; logged out
الرئيسية / هل يكون الانفتاح الإعلامي الخطوة الأولى لإصلاح الخلل في الإعلام العربي؟

هل يكون الانفتاح الإعلامي الخطوة الأولى لإصلاح الخلل في الإعلام العربي؟

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

تشكل التطورات التكنولوجية في عالم المعلوماتية المتدفقة بلا حواجز أو سدود في عصرنا الراهن تحدياً كبيراً للإعلام العربي في وقت باتت هذه التقنيات الحديثة إحدى أهم ركائز الإعلام التي ما برحت تتوسع وتهيمن على كل الجوانب الحياتية للإنسان سواء في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها من الجوانب التي لا نستطيع حصرها لشمولية معطياتها المتعددة والهائلة.

لا شك فيأن قضية التحدي الإعلامي في وقتنا الراهن تعتبر مسألة مهمة، تستدعي المراجعة والتقييم وبلورة الوسائل الجديدة لهذه المرحلة التي باتت من الخطورة ما يحتم أن تكون لنا معطيات ومنطلقات تخدم هذه المرحلة بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية في ظل الضغوط الخارجية والتحديات المقبلة والتي أصبحت تفرض قسراً وليس اختياراً ذاتياً خاصة أن عالمنا العربي محط الأنظار والتوجسات من الآخر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

فلا يكفي التحذير والتخويف والتنظير الكلامي غير الواقعي لمواجهة التحديات، وإنما يجب أن تتم برسم الخطط وإيجاد الوسائل الحديثة وإعداد البرامج الأكثر جاذبية وتشويقية تخدم قضايا المجتمع، وأهمها مناقشة مشكلات وقضايا المواطن وهمومه بصراحة وحرية بعيداً عن المبالغة والتهويل أو البتر والتحوير لأن مرحلة التحدي الفضائي ومخاطره الثقافية والفكرية وحتى الاجتماعية تستدعي- كما قلنا- إعطاء روح جديدة للوسائل الإعلامية العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص.

ونحن لا نتحدث عن توقع أو خيال وإنما نتحدث عن واقع وحقائق قائمة، حيث تستباح مجالات الفضاء بصورة نهائية، ويسيطر الأقوى تكنولوجياً على فكر العالم وعقله، فتسهل عليه في كافة الشؤون الأخرى في الوقت الذي يصبح فيه العالم النامي عديم الحيلة أمام تلك القوى التي تمتلك الوسائل والقدرات والإمكانات العديدة للاختراق والاستحواذ على عقول والقلوب المشاهدين والمستمعين.

فلا مفر من التعامل مع هذا الواقع الجديد بكل إمكاناته الرهيبة، فالهروب والعزلة أو الاعتزال عن المواجهة يعني أننا نخسر مواقع جديدة وأرضية يمكن كسبها فيما لو قبلنا التحدي بشجاعة المواجهة وبجدية المصارحة في تناول قضايانا ومشكلاتنا عبر وسائل التقنية الفضائية وهذا هو (مربط الفرس) كما يقول المثل العربي.

سيصحب التدفق الإعلامي والمعلوماتي اختلال واضح للتوازن بحكم الفارق الكبير بين قدرات الدول 

والحقيقة أنه من خلال التطور في وسائل التقنية الفضائية وتكنولوجيا المعلومات أو من خلال الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة، سوف نجد أن التحديات في هذا المضمار بدأت تأخذ مساراً خطيراً يتوجب دراستها جيداً.بل لا نغالي إذا قلنا إنه أخطر العوامل المؤثرة فيها سواء كان الأمر يتعلق بالأجهزة أو بالمواد الإعلامية التي تنتهجها تلك الأجهزة أو التي تأتي من الخارج، فالذي يملك التكنولوجيا المتقدمة لنقل أفكاره وآرائه ومبادئه ـ كما يقول د. محمد عبده يماني ـ هو الذي ستكون له في النهاية الغلبة في الميدان الإيديولوجي ذاته، حيث تسود مبادئه وقيمه مهما يكن الرأي فيها ومهما يكن جوهرها ومنطلقاتها.

