; logged out
الرئيسية / النزاهة العلمية الأمريكية

النزاهة العلمية الأمريكية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

أعاد القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً حول إلغاء الحظر، الذي فرضته الإدارة الأمريكية السابقة على استخدام الأموال الفيدرالية في تمويل أبحاث الخلايا الجذعية، الجدل مجدداً حول الدور الذي يمكن أن تلعبه التجاذبات السياسية في مجال النزاهة العلمية الأمريكية، خصوصاً أن هذا القرار تزامن مع توقيع أوباما على مذكرة تفاهم رئاسية تتضمن توجيهات لمكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض لوضع استراتيجية من أجل (استعادة النزاهة العلمية لصناع القرار في الحكومة). وهي الخطوة التي جاءت منسجمةً، فيما يبدو مع سياق التزام الرئيس الأمريكي بتعهداته السابقة بتحرير البحث العلمي من التدخل السياسي.

واللافت في هذه القرارات والتعهدات أنها جاءت لتكون بمثابة شهادة أمريكية رسمية ومن أعلى المستويات بعدم نزاهة البحث العلمي الأمريكي، وأنه ليس بمعزل عن تقلبات السياسة وأهواء السياسيين. فموضوع أبحاث الخلايا الجذعية لم يكن الموضوع العلمي الأول الذي تتجاذب أطرافه التوجهات السياسية، وتتغير القناعات فيه وفقاً لتغير الإدارات والسياسات، فإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش  لطالما كانت متهمة من قبل بعض العلماء الأمريكيين بالتضحية بالأبحاث العلمية وتقويض مستقبلها من أجل استرضاء المحافظين،وأيضاً من أجل اعتبارات سياسية واقتصادية أخرى، وهذا بالطبع ليس متعلقاً بموضوع الخلايا الجذعية فحسب، بل يتجاوزه إلى مجالات علمية عديدة.

ولعل ظاهرة (الاحتباس الحراري)،التي تحولت في وقت من الأوقات من ظاهرة علمية إلى ظاهرة سياسية تتجاذبها الأطراف المتنافسة في سباق الرئاسة الأمريكية،لخير دليل على هذا الخلل في النزاهة العلمية الأمريكية، حيث برز في ذلك الوقت تيار يقوده مرشح الرئاسة الأمريكية والمنافس السابق للرئيس الأمريكي بوش السيد آلغور وبمساندة من جمع غفير من علماء البيئة يطالب بالحد من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون المسبب لهذه الظاهرة، والذي تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول تسبباً في انبعاثه، وقام آلغور حينها بإنتاج فيلم وثائقي بعنوان (حقيقة مزعجة)أعدّ له وقدمه شخصياً، أوضح فيه الحقائق والآراء العلمية التي تؤيد وجهة نظره ومناصريه من العلماء، وتدحض وجهة نظر الحكومة الأمريكية التي ما انفكت تكرر بأن ظاهرة الاحتباس الحراري ماهي إلا تغير طبيعي للأرض يحصل بصورة دورية وطبيعية ولاعلاقة له بالمخلفات الصناعية أو بالسياسات الحكومية الأمريكية في هذا الشأن، وتستدل على ذلك أيضاً بأقوال ونظريات لعلماء آخرين لتبريروجهة نظرها التي تتناقض مع الواقع الذي يقول إن أعلى معدل ارتفاع درجات حرارة الأرض على مدى تاريخها الطويل كان في الأربعة عشر عاماً الماضية، وإن معدل الارتفاع في درجة حرارة الأرض في العقود الأخيرة الماضية يعادل مدى التغير الذي حصل في ألف عام من تاريخ البشرية، وإن الأرض تعاني في الفترة الحالية خللاً واضحاً وكبيراً في مناخها، فهي تشهد أعلى معدل للأعاصير في بلدان لم تكن تعرف الأعاصير، في الوقت الذي تعاني فيه أجزاء كبيرة أخرى من الأرض جفافاً وحرارة غير مسبوقة.لكن وعلى الرغم من كل هذه الأدلة الواضحة إلا أن الإدارة الأمريكية السابقة وعلماءها مصرون على أن لامشكلة والمسألة طبيعية ودورية.

وفي حقيقة الأمر أن هذه الظواهر والقضايا العلمية التي نذكرها ماهي إلا جزء بسيط من سلسلة طويلة من القضايا العلمية التي سيّست أمريكياً،وأخرجت عن سياقها العلمي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة ثقب الأوزون والتلوث البيئي والمخلفات النووية ومشكلات اليورانيوم المنضب والأغذية المعالجة بيولوجياً والأبحاث الجينية وغيرها الكثير، وكلها خضعت للتسييس، وطغى الجانب السياسي والاقتصادي فيها على الجانب العلمي الإنساني.فالسياسة الأمريكية لاترى في الأبحاث العلمية حالة مستثناة من قاعدة السيطرة والهيمنة المطلقة على كل مقدرات الأمم، ولا ترى فيها إلا مطية لتوجهاتها ومطامعها الدولية، فهي تبذل كل ماتستطيع وتنفق بسخاء تام على التقنيات التي تعزز هيمنتها على العالم، وقد أنجزت مايشبه المعجزة العلمية في عام 1945 بإنتاجها واستخدامها لأول قنبلة نووية في العالم على الرغم من توقع العلماء النوويين حينها بأن إنتاج قنبلة نووية من هذا النوع سيحتاج إلى مئات السنين، بل شبّه العالم آينشتاين في عام 1905 إمكانية تحويل النظريات الفيزيائية النووية إلى واقع ملموس بقدرة شخص أعمى على صيد طيور في الظلام في دلالة على الصعوبة البالغة، إلا أن القنبلة النووية الأمريكية أنتجت بعد 40 عاماً فقط من تصريح هذا العالم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات لنفس الكاتب