; logged out
الرئيسية / الخليج وأمن النفط في ظل الأزمات الاقتصادية

الخليج وأمن النفط في ظل الأزمات الاقتصادية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

لقد تعرضت أسعار النفط في الآونة الأخيرة إلى انخفاضات حادة وانحدار سريع ومفاجئ إلى ما دون 50 دولاراً  للبرميل منذ أوائل نوفمبر 2008م، مما قد يؤدي إلى حدوث نوع من التباطؤ في جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، والذي قد يتعاظم مداه خاصة مع تفاقم الأزمة المالية العالمية وارتفاع سعر الدولار في مواجهة العملات الدولية الأخرى، وتلاعب الدول الصناعية بالسياسات الإنتاجية والاحتياطية للنفط، وتهميش دور منظمة (أوبك) وعدم فاعليته في التأثير في أسعار النفط.

إن ذلك كله يشير إلى أن تراجع أسعار النفط قد تكون له بعض المزايا الإيجابية لاقتصادات دول الخليج، حيث يعد فرصة لالتقاط الأنفاس والتخفيف من حدة التضخم الخليجي.

من المتوقع تراجع معدلات التضخم خلال عام 2009 لتصل إلى 10 % لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي 

ومن هنا فما بين ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية بلغت مداها 150 دولاراً  في مايو عام 2008 للبرميل الواحد واستمرار التوقعات بأن يسجل سعر النفط نحو 200 دولار بحلول عام 2009م، وانحدار الأسعار بشكل غير متوقع إلى ما دون 40 دولاراً  حتى الآن، توجد أسباب عديدة وتداعيات متنوعة لتلك الأزمة، تحتاج إلى تأصيلها وتحليلها لرسم صورة أفضل للمستقبل النفطي العربي عامة والخليجي خاصة لتحقيق الأمن النفطي.

أولاً: أسباب ودوافع الهبوط الحاد في أسعار النفط:

هناك العديد من المؤشرات التي قد توحي لأول وهلة باستمرار ارتفاع أسعار النفط بوصفها عوامل محفزة لزيادة الطلب العالمي على النفط مثل التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز، واندلاع حرب إقليمية في منطقة بحر قزوين وتوقف خط باكو - تبليس- جيهان النفطي عن ضخ النفط (الذي يعتبر ثاني أطول خط في العالم ويوصف بأنه خط أنابيب القرن وينقل حوالي واحد في المائة من إمدادات النفط العالمية)، إلا أن الواقع النفطي أفاد بحدوث انخفاض حاد في أسعار النفط، ليعيد إلى الأذهان ذكرى أزمة انخفاض أسعار النفط عامي (1997-1998) والذي يعود في مجملة إلى مجموعة من الأسباب والمحفزات الدافعة إلى ذلك:

 1- التوقعات الوهمية بزيادة الطلب وزيادة المعروض النفطي:

يشكل العامل النفسي فاعلاً رئيسياً في تحديد سقف الطلب والعرض النفطي، فمع ازدياد حدة الأزمة المالية العالمية والتي تركت بصماتها السلبية على القطاع النفطي وزيادة المخاوف من جراء حدوث الركود الاقتصادي العالمي، تراجع الطلب الأمريكي على النفط إلى أقل من 18,5 مليون برميل يومياً وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية بخفض تقديرات الطلب العالمي على النفط، مع تنبؤاتها بارتفاع الاستهلاك العالمي للنفط في عام 2009م عنه في عام 2008م بمقدار 780 ألف برميل، وقيام الوكالة الدولية للطاقة بتخفيض توقعاتها على حجم الطلب العالمي على النفط من 87,6 إلى 87,2 مليون برميل يومياً بشكل أولي، مما أعطى مؤشراً نفسياً إلى بعض الدول لزيادة قدراتها الإنتاجية لزيادة دخولها والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط، أو استجابة للضغوط السياسية من قبل الدول الصناعية الكبرى.