إن الاختراق الإعلامي بهذه الوسائل المتقدمة البالغة التأثير والتطور أمر تصعب مقاومته لأنها تمتلك التقنيات القادرة على اختراق الحدود والسدود، بل يمتد اختراقه إلى داخل البيوت لممارسة تأثيراته وبأساليب مختلفة في ظل دعوات الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان والتي أصبحت من المطالب الأساسية للشعوب والمجتمعات الحديثة في عالم اليوم، وهذه هي الإشكالية التي يجب أن يوضع لها مناخ التغيير وإعادة النظر في الكثير من المستقرات الإعلامية ومنها الانفتاح الإعلامي الى جانب وضع الخطط والبرامج للإعلام الجديد بأسس علمية وواعية ومدركة للمرحلة الجديدة بما تتطلبه من وسائل وأفكار تتفاعل مع هذا الواقع وتنطلق به إلى آفاق جديدة.

التحديات في مجال الإعلام بدأت تأخذ مساراً خطيراً يستوجب دراستها جيداً 

التبادل الحر المتدفق

قد لا نغالي إذا قلنا إن الثورة المعلوماتية والتبادل الحر للإعلام في عالم اليوم سيقلصان بشكل أو آخر من تأثير الدول والحكومات العربية في وسائل الإعلام بصورة كبيرة، وسيسهم في بلورة مفاهيم جديدة لهذا الإعلام المتدفق الحر،وإذا كان بمقدور بعض الدول أن تحد في الوقت الراهن وبصورة جزئية من التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم إليها من الخارج، فإن هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل وجود العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس على الفضاء، كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية يحد من قدرة الحكومات على ضبط هذه الأمور، مما سيكون له تأثيره بالطبع في سياساتها المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم المالية والاقتصادية.بل إن البعض من الباحثين يرى أن التأثيرات في السيادة الوطنية لا تتحدد بالمجال الإعلامي والمعلوماتي والاقتصادي، بل يتعدى ذلك إلى مجالات أخرى أكثر خطورة وهي المجال الثقافي والهوية القومية من خلال القدرة على إيجاد سلوكيات ومفاهيم جديدة ربما تناقض ما هو ثابت ومستقر. صحيح أن التكنولوجيا الإعلامية قربت بين أصقاع العالم وسكانه بحسب سويم العزي من خلال تزويدهم بالمعلومات والمعطيات، موفرة للجميع فرص التعلم والتثقف ضمن إطار تطوير المجتمع الإنساني. ولتحقيق هذا التطور تقوم الثقافة التي تنشرها التكنولوجيا برسم وتخطيط الشخصية وهوية الإنسان. ولكونها ثقافة كونية لا تتحدد بإقليم ما أو دولة معينة، فإنها تخلق الإنسان الكوني، فتدخل بهذا الشكل في تعارض مع كل خصوصية أو أصولية، أساس ذلك التعدد والاختلاف في ثقافات الأجناس والشعوب، فتفرض بهذه الطريقة نمط تفكيرها الذي يمكن وصفه بالأحادي البعد.

لكن البعض الآخر يختلف مع هذه الرؤى المتداولة،ويعتقد أن هذا الجديد الوافد سيصب حتماً في صالح الشعوب الأخرى التي لا تملك الكثير من المقومات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية، إلى جانب أن هذا التطور سيساهم - كما يقول العزي - في إزالة مشاعر الاختلاف بينها، ويقوي قواعد التضامن الإنساني، إلا أن إيجابية هذا التطور تثير الخشية من موت ثقافات المجتمعات التي تبدو مقارنة بالثقافة الكونية، متخلفة وغير قادرة على إشباع الحاجات الأساسية للإنسان، علماً أن فاعلية أي ثقافة جديدة في إحلال قيمها محل القيم السائدة واتخاذها مصدراً للتصرف، تتوقف على قدرة نظامها الاقتصادي على إشباع الحاجات الأساسية وتزويد الأفراد بالتعويض. ولما كانت الثقافة الكونية ثقافة غربية الأصول، لأن مصدرها الدول الغنية مالكة التكنولوجيا، فإن تغلغل قيمها في عالم الجنوب يبدو أمراً حتمياً، إن لم تحاول ثقافات عالم الجنوب التصدي لها من خلال تطوير قواعدها العلمية والتقنية.

