; logged out
الرئيسية / علاقة دول الخليج العربية مع أحداث الثورة السورية: الأبعاد والدلالات

العدد 91

علاقة دول الخليج العربية مع أحداث الثورة السورية: الأبعاد والدلالات

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

اختلفت الرؤى والتصورات بشأن الربيع العربي، فالكثيرون اعتبروه يمثل نقلة تحول جوهرية في التاريخ العربي المعاصر وحالة نهضوية تحديثية، قالت فيها الجماهير كلمتها، ولم تعد تقبل الإملاءات الأيديولوجية أو التصورات النابعة من ثقافة العوائل الحاكمة، التي أخذت مكانتها في السلم الاجتماعي والطبقي في مجتمعاتها بعد أن مرت بحالة تسامٍ من حالة بيئتها المحلية إلى بيئة احتل فيها الصدارة فجأة المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وقد استفادت أكثرها من الإرث التي حصلت عليه من الفئات الحاكمة التي ناضلت وكافحت من أجل حرية شعوبها ضد الاستعمار، وبالتالي ساعدها بأخذ دورها الحضاري في خريطة التحرر في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وانحصار الاستعمار القديم، وقد استفادت بعض تلك العوائل من تبوء بعض أعضائها المرافقين للرعيل الأول من القادة، الموقع الأول في الدولة، إثر وفاة قادتهم أو في قدرتهم على تنحيهم بالقوة لتتحول أسرهم إلى أسر مالكة، وتؤسس لنفسها تقاليد الأسر الأرستقراطية المقلدة لطقوس الأسر الأرستقراطية العريقة في كثير من مجتمعات العالم، في الوقت الذي انحدرت شعوبها نحو الفقر والتهميش والإقصاء والخنوع والتنكيل ومصادرة الرأي، وإعلام الدولة ينفخ في رأسها ليل نهار شعارات الوطنية والممانعة وغيرها.

أما البعض الآخر فينظر إلى الربيع العربي على الرغم من مشروعيته الشعبية بأنه قائم على أساس تحريك سياسي عالمي هدفه الإطاحة بالنظام العربي أو ما تبقى منه، من خلال خلق الصراعات المحلية بين ثقافاته الفرعية ولا سيما أن الأيديولوجية التي تحكم عقلية الإنسان العربي قائمة على الاعتزاز بالفكر التقليدي الذي تتبناه سواءً الاجتماعي أو الديني أو العلماني، وتفرعاته لتكون حظوظ بناء ديمقراطية حقيقية مسألة مشكوكاً بها في ظل غياب المرتكزات الصناعية والاقتصادية ومعايير التقسيم الطبقي بتجلياته الثقافية البنائية في مجتمعاتها، كما أن التصورات السائدة في ظل التغيرات الجارية وما يرتبط منها بغايات سياسية تعبر عن خوفها من تدخلات إقليمية في المنطقة العربية والخليجية على وجه التحديد، مستغلة تلاقي الأهداف، وبالتالي إقامة تحالف للتصدي لمخاطر عالمية تستهدف المنطقة. على هذا الأساس يخشى أن يوظف هذا التحالف بخطوات توسيعه في المنطقة العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص. وبين الرؤى السياسية للقضايا الكبرى التي يراها المتحالفون تستهدف الممانعين والمعارضين للمخطط العالمي، وبين التصورات التي ترسم ملامح خوف الطرف الخليجي من استهدافه في أيديولوجيته وثقافته، يمكن الحديث عن العلاقات السورية-الخليجية وتداعياتها الحالية في ظل الأوضاع السائدة وما يمكن أن تكون عليه الأوضاع بعد تغيير النظام السياسي السوري وامتداد رقعة آثارها إلى بلدان الجوار، ولا سيما العراق ولبنان وبالتالي انعكاس كل ذلك على منطقة الخليج العربي.

