; logged out
الرئيسية / النخب وثقافة التعصب في الخليج العربي : إضاءة ميدانية

العدد 93

النخب وثقافة التعصب في الخليج العربي : إضاءة ميدانية

الجمعة، 01 حزيران/يونيو 2012

يفرض التعصب المذهبي والقبلي حضوره الكبير في مختلف تجليات الحياة الاجتماعية في المجتمعات العربية المعاصرة، وتأتي موجة هذا التعصب مع الأحداث السياسية الجسام المتواترة في المنطقة التي أدت إلى إيقاظ المشاعر الطائفية المذهبية حينا والقبلية حينا آخر إلى درجة أصبح التعصب اليومي ملمحا من ملامح الحياة الاجتماعية والثقافية في هذه البلدان. وتشهد اليوم هذه المشاعر التعصبية تكاثفا مريبا بتأثير نسق من العوامل التربوية والاجتماعية والثقافية التي خرجت من سياقها الوطني والإنساني إلى مسارات الانغلاق والتقوقع والتعصب.

فالتعصب ظاهرة تاريخية تضرب جذورها في عمق التاريخ الإنساني وهو يتشكل عبر مسارات سياسية وثقافية واجتماعية ولكن هذا التعصب يأخذ في المجتمعات العربية صورة معقدة يتداخل فيها الطائفي بالمذهبي والقبلي بالعشائري والسياسي بالاجتماعي حيث يصعب على الباحث في كثير من الأحيان أن يفكك خيوط هذا التعصب ويرسم مساراته ويحدد هويته وطبائعه.

ومهما يكن الأمر فإن التعصب يشكل في مختلف تجلياته خطرا على الوجود والهوية والمجتمع. كما يشكل تحديا سياسيا وثقافيا كبيرا يجب على شعوب المنطقة مواجهته وتفكيك عناصر وجوده وتحديد أبعاده وسيروراته وآلياته ودينامياته وبناء الاستراتيجيات الثقافية التي يمكنها أن تصدّه وأن تحدّ من غلوائه وتلجم هيجانه.

إشكالية الدراسة:

ليس خافيا على أحد اليوم كبارا وصغارا شيوخا وشبابا نساء ورجالا بأننا نعيش في مناخ تعصبي ينخر العقول وينهب القلوب ويتلف النفوس، تعصب مذهبي طائفي تارة وقبلي عائلي تارة أخرى، وقد يتداخل التعصب المذهبي بالتعصب السياسي بالتعصب القبلي في متوالية هندسية بلغت غاية تعقيدها. ويأخذ هذا التعصب مساره ومداراته في وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمسموعة، كما يتأجج في المواقع الإليكترونية، ويستفحل في الصراعات السياسية ويحتدم في المجالس الأدبية، ويأخذ صولته وجولته في دورة الانتخابات ويتكاثف حضوره في مختلف المؤسسات السياسية سواء في مجلس الأمة أو في الدوائر الانتخابية أو في عمق الممارسات السياسية بكافة أشكالها وتجلياتها.

فالتعصب ظاهرة لا يحتاج معها الباحث إلى كثير من التبصر ليستكشف حضورها المدوي في المجتمع عبر القول والممارسة والفعل في الإعلام والصحافة والتلفزة والشبكات العنكبوتية كما في أقوالنا وأفعالنا  وممارساتنا اليومية.

وليس غريبا أن نتحدث عن وجود هذه الظاهرة فهي ضاربة الجذور في تاريخنا وثقافتنا، فالناس فيما مضى كانوا يتحدثون عن الطائفية والقبلية همسا وعلى نحو خجل فلا ترتفع الأصوات ولا تجأر الحناجر بها علنا، ولكن الغريب اليوم هو أنه قد أصبح للمذهبية منابر وللقبلية مراجل تنادي إليها وتبعث على إيقاظها وتأجيج مشاعرها بلهيب الحقد والكراهية.

