الجغرافيا التي تفرض الترابط الوثيق بل الواقع الحتمي على الدول والشعوب التي تعيش على تخومها في الموقع، لكن ليس بالضرورة في الفكر والسلوك. فعامل الأرض المشتركة، والأرض المتاخمة، والأرض الغامضة والأرض المتنازع عليها إما أن تكون من أهم مصادر التعاون والتفاعل أو من أبرز بؤر الصراع والقتال بين الدول والشعوب. كيف لا وعامل الجغرافيا وضع سوريا والعراق وتركيا (وإيران بالطبع) في بوتقة الأرض الواحدة ومزجها في ملحمة تاريخية موحدة بعد أن دخل الإسلام تخوم الدول لتدخل فيه بدورها بقوة وتصبح من أهم الدول التي تنصره وتنشره.

بيد أن عاملي التقارب والاندماج كان لا بد أن تتفكك عروتهما بفعل عوامل التباعد المذهبية والطائفية والعرقية التي طغت على مجمل العلاقات البينية في المنطقة بعد وقوع الفتن السياسية والمذهبية التي فرّقت ومن ثم باعدت بين المسلمين. وهذا ما يفسر وربما يلقي الضوء أكثر على مسببات اتحاد عاملي الجغرافيا والتاريخ في صناعة العلاقات العربية-التركية منذ بداية ضعف الدولة العباسية وحتى اليوم.

ولا ريب في أن الهوية العربية والتركية (العرقية التركمانية) كان لها دور كبير في دولة الخلافة العباسية ومن ثم الدولة السلجوقية التي ظهرت في تركيا في ذلك الوقت، وعلى أنقاض تلك الدولة ظهرت الدولة العثمانية التي بسطت هيمنتها على العراق عندما تمكن السلطان العثمانيسليم الأول بعد انتصاره في معركة (مرج دابق) على السلطان الغوري من الحصول على لقب خليفة بعد أن تنازل له الخليفة العباسي المتوكل على الله عن الخلافة بفعل الخوف وبسبب الضغوط والتهديد.

الثقافة السياسية التركية ثقافة شرقية مهما حاولت أن تثبت عكس ذلك

 لذا فإن الواقع الذي فرضته عوامل الجغرافيا التاريخية والمشاعر العقائدية والعرقية على المنطقة برمتها على مدى التاريخ وما تمخض عنها من نوعيات مختلفة، بل متناقضة في التشكيلات الإنسانية التي تباعدت عن بعضها بفعل غياب الوعي القومي الوحدوي وبسبب تنامي حدة أزمات الثقة في العصور القديمة (من فجر الإسلام وحتى وقوع العراق تحت الحكم العثماني). ذلك الوضع والواقع لم يعكس أي منهما واقعاً عدائياً بين كل العرب وتركيا، بل على النقيض من ذلك يمكن القول إن تلك العلاقات اتسمت على مدى التاريخ الحديث (وليس التاريخ القديم) بالتفاهم والتعاون أكثر من الصراع.

ولذلك يصعب القول استناداً إلى مسار التاريخ أن معظم العلاقات العربية-التركية عامة والخليجية-التركية خاصة اتسمت بالصراع، بل يمكن القول إنها كانت تميل أكثر إلى مجال واسع من التعاون، إذ لم تندلع حروب أو مواجهات عسكرية مباشرة فيما بينها على الرغم، على سبيل المثال، من دخول الجيش التركي في عمق الأراضي العراقية لمطاردة الثوار الأكراد مرات عديدة، لكن على ما يبدو أن تلك التحركات تمت بناء على ضوء أخضر عراقي.

 التقارب على حساب دول التحرر

الذي يمكن قوله إن العلاقات العربية – الخليجية – التركية بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ومن ثم بعد نهايتها لم تكن لتصنف من ضمن علاقات الصراع والحروب بل لا حتى المنافسة، فتركيا التي اتضحت معالم دولتها العلمانية التي تشكلت في عام 1924م بريشة مصطفى كمال أتاتورك السياسية لم تكن لتختلف عن معالم الدول القومية التي بدأت تتكون في العالم العربي منذ انتهاء عهد النفوذ المستعمر البريطاني ورموزه الحاكمة.