أولاً: الموقف الخليجي والثورات العربية وحسابات الأعداء

لا يمكن فهم خارطة علاقة دول الخليج العربية مع أحداث الثورة السورية خارج إطار الصراعات الإقليمية الجارية في المنطقة العربية والخليجية على وجه التحديد التي تعد في نظر أهلها مستهدفه في ثقافتها وثرواتها من أطراف إقليمية طامحة، فضلاً عن حلبة الصراع الدولي بين الشرق والغرب، ولكل من تلك الأطراف حساباته التي تصب في مصالحه، وفي أتون ذلك يمكن تحليل مسارات العلاقات السورية-الخليجية في ظروفها الحالية والمستقبلية بعد توقع تطورات محلية وإقليمية باتت على حافة الوقوع، ولكي تكون الصورة واضحة لا بد من الحديث عن الجانب الآخر للثورات العربية ولا سيما في غياب رؤية سياسية متكاملة بشأن المستقبل، ففي الوقت الذي يسعى فيه الشعب العربي إلى تحقيق حريته، وهو يدفع ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه، فضلاً عن تدهور ظروفه المعيشية بسبب الظروف القلقة التي يمر بها، فهذا الشعب يستحق الحياة الهنيئة والكريمة، لكن لا بد أن يكون هناك برامج سياسية وتنموية وحوار إيجابي لحل الإشكاليات القائمة بعد التغير، والخوف من توظيف ما يجري من تغير لصالح سياسات دولية وإقليمية قد تدفع ثمنها هذة الشعوب مرة أخرى. وعلى الرغم مما تحظى به ثقافة الأجيال الجديدة من تقدير على قدرتها في رسم مسيرة حياتها التحررية لتكون سداً مانعاً إزاء أي توظيف يستهدف العالمين العربي والإسلامي، فإن بعض الوقائع تشير إلى أن الأعداء المتربصين بالأمة يسعون إلى توجيه مسار الثورات الشبابية بما يتفق مع مصالحهم وذلك بالعزف على وتر الصراع بين الثقافات الفرعية والمحلية في بعض البلاد العربية، والعمل على تفتيتها أكثر فأكثر.

فنأخذ على سبيل المثال ما يحصل على أطراف قلب الوطن العربي (مصر) من تداعيات خطرة لا تصل آثارها (إذا تأزمت) فقط إلى مصر بل إلى العالم العربي عامة وإلى منطقة الخليج العربي خاصة، فمصر محاطة بدول قلقة- إن صح التعبير- فضلاً عن أوضاعها غير المستقرة، ففي الغرب هناك ليبيا، والدعوات إلى التقسيم على أساس الولايات الليبية القديمة، والتي بتنا نسمع بها اليوم بشكل أو بآخر، فهناك ولاية طرابلس في الغرب وولاية فزان في الجنوب ولاية البريقة في الشرق الليبي، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من صراعات أهلية، ربما تدعمها أطراف إقليمية أو دولية، وقد تنعكس آثارها على مصر وعلى أطراف أخرى في المنطقة ولا سيما المغرب العربي، وهناك السودان وداء الانفصال المستشري فيه، والصومال وإشكالياته المعقدة التي لا حدود لها، واليمن وعوامل القلق الذي ينتاب المنطقة من جراء أحداثه المتسارعه، لا سيما مع تصاعد نشاطات تنظيم القاعدة في بيئة قبلية وجبلية معقدة إذا استحكم فيها، كما حأول في مناطق من جنوبه، وتداعيات ذلك على الاستقرار الإقليمي، ولا سيما ما يتصل بمنطقة الجزيرة والخليج العربي بكاملها، وهناك الأزمة السورية وتداعياتها المحلية والإقليمية الخطرة، فهي أكثر تعقيداً مما في اليمن ومصر وتونس، فسوريا لها تحالفات استراتيجية مع أطراف إقليمية أبرزها إيران ووأخرى دولية أبرزها روسيا والصين، وهذه التحالفات تدور في مدارات إقليمية ودولية، فعلى الصعيد الإقليمي يظهر التخوف الخليجي من التحالف الإيراني السوري وآثاره على مستقبل المنطقة، وما يمكن أن يفتحه ذلك من باب لصراع جديد مع أطراف عدة في المنطقة، قد تشمل الأردن والعراق ولبنان، لا سيما أن الظروف المحلية والإقليمية تدفع إلى مثل ذلك التوتر، وما يمكن أن يضع دول الخليج العربية في موقع مهم بين كل ذلك، ومن ثم تعرض أمنها الوطني إلى الخطر، ما يجعل المنطقة الخليجية أكثر المناطق الإقليمية حساسية، الأمر الذي يجعل السياسة الخليجية تتجه نحو بناء تفاهم خليجي مشترك إزاء الأوضاع المتوقعة في المنطقة خلال الفترة الحالية وما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، وهناك المسار العالمي الذي يدور في فلك التوازن الدولي، ومحاولة روسيا إعادة دورها الدولي بعد أن فقدته بالكامل بعد عام 1989.

