; logged out
الرئيسية / برامج التأهيل الإعلامي في جامعات دول مجلس التعاون (الواقع والطموحات)

برامج التأهيل الإعلامي في جامعات دول مجلس التعاون (الواقع والطموحات)

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

تعد الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي من أوائل مؤسسات التعليم العالي العربية التي قامت بإدخال تخصصات الإعلام والاتصال ضمن مناهجها الدراسية وبرامجها التدريبية منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي في ضوء تنامي الحاجة في دول المجلس إلى كوادر إعلامية مؤهلة تستطيع مواكبة التوسعات الهائلة التي شهدتها قطاعات الإعلام والاتصال والعلاقات العامة في دول المجلس.

تبين الإحصائيات الحديثة أنه مع نهاية عام 2008، كان هناك أكثر من 11 جامعة في دول المجلس، معظمها في دولة الإمارات العربية المتحدة، تقوم بطرح الدراسات الإعلامية على مستويي البكالوريوس والماجستير في مختلف تخصصات الإعلام والاتصال. ويلاحظ من تحليل هذه البرامج أنها تقارب تخصصات الإعلام والاتصال على أسس وظيفية وتكنولوجية، حيث تقدم درجات البكالوريوس في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة والإعلام الجديد. وفيما تنحصر أعداد الطلبة المنتسبين إلى هذه البرامج في فئات الذكور في جامعات الملك عبدالعزيز والملك سعود والإمام محمد بن سعود في المملكة العربية السعودية، فإن نسبة الإناث الملتحقات بهذه البرامج تعد الأعلى في بقية جامعات دول الخليج العربية ، مما يشير إلى مدى جاذبية هذا التخصص في هذه المجتمعات لفئة الفتيات اللواتي يجدن فيه مجالاً واعداً للإبداع والمساهمة في مسيرة تنمية مجتمعاتهن. وفي بعض دول الخليج العربية، تعاني الجامعات التي تقدم تخصصات الإعلام والاتصال من مشكلة تدني مستوى توافر أعضاء هيئة التدريس المواطنين في هذه التخصصات، حيث نلاحظ أن نسبة كبيرة من أعضاء هيئة التدريس هم من الدول العربية والأجنبية، وهو ما ينطبق على البرامج التي تطرحها جامعات في دولة قطر، ومملكة البحرين، ودولة الكويت، ودولة الإمارات. ولعل هذه المسألة تبدو أقل حدة في كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

إن تزايد البرامج التي تقدمها الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية يؤشر إلى الأهمية المتنامية للقطاع الإعلامي في دول المجلس، حيث نلاحظ توسعاً كبيراً في هذا القطاع ما تطلب كوادر إعلامية مؤهلة في مختلف فنون العمل الإعلامي كان لا بد للجامعات من المساهمة في توفيرها. وهذا التوسع لم يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، بل شمل أيضاً الإعلام الإلكتروني الجديد بما فيه إعلام الوسائط المتعددة، حيث بادرت الجامعات إلى إنشاء مرافق تدريبية واستحداث مناهج دراسية تتماشى مع الواقع الإعلامي المستجد، كما أن هذا التوجه شمل أيضاً تخصص العلاقات العامة الذي شهد تزايداً كبيراً في إقبال الطلبة وبخاصة الإناث منهم لدخول هذا المجال في ضوء تبني مفاهيم وممارسات جديدة في العلاقات بين المؤسسات والجماهير. ونلاحظ أن معظم المناهج المطروحة في جامعات دول مجلس التعاون استلهمت منهجياتها وموضوعاتها من المناهج المطبقة في أرفع الجامعات الأمريكية والبريطانية وبعض الجامعات العربية، حيث درس معظم أعضاء هيئة التدريس. كما أن بعض تلك المناهج خضع للتعديل والتكييف بما يتناسب مع معطيات البيئة المحلية بكل تفاصيلها الاجتماعية والثقافية.

إن إحدى القضايا التي تواجه التأهيل الإعلامي في جامعات دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في توفير التدريب المناسب للطلبة أثناء الدراسة ليتمكنوا من تحصيل المهارات المناسبة التي تساعدهم على الانخراط بسوق العمل بعد التخرج.  وقد عمل كثير من الجامعات على استحداث مرافق تدريبية داخلية شملت استوديوهات للراديو والتلفزيون ومختبرات للصحافة وللنشر الصحفي وإنتاج الوسائط المتعددة وبناء المواقع الإلكترونية. كما أن هذه الجامعات استحدثت برامج تدريبية متنوعة يقضي الطلبة من خلالها فترة تدريبية في أماكن العمل المختلفة من محطات إذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات وشركات إنتاج ووكالات وإدارات علاقات عامة من أجل الاحتكاك بواقع العمل واكتساب المهارات المناسبة. وفي كثير من الحالات، قامت كليات وأقسام الإعلام ببناء علاقات تعاون مع المؤسسات الإعلامية تقوم بموجبها الأخيرة بتدريب الطلبة لفترات زمنية محددة، كما تشكلت مجالس استشارية لبعض البرامج الإعلامية مكونة من ممثلي المؤسسات الإعلامية وإدارات العلاقات العامة لمتابعة الإشراف على التدريب وتطوير المناهج الدراسية وفق احتياجات سوق العمل.