 2- الأزمة المالية العالمية والقطاع النفطي:

لقد حلت بالعالم أزمة مالية عالمية ظهرت بوادرها بداية في أزمة الرهن العقاري في أمريكا ثم أزمة الائتمان التي امتدت تداعياتها إلى الدول الأعضاء في منظمة أوبك، حيث قدرت خسائرها بـ 700 مليار دولار حتى التاسع عشر من نوفمبر 2008، وتوجت في النهاية بأزمة البترول الجديدة، حيث انخفضت أسعار البترول من 147 دولاراً  للبرميل في يوليو 2008 إلى أقل من 40 دولاراً  حتى الآن، مما يعني أن البترول فقد ثلثي قيمته وبالتالي انخفاض الفوائض المالية للدول المصدرة للبترول وتعرض صناديقها السيادية لخسائر فادحة، وإلغاء الكثير من المشاريع العملاقة.

في ظل حالة الركود الاقتصادي حدث تراجع شديد في الطلب العالمي على النفط 

 3- الركود الاقتصادي العالمي:

وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر بعنوان (الآفاق الاقتصادية العالمية 2009) فإنه من المتوقع تحت تأثير الأزمة المالية العالمية، أن يتقلص معدل نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي من 2,5 في المائة عام 2008 إلى 9 في المائة في عام 2009، مع انخفاض معدل النمو في البلدان النامية من نسبة 7,9 في المائة عام 2007 إلى 4,5 في المائة عام 2009. هذا علاوة على تقليص نمو الاستثمارات في البلدان النامية من 13 في المائة عام 2007 إلى 3,5 في المائة عام 2009. وهذا كله يعكس ليس التباطؤ الحاد في الطلب العالمي فقط، ولكن أيضاً انخفاض توافر ائتمانات التصدير.

وفي ظل حالة الركود الاقتصادي حدث تراجع شديد في الطلب العالمي على النفط، وانخفضت صادرات الدول الأعضاء حتى وصلت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في 16/12/2008 ليبلغ سعر برميل النفط 36,67 دولار وفقاً للتقرير الصادر عن منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) عن شهر ديسمبر 2008، ولعل مما يزيد الأمر سوءاً هو توقعات (أوبك) في اجتماعها بفيينا في 16 ديسمبر 2008 بأن حالة الركود الاقتصادي المدعومة بتداعيات الأزمة المالية العالمية ستؤدي إلى استمرار التراجع الحاد في الطلب العالمي على النفط الخام خلال عام 2009م وخصوصاً في منطقة بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبمعدل يصل إلى 1,3 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول من العام المقبل، مع تواصل الدول المنتجة للنفط من خارج أوبك زيادة إنتاجها خلال عام 2009.

 4- انخفاض الاستهلاك العالمي بشكل ملموس لاسيما في بلدان آسيا:

في ظل الأزمات المالية المتلاحقة في العديد من البورصات العالمية ومن أهمها بورصة هونغ كونغ اليابانية وغيرها من البورصات الآسيوية الأخرى، فلقد حدث انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في مختلف أنحاء العالم وحدوث تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي.

ففي منطقة شرق آسيا تباطأ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى حوالي 8,5 في المائة في عام 2008 ويتوقع أن ينخفض بنسبة 6,7 في المائة عام 2009 وفقاً لتقرير البنك الدولي عن عام 2009 والصادر تحت عنوان (الآفاق الاقتصادية العالمية 2009)، ومن هنا حدث تباطؤ وتراجع حاد في الصادرات الصينية بنسبة 2,2 في المائة في نوفمبر 2008 مع انخفاض واردتها لتراجع الطلب المحلي، وترافق ذلك كله مع حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط خاصة في ظل توقع تباطؤ معدل النمو في الصين من 9,4 في المائة في عام 2008 إلى 7,5 في المائة في عام 2009.