إضافة إلى ما سبق، فإن القوة الاقتصادية والمالية التي تمثلها الشركات متعددة الجنسية، خاصة مع اتجاه بعضها نحو الاندماج والتكتل في كيانات أكبر، إنما تسمح لها بممارسة المزيد من الضغط على الحكومات، وخاصة في العالم الثالث، والتأثير في سياساتها وقراراتها السيادية. وليس بجديد القول إن رأسمال شركة واحدة من الشركات العالمية العملاقة يفوق إجمالي الدخل القومي لعشر أو خمس عشرة دولة إفريقية مجتمعة، وهو ما يجعل هذه الكيانات في وضع أقوى من الدول.

 وسيصحب هذا التدفق الإعلامي والمعلوماتي اختلال واضح للتوازن بحكم الفارق الكبير بين قدرات الدول المتقدمة وإمكاناتنا العربية الإعلامية والتكنولوجية، وسيترك بصماته وتأثيره الكبير على الأفراد في حين أن دور الدولة ـ من جانبنا ـ سيضعف بسبب التقنيات الحديثة المتدفقةللإعلام والمعلوماتية ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن الحدود السياسية للدولة، وعن التحكم في عملية تدفق المعلومات داخل تلك الحدود، وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، بالطريقة نفسها التي كانت مطروحة به قبل انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق.خاصة أن تأثير ثورة المعلومات شمل سلباً الدولة بكل مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، شعباً وحكومة، وأصبحت السيطرة على عملية تدفق المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومات إلى عناصر غير ملموسة وغير مرئية (Intangible & Invisible) يسهل تنقلها واختراقها لأي حدود جغرافية، مهما بلغت نوعية وكمية ودرجة إجراءات الحماية ضد اختراق التدفق الإعلامي الحديث.

الإعلام العربي الرسمي سيواجه تحديات على مستوى تنافسي غير معهود 

الاستفادة من الجديد المتدفق

الهروب أو العزلة أو الانكفاء معناه أننا نخسر أرضية في ميدان التأثير الإعلامي بحكم الانفتاح والاختراق التقني والتكنولوجي، فعلى الحكومات العربية قبول التحدي ومواجهة الواقع الإعلامي الجديد من خلال الاستفادة من هذه التقنيات الاتصالية والمعلوماتية، ووضع استراتيجية إعلامية تستطيع بوساطتها التعاطي الإيجابي مع المستجدات الإعلامية والنظر لهذه التحديات نظرة عقلانية واعية ومنفتحة، واستغلال الفرص المتاحة في هذا التدفق المعلوماتي المتسارع.

كما أن الإعلام العربي الرسمي سيواجه تحديات على مستوى تنافسي غير معهود، وربما يفوق التصورات التي نرسمها نحن لما سيكون عليه الأمر في العقود المقبلة، وهذه ستقود إلى مراجعة الكثير من المستقرات النظرية- كما يقول صالح أبو إصبع- التي عرفها الإعلام في العالم كله، خاصة تأثير وسائل الاتصال، حيث إن نظرية التأثير المباشر (Bullet Theory) ونظرية التأثير المحدود (Limited Effect Theory) ونظرية التأثير المعتدل (Moderate Effect Theory) ونظرية التأثير القوي (Powerful Effect Theory) كلها لا تستجيب لفهم تأثير الاتصال على المتلقي لأنها جاءت في سياقات مختلفة، وتركز على بعض المتغيرات وتترك أخرى. لذا فإن رؤية لتأثير وسائل الإعلام في المتلقي تستدعي منا نظرة أكثر شمولية لفهم تأثير وسائل الإعلام.

