; logged out
الرئيسية / "عديمو الجنسية" في الكويت .. الأزمة والتداعيات

"عديمو الجنسية" في الكويت .. الأزمة والتداعيات

الأحد، 01 شباط/فبراير 2009

يلخص هذا المقال دراسة أعدها الكاتب تهدف إلى بحث قضية عديمي الجنسية في الكويت، الذين تتم تسميتهم في الأدبيات الشعبية الدارجة بـ (البدون)، وذلك وفقاً لسياق تاريخي يتناول بدايات تشكل القضية وتطور السياسات الرسمية التي تعاطت معها.

لقد وجدنا أن تلك السياسات تنقسم، وفقاً لطبيعتها وإجراءاتها، إلى مراحل ثلاث هي (مرحلة الاعتراف، مرحلة الرفض، مرحلة الاتهام)، من دون إغفال بالطبع العوامل الوطنية والإقليمية الدافعة لتبني مثل تلك السياسات. وبما أنه يغلب على تلك السياسات طابع الانفتاح تارة والتشدد تارة أخرى، مما انعكس على غياب الاستراتيجية الواضحة لوضع آليات حلول ومعالجة لها، فمن الطبيعي أن تنتج عن ذلك آثار وتداعيات سلبية أدت إلى تعقيدها وتشابك خيوطها. فالبدون من الناحية القانونية مجردون من الحقوق المدنية، كما أنه لا توجد معايير فاعلة لإدماجهم في المجتمع الكويتي بمنحهم حق المواطنة. وسنبين في سياق البحث أن وضعاً مدنياً من هذا النوع انطلاقاً من المسمى المختلف عليه -حيث استقرت الحكومة في السنوات الأخيرة على مسمى المقيمين بصفة غير مشروعة، ومروراً بحجب الحقوق المدنية، وانتهاء بالتشدد في منح الجنسية- خلق واقعاً يتعارض مع بنود الدستور الكويتي ونصوص الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الإنساني، كما امتدت أضراره ليس للبدون فقط، بل للمجتمع الكويتي وسمعة الدولة في الخارج. كما تستدعي الضرورة في محصلة ختام الدراسة الوصول إلى استنتاجات علمية تشير إلى ما تمخض عنه البحث مرفقة ببعض التوصيات التي تفتح آفاقاً واسعة لوضع آليات تشريعية وقانونية تواكب ما يحدث في عالم اليوم من مفاهيم إنسانية ومدنية لحل أزمة عديمي الجنسية في الكويت.

وتعتبر مسألة عديمي الجنسية من القضايا القديمة الجديدة في الكويت، وغالباً ما تلعب جملة من العوامل الداخلية والخارجية دوراً جوهرياً في إثارتها على السطح الإعلامي والسياسي لتصبح قضية محورية في المجتمع الكويتي، أو في إجهاضها وكبتها في المهد لتكون بعيدة عن التعاطي الرسمي والشعبي. وفي ظل غياب طريقة قانونية مؤسساتية لمعالجة هذه المسألة بصورة جذرية شاملة تضمن الحقوق الأساسية لهم وتدمجهم في مشروع المواطنة الكويتية، من الطبيعي أن تظل مسألة عديمي الجنسية عرضة لمتغيرات الرياح الداخلية والإقليمية التي تهب على الكويت من حين إلى آخر.

وفي الوقت الراهن، تشكل مسألة عديمي الجنسية إحدى أهم المسائل التي تشغل ذهن السلطات الرسمية في الكويت، كما أنها قيد التداول الشعبي والإعلامي المتواصل على الساحة الكويتية للدرجة التي يمكننا الحديث فيها بكل وضوح عن رأي عام كويتي مؤيد لحلها وآخر معارض لها. وفي كلا الاثنين، هناك من يؤيد منح الحقوق الإنسانية الأساسية فقط ويعارض مبدأ التجنيس، وآخرون يؤيدون الحل الجذري للمسألة (حقوقاً وتجنيساً) حتى لا تجسد كابوساً مفجعاً يؤثر في أمن الدولة واستقرار المجتمع في المستقبل.

ويمكننا تعليل أسباب التفاعل الرسمي والشعبي مع مسألة عديمي الجنسية في السنوات الأخيرة بجملة من المتغيرات المهمة الآتية:

* زوال التوتر الأمني الخارجي الذي سببه العدوان العراقي على الكويت (عام 1990) مع سقوط النظام العراقي السابق في الحرب الأنجلو - ساكسونية عام 2003، إذ لم تعد الاهتمامات الأمنية والانشغالات الذهنية منصبة بشكل كلي وشامل على التهديدات الأمنية الخارجية، بل جسدت التهديدات الأمنية الداخلية (المؤجلة بسبب الخطر الخارجي) أهمية أكبر وأعمق، ومن ضمنها غض النظر عن شريحة كبرى من البشر في المجتمع الكويتي مجردين من أبسط حقوقهم الإنسانية. لذا، طرحت التساؤلات الكبرى: كيف يعيش هؤلاء البشر؟ وما هي الآثار التي يخلفها تجريدهم من الحقوق على أمن الدولة واستقرار المجتمع؟ وهل ازدياد معدلات الجريمة له علاقة بذلك؟ وكيف يمكن معالجة التشويه الخارجي لسمعة الكويت بسبب حرمانهم من حقوقهم؟