 5- ارتفاع سعر الدولار والتضخم في دول مجلس التعاون الخليجي:

منذ عام 2001 بدأ الدولار الأمريكي يفقد قيمته تدريجياً مقابل العملات الرئيسية الأخرى، فقد تراجعت العملة الأمريكية بنسبة 40 في المائة خلال الفترة من عام (2001 – 2008) مقابل سلة عملات، ولعل ذلك كان أحد الأسباب وراء قيام الكويت بفك ارتباط عملتها بالدولار وتبنيها لسلة عملات عام 2007 خاصة في ظل انتقاد العديد من الخبراء الاقتصاديين لدول مجلس التعاون الخليجي لاستمرارها بربط عملاتها الوطنية بالدولار الأمريكي مع ارتفاع معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 11,5 في المائة في المتوسط لعام 2008 وفقاً لتقرير شركة بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) حول التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عامي (2008-2009). ومن المعروف أن ضعف الدولار يؤدي إلى فقدان ثقة المستثمرين ولجوئهم إلى الأسواق الآمنة وخاصة الأوروبية، فيزيد الطلب على النفط منهم فترتفع أسعار النفط.

تراجع أسعار النفط قد تكون له بعض المزايا الإيجابية لاقتصادات دول الخليج 

أما الآن، فلقد بدأ الدولار الأمريكي يستعيد عافيته في مقابل كافة العملات الرئيسية، حيث ارتفع (مؤشر الدولار) بمقدار 87,33 نقطة بحلول منتصف شهر نوفمبر 2008 أي بنسبة 11,7 في المائة منذ بداية شهر سبتمبر 2008، ومن هنا فمن المتوقع تراجع معدلات التضخم خلال عام 2009 لتصل إلى 10 في المائة لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع ارتفاع الدولار في مواجهة اليورو والين والجنية الإسترليني خاصة منذ أغسطس 2008، تقلصت الاستثمارات في القطاع النفطي، مما أدى إلى انخفاض تكلفة المشاريع الاستكشافية النفطية والتنقيبية عن النفط، فانخفض الطلب عن النفط، وزاد المعروض الاستراتيجي والاحتياطي منه فانخفضت أسعار النفط.

 6- التوظيف السياسي للنفط في العلاقات الدولية:

هناك العديد من الإشكاليات التي تؤرق سوق النفط العالمي إنتاجاً وسعراً ومنها وجود تباين واضح في الأهداف والمصالح للاعبين الرئيسيين في السوق العالمي للنفط ومحاولة التوظيف السياسي للنفط أو ما يطلق عليه عولمة (مبدأ أو ميثاق كارتر)، حيث نجد الدول الصناعية الكبرى والشركات الكبرى للنفط، والوكالة الدولية للطاقة والدول المنتجة للنفط من خارج منظمتي أوبك وأوابك.. إلخ، ولعل ذلك يفسر لنا سر الهبوط الحاد في أسعار النفط.

ومن خلال استقراء مجريات وواقع أزمة انخفاض أسعار النفط يمكن التأكيد على العديد من الحقائق:

* ضعف دور منظمة أوبك ودول مجلس التعاون الخليجي في إدارة سوق النفط العالمي:

على الرغم من قيام منظمة أوبك ودول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ العديد من الخطوات الجادة لمواجهة أزمة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، إلا أنها لم تكن كافية لوقف هذا التدهور في أسعار النفط مما أدى إلى هذا الخلل الواضح في سعر النفط وانحداره من 147,2 في المائة في يوليو 2008 إلى أقل من 40 دولاراً  للبرميل حتى الآن.