 لكن هناك مجال الاستعداد الآخر لهذه التحديات، ألا وهو العمل العربي المشترك في هذا المجال الخطير من خلال استراتيجية تخطيطية للنظم الإعلامية، تستطيع بوساطته مواجهة الاختراق الإعلامي الواسع وقدراته المؤثرة والذي أصبح أمراً واقعاً لا نقاش فيه.

 وما نوده من إعلامنا العربي في هذا الظرف الخطير أن يسعى الى الانفتاح وإشاعة مناخ الحرية في التناول، والتنوع في برامج الجذب والتشويق بمحطاتنا العربية وغيرها من الوسائل الإعلامية العربية، بحيث تأخذ الحيز المهم على الخطط والبرامج المستقبلية وأهمها الحرية ـ ولو النسبية ـ والانفتاح على الآخر والتعددية إلخ،وإلا لا نستطيع الصمود أمام القدرات والإمكانات الغربية الهائلة، لكن لو تحققت الإرادة والرغبة في التغيير وإعادة النظر فإن النجاح سيتحقق ولو بالتدريج، وفي ذلك شواهد كثيرة حيث أنشئت مؤسسات إعلامية عربية امتلكت مقومات النجاح على المستوى العالمي من خلال انتهاجها المهنية في التأسيس والحرية في التناول.

إن الإعلام العربي يحتاج إلى معالجة جذرية لمنهاجه الراهن واستشراف المستقبل بروح جديدة ومغايرة لما سار عليه في العقود الماضية، فهذا العصر تغيرت فيه مفاهيم كثيرة، وأدخلت تقنيات متقدمة جعلت العالم متشابكاً بأفكاره وتفاعلاته، وأصبح كل شي متاحاً ومنفتحاً ولم تعد الأساليب المنغلقة تجدي في هذا العصر، ولذلك يتعين على الإعلام العربي أن يتفاعل مع الجديد المستجد، وأن ينفتح على الآراء المختلفة، وأن يتاح للتعددية في القضايا المتباينة بما يقوي المصداقية في الطرح والمناقشة حتى تكون للإعلام العربي مصداقية حقيقية وفاعلة في الرأي العام، وهذا يحتاج كما قلنا إلى تغيير فعلي جدي في الفكرة الإعلامية القائمة، وأن يتم التفاعل مع الجديد القادم بما يسهم في تفعيل الرؤية الإعلامية، ومن دون هذه النظرة فإن إعلامنا العربي ـ خاصة الرسمي أو الموجه ـ سيظل مهمشاً من الرأي العام لا يسمع إلا نفسه. وهذه إشكالية خطيرة في عالم اليوم الذي أصبح الإعلام كونياً ومتدفقاً بصورة متسارعة، ولذلك فإن الخلل بين الإعلام المتقدم وإعلامنا العربي سيجعل من حتمية الاختراق الإعلامي الأقوى تأثيراً مسألة محسومة، وهذه ربما ستعجل من بروز مؤسسات إعلامية كونية قادرة على الصمود والتفاعل والانفتاخ على العصر وتحدياته.

وما نقترحه في هذه المرحلة هو توسيع الخيارات والبدائل الإعلامية من خلال إتاحة المجال لإنشاء مؤسسات إعلامية عربية قوية ومستقلة وبعيدة عن تأثير الحكومات المباشر، وتملك هذه الوسائل المصداقية والكلمة الحرة المنضبطة بأخلاقية المهنة من أجل كسب الجمهور العربي وغيره وتستطيع هذه المؤسسات الإعلامية العربية المنافسة والتفاعل مع العصر ومتغيراته في الحرية والديمقراطية والإصلاح الحقيقي المتوازن.

مجلة آراء حول الخليج