; logged out
الرئيسية / إيران والقنبلة: التنصل من المسؤولية الدوليّة

إيران والقنبلة: التنصل من المسؤولية الدوليّة

السبت، 01 أيلول/سبتمبر 2007

قابلت المجموعة الدولية جهود إيران لحيازة أسلحة نووية بقلق شديد، لأنها تشعر بأن امتلاك إيران مثل هذه الأسلحة سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير في منطقة الخليج وما وراءها. فهناك قلق من أن تُغري إيران النوويّة بعض الدول، مثل مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا، لمحاكاتها على الأقل في تطوير تقنيات مماثلة لإنتاج الوقود النووي؛ وأن تدفع قوىً أخرى إلى توجيه ضربة عسكرية لها.

وتذهب تيريز ديلبيش إلى القول إن فُرص وقف سباق إيران المحموم لحيازة القنبلة النووية بالوسائل الدبلوماسية أصبحت ضئيلة، لأن ما أُضيع من الفرص والوقت كان أكثر مما ينبغي. ولكي تزداد الأمور تعقيداً، تمخّضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2005، عن زعيم إيراني ـ محمود أحمدي نجاد ـ محافظ متشدّد وعضو سابق في الاستخبارات الإيرانية ولا ينظر إلى التسوية كخيار. فمع تولّي محمود أحمدي نجاد مهامّ منصبه رئيساً لإيران، بدأت حقبة من المجابهة المتعمَّدة التي لم يتصوّر حدوثها الأوروبيون أو الأمريكيون، أو حتى أغلبية الشعب الإيراني نفسه. مع ذلك، أشارت ديلبيش إلى أنّ هذه المجابهة لا تستثني الحوار، لأن خـيار إيران المفضّل هو، بطبيعة الحال، المزج بين حيازة القنبلة والمحادثات الطويلة الأمد مع الأوروبيين أو الروس أو الصينيين لما يتمتعون به من حصانة على الساحة الدولية.

وتتمثل إحدى الرسائل الرئيسية لهذا الكتاب بأنه إذا ثبت عجز المجموعة الدولية عن معالجة أزمة إيران النوويّة، فسيتعيّن على جميع القوى ذات العلاقـة الاعتراف بمسؤولياتها: فلطالما جاء ردّ فعل الأوروبيين محدوداً ومتأخراً جداً، بينما لم يحدّد الأمريكيون سياسة واضحة تجاه إيران، فيما وقف الروس باستمرار على الحياد، واختبأ الصينيون وراء الروس. وسيُدفع، في رأيها، ثمن التسامح مع الدور المريب الذي اضطلعت به دول مثل باكستان ـ التي لم تتعاون إلا بشكل هامشي مع تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بسبب خوفها من احتمال ظهور أدّلة جديدة تتعلّق بأنشطتها النوويّة العسكريّة ـ أو جنوب إفريقيا التي يَصعُب فهم سـياستها تجاه إيران. وتوضح ديلبيش دور هذيْن البلديْن عبر تعاملاتهما مع إيران.

ولإدراك طبيعة هذه الأزمة، لا بد من الفهم الصحيح لما تريد الحكومة الإيرانية تحقيقه عبر برنامجها النووي. فقد ادّعت طهران باستمرار، ولا سيما منذ انتخاب الرئيس الإيراني الحاليّ، أن إيران تريد تطوير دورة وقود نووي لأغراض سلميّة. وتدّعي طهران أيضاً أنه ليس هناك أي سبب لحرمان إيران حقّها (الثابت) في الاستفادة من الطاقة النووية لأغراض سلمية، لأنّ هذا الحقّ يضمنه البند الرابع من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. لكنّ ديلبيش تقول إن هـذه القراءة تُجافي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي لا تضمن تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته، وإنما تضمن فقط حقّ استخدام الطاقة النووية (لأغراض سلمية). ويعتمد التمتّع بهذا الحقّ، في رأي ديلبيش، على مدى وفاء الدول بالالتزامات التي توجبها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ثم تُذكّر المؤلّفةُ القارئ بأن موارد النفط والغاز المتوافرة بكميات هائلة في إيران تجعل تطويرها للطاقة النووية يفتقر إلى أي معنى من المنظور الاقتصادي. وللأهميّة، تُشير ديلبيش إلى أن هذا البرنامج (السلمي) ظل محاطاً بسريّة تامّة على مدى نحو عشرين عاماً (1985-2002)، وأن المعارضة الإيرانية الموجودة في المنفى هي وحدها التي كشفت عنه. واستناداً إلى هذه المعطيات، كما أشارت إليها المؤلّفة، استنتج عدد من مراقبي برنامج إيران لإنتاج الصواريخ البالستية في التسعينيات أن إيران، وبكل بساطة، تريد امتلاك القنبلة النوويّة. وتوافق المؤلِّفة على أنّ السعي لامتلاك السلاح النووي هو التفسير الوحيد الذي يتّسم بالصدقيّة للسرية التي أحيط بها برنامج إيران النووي وانخراط المؤسسة العسكريّة فيه، والمشتريات المتعدّدة ومحاولات المشتريات ذات الصلة التي رُصدَت حول العالم، فضلاً عن تفسير لجوء إيران المتكرّر إلى الكذب والمراوغة ومختلف أساليب كسب الوقت.