تبدأ إشكالية الدراسة في أمر يفيض بالتناقض الظاهري فعندما كنا نسأل طلابنا: من منكم يكره الطائفية؟ من منكم يكره القبلية؟ من منكم يكره التعصب؟ كانوا دائما يصبون اللعنة على الطائفية والقبلية والعنصرية والتعصب، ويرون في كل أشكال التعصب لعنة ضد الإنسان والإنسانية؟ ولكننا عندما كنا نسألهم من منكم منزه عن أي سلوك تعصبي طائفي أو قبلي أو مذهبي؟ وهنا تبدأ نظراتهم الحائرة  الجفلة  من هذا السؤال الصاعق. فنحن نكره الطائفية ولكننا نمارسها ! نكره المذهبية ونهتدي بها ! نكره التعصب ونرفضه ولكنه يتجلى في سلوكنا وحياتنا شئنا أم أبينا. فالتعصب ظاهرة والظاهرة تفوق قدرة الأفراد في المجتمع على تجاوزها! فنحن نكره الفقر وقد نكون فقراء؟ ونكره الألم ولكننا نتألم على مبدأ الإكراه. وهكذا نحن نكره الطائفية والقبلية ولكننا نقع في فخهما. وحال التعصب الطائفي كحال الورم الخبيث الذي نكرهه ولا نتمناه لأعدائنا ولكنه قد يسكن فينا رغم أنوفنا. فالتعصب داء سرطاني ابتلت به الأمة وهي كارهة له ، ونحن جميعا نتمنى أن يزول التعصب الذي يسكن بين جوانحنا ولكننا نقع في أسره ويفتك بنا كضحايا له.

التعصب يشكل في مختلف تجلياته خطرا على الوجود والهوية والمجتمع

يقوم التعصب الطائفي في النهاية على ولاء الفرد الكلى أو الجزئي للقيم والتصورات الطائفية أو المذهبية

عرف العرب بانتمائهم القبلي وعصبيتهم القبلية التي صارت مضرب الأمثال

الذين ينشرون التعصب والكراهية هم أكثر الناس جهلا بالقيمة الإنسانية العليا

التعصب موجود في المجتمع كما يرى الناظرون والملاحظون، ولكن هذا الافتراض لا يستقيم علميا ما لم نبحث في عمق المجتمع ونستجلي آراء أفراده والمنتسبين إليه. ودراسة التعصب ومدى حضوره في المجتمع وآليات اشتغاله توجب علينا تقصي الحياة الاجتماعية ممثلة بأفرادها عبر نسق من الفعاليات المنهجية والعلمية. ومن أجل هذه الغاية وقع خيارنا على المؤسسة الجامعية لاختبار فرضيتنا هذه في حضور التعصب، أو لنقل في استكشاف رؤية طلاب الجامعة لمدى حضور هذا التعصب وانتشاره في المجتمع الكويتي. فالطلاب في الجامعة يمتلكون تجربتهم الخاصة في استكشاف أوضاع المجتمع الذي ينتسبون إليه، ويشكلون طليعة واعية متمرسة بقضايا المجتمع وحياته، وينبني على ذلك أن الطلاب يمتلكون القدرة على تقديم صورة حقيقية لأوضاع المجتمع وتجلياته. ومهما يكن الأمر فإنه لمن الأهمية بمكان استكشاف رأي طلاب جامعة الكويت بأبعاد وحدود ظاهرة التعصب الطائفي والقبلي في المجتمع عبر خبرتهم وحياتهم الاجتماعية والثقافية عبر نسق من الأسئلة المنهجية التي تتحرى هذه الظاهرة بأبعادها وتجلياته المختلفة.