* العامل الآخر متعلق ببروز جيل شبابي من عديمي الجنسية مستفيد ومنسجم مع قيم الحداثة والعولمة وثورة الاتصالات التي بدأت تسود العالم الراهن، إذ قام باستخدام استراتيجية إعلامية قادرة على تقديم وإيصال رسالته وصوته لمتخذي القرار الرسمي في الكويت بطريقة حيوية ومؤثرة، وذلك عن طريق (الفضائيات الخارجية، المواقع الإلكترونية، الاتصال بالمؤسسات والمنظمات الإنسانية الدولية)، بالإضافة إلى حشد وتعبئة مؤسسات المجتمع المدني في الكويت ودخول ناشطين مجتمعيين مؤيدين لقضيتهم.

* العامل الثالث هو شأن انتخابي تشريعي كويتي. فمع إعطاء المرأة الكويتية حقها في التصويت والترشيح عام 2006، أضيفت كتلة انتخابية نسائية جديدة للجسد الانتخابي وهي شريحة المواطنات الكويتيات المتزوجات من عديمي الجنسية، يسعى المرشحون (في المناطق المأهولة بعديمي الجنسية) إلى جذبهن في دعايتهم الانتخابية وتبني قضاياهن وانشغالاتهن ومعاناتهن اليومية من أجل الفوز بكرسي البرلمان، وبالتالي كانت مسألة عديمي الجنسية محل اهتمام برلماني مع إنشاء لجنة البدون البرلمانية، انطلاقاً من يوليو 2006 وعودتها مرة أخرى مع الفصل التشريعي الثاني عشر لعام 2008 أيضاً.

تعتبر مسألة عديمي الجنسية من القضايا القديمة الجديدة في الكويت

وبما أن البحث في إشكالية عديمي الجنسية في الكويت هو من النوع التفصيلي المتشعب، فقد آثرنا تناول الأزمة وتداعياتها فقط من دون التطرق للمواقف البرلمانية والمجتمعية والرسمية إزاءها، والتي أردنا تناولها ببحث آخر منفصل ذي خصوصية متعلقة بتأسيس الدولة الدستورية ومفاهيم المواطنة والاندماج والتعايش المجتمعي، لأن إشكالية عديمي الجنسية في الكويت ليست إشكالية أقلية عرقية كحال الإقلية الكردية في سوريا. فالبدون في الكويت ينتمون إلى النسيج الإثني والثقافي نفسهالذي ينتمي إليه المواطنون الكويتيون. كما أنها ليست إشكالية مذهبية (سنة، شيعة) مرتبطة بالتوازن الديموغرافي مثلما هي الحال عليه في مملكةالبحرين، إذ تتسم سياسات التجنيس فيها بحساسية مذهبية مفرطة، بل تدور قضية البدون في فلك صراع مجتمعي طبقي تتجاذبه وتتفاعل فيه ثلاث قوى مجتمعية، كل واحدة منها لها أجندة اقتصادية ومجتمعية مغايرة، وهذه القوى هي كتلة الحضر السنة التي يرمز إليها أحياناً بالصفوة التجارية، ومناطق الداخل تدور مبرراتها بالتشدد حيال منح الحقوق المدنية واكتساب الجنسية حول (الهوية الوطنية، التكلفة المادية، الأمن والسيادة) وهو موقف يتلاحم مع ما يسمى التيار اليميني واليميني المتطرف في المجتمعات الغربية، وكتلتين أخريين (الكتلة القبلية والكتلة الشيعية)، متساهلتين ومتعاطفتين مع منح كافة حقوق البدون، لأنهما تلتقيان في الوعاء نفسهالثقافي والمناطقي والقيمي، في حين تتجاوز إشكالية البدون في الكويت، بنظرنا، كل ذلك من الناحية المعرفية لتغدو إشكالية هوياتية في طورها للتشكيل بشكل مغاير عن الماضي، تنسجم مع ما طرأ على العالم من اهتمام بالغ بمفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني.

وبما أن كل الدراسات تنبع في الأساس من إشكالية محورية للبحث، فإن لب الإشكالية في دراستنا متعلق بشريحة عديمي الجنسية في الكويت، المجردين من حقوقهم الأساسية وأيضاً حق المواطنة (الجنسية)، وهم خليط من غالبية برهنت على وجودها القديم في الكويت، وفقاً لإحصائيات أعوام (1965-1970) وشريحة بسيطة برهنت على وجودها بعد تلك السنوات، كما أن غالبيتهم لا يحملون جنسية أية دولة، وشريحة بسيطة أخرى أخفت وثائقها من أجل التمتع بامتيازات عديمي الجنسية المعروفة في الأدبيات الكويتية الدارجة بمسمى (البدون)، إذ كانت امتيازاتهم تقترب من حقوق المواطنين الكويتيين حتى عام 1985.