66 % فقط من الدول الأعضاء في منظمة أوبك ملتزمة بسياسة خفض الإنتاج 

فمثلاً قامت منظمة أوبك بخفض الإنتاج ثلاث مرات متتالية، ففي سبتمبر 2008 تم تقليص الإنتاج بمعدل 520 ألف برميل يومياً، وفي 24 أكتوبر 2008 تم تخفيض الإنتاج بمعدل 1,5 مليون برميل يومياً، وكان آخرها في قمة هراري في 17 ديسمبر 2008 حيث تقلص الإنتاج بمعدل 2,2 مليون برميل يومياً وهو الذي يعد الأكبر في تاريخ المنظمة ويبدأ سريانه منذ الأول من يناير 2009، ليبلغ مجموع التخفيضات الثلاثة 4,2 مليون برميل يومياً والتي تمثل 5 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، ورغم ذلك لم تستطع أوبك ضبط أسواق النفط لا سعراً ولا إنتاجاً وذلك يرجع في المقام الأول إلى عدم اتخاذ موقف موحد داخل أوبك للتعامل مع المستجدات النفطية العالمية مما يحد من فاعلية قراراتها لإعادة الاستقرار والتوازن في الأسواق العالمية. وخير دليل على ذلك عدم التزام الدول الأعضاء في أوبك بسياسة خفض الإنتاج، وهو ما أكدته دراسة حديثة من أن 66 في المائة من دول أوبك تلتزم فقط بذلك، مع عدم الاتفاق على هامش سعري مناسب، حيث نجد أن هناك تفاوتاً في السعر المناسب لبرميل النفط لتلبية خطط الاقتصادات المختلفة يتراوح ما بين 50 دولاراً  أو أكثر من 80 دولاراً  للبرميل، وغياب قاعدة المعلومات الخاصة بالدول المنتجة عن أهم وأخطر منتج اقتصادي في العالم، وبالتالي هناك تخبط وفوضى في اتخاذ القرارات على أسس سليمة وواقعية، مما يقتضي إنشاء مراكز معلومات عن النفط سواء تابعة للمنظمة أو للدول المنتجة.

هذا علاوة على استجابة الدول الخليجية للدعوات الغربية بعودة شركات النفط للمشاركة مرة أخرى في أنشطة البحث عن النفط وإنتاجه في الدول المصدرة للنفط خاصة في ظل معاناتها من العجز في مواردها المالية والتقانة، ولعل هذا يفسر لنا سر إصرار الدول الصناعية على أن تتضمن اتفاقات (الجات) نصوصاً تتيح لشركاتها التعامل معاملة الشركات الوطنية نفسها بالنسبة لاستثماراتها في الدول النامية، إلى جانب الصراعات والخلافات الإقليمية (الحدودية خاصة) والتي أضعفت دور منظمة أوبك في التأثير في الأسعار. وأخيراً ممارسة الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة للضغوط السياسية على العديد من الدول المنتجة للتحكم في إنتاج وتسعير النفط.

ومن هنا كان لا بد من تبني العديد من الوسائل والآليات التي تمكن أوبك من استعادة هيبتها وثقلها النفطي، والمحافظة في الوقت نفسه على أسعار معقولة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة أن الدول الخليجية عليها عبء استيعاب الانخفاض في الطلب على النفط، وزيادة تعاونها مع الدول المنتجة للنفط والمصدرة له من خارج أوبك مثل روسيا وغيرها.

* فاعلية الدول المنتجة من خارج أوبك في التأثير في أسواق النفط

إن إنتاج الدول المنتجة خارج أوبك يمثل 57 في المائة من إنتاج العالم النفطي والتي تلعب دوراً كبيراً في التحكم في سوق النفط العالمي خاصة بعد قيام تلك الدول بعمل طفرة نفطية في مجال استثماراتها البترولية وقدرتها على التحكم في الأسعار البترولية من خلال (المعروض الهامشي للنفط)، علاوة على ارتباط سعر بترول أوبك بأسعار بترول بحر الشمال (خام برنت) لجودة نفطها والتي يبلغ إنتاجها اليومي للنفط (5,9 مليون برميل يومياً)، علاوة على روسيا التي يبلغ إنتاجها اليومي ما يقرب من (3 – 8) ملايين برميل يومياً والتي ترددت أنباء عن نيتها في الانضمام إلى أوبك. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى حضور روسيا مؤخراً لقمة أوبك في هراري في 17 ديسمبر 2008 – وهي دولة غير عضو في أوبك – وقيامها بتخفيض إنتاجها بما يعادل 350 ألف برميل يومياً في نوفمبر 2008، مع مطالبة أوبك لها بمزيد من الانخفاضات لاستقرار سعر النفط.

 * الشركات الدولية الكبرى والمضاربة في أسواق النفط الدولية:

من أهم الأسباب التي أدت إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط هو الدور الفعال الذي يمارسه المضاربون في أسواق النفط العالمية من خلال تحولهم للعقود طويلة الأجل في النفط بدلاً من العقود قصيرة الأجل، مما خلق فروقات واسعة بين أسواق البيع الفوري وأسواق البيع الآجل.

