; logged out
الرئيسية / الفكر العربي. والقرن الحادي والعشرون

الفكر العربي. والقرن الحادي والعشرون

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

يُعرّف البعض الفكر بأنه (اتجاه يرتبط به الإنسان بعد تفكير لاختيار توجهٍ يُقيّم على أساسه نهج حياته والقيم الإنسانية التي يسير عليها...). وقد عرف العالم خلال العصور الحديثة توجهات فكرية عديدة أثرت في الناس والأمثلة كثيرة على ذلك، كالفكر الديني والليبرالي والماركسي والقومي.. إلخ. وتعددت الخطابات المعاصرة ضمن أطروحات متعددة: نهضة، انبعاث، إحياء، حداثة، ما بعد الحداثة، أصالة ومعاصرة.

كانت للبيئتين الداخلية والخارجية تأثيرهما في الفكر العربي المعاصر في محاولته تلمس النهضة للخروج من الواقع العربي الذي كان يأنّ تحت مطرقة الاستعمار والتخلف والاستبداد في آن واحد. وقد تميزت تلك المحاولات من خلال تيارين فكريين أساسيين:

التيار الأول: يجد النهضة عبر محاكاة الغرب والأخذ بحضارته (أي تقنياته وربما تفكيره).

التيار الثاني: يجد النهضة عبر محاكاة الماضي الماضوي (أي العودة إلى الإسلام والفكر الإسلامي حصراً) وبذلك يبرز التناقض بين هذين التيارين في تلمس طريق النهضة الذي يبرز في الأدبيات العربية بمصطلحي الأصالة والمعاصرة. (وفي هذا الموضوع للدكتور محمد عابد الجابري والدكتور طيب تيزيني، دراسات مهمة وعميقة يفضل الرجوع إليها).

حركة الحياة هي تفاعل بين الماضي والحاضر الذي يتمخض عنه بصورة أو أخرى المستقبل 

وإذا كانت حركة الحياة هي تفاعل بين الماضي والحاضر الذي يتمخض عنه بصورة أو أخرى المستقبل (ليس بالضرورة مطابقة للماضي والحاضر وإنما يحمل في طياته بعض سماتهما) فإن ذلك يتطلب منا استقراء الماضي والحاضر بهدف التعرف إلى تحدياته والاستعداد لمواجهتها.

وسؤالنا في هذا المقال المقتضب هو ما هي الإشكاليات التي تعترض الواقع العربي اليوم؟

 الإشكاليات في الواقع العربي

تتمثل الإشكاليات في الواقع العربي أولاً بالفجوة العلمية والتقنية رغم الجهود المبذولة قياساً إلى التطور العلمي والتقني في العالم المتقدم، وثانياً، الفجوة الاقتصادية، نتيجة العجز الإداري – المؤسساتي وعدم قدرة تلك المؤسسات على تكييف هياكلها وإداراتها مع التطورات الاقتصادية العالمية الحديثة. وثالثاً، الانغلاق السياسي والاجتماعي رغم المحاولات المتواضعة في هذا المجال أو الحنين إلى الماضي نتيجة للخوف من مخاطر عدم القدرة على التجديد، وبالتالي ضياع أو تشويه هذا الماضي بما فيه من قيم أساسية أو الانغلاق الفكري الرافض للآخر بكافة أشكاله، أو الموروث (الفردي) المتجسد في الشخصية العربية والذي يتعارض مع المأسسة والتعددية الفكرية والانفتاح، أو الإحباط الذي أصاب المجتمعات العربية نتيجة لفشل الحركات السياسية والإيديولوجية العربية في العصر الحديث.

 1- الفجوة العلمية والتقنية

(إن فجوة المعرفة، وليس فجوة الدخل أصبحت تعد المحدد الرئيسي لمقدرات الدول في العالم الآن) (صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 1999-ص133).

إن اكتساب المعرفة يأتي عن طريق التعليم والبحث والتطوير التقني، فلا مستقبل من دون النهضة في هذه المجالات في خضم التحولات العالمية السريعة. والسؤال أين يقع العالم العربي في هذه المجالات؟

هل نستطيع التقدم ومجاراة العصر إذا بقينا معزولين في أماكننا غارقين في الماضي خائفين من الانطلاق؟ 

إن إلقاء نظرة مقارنة على بعض الإحصائيات المتعلقة بالتعليم والبحث والتطوير التقني في تقارير التنمية البشرية والتقارير الاقتصادية العربية، وغيرها من الإحصائيات (التي لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال المقتضب) نجد الفجوة الهائلة التي لا تزال تفصل العالم العربي عن العالم المتقدم على الرغم من ازدياد الوعي بهذه التطورات وبعض المحاولات لبلوغها.

 2- الفجوة في المجال الاقتصادي

يرى بعض الباحثين أن عدم قدرة الهياكل الاقتصادية وهياكل الحاجات الوظيفية في العالم العربي على التكيف السريع لكي تستجيب لهذا التحول السريع في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة، سببه أنها لا تزال تعمل على الوتيرة السابقة التي كان العالم العربي يسير عليها منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي لم يكن الاقتصاد العربي مستعداً لدخول السوق العالمية على الرغم من بعض المحاولات المتواضعة. والواقع حتى نكون منصفين فإن الأزمة المالية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم تدعو اقتصاديي العالم إلى مراجعة متأنية للقوانين الاقتصادية العالمية الحالية. ومع ذلك، باستثناء النفط، الاقتصاد العربي بمجمله ضعيف.