تركيا ابتعدت لعقود طويلة من الزمن عن العالمين العربي والإسلامي وسعت للتقارب إلى العالم الغربي 

ولعب شعار مصطفى كمال أتاتورك (سلام في الداخل، سلام في الخارج) دوراً كبيراً في الحفاظ على علاقات عربية - تركية جيدة منذ بداية حكم أتاتورك. حدث هذا على الرغم من مساهمة العراق مع تركيا في محاولات الغرب (وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية) في ضرب وتطويق دول الوعي القومي العربي (سوريا ومصر) في ذلك الوقت على الرغم من التوافق في المعتقد السياسي اليساري (الاشتراكي) الذي بدأ يسيطر في ذلك الوقت على النظام السياسي في العراق. وتتضح هذه الحقيقة من تكوين حلف بغداد (1955م) الذي عرف فيما بعد في عام (1958م) بـ(حلف السنتو) الذي جمع بين حلف بغداد والاتحاد الهاشمي للرد على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا.

لكن ما إن نجحت ثورة 14 يوليو عام 1958 م الوطنية والقومية (جبهة الاتحاد الوطني) حتى سارع عبدالكريم قاسم الرئيس العراقي الجديد آنذاك إلى الإعلان عن الانسحاب من (حلف السنتو) وإلغاء القواعد العسكرية الأجنبية في العراق ونادى بشعار (الحياد الإيجابي والتعايش السلمي). ورغماً عن ذلك لم تتعارض السياسة الخارجية العراقية مع التركية، واستمرت العلاقات الثنائية في مسارها التعاوني وبزخم من المصالح المشتركة فيما يتعلق بحركة التجارة البينية بين الدولتين وبما يوفره العراق من تصدير للنفط إلى تركيا ومن ثم ما كان يقدمه من دعم مادي لتركيا بعد عام 1969م.

 المشهد الإقليمي الخليجي-التركي

ترى ماهو مشهد المستقبل الإقليمي للعلاقات الخليجية-التركية بعد أن تغير النظام السياسي التركي في السنوات الثماني الماضية خصوصاً بعد سقوط حكومة صدام حسين بالقوة العسكرية الأمريكية؟ كيف ستكون عليه العلاقات الثنائية والجماعية الإقليمية للدول الخليجية التي ترتبط مع تركيا بعامل الجغرافيا وتلك التي تبعد عنها بفعل العامل ذاته؟ وأخيراً هل من الممكن أن يتحقق التوافق وربما الانسجام والتجانس بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا؟

وتمثل تلك الأسئلة بالفعل محور السياسات التركية والخليجية في الوقت الراهن خصوصاً الدول الخليجية التي تعكف بشكل منفرد (ولربما من خلال مجلس التعاون الخليجي) على وضع تصورات لسيناريوهات عن مستقبل العلاقات مع تركيا في ضوء شكل المنظومة السياسية الإقليمية المتوقعة ومع وجود حقيقة المخاطر الإيرانية – الفارسية على الدول الخليجية وسعيها الدؤوب لفرض هيمنتها من خلال التأثير في أحداث المنطقة سواء بوساطة سوريا، حزب الله اللبناني أو بواسطة حركة حماس الفلسطينية.

إن جوهر التصور الخليجي الاستراتيجي يكمن في التساؤل حول مدى قدرة دول المنطقة الخليجية بالتعاون مع تركيا العائدة من جديد على تحقيق هدف التفاعل المتبادل والمشترك فيما بينهما كي يتحقق أمن واستقرار المنطقة. فتركيا يمكن أن تلعب دوراً مهماً في منظومة توازن القوى مع إيران من جهة، ودورها كوسيط دبلوماسي وسياسي نشط بين العرب وإسرائيل.

وتؤكد حقائق التاريخ بل الواقع أن تنمية وتطوير مجالات المصالح المتبادلة والمشتركة بين الدول تمهدان الطريق نحو تحقيق هدف الانسجام في الأهداف ومن ثم التوافق في السياسات. فالوضع السياسي والعسكري والأمني الجديد في المنطقة بفعل أنشطة إيران السياسية والنووية يمكّن الدول الأعضاء في بوتقة الشراكة الاستراتيجية من الانتقال من مرحلة العلاقات الرسمية إلى مرحلة التجانس في المصالح وبالتالي في التقارب في المسلك السياسي، التي تقود بدورها إلى مرحلة التحالف السياسي.