 بعض الجامعات الخليجية التي تقدم تخصصات الإعلام تعاني نقص أعضاء هيئة التدريس الوطنية 

ومن القضايا الأخرى التي ترتبط بالمناهج الدراسية في الجامعات الخليجية قضية لغة التدريس، حيث نزعت بعض الجامعات نحو التدريس باللغة العربية فقط وأخرى باللغة الإنكليزية فقط، بينما تقوم جامعات أخرى بالتدريس باللغتين، وأثارت هذه القضية الكثير من الجدل في بعض المجتمعات الخليجية، حيث رأى بعض الناقدين أن التدريس باللغة الإنكليزية سيحرم المؤسسات الإعلامية العربية من الكوادر الإعلامية القادرة على التعامل مع العمل الإعلامي باللغة الأم، بينما رأى منتقدو التدريس باللغة العربية فقط أن عدم امتلاك الخريجين للغة أجنبية سيفقدهم الكثير من الفرص الوظيفية التي تتطلب التعامل مع اللغة الإنكليزية. ومن خلال هذه النقاشات، برز اتجاه آخر يرى أن امتلاك الخريجين في الإعلام للغتين هو أمر في غاية الأهمية، وبالتالي فإنه لا بد للمناهج الدراسية أن تتمحور حول إعداد طلبة ثنائيي اللغة قادرين على التعامل مع الإعلام باللغتين العربية والإنكليزية. وفي كثير من الحالات، اصطدم هذا التوجه بمشكلة أخرى تمثلت في ضعف المخرجات التعليمية باللغة الإنكليزية في المدارس الثانوية مما تطلب خضوع الطلبة لبرامج مكثفة باللغة الإنكليزية قبيل التحاقهم بالدراسة الجامعية.

إن أقسام الإعلام في الجامعات الخليجية تركز في مناهجها على الدراسات المتعلقة بالصحافة والتلفزيون والعلاقات العامة على أسس فنية، وكان لا بد من بلورة مناهجها، كما هي الحال في جامعة الإمارات وجامعة زايد، لتكون أكثر تناغماً مع التخصصات المعرفية المتداخلة بحيث لا يتخرج الطالب وكأنه فني فقط، بل أيضاً قائم بالاتصال قادر على التعاطي مع قضايا المجتمع الثقافية والاجتماعية بكل كفاءة واقتدار. ولعل هذا يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه القائمين على البرامج الإعلامية في جامعات دول المجلس، حيث تبرز الحاجة إلى الكوادر الفنية المواطنة القادرة على إدارة وتشغيل الأجهزة الإعلامية مثلما أن هناك حاجة ماسة إلى قيادات إعلامية متطورة تستوعب متطلبات العمل الإعلامية في بيئته الدولية والمحلية، وقادرة على بلورة خطاب إعلامي مستنير يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، ويسهم في مساعدة مجتمعات دول المجلس على بلوغ أهدافها التنموية.

تزايد البرامج الإعلامية التي تقدمها الجامعات الخليجية يؤشر إلى نمو القطاع الإعلامي في دول الخليج 

إن استمرار تطور قطاع الإعلام والاتصال في دول المجلس يعني بالضرورة وجود حاجة ماسة إلى برامج التعليم والتدريب الإعلامي التي تقدمها الجامعات، وخاصة أن هذا القطاع هو في تغير وتطور مستمر، ويتطلب جهوداً أكبر في تمكين الإعلاميين من مواكبة المستجدات عبر مزيد من تطوير المناهج والخطط التدريبية، وهو أمر لا يتحقق إلا من خلال تطوير علاقات التعاون والتشابك بين أقسام وكليات الإعلام من جهة وسوق العمل من جهة أخرى، كما أن مساهمة الجامعات في رفد سوق العمل الإعلامي بالكوادر المدربة لن تتحقق إلا من خلال بناء علاقات من التنسيق بين هذه الجامعات لتبادل الخبرات والمعارف.

مجلة آراء حول الخليج