من حيث المكاسب السياسية، يتمثل أحد أهداف إيران بضمان الحصول على دعم دول عدم الانحياز من خلال تأكيدها الحق (الثابت) للدّول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في الاسـتفادة من الطاقة النووية لأغراض سلمية. وما إصرار إيران المتواصل على هذا (الحق) إلا ضرب من المراوغة في مناخ عام يدعم النظرية القائلة إن دول الشمال اختارت تطوير التكنولوجيا النووية من أجل الحفاظ على هيمنتها على دول الجنوب. لكنّ لهذا الخطاب محدودياته نظراً إلى أن بعض دول الخليج العربية ـ وفي مقدِّمها المملكة العربية السعودية ـ لا تريد لإيران أن تمتلك القنبلة النووية. ويتمثل الشق الثاني من استراتيجية إيران السياسية بإقناع بقية الدول العربية ـ التي تخاف أيضاً من قنبلة إيران النووية ـ بالتزام الحياد عبر الاستحضار المستمر للتهديد النووي الاسرائيلي وتعميق عداء الشعوب العربية لإسرائيل.

لكنّ ديلبيش تُصرّ على أن إسرائيل ليست الدافع وراء رغبة إيران في حيازة القنبلة النووية. فتواريخ القرارات الإيرانية ذات الصّلة ـ أي السبعينات، عندما كانت إيران تخضع لحكم الشاه الذي كان يتمتع بعلاقات طيبة مع إسرائيل، وعام 1985، إبان الحرب الإيرانية - العراقية ـ تشير إلى وجود أجنـدة إيرانية مختلفة. ففي السبعينات، كانت إيران ترغب في تحقيق الهيمنة الإقليمية. وفي التسعينات، كانت إيران تريد التمكّن من الردّ بشكل حاسم على هجمات صدام حسين الكيميائية المهلكة التي استهدفت القوات الإيرانية منذ عام 1983. وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست سبب ظهور برنامج إيران النووي، فإنها توفر لإيران مبرراً ممتازاً تُقدِّمه لجيرانها. ونظراً إلى أن ترسانة إسرائيل النووية مثّلت مصدر إحباط دائم للعالم العربي، فإنها وفّرت لإيران طريقة يسيرة لمواجهة اعتراضات العواصم العربية على برنامجها النووي.

في أوائل مايو 2006، كانت السياسة الأمريكية تجاه إيران لا تزال غامضة. ولم تعلن واشنطن استعدادها للتفاوض مع طهران إلا نهاية ذلك الشهر، شريطة أن تمتثل إيران لمطالب مجلس الأمن الدولي. ولكنْ في حال تقييم التهديد الإيراني على أنه حقيقي، فإن التدخل العسكري، الذي لم يُستبعد أمريكياً قط، يبقى الخيار الذي قد يضع حداً نهائياً لطموحات إيران النووية. ومن المؤكد أن الحجّة المضادة لمهاجمة إيران لا تزال مُقْنعة. وطغى اهتمام واشنطن بالمسألة العراقية على التعاطي مع المسألة الإيرانية. فالعملاء الإيرانيون في الـعراق قادرون بالفعل على التسبب بأضرار جسيمة هناك. لكنّ ديلبيش ترى أنّه من الخطأ الاستنتاج أن واشنطن ستكون ضعيفة في التعامل مع طهران بسب العراق، فأهمية التهديد النووي الإيراني أكبر من أن تتجاهلها الولايات المتحدة. وذلك لأن هذا التهديد قد يكلف أكثر كثيراً من عملية عسكرية، وخصوصاً عبر إثـارة الشكوك حول مُجمل سياسة أمريكا في (الشرق الأوسط الكبير) وقدرتها الرادعة هناك.