 3- الإشكالية السياسية – الاجتماعية

 أ – الماضوية

إن أهم ما يميز حركة العالم اليوم، أو كما يطلق عليها ظاهرة (العولمة) السرعة والتجديد في كل شيء. ومشكلتنا أننا كمجتمعات عربية ما زلنا، بصورة عامة، تواقين إلى الماضي، متقوقعين داخله، عاجزين عن تجديده، والانطلاق به بما يتواكب مع العصر وتحولاته. وهذا الحنين الدافق إلى الماضي ناتج في واقع الحال، وإلى حد بعيد، عن عدم قدرة الذات على التكيف مع المستجدات والمتغيرات، خصوصاً إذا كانت متسارعة وعظيمة الأثر، وبالتالي عدم القدرة على الاندماج الاجتماعي، ومن ثم خيبة الأمل في تحقيق التوقعات.

 ب- الموروث السياسي والاجتماعي

 إن المشكلة التي نواجهها على الصعيد الاجتماعي والفردي هي النظام (الأبوي) على مستوى المجتمع والسلطة والعقلية السلطوية على مستوى الفرد. (وللدكتور هشام شرابي كتاب يتناول فيه إشكالية النظام الأبوي بعنوان (النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي). أما الدكتور محمد جابر الأنصاري، فيعيد أسباب الأزمات السياسية العربية المتلاحقة، إلى عوامل الجغرافيا والتاريخ والتركيبة المجتمعية العامة المتوارثة والممتدة إلى الحاضر المعاش في مختلف مظاهره وأعراضه التي يعانيها عرب اليوم.

 ج – إشكالية الخوف والإحباط

تتبدى في الخوف والإحباط على مستوى الفرد، حيث لا يمكن أن تطلب إنتاجية من خائف ومحبط، فالعبد ليس مبدعاً، إنما المواطنون الأحرار الذين يصنعون دولة قوية باقتصادها وعلمها وثقافتها واختراعاتها ومساهماتها في التفاعلات الدولية في مختلف المجالات.

أضف إلى ذلك الهزائم العسكرية والصراعات الأهلية والنزاعات الحدودية وفشل السياسات والإيديولوجيات العربية الحديثة في تحقيق ما يصبو إليه الإنسان العربي من حرية وعدالة اجتماعية وكفاية اقتصادية وتقدم علمي وتقني، أدى كل ذلك إلى جانب عوامل أخرى إلى النكوص نحو الماضي، باعتبار أن الحاضر لم يأت بجديد أفضل. هذا الإحباط كان المغذي الأساسي لمعظم الحركات المتطرفة في العالم العربي سواء كانت دينية أو غير دينية.

وفي الواقع هذا شق من المسألة، أما الشق الآخر، فيتعلق بخوف شرائح من المجتمع العربي من أن تؤثر التيارات الحديثة والتحولات العالمية في خصوصيته وثقافته وعقائده وسلوكياته. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل نستطيع التقدم ومجاراة العصر إذا بقينا معزولين في أماكننا، غارقين في الماضي، خائفين من الانطلاق؟

 ما العمل؟

إن ما يواجه العالم العربي اليوم من تحديات ثقافية وعلمية وتقانية وسياسية وحتى في هويته في عصر ما يسمى العولمة، وفي ظل متغيرات دولية متسارعة، تستوجب رؤى واضحة، ومناهج سليمة، وحرية فكرية وسياسية، وفكراً خلاقاً مبدعاً ومنظماً قادراً على المنافسة وإثبات الذات، منفتحاً على ثقافات الأمم والشعوب، متفاعلاً معها وفي الوقت نفسه، يكون متمسكاً بهويته وفي انتمائه العربي، وعقيدته الإسلامية، إنسانياً في تطلعاته، مساهماً في تطور الحضارة الإنسانية. وفي هذا السياق يمكن أن نستشهد بما قاله المهاتا غاندي: (لا أريد أن يكون منزلي محاطاً بالجدران من كافة الجوانب ونوافذي مسدودة، بل أريد أن تهب ثقافات كل البلاد على منزلي بأقصى حرية ممكنة. لكنني أرفض أن تعصف بي أي ثقافة منها).

وما يقصده غاندي هو الربط بين الأصالة والمعاصرة، وإذا لعب المفكرون في القرون السابقة، كأفراد، دوراً رئيسياً في توجهات المجتمعات وطرق تفكيرها وفي التراكم المعرفي. والأمثلة في الحضارة العربية الإسلامية عديدة أمثال الفارابي والطبري وابن رشد وابن سينا والكواكبي ومحمد عبده وغيرهم الكثير، الذين تجاوز تأثيرهم الحضارة العربية-الإسلامية ليشمل تأثير بعضهم العالمية، فإن المؤسسات والمنتديات العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية الحقيقية في عالم اليوم تلعب الدور الأساسي في ذلك.

إن الأهداف التي ينبغي أن تسعى المؤسسات العربية إلى تحقيقها اليوم من أجل استشراف المستقبل العربي وبلورة فكر عربي معاصر نحو قضايا الوحدة والتنمية والأمن القومي والتحرر والتقدم، تستدعي عقد الحوارات العربية-العربية، الحوارات العربية-الدولية، والقيام بالبحوث والدراسات العلمية والثقافية والسياسة والاقتصادية والقانونية والاستراتيجية وغيرها من الأنشطة، كما تستلزم إحكام العقل والمنطق في تفكيرنا والدعوة إلى حركة وسطية عقلانية راشدة في سلوكنا وتصرفاتنا، من أجل التقدم والنهضة العربية، ولتحقيق هذه الأهداف يجب العمل بإرادة حرة وصلبة وفكر منفتح ومتوقد.

 

مجلة آراء حول الخليج