ومن هنا نجد حدوث ارتفاع في مؤشر طلب المضاربين على النفط بمعدل 183 في المائة خلال الفترة من (2003 – 2008) في حدود 848 مليون برميل، وهو ما يعادل تقريباً الطلب الصيني على النفط، وهذا الارتفاع مكنهم من التلاعب بأسعار النفط من خلال تحول عملهم من حجز حصص نفطية للاستهلاك الحقيقي لعملائهم إلى المضاربة وحجز حصص نفطية ضخمة بغرض المضاربة من جديد والعمل على التحكم في سعر النفط.

ومع الأزمة المالية العالمية وحدوث العديد من المخاطر الائتمانية والاستثمارية اتجه كثير من المستثمرين إلى صناديق الاستثمار وخاصة على العقود النفطية الآجلة لتصفية مراكزهم المالية لا سيما في ظل عدم الثقة بالأسواق العالمية، مما أدى في النهاية إلى حدوث هبوط حاد في أسعار النفط.

 وفي هذا السياق قامت العديد من الشركات الدولية الكبرى بتطوير بدائل النفط في ساحة الطاقة الدولية في المناطق المأمونة سياسياً، وبعيداً عن منطقة الشرق الأوسط، مع التوسع في البحث عن النفط في مناطق خارج دول أوبك مثل الصين والهند. بالإضافة إلى سعيها لتحقيق الاندماج فيما بينها للهيمنة على أسواق النفط وتحسين مواقعها في مواجهة أوبك، ومضاربتها في العقود الآجلة والتحكم في المراحل التالية للإنتاج مثل مرحلتي التكرير والتوزيع والصناعات البتروكيماوية وسيطرتها على التكنولوجيا المستقبلية، وتركيز استثماراتها على كل من النفط والغاز والفحم. كل ذلك أدى إلى التأثير في أسعار النفط بالسلب وتهميش دور أوبك نتيجة للمضاربات في السوق وتزايد حجم تجارة النفط الخام الآجلة.

 * تحكم الدول الصناعية الكبرى في السياسات الإنتاجية والسعرية للنفط:

تبنت الدول الصناعية الكبرى العديد من الوسائل للتحكم في إنتاج النفط وأسعاره بما يخدم مصالحها ويساعد على تأمين احتياجاتها النفطية، ففي مجال الإنتاج حاولت الدول الصناعية تأمين إنتاج النفط بالكميات التي تطلبها الدول الصناعية المستهلكة لحاجاتها الصناعية والاستهلاكية وتكوين مخزون احتياطي يساعدها على مواجهة التقلبات النفطية سواء في مجال الإنتاج أو الأسعار، وممارسة العديد من الضغوط السياسية على بعض الدول المنتجة واستمالتها لزيادة إنتاجها لتأمين الزيادة في الطلب العالمي على النفط.

أما في مجال أسعار النفط فلقد حاولت الدول الصناعية تجميد المعدلات الرقمية للأسعار عند المستوى الذي يحقق طموحاتها الاقتصادية ويحافظ على قوة عملتها الرئيسية، إلى جانب دفع الأسعار الحقيقية (أي القيمة الشرائية الحقيقية لمعدلات الأسعار النقدية) إلى التآكل وتأمين ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات النقدية والمالية والمخططة والمنفذة جماعياً ترمي في المحصلة إلى خفض الأسعار الحقيقية للنفط.

ولعل ما يساعدها على ذلك هو نجاح الدول الصناعية في عدم إدراج سوق النفط وسلعة النفط تحت مظلة (الجات) أو منظمة (الجات) أو منظمة التجارة العالمية، مما يجعلها تحت هيمنتها التي لا تزال تخضع هذه السلعة للرسوم الجمركية، والأهم من ذلك أن المنتجات النفطية والبتروكيماوية التي تمثل سلعة تصديرية أساسية لدول المجلس، لا تزال تخضع لقيود جمركية وغير جمركية شديدة، علاوة على إصرار الدول الصناعية المتقدمة على أن تتضمن (اتفاقيات الجات) نصوصاً تتيح لشركاتها التعامل معاملة الشركات الوطنية بالنسبة لاستثماراتها النفطية.

