; logged out
الرئيسية / تقييم دور الإعلام الخليجي في ظل الظروف الراهنة

تقييم دور الإعلام الخليجي في ظل الظروف الراهنة

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

من بديهي القول أن نبين أن وسائل الإعلام أصبحت ضرورة حتمية في حياتنا، بحيث لا يمكن الاستغناء عنها في مجالات أدائها المختلفة التعليمية والتثقيفية والترفيهية وغيرها، فهي السبب الأهم من أسباب تماسك البناء الاجتماعي وتأكيد الصلات بين الحاكم والمحكوم، إلى جانب أنها تقوم بدور رئيسي في تعزيز التواصل بين الأمم وتلاقح الثقافات ونقل المعلومات والتعبير عن الآراء والاتجاهات ونقل الموروث الاجتماعي والثقافي وتعزيز القيم.

إن لوسائل الإعلام قوة تأثير إيجابية إذا ماتم توظيفها بصورة هادفة ومناسبة لتحقيق تنمية المجتمع والتماسك بين مكوناته والتعبير عن قضاياه المختلفة بنزاهة وشفافية. وإذا ما أمعنا النظر بفلسفة الإعلام وأطره النظرية في مختلف بلدان العالم فإن هذه الأطر تؤكد دائماً على وجوب توفير المناخ الديمقراطي المناسب له من أجل توظيفه لخدمة قضايا الإنسان وصون حقوقه ودفع عجلة تطوره والنهوض به والارتقاء بمستوى معيشته نحو الأفضل دائماً.

منطقة الخليج العربي.. الواقع والتطلعات

منذ أن تم الإعلان عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 فإن فكرة هذا التأسيس لاقت الترحيب بها على الصعيدين المحلي – الخليجي – والعربي بشكل أشمل وأعم، على اعتبار أن دول الخليج المجزأة غير قادرة الواحدةمنها على مواجهة الاحتمالات التي قد تحدث في فترة من الفترات، خاصة أن هذه المنطقة أصبحت منذ عقود زمنية موضع اهتمام خاص بها من قبل الدول صاحبة التأثير والنفوذ في العالم، وأصبحت أيضاً لاحقاً منطقة صراع بين الدول المتقدمة من جهة وإيران التي تُعد هي أيضاً صاحبة أطماع فيها. فمنطقة الخليج كانت ولا تزال ينظر إليهاعلى أنها منطقة هشَة بحيث يمكن أن يكون للأزمات تأثير كبير في أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل عام. لذا فإن تأسيس هذا الكيان – مجلس التعاون الخليجي – شكل استجابة لتطلعات جماهير هذه المنطقة خاصة وجماهير الأمة العربية عامة على اعتبار أن هذه الحالة يمكن أن توظف للذود عن المنطقة في حالة تعرضها لشكل من أشكال الخطر، الذي لم تنقطع احتمالات مواجهته في يوم من الأيام. وفي ضوء ذلك فإن الدور السياسي الذي بدأت دول الخليج العربية تلعبه بعد تأسيس مجلسها لابد أن يضع في حساباته كافة الاحتمالات التي قد تقع، نظراً لأن دائرة الأطماع تزداد ومخاوف المنطقة تتصاعد لما يمكن أن يحدث لها نتيجة لحالة الشد في العلاقات الإيرانية-الأمريكية بصفة خاصة ودخول إسرائيل على خط الصراع بصفة عامة،حيث إن منطقة الخليج العربي بوضعها الديموغرافي الذي يميزها عن بقية دول الوطن العربي والمنطقة بصورة أشمل، ينظر إليها على أنها حلقة ضعيفة، في حالة اشتداد الأزمات على الأقل، وبين فترة وأخرى يمكن للبعض أن يشعر بتلويح القوى المؤثرة في العالم بتوظيف عوامل الضغط التي يُعد الوضع السكاني أحدها لتحقيق المكاسب التي تسعى إليها. إلا أن الأنظمة الحاكمة في دول الخليج هي بدورها تسعى إلى تجنيب المنطقة الوقوع في الأزمات أو احتوائها بصورة عقلانية، تتلاءم وقدرات دول هذه المنطقة التي تعمل على تطويرها في ضوء الإمكانات المادية والبشرية المتاحة.