صحيح أن تركيا دولة متصالحة ومتقاربة مع إسرائيل، وإن كان هذا هدفاً رئيسياً من الأهداف الأمريكية في المنطقة، إلا أنه غدا أيضاً هدفاً عربياً خليجياً بعد أن أثبتت تركيا قدرتها على الوساطة الدبلوماسية الفاعلة بين العرب وتحديداًبين سوريا وإسرائيل. وهو بالطبع لا يقل عن الأهداف التي تحققت في المنطقة بفعل معاهدات السلام العربية-الإسرائيلية التي بدأت تأخذ شكلها السياسي في المنطقة منذ عام 1979م.

إن مصطلح التجانس بين كيانين أو أكثر من المصطلحات يعني التركيز على عوامل التشابه ومواطن التقارب والغايات والسمات المتماثلة لتنمية وتطوير وتفعيل محاور التشابه في إطار من التفاعل المتبادل لتحقيق المصالح المتبادلة والتحرك نحوها من خلال رؤية مشتركة.

والهدف من التجانس في العمل السياسي المشترك وفي الفعل السياسي الإيجابي المحرك لردود أفعال إيجابية هو تحقيق تجانس خليجي – عربي – تركي،وغدا مطلباً ملحاًوواقعاً مرغوباً فيه بعد أن وصلت المنطقة العربية والخليجية إلى واقع عدم الاستقرار والتوازن مع إيران.

والسؤال هل من الممكن أن تتحول تركيا من دولة انعزلت عن المنطقة وحرصت على عدم الانخراط بمشكلات  وقضايا المنطقة إلى دولة أكثر انسجاماً وتوافقاً مع جيرانها لتتحرك معها في تفاعل سياسي واقتصادي ملموس يقودنا حتماً إلى تصور شكل المستقبل الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لا سيما بعد أن سقط نظام صدام حسين في العراق وحدوث فراغ سياسي عراقي داخلي وظهور إيران كلاعب رئيسي يستقطب بعض قوى المنطقة ويوجهها بما يتلاءم مع مصالحه وأهدافه؟

إن الواقع التركي الإيجابي الانخراطي الجديد من المتوقع أن يستمر في ضوء الواقع السياسي والعرقي والعقائدي للمنطقة ومكوناتها المختلفة. والأهم من ذلك كله أن استحالة بقاء الوضع التركي السابق كنتيجة لتنامي حدة وكثافة الضغوط الإقليمية والعالمية على المنطقة مما يهدد أمنها واستقرارها الذي حتماً يؤثر في الاستقرار التركي.

وتدعونا هذه التصورات لنتساءل عما يمكن أن تتطور إليه العلاقات الثنائية والجماعية الخليجية-التركية في المنطقة بعد انهيار نظام صدام حسين التصادمي بل المثير للحروب والصراعات والجدل والخلاف، وبعد انتشار الهيمنة الفارسية – الشيعية في المنطقة؟وهل من الممكن أن تحل علاقات التعاون محل علاقات الصراع، وتسود علاقات التقارب والاندماج محل علاقات التباعد والتشرذم؟

تلك الأسئلة تمثل بالفعل معضلة السياسة الإقليمية (بل حتى الدولية) التي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن مثيلاتها في الأقاليم الأخرى مما يعني أنها ظاهرة إقليمية - دولية على مستوى الدول وعالمية على مستوى الشعوب. ويكمن جوهر المعضلة في التساؤل حول قدرة دول المنطقة على تحقيق، ولو على الأقل، هدف التعايش السلمي المتبادل والمشترك فيما بينها من جهة، ومن جهة أخرى تقبل دخول تركيا كلاعب رئيسي في ملعبها كي يمكن تحقيق أمن واستقرار المنطقة.

وانطلاقاً من تلك الحقائق من المتوقع أن تستمر الدول الخليجيةوالعربية في المسار التعاوني ذاته فيما يتعلق بالشؤون المحلية والإقليمية خصوصاً فيما يتعلق بشأن الأمن القومي الخليجي والعربي، كما من المتوقع أن تلعب الأحداث الحالية في المنطقة دوراً كبيراً في تنمية وتطوير مجالات التعاون الثنائي والجماعي الخليجي-التركي في السياسة الخارجية حيال القضايا الإقليمية التي تلتقي فيها مصالحهم القومية الاستراتيجية.

 

 

مجلة آراء حول الخليج