; logged out
الرئيسية / سبل النهوض بدور الإعلام التنموي في الدول العربية

سبل النهوض بدور الإعلام التنموي في الدول العربية

الأحد، 01 آذار/مارس 2009

الإعلام هو جهاز يسعى إلى نقل الحقائق والمعلومات التي تهم أفراد المجتمع، والإعلام التنموي منظومة إعلامية فرعية تعالج قضايا التنمية، عبر التحكم في أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري داخل المجتمع وتوجيهها بالشكل الذي يتفق وأهداف الحركة التنموية ومصلحة المجتمع العليا.

وتكمن أهمية الإعلام التنموي في عمله على دفع مسار التنمية لإنجاز أهداف التنمية بالشكل المطلوب وفق استراتيجية واضحة ومدروسة، تسعى إلى توسيع نطاق المشاركة الشعبية، والترويج لأهمية إنشاء وتحديث الأجهزة والمؤسسات التي تنهض بالدور الرئيسي في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية،وتدافع عن تحقيق العدالة في توزيع أعباء التنمية وعوائدها.

وتساهم التغطية الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية للشؤون الاقتصادية في التعريف بالنشاط التنموي عن طريق نشر الأخبار والآراء والتحليلات وتفسير المصطلحات الاقتصادية المعقدة، ونشر المعلومات التي تشتمل على الحقائق والأرقام والإحصائيات والدراسات والأبحاث، كما تهدف التغطية الإعلامية إلى توثيق المعلومات والتحليل والتفسير المستند إلى استخدام أدوات البحث العلمي في العمل الصحافي، وإجراء استطلاعات الرأي لمعرفة اتجاهات الجمهور حول قضايا التنمية والاستثمار، والقاعدة الأساسية لوسائل الإعلام هي أنها مجرد قنوات توصيل كفء بين بيئة الأعمال والجمهور الأوسع، وبالتالي فإن الأخبار والتحليلات الاقتصادية التي تبثها أو تنشرها ليست إلا مؤشرات لا يجوز استخدامها كأساس لاتخاذ القرارات الاستثمارية أو لإجراء الصفقات الاقتصادية، وتنحصر مهمة الإعلام التنموي بتزويد المجتمع بأكبر قدر ممكن من الحقائق والمعلومات الدقيقة التي يمكن للمعنيين بالتنمية التحقق من صحتها. وبقدر ما يقدم الإعلام من حقائق ومعلومات بقدر ما تحقق التنمية أهدافها؛ خاصة أن دور الإعلام ينصب على كيفية توجيه الأفراد لمساعدة أنفسهم؛ والإسهام بفاعلية في الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم؛ وتشجيعهم على القيام بدور فعال في تنمية مجتمعهم وتوعيتهم ليكونوا على إدراك ووعي بمشكلات بيئتهم. وتنبع أهمية الجهاز الإعلامي المرتبط بمسار التنمية من مساهمته في تحديد احتياجات المجتمع وترتيب أولوياته؛ وتحديد المشكلات التي تواجه المجتمع واختيار أنسب الطرائق لمعالجتها وتحديد مستويات الجهات المختلفة المسؤولة عن التنفيذ. ما يعني أن الإعلام التنموي نشاط شامل ومخطط ومتعدد الأبعاد يخاطب الرأي العام بهدف إقناعه بضرورة المشاركة الإيجابية في عملية التنمية وعمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، عبر تقديم صورة عن طبيعة التوجهات المستقبلية للاقتصاد والتعريف بالنشاطات والفعاليات الاقتصادية والتنموية والطاقات المتاحة وتشجيع حركة التبادل الاقتصادي الاستثماري بشتى مجالاته وصوره من خلال ما يسمى بـ (الاتصال المعزز للتنمية)، الذي يهدف إلى نشر ثقافة التنمية بعرض وتبسيط وشرح وتفسير وتحليل المضامين الاقتصادية في قوالب إعلامية مهنية جاذبة لخدمة أهداف التعليم والتثقيف ونشر المعلومات وتنشئة المجتمع على مفاهيم تنموية تخدم مصالحهم، وتمس حياتهم اليومية ومستقبل أجيالهم. ويرتبط تطور أداء الإعلام التنموي ارتباطاً وثيقاً برغبة الدولة في تحسين المناخ الاقتصادي وتوسيع دائرة المشاركة في عملية صنع القرار الاقتصادي، وتحسين درجة الشفافية وقبول الانتقاد.