ولتحقيق الدول الصناعية لمآربها سواء في مجال إنتاج النفط أو الأسعار فلقد عمدت إلى إنتاج أساليب عديدة منها زيادة مخزونها الاحتياطي مما وفر لها نوعاً من المرونة إزاء التقلبات المفاجئة في إنتاج البترول أو الضغوط العابرة لرفع أو انخفاض أسعاره، والعمل على انتهاج سياسة سعرية خاصة تجاه الصادرات إلى الدول البترولية أدت إلى ارتفاع أسعار السلع المصدرة إليها عن المستوى المثيل لنفس السلع (المصدرة إلى دول غير بترولية) إلى جانب محاولة احتواء الأرصدة المالية التي تفيض لدى الدول المنتجة للنفط (صناديق السيادة أو صناديق الأجيال) والعمل على عزلها في جزء منها في شكل سندات طويلة الأجل غير قابلة للتداول بفوائد متدنية، وإبقاء الجانب الأعظم منها في أشكال نقدية، ولهذا الغرض أقفلت في وجهها معظم أبواب الاستثمار فيما عدا الاستثمار العقاري والسياحي، مما جعل تلك الأموال خاضعة للتضخم.

ولعل ما ساعد الدول الصناعية على تحقيق مآربها الإنتاجية والسعرية هو عدم اتخاذ موقف موحد من منظمة أوبك حيال ذلك، وعدم الالتزام بسقف الإنتاج الذي تحدده الدول الأعضاء في المنظمة، وعدم تنسيق سياستها مع الدول المنتجة من خارج المنظمة.

 * فاعلون آخرون على الساحة النفطية:

من أهم الفاعلين على الساحة النفطية والذين لهم قدرة على التأثير في أسعار النفط الوكالة الدولية للطاقة من خلال الحد من استهلاك الطاقة والتنوع في هيكل الاستهلاك واتباع السياسات في مجال المخزون الاستراتيجي لمدة 3 أشهر على الأقل، وتسارع خطتي البحث والتنقيب عن النفط في مناطق جديدة وفرض الدول المستهلكة ضريبة الطاقة، إلى جانب استغلال اتفاقية التغيرات المناخية للتحكم في أسعار النفط الخام خاصة.

 ثانياً: رؤى حول الأمن النفطي الخليجي والعالمي:

من أهم الآليات والسبل لتحقيق الأمان النفطي إنتاجاً وسعراً الآتي:

* العمل على وجود طاقة إنتاج احتياطية في كل مراحل صناعة النفط لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية، ومن هنا يجب زيادة الاستثمارات في كافة القطاعات المتعلقة بالصناعة النفطية.

* ضرورة العمل على تحسين حالة الشفافية في الأسواق المالية والتشريعات المتعلقة بها عبر العديد من الإجراءات التي تهدف إلى إتاحة المعلومات والبيانات الخاصة بمؤشرات الصناديق المالية من أجل التعرف إلى التعاملات البينية وتداخلها بين الأسواق النفطية الآجلة.

 

وفي هذا الإطار يجب الإشارة في هذا المقام إلى مبادرة اجتماع جدة للطاقة الدولي والذي عقد في الثاني والعشرين من يونيو 2008  والتي أطلق عليها (مبادرة بيانات النفط المشتركة) والتي تتضمن تجميع بيانات مشتركة (من منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ، والمكتب الإحصائي التابع للاتحاد الأوروبي، ووكالة الطاقة الدولية، ومنتدى الطاقة الدولي، ومنظمة الطاقة في أمريكا اللاتينية، ومنظمة (أوبك) وإدارة الإحصاء في الأمم المتحدة، حول الطاقة الإنتاجية وطاقة التكرير وخطط التطوير ذات الصلة... إلخ، لدراسة الأوضاع الراهنة لسوق النفط واستكشاف الآفاق المستقبلية له وطبيعة العوامل المؤثرة في مسارها.