ومن بين الوسائل التي تحاول دول المنطقة توظيفها لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي وسائل الإعلام، التي لاشك في أن لها من حيث المبدأ الدور المهم والاستراتيجي في خدمة قضايا الإنسان وإعداده ليكون صاحب دور والشريك الاستراتيجي في عملية البناء.

الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي

نظراً لتماثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول المجلس، فلا بد إذن أن يكون ضمن أولويات قادتها – تخطيطاً وتنفيذاً – توجيه إعلام دول هذه المنطقة، ليكون أداة من أدوات الحشد والتعليم والتوعية والتثقيف لمواجهة التحديات وتحقيق التطلعات التي يحلم بها القادة وتحلم بها الجماهير على حد سواء. إلا أننا إذا ما أمعنا النظر في العمل الإعلامي لدول مجلس التعاون الخليجي التي طالبت قياداتها السياسية بوضع استراتيجية إعلامية مشتركة له غير مرة، فإننا نلحظ أن معوقات تنفيذ وتحقيق عناصر الاستراتيجية المطلوبة تطفو على السطح، وأن أسباب عدم إمكان تطبيقها بشكل شامل تقف لها بالمرصاد – إذا جاز القول – بسبب التباين والاختلاف الحادين في المواقف السياسية إزاء بعض القضايا العربية والدولية الاستراتيجية.

إن الأحداث السياسية التي تقع على الساحة العربية بين الفينة والأخرى، تشكل دليلاً ساطعاً على أن الإعلام الخليجي كحالة جزئية من حالة أشمل هي حالة الإعلام العربي، تحكمه المواقف السياسية للأنظمة العربية التي تتباين مواقفها كلياً أو حتى نسبياً من بعض القضايا، الأمر الذي تظهر آثاره أول ماتظهر من خلال أسلوب وشكل تعاطي الإعلام معها.

إن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ومن قبلها العراق، إنما هي دليل أكيد على اختلاف اتجاهات ومواقف الأنظمة العربية وإعلام هذه الأنظمة من الأحداث التي وقعت، وبالتالي فإن السؤال الذي لابد من أن يطرح هو أين هي إذن الاستراتيجية الإعلامية الخليجية العربية التي يشار إليها – وقد تم التأكيد عليها مؤخراً – إذا كانت القضايا الأهم أو الأشد خطورة على واقع الأمة ومستقبلهالا تشكل عامل ضبط أو توحيد للجهود الإعلامية من جهة أو إذا كان تصريحاً واحداً أو حديثاً يدلي به أحد قادة دول هذه المنطقة بمثابة البوصلة التي توجه عمل وسائل الإعلام في بلده على الأقل، بصرف النظر عن اتجاهات وقناعات ومواقف إدارات هذه الوسائل أو العاملين فيها أو القائمين عليها أو الجماهير التي تقف من خلفها؟ إذن فإن الأزمات السياسية التي مرت أو تمر بها الأمة أو المنطقة اليوم لم تكن عامل ضبط للتفاعل الإعلامي، الأمر الذي يبرهن على أن قرار هذه الوسائل الاستراتيجي مرتهن بالمواقف الحقيقية للفئات التي تحكم هنا أو هناك.