دول الخليج ترى أنها مستهدفه في ثقافتها وثرواتها من أطراف إقليمية طامحة

أي تفكك في المنطقة العربية ستنعكس آثاره الخطرة على العرب أولاً وأخيراً

لا يمكن لأحد أن يقف ضد إرادة الشعوب وهي تطالب بالحرية والكرامة

وكل طرف من هذه الأطراف يبحث عن مصالحة، ويسعى إلى وضع خطط بما يتناسب وحجم المخاطر المحدقة بالمنطقة العربية تحت تأثير الصراع الأيديولوجي والطائفي، وما يمكن أن تنعكس آثاره على مزيد من حالات الضعف والتفتيت للمنطقة العربية، ربما تفوق خطورته، خطورة اتفاقية سايكس بيكو. ونظرة متفحصة لهذه الظروف يجعلنا نقف أمام تقيم جديد للعلاقات الخليجية-السورية في ظروفها الحالية، وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل على ضوء النتائج الميدانية، وانعكاسها على المنطقة بكاملها، وما قد ينتج عن ذلك من صراع ثقافي وسياسي يقود المنطقة إلى مزيد من التعقيد، لا سيما أن شعور الخليجيين بمخاطر هذة الأوضاع على أمنهم الوطني يزداد يوماً بعد آخر مع ازدياد طموح إيران وسعيها إلى تطوير برنامجها النووي المتهم غربياً بالأغراض العسكرية، وقد قادت هذه الظروف إلى دفع دول الخليج العربية إلى التفكير في مصالحها، ودفع المخاطر التي قد تستهدف أمنها وثقافتها، ما يجعل الأولويات المحيلة تتقدم على نظيرتها الدولية، التي غالباً ما يدور في حسابات مصالحها الحيوية، مصلحة إسرائيل،، لذا فإن دول الخليج العربية تقف بين موقفين مهمين، أولهما وضع الاحتياطات اللازمة من مخاطر قد تحدق بها مستقبلاً من تحالف محور إيران وسوريا ولبنان كطرف فاعل، وثانيهما، مخاطر اللعبة الدولية ومدى استفادة إسرائيل من تطورات الأوضاع في البلاد العربية، وعملها المستمر من أجل إضعاف القوة العربية من خلال دخولها في صراعات ثقافية ومحلية، تؤدي إلى مزيد من التدهور للواقع العربي، لا سيما أن العرب ما زالوا يعانون آثار حروب الخليج، وآخرها احتلال العراق، كذلك ما تتركه التغيرات الثقافية بسبب انفتاح البلاد العربية على العالم، تحت تأثير العولمة، بعد انحصار النفوذ الشرقي (الروسي والصيني) في المنطقة وتراجعه عن دعم القضايا العربية، بسبب مشكلاته المحيلة وسط امتداد النفوذ الغربي والأمريكي إلى الحدود المباشرة لكل من روسيا والصين وتزايد مخاطر هذا النفوذ على مستقبل تلك الدول.

ومع هذا لا يمكن تجاهل ثورات الشعب العربي وتوظيف نتائجها لصالح الأمن القومي العربي من خلال الاعتماد على الذات، وعدم الاعتماد على التحالفات الخارجية التي تصب في نهاية المطاف في مصالح الأطراف الخارجية نفسها، لأن أي تفكك في المنطقة العربية ستنعكس آثاره الخطرة على العرب أولاً وأخيراً، وهذا يتطلب رؤية عربية مشتركة تقفز فوق اختلاف رؤى الثقافات الفرعية للثقافة الإسلامية والعربية، لذا فإن العلاقات الخليجية- السورية تمثل مسألة حيوية وجوهرية في فلك السياسة الإقليمية الحالية وصراعاتها المحتدمة، وتظهر أهمية ذلك في عزم دول الخليج العربية على دعم الشعب السوري في ثورته، وبالتالي يمكن توقع برامج جديدة لهذه العلاقات تعتمد على تصور جديد لطبيعة الصراع القادم بعد مرحلة النظام السياسي السوري، لا سيما مع دخول المنطقة مرحلة توتر وقلق شديدين، هي أشد قسوة وعنفواناً، مقارنة بما يجري اليوم.