* تشجيع الدول المنتجة والمصدرة للنفط وعلى الأخص روسيا من خارج أوبك للتعاون معها لمواجهة انخفاض أسعار النفط وتقليص إنتاجها والالتزام بتخفيضات الإنتاج التي تم الاتفاق عليها من قبل أوبك. ويجب التذكير بأن كلاً من روسيا والمكسيك والنرويج – أكبر دول منتجة من خارج أوبك، انضمت إلى تخفيضات في إمدادات أوبك عام 2002 للمساعدة على دعم أسعار النفط بعد انخفاضها إلى أقل من عشرين دولاراً للبرميل، بالإضافة إلى قيام روسيا بتقليص إنتاجها بمعدل 350 برميلاً يومياً في نوفمبر 2008 ومطالبتها بتخفيض الدول غير الأعضاء في أوبك لإنتاجها بمعدل 500-600 ألف برميل يومياً ليصبح إجمالي التقليص للإنتاج في حدود 2.6 مليون برميل يومياً.

* ضرورة تفعيل دور أوبك لزيادة أسعار النفط الخام لتعويض الدول الأعضاء فيها على ما فقدته إيراداتها النفطية.

 ومع مرور الوقت سوف تتقلص القوة التصديرية لأغلب الدول المنتجة للنفط، وسوف يقع عبء الوفاء بنصف احتياجات العالم من النفط على الدول الخليجية الأربع ثم إيران وأخيراً فنزويلا، ومن المعروف أن احتياطيات النفط في مجموعة الدول الخليجية تمثل ثلث الاحتياطيات العالمية، وفي مجال الغاز فإن المنطقة العربية تضم نحو 22 في المائة من احتياطيات العالم.

ومن هنا فإن الحاجة ماسة للتنسيق بين الدول العربية والخليجية وتفعيل دور منظمة أوبك لتأمين إنتاج وأسعار النفط في المستقبل القريب، ويكفي في هذا المقام أن تقوم الدول العربية العشر – أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) – بتنشيط المنظمة وإعادة بنائها بحيث يمكنها تحمل مسؤولياتها مستقبلاً.

* ربط تصدير النفط بخطة تنمية اقتصادية عملية وفعالة تشمل العالم العربي ككل. فهذه الخطوة الإيجابية والوحيدة هي الكفيلة بتحويل الوفرة النقدية التي تتمتع بها الدول المنتجة إلى حالة من الرخاء الاقتصادي تتركز على قاعدة اقتصادية سليمة ومتطورة، وهذا ما لم يتحقق إلا في حالة وجود نوع من الإنفاق الدولي يحصل بمقتضاه المنتجون العرب مقابل نفطهم على التقنية الحديثة ويبدأون بتطبيقها في صناعاتهم.

* تحديد أسعار النفط على أساس سلة من عملات دولية بدلاً من الدولار وحده، حتى لا يقع تحت رحمة التذبذبات في معدلات سعر صرف هذه العملة أو رحمة التضخم المنفلت في الولايات المتحدة والدول المصنعة. ولتأمين سعر النفط يجب أن يقدر سعر البرميل للنفط الخام تقديراً مرتبطاً بالزيادة في أسعار صادرات الدول المصنعة، وهو ما يطلق عليه (قاعدة التقييس). إن تبني هذا المنهج سوف يضمن لمنتجي النفط عائدات مستقرة، كما سيساعد المستهلكين على التنبؤ المسبق بأسعار النفط.

وفي النهاية لا بد من التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في العالم وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لضمان استمرار تدفق النفط وتحقيق معدلات عادلة لأسعاره.

ومن هنا تأتي أهمية التسوية العادلة والمقبولة لكل مشكلات الصراع العربي – الإسرائيلي وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتسوية أزمة الملف النووي الإيراني وأزمة دارفور، والعمل على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في العراق، وتجدر الإشارة هنا إلى زيادة الدعوات في الآونة الأخيرة إلى عودة العراق وانضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي، والعمل على إنشاء مجالس أمن إقليمية في المناطق الحساسة من الوطن العربي للتعامل مع شتى المشكلات، وتدعيمها عربياً من قبل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي.

 

مجلة آراء حول الخليج