3- أسئلة الدراسة:

تتوزع أسئلة الدراسة في ثلاثة أسئلة أساسية موجهة لطلاب جامعة الكويت  وهي :

1-              هل يقوم بعض المثقفين بنشر التعصب في لمجتمع؟

2-               هل يقوم بعض رجال الإعلام بنشر التعصب في المجتمع؟

3-              هل يقوم بعض رجال الدين بنشر التعصب في المجتمع

 حدود الدراسة:

أجريت هذه الدراسة على عينة بلغت 1194 طالبا وطالبة من طلاب جامعة الكويت في العام الدراسي 2010-2011. - يقتصر البحث على آراء الطلاب في ظاهرة التعصب ومدى انتشاره ومؤثراته؟

مفهوم التعصب وإشكاليته:

يعد مفهوم التعصب من المفاهيم الإشكالية التي تنسج حضورها الكبير في أدبيات العلوم الإنسانية والاجتماعية. ويمكن لنا في هذا السياق أن نميز في التعصب أشكالا مختلفة ومتباينة، فهناك التعصب العرقي، والتعصب الثقافي، والتعصب الديني، والتعصب الطائفي. ومع ذلك كله فإن التعصب في مختلف صوره وتجلياته يؤكد على جوهر واحد قوامه الانقياد العاطفي لأفكار وتصورات تتعارض مع الحقيقة الموضوعية.

يعود مفهوم التعصب إلى الممارسات الخرافية للكهنة والعرافين في بلاد الإغريق القديمة، حيث كان الكهنة يمارسون أفعالا مخيفة في الطقوس الدينية التي يمارسونها، إذ يقومون بتقطيع بعض أعضائهم الجسدية، ويفجرون دماء أجسادهم في نسق ابتهالات وممارسات مرعبة ومجنونة. واستمرت هذه الظاهرة في عهد الرومان ووظف هذا المفهوم للتعبير عن الطاقات الأسطورية الخارقة التي تكمن في أعماق البشر، ولاسيما هذه الأفعال السحرية والممارسات الأسطورية التي تتجاوز حدود تصورات العقل في هذه المراحل السحيقة من التاريخ الإنساني .

ويعرف قاموس العلوم الاجتماعية التعصب بأنه “غلو في التعلق بشخص أو فكرة أو مبدأ أو عقيدة بحيث لا يدع مكانا للتسامح، وقد يؤدي إلى العنف والاستماتة . والتعصب كما تشير أدبيات العلوم الاجتماعية المعاصرة يشكل موقفا أو اتجاها ينطوي على التهيؤ الفردي أو الجماعي للتفكير أو الإدراك أو الشعور والسلوك بشكل إيجابي أو سلبي تجاه جماعة أخرى أو أي من أفرادها.

ومن أبرز وأهم المعاني التي ينطوي عليها هذا المفهوم هو أنه يستخدم للإشارة إلى حال الأفراد الذين يقعون تحت سيطرة عمياء لعقيدة ما سياسية أو دينية أو أيديولوجية، كما أنه يشير إلى حال هؤلاء الذين تأخذهم انفعالات مجنونة يستثيرها ولاؤهم وإيمانهم بعقيدة سياسية أو دينية. فمفهوم التعصب يأخذ اليوم طابع حكم سلبي يطلق على بعض الأنماط السلوكية الانفعالية المفرطة التي تضع المتعصب في حالة خضوع مطلق لفكرة أو عقيدة قد تكون خاطئة أو صحيحة.

التعصب الطائفي:

 الطائفة جماعة من البشر، يجمعهم جامع مشترك مثل المهنة والعرق أو الانتماء الديني أو الموقف“. وتعرف الطائفة “بأنها حالة من الانقسام والتشتت داخل الدين الواحد وهي مؤشر على الصراع القائم في داخله “.