ولضمان نجاح الإعلام في نشر التنمية لابد من وجود رؤية واضحة واستراتيجية إعلامية، تهدف إلى إبراز فلسفة التنمية وتوجهاتها، واستخدام أدوات البحث العلمي لزيادة المقدرات الإعلامية على التحليل والاستقراء، والمهنية والمصداقية واحترام الحرية الصحافية والاستقلالية في تحديد مشكلات وقضايا وتحديات التنمية، والاستفادة من العلم والتكنولوجيا الإعلامية والثورة التقنية، لبناء قاعدة معلومات وتحليلات يستفاد منها في وضع استراتيجيات وتحليل السياسات.

تساهم وحدات الإعلام المعززة لدور التنمية في توجيه سلوك المواطنين وحثهم على تحمل مسؤولياتهم في مجالات التنمية

وتساهم وحدات الإعلام المعززة لدور التنمية في توجيه سلوك المواطنين، وحثهم على تحمل مسؤولياتهم في مجالات التنمية، وإبراز وجهة نظر المجتمعات المحلية وعمل تسويق اجتماعي لمشروعات التنمية، بتحويل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى مواقع لعرض نتائج الدراسات العلمية الاقتصادية، ومنابر لتبادل الأفكار والآراء الاقتصادية والمعالجات الواقعية لقضايا وهموم التنمية، عبر حضورها بقوة في الفعاليات الاقتصادية وتواصلها مع الحركة الأكاديمية في هذا المجال، واختيار المعلومات والموضوعات بشكل دقيق وجذاب واستخدام أساليب مشوقة من أجل جذب كل شرائح المجتمع للتفاعل مع الوسائل الإعلامية في مجال الإعلام الاقتصادي.

 أن تحقيق تلك الأهداف المتداخلة يستلزم وجود تخطيط إعلامي يتسم بالشمولية والتكامل لضمان الأداء الجيد، وفقاً للأساس الزمني: القصير والمتوسط والبعيد المدى نظراً لشمولية الإعلام التنموي وارتباطه بنواحٍ اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية تربوية. فمن الناحية الاجتماعية يقوم الإعلام التنموي بتوسيع الآفاق الفكرية؛ ولفت انتباه الناس إلى القضايا العامة باعتبار التنمية تتطلب قيماً ومعايير ومعتقدات اجتماعية متجددة. فنظام الاتصال هو أداة للتغيير نحو نظام اجتماعي شامل.

 وعلى الصعيد السياسي فإنه يهدف إلى تأكيد أهمية مبدأ الوحدة الوطنية وتوسيع دائرة الحوار السياسي ودفع الناس باتجاه المشاركة السياسية واتخاذ القرار وتوضيح الأبعاد الوطنية للتنمية.

ومن الناحية الثقافية يسعى إلى إيجاد الظروف المواتية للتنمية ودعم التحولات الاجتماعية، وترسيخ التطورات الإيجابية في مجال التعليم، والاهتمام بالتربية جنباً إلى جنب مع التطور الاقتصادي والاجتماعي؛ فالتنمية عملية إنسانية حضارية ونسبية.ولذلك يمكن القول إن (لا تنمية من دون تخطيط إعلامي)يتولى مهمة حشد الطاقات الإعلامية البشرية والمادية، وتوسيع جهود المؤسسات الإعلامية الجماهيرية والشخصية من خلال وحدة العمل الإعلامي بكافة صوره وأشكاله؛ واستغلال كل القنوات الاتصالية وعناصرها؛ وجعلها في خدمة الاستراتيجية العليا وهي التنمية.

وتؤكد هذه الحقائق وجود نوع من التفاعل الديناميكي بين التنمية بمظاهرها المتعددة ووسائل الإعلام.