ثانياً: تعامل دول الخليج مع الثورة السورية: الأبعاد والدلالات

لا يمكن لأحد أن يقف ضد إرادة الشعوب وهي تطالب بالحرية والكرامة بعد سنوات عجاف من الذل والهيمنة، التي تمارسها النظم الاستبدادية ضدها، والتي أرجعتها قروناً إلى الخلف من خلال إقحامها بحروب لا طائل منها أو من خلال تكريس واقع اجتماعي واقتصادي متخلف في الوقت الذي يتطور العالم من حولها علمياً وتكنولوجياً وحضارياً، وإذا كانت شعوب أوروبا قبل قرون قد تمكنت من نفض غبار التخلف والهيمنة الاستبدادية وسيطرة الكنيسة وآثار القرون الوسطى لتؤسس دولة مدنية دستورية، وتبني حضارة منتجة وصلت إلى كل بقعة من بقاع العالم في المرحلة الحالية من التاريخ الإنساني، فإن النظم السياسية في المنطقة العربية لا تزال ترزح تحت سيطرة العقلية البدائية في الحكم وفي فهمها لأسلوب الحياة الاجتماعية، بعد أن تحولت تدريجياً من نظم جماهيرية – إن صح التعبير- بعد فترة الثورات العربية التي تلت الحرب العالمية الثانية، كنتيجة للنهضة واليقظة العربية، إلى نظم استبدادية ظالمة تحت تأثير شعارات التضليل والخداع لتعيد الإنسان العربي إلى عصر القرون الوسطى، ومن خلال هذا الفهم فإن الواجب الإنساني يدعو كل الأطراف شعوباً وحكومات أن تقف إلى جاب الثورات العربية، ومن هذا الباب يمكن النظر إلى تعامل الدول الخليجية مع ثورات الربيع العربي، بما فيها الثورة السورية، إلا أن التعامل الخليجي معها يدخل أيضاً في حسابات سياسية وثقافية. وفي هذا المجال يمكن التطرق إلى بعض الأبعاد التي تحكم ذلك:

1- البعد الإنساني:

لا يمكن للضمير الإنساني، السكوت وهو يرى آلة القتل الضاربة تحصد أرواح الناس بشكل ممنهج وهي تطالب بحقوقها الإنسانية المشروعة في الحرية والكرامة، وقد جاء التعامل الخليجي من هذا المنطلق في ثورات الربيع العربي، وهكذا موقفها مع أحداث الثورة السورية، والتي لم يتمكن نظام الحكم السياسي في سوريا التعامل مع الأوضاع الداخلية بطريقة سريعة وإيجابية في إحداث إصلاحات دعا إليها الناس بطريقة سلمية، وبالتالي احتوائها ببرنامج إصلاحي مباشر من خلال إجراءات سريعة تسمح بتغير يتناسب مع التوجه الحداثوي الجديد الذي يسود المنطقة العربية والذي يقوده شباب عابر للإثنيات والأيديولوجيات، وعدم قدرة النظام على ذلك نابع من حقيقتين أساسيتين أولاهما أن هذا النظام وغيره، يعتقد أنه صاحب الحق المطلق في حكم الشعب، وأنه صاحب الفضل الأول عليه، وأن ذلك نابع من عقلية متجذرة نابعة من أسس الثقافة الأبوية التسلطية والتي تعتبر نفسها الأكثر فهماً، والأعلى منزلة من الناس، باعتبارهم الأسياد والناس عبيد. أما الحقيقة الثانية فتتمثل بالحسابات الدولية وسط صراع إقليمي يعتقد أنه مستهدف بحكم وجوده في خانة ما يعرف (بالممانعة) متناسياً أن الممانعة بحد ذاتها لا تأتي إلا من خلال التحامه بهموم الناس والتواضع لهم والاستجابة لمطالبيهم المشروعة، والتي لا يمثل الانصياع لها ضعفاً إنما قوة يستمد منها شرعيته، وعندما لا يتحقق ذلك فإن الثورة هي النتيجة الطبيعية في الرد، فلا يمكن أن تطالبني بواجبات، وأنا مكبل اليدين ومحضور الرأي والتعبير تحت رؤى وممارسات، أضحت تقليدية غير مقنعة لدى الأجيال الجديدة، وإزاء ذلك فإن أي رد عنيف ضد المطالبين بالحقوق المشروعة بالقتل والتدمير لا بد أن يحرك الضمير الإنساني إزاءه وهو يتناغم مع تعاطف شعوب العالم مع هذه الثورات التي تستمد شرعيتها من الشارع الجماهيري العريض.