لابد من توفير المناخ الديمقراطي للعمل الإعلامي الخليجي كي ينهض بمسؤولياته 

الإعلام أداة للتنمية

أما إذا مانظرنا إلى الإعلام كأداة من أدوات تحقيق التنمية في مختلف المجتمعات المتقدمة والنامية، فإن الإعلام في دول الخليج العربية قد حقق إنجازات نوعية وكمية على هذا الصعيد،يمكن تلمس آثارها من خلال الواقع الذي كانت تعيشه الشعوب خلال عقود قليلة مضت، وكذلك ومن خلال الدراسات التي تشير إلى نسب النمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي وارتفاع مستوى التعليم واندحار آفة الأمية والتحسن الذي تحقق على وضع المرأة، وغير ذلك الكثير من أشكال التغير الذي طرأ على حياة مختلف الشعوب في مختلف البلدان. فالإعلام الخليجي لم يكن بمنأى عن هذه الأوضاع التي يمكن أن نطلق عليها مسمى (رياح التغيير) التي هبت على دول العالم ومن ضمنها دول الخليج العربية التي تحقق فيها خلال العقدين الماضيين – على الأقل – مستويات مرتفعة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية تبرز آثارها من خلال مستويات التعليم المرتفعة والتي كان للمرأة منها النصيب الأكبر. فالمرأة العربية الخليجية حققت قفزات نوعية وكمية على صعيد العلم والمعرفة والمشاركة في اتخاذ القرار والإسهام في عملية البناء، لتصبح بعدئذ إنساناً فاعلاً له دوره وإسهاماته في بناء المجتمع، فنحن أمام حالة لايمكننا إلا أن نقول عنها إنها حققت الكثير من الإنجازات الحضارية المهمة. وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن دول الخليج العربية اليوم – وبصرف النظر عن الهزة التي أصابت الاقتصاد العالمي مؤخراً –حققت إنجازات نوعية وكمية أيضاً على طريق النمو الاقتصادي، فقد تم توظيف عائدات النفط في بناء اقتصادات تقوم على التنوع في بعض منها على الأقل تحسباً لمايمكن أن يستجد في مستقبل الأيام على وضع الطاقة بمكوناتها الحالية أو بمشاريع إنتاج الطاقة البديلة. وهنا لابد لنا من أن نشير إلى أن دول المنطقة حققت قفزات نوعية جعلت منها مراكز استقطاب للعمل والاستثمار. فاليوم نلاحظ أن المؤسسات الاقتصادية العملاقة في العالم حطت رحالها في بلدان الخليج العربية لغرض مشترك، فهو بالنسبة لها لتعبئة جيوبها من أموال هذه المنطقة وبالنسبة لدول الخليج فلأنها قررت أن يُسجل اسمها بشكل بارز على خريطة دول العالم المتقدمة (اقتصادياً)، وقد تحقق لها ذلك.

وسائل الإعلام وحقوق الإنسان

إن إعلام دول الخليج العربية الذي أسهم بشكل مباشر وفاعل في جوانب النمو التي أشرنا إليها، إلا أنه لم يتحقق الكثير لشعوب هذه المنطقة في مجال الحقوق السياسية للمواطن الخليجي، فهذه الحقوق لا تزال رهينة في أيدي فئة محدودة،وقد أشير غير مرة إلى أنها تنتهك – بأشكال مختلفة لمعنى هذا الانتهاك أو التجاوز – حقوق الإنسان، خاصة أولئك الذين يفدون إلى هذه المنطقة بحثاً عن العمل وطلباً للرزق،إلا أن الإعلام الخليجي، لم يقف – إلا نادراً – أمام هذه التجاوزات.

لقد أشارت تقارير صادرة عن جهات مختلفة كان من بينها ما صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، تتضمن معلومات عن حالات من التجاوز، وصلت إلى حد الاتجار في البشر، ورغم ذلك فإن وسائل الإعلام في دول مجلس التعاون لم تكن تعطي اهتماماً مناسباً لمثل هذه القضية رغم أهميتها بل رغم خطورتها، ومايمكن أن ينطوي عليها من سمعة سيئة أمام العالم وبالتالي ماتلحقه من أضرار بمصالح المنطقة. ومع ذلك فإن دولة الإمارات على وجه التحديد بادرت إلى إطلاق حملة إعلامية بهدف خلق وعي شامل حول مخاطر هذه الظاهرة اللا إنسانية وزيادة وعي الجماهير بالآثار التي تترتب عليها، إلا أن بقية دول مجلس التعاون لم تعط الاهتمام ذاته.