ويجب التمييز هنا ما بين الطائفة كبيئة اجتماعية وما بين الطائفية بوصفها حالة تعصبية حيث تتجلى الطائفية بوصفها “فعل تفتتي، لا يتوقف عن ممارسة فعالته عند نقطة محددة، قد تبدأ من نقطة ما، لكنها تنفجر ما لم تتم محاصرتها بأسرع وسيلة “. “إنها تمارس تفتيتها لكل ما هو بنّاء حتى تصل إلى الفرد نفسه فتشطره. وكما تنشطر الذرة فينفصل الإليكترون عن النواة مولدا طاقة مرعبة إذا خرجت عن حدود التحكم، فإن الطائفية تشطر الإنسان نصفين، قوتين متقاتلتين تنتجان تبادل للسيطرة والعنف في علاقة يهيمن فيها الذكر على الأنثى (الأقوى على الضعيف هيمنة تكون مطلقة". إنها كالنار التي تنطلق في الهشيم فهي تجتاح بلهبها كل شيء وتستفحل دون انقطاع إن لم تحاصر ويغمر لهيبها في الحال قبل أن تستفحل وتحدث الكارثة.

ويتجسد التعصب الطائفي في صورة فكر مغلق ذاتي التوليد والاكتفاء، مصدره مسلمات موروثة تعلو بنظر أصحابها فوق النقد والنقض والتشكيك والتجريب. والفكر لا يتطور وفق المتغيرات الثقافية، والمؤثرات الاجتماعية الاقتصادية والمعطيات العلمية لأنه إنه فكر الجمود والوثوق واليقين والتصلب والتجمد. إنه صيغة رفض لكل ما هو إنساني وأخلاقي حيث يضع العقيدة الفكرية التي ينافح عنها في مقام الدين ويجعل المساس بها مساسا لا يغتفر بالمقدس والمتعالي.

ويقوم التعصب الطائفي في النهاية على ولاء الفرد الكلى أو الجزئي للقيم والتصورات الطائفية أو المذهبية، وهو ينبثق من صلب التعصب الديني ويمتزج معه. ففي أحيان كثيرة تكون المذاهب هي أساس تصنيف البشر في المجتمع الواحد إلى طوائف عديدة متصارعة ومتناحرة .

التعصب القبلي:

عرف العرب بانتمائهم القبلي وعصبيتهم القبلية التي صارت مضرب الأمثال. ويتضمن الشعر العربي صورا للتعصب القبلي يفوق حدود كل وصف لمعنى التعصب ودلالته في صيغته القبلية. واستطاع الشاعر العربي قُريظ بن أُنيف أن يسجل ملحمة شعرية في وصف التعصب القبلي بقوله :

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم

  طاروا إليه زرافـاتً ووحدانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في اللائمات على ما قال برهانا

وفي هذه الأبيات وصف عميق بليغ لمعنى التعصب القبلي في المجتمعات العربية الجاهلية.

والأمثلة الشعرية التي تستكشف معاني التعصب ودلالاته كثيرة في الأدب العربي ومن أجمل الوصوف التي قيلت فيه قول الشاعر:

وما أنا إلا من غزية إن غوت          غويت وإن ترشد غزية أرشد

وخير تعبير عن التعصب القبلي ما ورد في المثل العربية حيث تقول العرب “كذاب ربيعة خير من صادق مضر، ولأن يحكم فينا الحكمان ببعض الحق وأحدهما من ربيعة خير لنا من أن يحكما بكل الحق وكلاهما من مضر “وفي هذا القول مثال صارخ عن طبيعة التعصب القبلي الذي أخذ مجده في حياة العرب الجاهليين.