إن روسيا لاعب رئيسي في الشأن الإيراني. فقد تنامى حجم تجارة الأسلحة بين البلدين على مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة. إذ اشترت إيران من روسيا مقاتلات من طراز ميغ MIG وسوخوي ودبابات تي 72، وغواصات ديزل من فئة كيلو Kilo وأنظمة صواريخ أرض - جو. كما أبرمت عدّة مؤسـسات ومراكز أبحاث روسية جميع أنواع اتفاقيات الشراكة مع إيران، من دون التحقيق في الاتفاقيات المتعلقة بمجال الأسلحة النووية والبالستية. وقد تكون موسكو متورطة في تعاملات أخرى لم تُكتَشف بعد، والتي من شأنها أن تجعلها عرضة للابتزاز من قبل طهران. وعلى الرغم من اعتراف موسكو بالتهديد الإيراني، فإن موقفها المعلن إزاء المسألة الإيرانية اتسم دائماً بالغموض.

وتشير المؤلفة أيضاً إلى أن الصين طورت على مدى العقود القليلة الماضية روابط وثيقة مع إيران، وأن التعاون الصيني - الإيراني تعزّز بشكل ملحوظ منذ الثمانينات نتيجةً لاحتياجات الصين المتنامية إلى موارد الطاقة والاقبال الإيراني الشديد على استيراد الأسلحة والسلع الاستهلاكية. وهناك بعد عسكري لهذه الشراكة، إذ إن إيران اكتسبت حرية متزايدة في الولوج إلى تقنيات وأسلحة طوّرتها المؤسسة العسكرية الصينية. ومن الأسباب الأخرى للتحالف الصيني - الإيراني: عداء هاتين الدولتين للولايات المتحدة وحاجة إيران إلى الحفاظ على (بديل شرقي) يُعوِّضها عن التقارب مع الغرب، ودور النموذج الصيني بالنسبة لإيران. وليس التعاون النووي الإيراني مع الصين إلا أحد أهم التحالفات التي أقامتها إيران، إلى جانب تحالفها مع روسيا وباكستان. ولطالما كان دعم بكين لطهران ثابتاً. لكنّ هذا الدعم لا يعني أن الصين مستعدة لتشجيع أي مغامرة إيرانية. وتُفضّل بكين أن تمتد المفاوضات إلى ما لا نهاية من دون التوصل إلى أي قرار على الاضطرار للتصرف داخل مجلس الأمن الدولي.

وتشير ديلبيش أيضاً إلى أن الغموض يلف العلاقات القائمة بين إيران من جهة، وباكستان والهند من جهة أخرى. فخلال فترات متعددة، استوردت إيران أجهزة حساسة من كلا البلدين، بما فيها تلك المتعلقة بالتكنولوجيا النووية، وخصوصاً في الثمانينات والتسعينات. وفي منتصف التسعينات، تحديداً، زودت شبكة عبد القدير خان السرية إيران بتصاميم هندسية للجيلين الأول والثاني من أجهزة الطرد المركزي من طرازي P1وP2. كما أن نيودلهي حافظت على موقف غامض تجاه الحالة النووية الإيرانية، وهو ما يمكن تفسيره بثلاث طرق مختلفة: ليس هناك أي نزاعات بين الهند وإيران. كما أن نيودلهي معنية بالحفاظ على علاقاتها مع طهران لأسباب استراتيجية تتعلق بالمساعدة التي تلقتها حتى الآن من إيران في أفغانستان، فضلاً عن الدافع المرتبط باحتياجات الهند من موارد الطاقة واعتمادها الكبير على النفط والغاز الإيرانيين بفعل عدد سكانها الهائل واقتصادها المتنامي بوتيرة عالية.

يُقدِّم هذا الكتاب تحليلاً معمقاً لردود فعل القوى الأجنبية على البرنامج النووي الإيراني. ونظراً إلى أن المؤلّفة خبيرة مرموقة بمجال الأمن النووي العالمي، فإن هذا الكتاب سيلقى ترحيب الأكاديميين وصنّاع القرار على حد سواء.

ملخص: قابلت المجموعة الدولية جهود إيران لحيازة أسلحة نووية بقلق شديد لأنها تشعر بأن امتلاك إيران مثل هذه الأسلحة سيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير في منطقة الخليج وما وراءها. وتذهب تيريز ديلبيش إلى القول إن فرص وقف سباق إيران المحموم لامتلاك القنبلة النووية بالوسائل الدبلوماسية أصبحت ضئيلة، لأنّ ما أُضيع من الفرص والوقت كان أكثر مما ينبغي. وإذا ثبت عجز المجموعة الدولية عن معالجة أزمة إيران النووية، فسيتعيّن على جميع القوى ذات العلاقة ـ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين وباكستان، تحديداً ـ الاعتراف بمسؤولياتها.

 

مقالات لنفس الكاتب