وكانت السياسة الحكومية تجاه عديمي الجنسية تتراوح ما بين الاعتراف بهم على أنهم كويتيون، حتى إشعار آخر، يتمتعون بكافة الحقوق ما عدا حق الجنسية وذلك في الفترة ما بين (1959- 1986)، وما بين الرفض وإنكار حقوقهم في الفترة ما بين (1985-1993)، وصولاً إلى مرحلة الاتهام بأنهم من ذوي الأصول والجنسيات الخارجية بتجريدهم من كافة الحقوق وإجبارهم على إبراز وثائقهم الأصلية ما بين الفترة (1993 حتى هذا الوقت).

ولعلنا لا نخطئ القول إن الخوض في دراسة بحثية عن قضية عديمي الجنسية في الكويت لا يمكنه أن يتحقق من دون صعوبات فعلية يواجهها الباحث، وهي عديدة نذكر منها ما هو جوهري:

* صعوبة الحصول على المعلومات والأرقام والإحصائيات المتعلقة بالقضية، فهي تعتبر محل احتكار المؤسسات الأمنية، وأن تحقق هذا المطلب من المعلومات يتبين به حجم التناقض من جهة رسمية لأخرى.

* غياب التحليل العلمي والموضوعي للقضية، فغالباً ما يتم تناولها من منظور أمني أو انتخابي أو فئوي يمثل وجهة نظر مصلحية وليست علمية متوازنة.

* اعتماد المصادر المعلوماتية عن القضية على التصريحات والمقابلات الصحفية.

* يشكل الهاجس الأمني عائقاً أمام إدلاء بعض أفراد (البدون)، الذين تمت مقابلتهم بأسمائهم وهويتهم المدنية.

وتنطوي دراسة عديمي الجنسية في الكويت على تساؤلات جوهرية مثل: من هم البدون في الكويت؟ كيف تشكلت أزمة المواطنة لديهم مع مرور الزمن؟ ما هي الأسباب والدوافع التي أدت إلى تشكلها؟ ثم نبحث في ماهية الآثار والتداعيات الناجمة على البدون أنفسهم وانعكاساتها على الدولة والمجتمع؟ كما لا تغفل الدراسة تحقيق جملة من الأهداف الأساسية، منها ما هو علمي بحثي، مثل ملء الفراغ العلمي والثقافي بخصوص قضية عديمي الجنسية في الكويت، عبر بحث الموضوع من ناحية تشخيصية منهجية بعيدة عن الانطباعات الشخصية ومجردة من الأحكام المسبقة والمصالح الفئوية التي رافقت قضية البدون منذ بداياتها. وأيضاً نسعى إلى تحقيق هدف مجتمعي يهدف بمحصلة ختام هذه الدراسة إلى تقديم توصيات تتضمن المساعدة على إيجاد حلول متوازنة للقضية. ومن هنا في الواقع، تنبثق أهمية الدراسة كونها تعني شريحة كبيرة من البشر، مجردين من أهم حقوقهم المدنية والمواطنية، وليست هناك تفسيرات ودراسات رصينة تبحث شؤونهم، ما عدا بالطبع دراسة قانونية للدكتور رشيد العنزي عن مشروعية إقامتهم صادرة عن دار قرطاس (الكويت، 1994)، تقع في 66 صفحة، وهي الدراسة الوحيدة المنشورة في الكويت، على الرغم من أهمية القضية.

ومن أجل بحث أزمة البدون المتداخلة والمتشعبة في الكويت، لا نتوقف في منهجنا العلمي عند حدود وصفية محضة تهدف إلى تناولها في ظروفها الزمانية والمكانية والإنسانية، بل نتجاوز ذلك بالاعتماد على الاستقراء والملاحظة والاستنتاج للربط بين الظواهر المشتركة فيها، وغير ذلك يصب تحليلنا في منهج ذي قالب استردادي يبحث الآثار والتداعيات الملموسة في الوقت الحالي على أفراد البدون والمجتمع الكويتي وسمعة الدولة، على ضوء ما تمت صياغته من تشريعات وتبنيه سياسات حصلت في الماضي تسببت في تشكيل وتفاقم الأزمة التي وصلنا إليها اليوم.

وتنحصر الدراسة عن عديمي الجنسية في الكويت بمقدمة عامة وفصلين، الأول نتناول فيه التطور التاريخي للأزمة بثلاثة أبحاث (مرحلة الاعتراف، مرحلة الرفض، مرحلة الاتهام) وهي مقسمة إلى حقب تاريخية متعلقة بالتحولات التي مرت بها قضية البدون. أما بالنسبة للفصل الثاني، فنتناول فيه الآثار السلبية مثل (انتزاع الحقوق، ازدياد معدلات الجريمة، شطب الهوية، تصدع الدولة والمجتمع) ثم الخاتمة التي تتضمن استنتاجات وتوصيات.

مجلة آراء حول الخليج