وعلينا أن نفرق القبيلة والقبلية، فالقبيلة كيان اجتماعي حاضر في وجودنا الاجتماعي أما القبلية فهي عقلية وسلوك تعصبي وسم مجتمعاتنا منذ مئات السنين وما يزال، والقبلية رابطة موحدة الغرض مبنية على التحالف بقدر ما هي مبنية على النسب والقرابة وتمثل عقلية عامة مستمدة من الانتماءات والولاءات المنغرسة في وجدان الجماعة، وبالتالي فإن نزعتها نحو إثارة قبليتها هو تعبير عن هويتها. وتمثل هذه الخصائص الأساس المادي للتعصب القبلي. فقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى مفهومي التفكير والحركة الناجم عن الصراع بين البدو والحضر باعتبار أنهما نمطا معيشة متعارضان. وعلى أساس هذه القاعدة تحاول كل قبيلة أن تقوى من شأنها لتملك الحكم والهيمنة والسيطرة على الآخرين. ويرى ابن خلدون في هذا السياق “أن القبيلة إذا قوي سلطانها، ضعف سلطان الدولة، وإذا قوي سلطان الدولة، ضعف سلطان القبيلة".

فالانتماء القبلي في المجتمعات العربية كان وما زال يشكل أقوى الانتماءات وأثبتها عبر العصور التاريخية منذ الجاهلية وحتى الآن. فالدولة العربية الإسلامية – كما يرى الجابري - بنيت على أساس قبلي وكانت بمثابة "نظام كونفدرالي" وحّد القبائل تحت رايته دون أن يفككها. واستمرت القبلية بطبيعة الحال لتكون الانتماء الأقوى رغم تقلب الأحوال والأزمان ولم تتغير الأحوال حتى مع ظهور الدولة العربية الحديثة فمعظم الدول العربية تقوم على أساس قبلي عشائري كما هو الحال في دول الخليج والأردن والمغرب وسوريا والعراق وليبيا والسودان وغيرها.

دور المثقفين ورجال الدين والإعلام في نشر ثقافة التعصب:

استجوبت الدراسة آراء الطلاب واتجاهاتهم نحو التعصب بتجلياته المختلفة في المجتمع الكويتي. واستطاعت أن تقدم إجابات عن مختلف الأسئلة التي طرحتها واختبار الفرضيات التي قدمتها في مجال العلاقة بين متغيرات الدراسة وآراء الطلاب في التعصب. ويمكن تقديم صورة مختصرة لنتائج الدراسة في الآتي:

1- يعاني المجتمع الكويتي من التعصب القبلي والعائلي والطائفي والديني كما يعلن 85.5% من الطلاب أفراد العينة.

2- يبدي الطلاب اتجاها إيجابيا نسبيا فيما يتعلق بدور الدولة في إزالة التعصب ومحاربته حيث يعلن 65.8% منهم أنه يجب على الدولة إزالة التعصب ومحاربته بمختلف أشكاله الطائفية والقبلية.

3- وفيما يتعلق باتجاهات الطلاب أنفسهم إزاء التعصب يعلن 88.9% منهم تمنياتهم بزوال التعصب واجتثاثه من المجتمع.

وقد بينت الدراسة تأثير متغير الانتماء الاجتماعي والسنوات الدراسية في مواقفهم من التعصب حيث أفرزت الدراسة فروقا إحصائية وفق هذين المتغيرين: فاتجاهات الطلاب الحضر ضد التعصب أكبر منها لدى البدو، وطلاب السنوات العليا أشد توجها نحو إزالة التعصب من طلاب السنوات الدنيا (الأولى والثانية).

والسؤال المركزي الذي طرحناه في هذه الدراسة: من يغذي هذا التعصب ويحييه؟ ومن هي الفئات التي تبث هذا التعصب وتشجع على ممارسته وتنميه؟ فهناك كثير من الشكوك تدور حول مؤثرات ثقافية مصدرها رجال السياسة والفكر والدين والثقافة. ومن أجل اختبار هذه الرؤية حول مؤثرات التعصب ثقافيا تضمنت الاستبانة ثلاثة بنود كاشفة حول تأثير المثقفين ورجال الدين ورجال الإعلام في تغذية التعصب وبثه في المجتمع. ومن أجل تقديم صورة شاملة مقارنة لهذه الأسئلة يني الجدول التالي  حول مصادر التعصب ثقافيا ودينيا وإعلاميا.