فالتنمية الاقتصادية تؤدي إلى زيادة وتيرة التدفق الإعلامي من خلال مضاعفة القدرة الشرائية للناس؛ كما أن زيادة التدفق الإعلامي والمعلومات تسهم في رفع مستوى التنمية الاقتصادية. وبالمقابل فإن غياب النظم السريعة للاتصال وضعف الشفافية وهيمنة التعتيم الإعلامي قد تشكل سبباً رئيسياً من أسباب تخلف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كثير من المناطق في الدول النامية.

بقدر ما يقدم الإعلام من حقائق ومعلومات بقدر ما تحقق التنمية أهدافها

سلبيات الإعلام التنموي في الدول العربية

يتفق معظم الباحثين الإعلاميين العرب على أن حالة الإعلام التنموي في الدول العربية؛ هي حالة غير مرضية على العموم، ولا تختلف كثيراً عن وضعية المؤسسات الأخرى العاملة في تلك الدول؛ وتعود تلك الحالة في مجملها إلى:

* افتقار الدول العربية إلى جهاز إعلامي تنموي حقيقي؛ أو منظومة إعلامية حقيقية وفاعلة لها حضور قوي في المجتمع. فضلاً عن قصور النظرة الرسمية للإعلام التنموي وتحويله إلى مجرد أداة تعكس الرأي الرسمي ومن أهم سلبيات الإعلام التنموي العربي:

* افتقار معظم الإعلاميين العرب إلى فلسفة تنموية محددة أو فقدانهم لنظرية واضحة المعالم في إطار التنمية، كنتيجة مباشرة للتبعية الإعلامية والثقافية لوسائل الإعلام الدولية وعلى الأخص الغربية؛ لذا غالباً ما نجدهم يروجون لمفهوم التحديث عبر تقديم اﻟﻤﺠتمعات الغربية بشبكاتها المالية ونشاطاتها الاقتصادية وأنماطها الاستهلاكية والتكنولوجية كنموذج وحيد يجب الاحتذاء به.

* انعدام العلاقة بين مضمون المواد الإعلامية والواقع الاجتماعي والثقافي السائد في الوطن العربي؛ بل يتنافى مع طبيعة المشكلات التي تواجه هذه المجتمعات العربية،وخصوصاً التوجهات ذات الصلة بعملية التنمية؛ مما يجعل المضامين التي تبثها المواد الإعلامية معادية في معظم الأحيان لعملية التنمية.

* انفصال الإعلاميين عن مجتمعاتهم وبروزهم كنخب تخضع لمغازلة السلطة؛ وتسعى إلى الخلاص الفردي من معوقات الإعلام التنموي.

* تمارس الدعاية والإعلان دور معوقاً للتنمية من خلال التأثير الذي تمارسه على قرارات الأفراد والسيطرة على سلوكهم بإثارة غرائزهم وتحريك شهواتهم والتهويل في الأخبار.

إن هذه العوامل مجتمعة أبعدت الإعلام التنموي العربي عن مفهوم الإعلام التنموي الشامل وجعلته مجرد إعلام اقتصادي يبحث في قضايا جزئية وآنية، ويهمل الأمور المركزية والقضايا الأساسية والجوهرية في مجال التنمية، ويفتقد زمام المبادرة ولا ينشط وفق قوانينه الداخلية؛ فثمة من يحدد خطواته بعيداً عن متطلبات التنمية،وبالتالي فهو ضعيف الصلة بالواقع لاعتبارات سياسية واقتصادية؛ ويقدم لنا الأحداث والمؤشرات الاقتصادية والتنموية معزولة عن سياقها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.

دور الإعلام ينصب على كيفية توجيه الأفراد لمساعدة أنفسهم والإسهام بفاعلية في الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم

آليات النهوض بالإعلام التنموي في الدول العربية

لتفعيل دور الإعلام التنموي في الدول العربية ينبغي أن يركز الخطاب الإعلامي على مناقشة وتحليل التحديات والقضايا الرئيسية التي تواجه التنمية في تلك الدول من خلال:

* التعريف بعناصر القوة والضعف في اقتصاد الدول العربية،وتحديد طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه عملية التنويع الإنتاجي والتغيرات الهيكلية في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستويات التشغيل من ناحية وتشخيص أسباب الركود في القطاعات الإنتاجية وتدهور مستويات الإنتاجية وانخفاض مستويات المهارة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم وانتشار مظاهر الفساد الإداري والمالي من ناحية ثانية.