2- البعد السياسي:

 للبعد السياسي محاور عدة، كل منها ينظر إلى طبيعة العلاقة بين دول الخليج العربية وأحداث الثورة السورية من زاوية تختلف عن الأخرى، وترتكز عليها طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية وأبرزها محور التحالف الروسي – الإيراني – السوري، ليبرز بالضد منه التحالف الغربي- الخليجي – التركي، ولكل منهما مصالحه وحساباته الخاصة. ولا شك في أن اختلاف الروئ السياسية في المواقف المختلفة حول القضية السورية، أضحت تتفاعل بسرعة وتبنى عليها مواقف سياسية جديدة قد يصعب التكهن بما يترتب عليها من مخاطر، فالحسابات السياسية الخليجية تنطلق في تقييم الأوضاع السائدة قي المنطقة العربية ولاسيما في المنطقة الخليجية ومحيطها الإقليمي، من خلال فهما لطبيعة التحالف السوري-الإيراني الذي يتفاعل في ظروف ساخنة في المنطقة بعضها يرتبط بظروف المنطقة الإقليمية وظروف العلاقات الدولية وتوازن القوى وضرورة تفعيله بعد غياب طويل لأطراف دولية كانت فاعلة في الساحة الدولية أبرزها روسيا، وفهم الطرف الخليجي لهذا التحالف يأتي من زاوية معينة تتبلور في شعور الخليجيين بأنهم مستهدفون منه في ظل تنامي الصراعات الطائفية في المنطقة وتتركز الرؤى الخليجية في هذا الجانب أكثر من الجوانب الأخرى المشار إليها، وفي هذا الإطار فإن المنطقة العربية بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، تجعل كثيراً من الأطراف ومنها الطرف الخليجي إزاء معادلة صعبة: شعوب تريد حقوقها وتبحث عن فرصتها الحضارية في عالم اليوم، وأعداء متربصون بالعرب ويوظفون ما يمكن توظيفه لصالحهم وعلى رأس هؤلاء الأعداء إسرائيل، وحكام طامعون ومستبدون غير قادرين على فهم اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم متجاهلين الملايين دون أن يكون لديهم شيء جديد يمكن أن تتفاعل الشعوب معه. والشيء الأساسي الذي يجعل كفة الشعوب هي الراجحة في هذة المعادلة ابتعادها عن الطائفية والعنصرية لأن للحرية والكرامة لغتها الإنسانية المتفاعلة مع كل الأطياف الثقافية، وتعدها مصدر قوتها وعنوان طموحها في إقامة الدولة المدنية وبناء النموذج الحضاري المنتج.

3- البعد الثقافي (الطائفي)

ترى دول الخليج العربية أن التحالف السوري –الإيراني يدخل في باب التحالف الثقافي الطائفي بينما تنظر سوريا إليه على انه يدخل في باب اتفاق الرؤى ضد تحالف غربي يستهدف دول الممانعة المعادية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وعلى أساس هذين التصورين تبنى التصورات تجاه كل منها، ويعزز التعامل الخليجي مع أحداث الثورة السورية، قناعة الطرف الخليجي بأهمية الباب الأول، ويضع في الحسبان، محاولة إيران التمدد في المنطقة من أجل مصالحها القومية، لا سيما، وهي تواجه ضغوطات قوية من قبل أمريكا والغرب بسبب برنامجها النووي، وقد زادت المخاوف مع تطور العلاقات العراقية-الإيرانية في المجالات الاقتصادية والسياسية، ومحاولة العراق أكثر من مرة التوسط بينها والولايات المتحدة الأمريكية وفق مصالح كل طرف، وسعي كل دولة إلى توجيه سياستها بما يحقق لها مكاسب في المنطقة، ولعل البعد الثقافي الطائفي يشغل العقلية السياسية الخليجية كثيراً والخوف من أي تحالف يقوم على أساس ذلك بين العراق وإيران ولبنان مدعوماً من روسيا والصين، لا سيما حينما تلتقي المصالح الحيوية بين تلك الأطراف. بينما يبدي كثير من الأطراف مخاوفه، سواء أكان في سوريا أم إيران أم العراق، من مجيء اتجاهات دينية متطرفة على الحكم في سوريا، ما يهدد مصالح تلك الأطراف، وربما يدخل المنطقة في صراعات إضافية تزيد المنطقة تمزقاً وضعفاً.

 

 

مقالات لنفس الكاتب