دور المثقفين ورجال الدين والإعلاميين في نشر التعصب في المجتمع من وجهة نظر طلاب جامعة الكويت

تسلسل

بنود التعصب

موافق %

محايد%

معارض%

المجموع

ن = 1194

 

1

بعض المثقفين ينشر التعصب في لمجتمع

88.8

3.2

8.0

100

 

2

بعض رجال الإعلام ينشر التعصب في لمجتمع

85.1

3.2

11.7

100

 

3

بعض رجال الدين ينشر التعصب في لمجتمع

83.4

3.2

13.4

100

 

 

المجموع

85.8

3.2

11.0

100

 

يبين الجدول  أن المثقفين هم أكثر من ينشر التعصب في المجتمع 88.8%، يليهم رجال الإعلام 85.1% في المرتبة الثانية ويأتي رجال الدين في المرتبة الثالثة 83.4%. وبصورة عامة يعلن 85.8% من الطلاب بأن رجال الدين والمثقفين والإعلاميين يبثون التعصب في المجتمع ويتحملون مسؤوليته.

ومن المؤسف اليوم أن تقوم النخبة أو الصفوة في المجتمع بنشر فكر التعصب وتعزيز مساراته في حنايا حياتنا الاجتماعية والثقافية . وهنا يحضرني قول الشاعر في وصف هذه الظاهرة :

أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم

أمتي كم صنـم مجدتــه * * * لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه * * * إن يك الراعي عدوَّ الغنم

ومن المأساوي اليوم أن يتنكر المثقفون في العالم العربي والخليجي لرسالتهم الأخلاقية في نشر التسامح وقيم المواطنة ورفض كل أشكال الانقسام والتشرذم والتصادم وبناء الوحدة الوطنية والروحية في نفوس أبناء الأمة . لقد تحولت فئات من المثقفين إلى داء بدلا من أن يكونوا دواء للأمة وتحولوا إلى قتلة للنفوس والضمائر بدلا من أن يكونوا المعنيين بحماية النفوس وضمان أمنها الإنساني والأخلاقي .

وأين هم هؤلاء المثقفون من تعريف "كانط" للثقافة حيث يقول عن الثقافة " بأنها مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقا من طبيعته العقلانية، وبهذا تكون الثقافة في نظر "كانط"  أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه" . فالثقافة لا تكون ثقافة حقيقية ما لم تكن غائية وعاقلة وإنسانية وخلاقة . أما هؤلاء الذين ينشرون التعصب والكراهية والبغضاء فإنهم أكثر الناس جهلا بالقيمة الإنسانية العليا للثقافة والإنسان والقيم الأخلاقية .

 توصيات الدراسة:

بناء على النتائج التي تمّ التوصل إليها في هذه الدراسة يمكن بناء التوصيات التالية:

- توصي الدراسة بتبني استراتيجيات تربوية متكاملة للحد من ظاهرة التعصب في المجتمع بمختلف أشكاله وتجلياته .

- بناء استراتيجيات إعلامية تضع حدودا للممارسات الصحافية في مجال نشر التعصب والكراهية .

- توصي الدراسة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بترسيخ فكر ديني مضاد للطائفية والمذهبية في المجتمع ووضع حدود لممارسات رجال الدين التعصبية في هذا المجال.

- إجراء دراسات معمقة حول إشكالية التعصب في المجتمع الكويتي وغيره من المجتمعات الخليجية. وإجراء دراسات مقارنة بين المجتمعات الخليجية والعربية في هذا الخصوص .

- ولأن ظاهرة التعصب خطرة ومنافية لكل موجبات الحياة الوطنية توصي الدراسة بالعمل على الدعوة لمؤتمر وطني يتناول فيها أبعاد هذه الظاهرة ويرسم الاستراتيجيات الممكنة لاستئصال شأفتها والتأثير على عوامل وجودها. 

مقالات لنفس الكاتب