* التوعية بأهمية توسيع دور القطاع الخاص في عملية الإنتاج وتوفيرفرص العمل، باعتبارها شرطاً لازماً لزيادة إنتاجية المجتمع وإطلاق طاقاته وتنمية روح التنافس بين قطاعات الاقتصاد القومي.

* متابعة التقدم المحرز في مجال التنمية البشرية، وكيفية معالجة مشكلة البطالة والقضايا الأخرى ذات الصلة بالسكان والقوى العاملة ومخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل.

* الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالعلاقة مع العالم الخارجي وكيفية مواجهة الصدمات الخارجية وتحديات العولمة والانكشاف الاقتصادي ومناقشة الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف والمناطق الحرة، وسبل زيادة التدفقات المالية الواردة والاستثمار الأجنبي المباشر.

* الابتعاد بقدر الإمكان عن توجيه الجمهور نحو مجالات استثمارية معينة، لتجنب ما قد يترتب على هذا التوجيه من مكاسب أو خسائر يمكن أن تلقي بتبعاتها على وسيلة الإعلام. فقد يلجأ بعض العاملين في وسائل الإعلام إلى تضليل المستثمرين من خلال التقديم لهم بشراء أسهم تراجع سعرها في السوق،من دون الارتكاز على أي تحاليل أو دراسات مهنية.

* الاهتمام بقضايا البيئة وقضية التوافق بين النمو والاعتبارات البيئية والاستخدام الرشيد للموارد.

* إضفاء طابع مشوق على الأخبار الاقتصادية للتخفيف من التعقيد والملل الذي قد يصيب القارئ أثناء مطالعة الإحصائيات والحقائق الاقتصادية وعدم التركيز على النخبة، فيما المواطن العادي مهمل وغير مدرج ضمن أجندة التوعية والتوجه الإعلامي لتوسيع دائرة النقاش بشأن القضايا التنموية وإنعاش الوعي التنموي لأفراد المجتمع.

* وضع استراتيجيات وخطط آنية ومستقبلية للنهوض بالمستوى الفني للمنتج الإعلامي المحلي المقروء والمسموع والمرئي والإلكتروني في ظل التدفق المطرد للمعلومات والتطورات التقنية العالمية.

* التركيز على تحديد الأولويات وإبراز المضمون، وتدعيم القيم الإيجابية، وعدم التقليد الأعمى، والاهتمام بالاحتياجات التنموية والفعلية وإبراز طابعها المحلي الوطني والقومي، والتقليل قدر الإمكان من الإعلانات التي تحرض على زيادة الاستهلاك،والتوعية بأهمية زيادة الادخار.

* تطوير مهام الإعلاميين؛والارتفاع بمستوى المضامين الإعلامية المسموعة؛ والمقروءة والمرئية وإتاحة الفرص لوسائل الإعلام لكي تصبح أدوات فاعلة للتواصل الاجتماعي والإنساني والتركيز على مختلف الأبعاد في أثناء تناول السياسات التنموية من بعد اجتماعي وإعلامي وثقافي وتكنولوجي واقتصادي وتشريعيومهني.

وأخيراً يتطلب تنفيذ تلك المهام تنفيذ برنامج للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري والثقافي في الدول العربية،يعزز الثقافة الديمقراطية،ويأخذ بالرأي والرأي الآخر لتفعيل المشاركة السياسية والتأثير وتوسيع دور المجتمع المدني، والعمل على تخفيف الموانع القانونية المفروضة على المؤسسات الإعلامية وإصدار تشريعات تحمي الإعلامي وتصون حقوقه، فالحرية هي التي تفجر الطاقات الإبداعية، وترفع من مستوى المؤسسة الإعلامية في أجواء من المنافسةوصولاً إلى إيجاد صناعة إعلامية عربية.

مجلة آراء حول الخليج