إن على رأس التحديات التي تواجهها منطقة الخليج العربي، منذ عقود مضت،التخوف من احتمالات التوسع الإيراني على حساب هذه المنطقة، خاصة بعد أن احتلت إيران في عهد الشاه الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وإيران اليوم أي بعد الثورة وإن كانت أجهزتها الإعلامية تحاول تصويرها أمام العالم عامة على أنها تختلف جذرياً عن إيران في عهد الشاه، إلا أن دول الخليج العربية تشعر بأن الأطماع الإيرانية في المنطقة لا تزال قائمة، وأن إيران لم تدلل على حسن نواياها تجاه هذه المنطقة بسبب استمرار احتلالها للجزر الثلاث،وإضافة إلى ماسبق فإن التصريحات التي يطلقها القادة الإيرانيون بين فترة وأخرى تشكل حالة من القلق ليس في عقول السياسيين في المنطقة فقط،بل في عقول الجماهير التي لاتقبل أن ترى نفسها في يوم من الأيام واقعة تحت شكل من أشكال الاحتلال الإيراني، ولا أدل على ذلك ما أدلى به رئيس البرلمان الإيراني السابق مهدي كرومي الذي قال في تصريح نشرته صحيفة (اعتماد):(إذا كان هناك خطر يهدد شبراً من تراب أراضينا، فسيتحول الخليج (الفارسي) إلى خليج من الدماء). وهناك الكثير من التصريحات التي تنطوي على التهديد الصريح بضرب دول الخليج العربية في حالة تعرض إيران الى أية ضربة عسكرية، حتى لو لم تنطلق من أراضي هذه الدول. ورغم ذلك فإننا لم نلحظ أن الإعلام الخليجي – إلا نادراً – مايتعرض إلى قضية التهديد هذه، بشكل جدي، إما لأنها تخشى رد الفعل الإيراني أن يكون مزلزلاً، أو لأنها لاتثق بحلفائها الاستراتيجيين (إذا كان هناك حلفاء استراتيجيون) لتولي مسؤولية الدفاع عن المنطقة إذا ماوقعت الواقعة.

لوسائل الإعلام قوة تأثير إيجابية إذا ما تم توظيفها بصورة هادفة ومناسبة 

الإعلام الخليجي والأزمات

في كل الأحوال إن المأخذ على الإعلام الخليجي هو أنه لم ينطلق حتى اللحظة من أرضية صلبة وفهم عميق لدوره في التعبير الدقيق عن الإنجازات أو الأزمات. إذ إن مانلاحظه من نشاط ليس أكثر من نشاط تقوم به أجهزة العلاقات بشكل اعتيادي، وأن مثل هذه الجهد لا يغطي تداعيات الأزمات التي قد تظهر بين فترة وأخرى في هذه المنطقة،كالأزمة الاقتصادية العالمية على سبيل المثال، وتداعياتها على منطقة الخليج العربي، والأضرار التي لحقت باقتصادات المنطقة.

وفي كافة الأحوال، فإن الإعلام الذي لا يخرج عن طاعة أولي الأمر فهو مقيد، والإعلام الخليجي كالإعلام العربي بالمجمل، تعوق حركته أشكال من المعوقات على رأسها التدخل اليومي في عمله، والتشريعات الضابطة لأدائه، وأشكال مختلفة من المحبطات التي تقف في وجهه لتحد من فاعليته في أداء دوره على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا لابد من توفير المناخ الديمقراطي للعمل الإعلامي الخليجي كي ينهض بمسؤولياته على أكمل وجه.

مقالات لنفس الكاتب