; logged out
الرئيسية / قراءة في المشهد السياسي الكويتي.. لم تكن أول أزمة ولن تكون الأخيرة

قراءة في المشهد السياسي الكويتي.. لم تكن أول أزمة ولن تكون الأخيرة

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

من يعتقد أن الكويت تعيش في أزمة خلقتها الظروف الحالية فهو خاطئ، ومن يعتقد أيضاً أن هذه الأزمة سوف تكون آخر أزمة في سلسلة الأزمات المتتالية فهو أيضاً خاطئ. ففي حقيقة الأمر يجب علينا ألا نسلخ التاريخ من هذه الأزمات، ويجب علينا أيضاً أن نضع التاريخ في سياقه الطبيعي حينما نريد أن نتحدث عن أزمة الكويت. تعيش الكويت منذ مطلع القرن العشرين في أزمات متلاحقة قد تصعد على السطح في بعض الأحيان، وقد تكون تحت السطح أحياناً كثيرة، ففي عام 1921 عندما صعد أهل الكويت مطالبتهم بالمشاركة الفعلية باتخاذ القرارات المهمة والمصيرية للبلد تمخض عن ذلك دستور 1921 الذي رسم حدود وأطر العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهو الدستور الأول. وفي الممارسة الفعلية نشأت أزمة أدت إلى عدم استمرار العمل بذلك الدستور إلا لفترة وجيزة، واستمر الوضع معلقاً إلى عام 1938 حينما طالب الكويتيون بأن يكون هناك مجلس شورى يتداول فيه ما يهم الكويت وأهل الكويت، ونتج عن ذلك الدستور الثاني للدولة في ذلك الوقت، إلا أن العمل فيه لم يستمر طويلاً على أثر أزمة بين مختلف الأطراف، واستمر الوضع ما بين شد وجذب إلى عام 1962 بعد استقلال الكويت من الانتداب البريطاني، وكان الحاكم حينذاك المغفور له الشيخ عبدالله السالم الذي سمي بـ (أبو الدستور) وذلك عن دوره في مجلس شورى عام 1938 الذي كان مناصراً لمشاركة الكويتيين في اتخاذ القرار، وأصدر أوامره في عام 1962 بأن يكون هناك دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكان ذلك بالفعل الدستور الثالث للكويت، ومنذ ذلك الحين، أي منذ قرن من الزمن، والصراع يدور حول مَنْ يوجه مَنْ ومَنْ يدير مَنْ؟ فبعد وفاة المغفور له الشيخ عبدالله السالم جرت محاولات عديدة تجاه الدستور الثالث، أي الدستور الحالي، ففي ظله بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم نشأت أزمات كثيرة بين الحاكم والمحكوم أولها تزوير آراء الناخبين في عام 1967 واستقال العديد من النواب على أثر ذلك، وجاءت انتخابات 1971 لتضع الأمور في نصابها، لكن في الفصل التشريعي الذي تلاه لم تتحمل الأسرة الحاكمة ممارسة النواب لدورهم الطبيعي الذي حدده الدستور بالمراقبة والمساءلة والتشريع، وكان مصيره الحل وتعليق بعض مواد الدستور في عام 1976، واستمر تعليق الحياة السياسية إلى عام 1981 الذي أجريت فيه انتخابات تشريعية نتيجة لضغط خارجي تمثل في نشوب الحرب الإيرانية-العراقية التي كانت على أبواب الكويت، واستمر المجلس يقوم بدوره التشريعي إلى عام 1986، وعلى أثر استجواب شهير قدم لوزير العدل آنذاك الشيخ سلمان الدعيج السلمان وهو أحد أبناء الأسرة الحاكمة من قبل ثلاثة نواب مثلوا كافة الأطياف السياسية في الدولة مما أعطى إشارة واضحة إلى أن كل التيارات السياسية بما فيها (الإخوان المسلمين) الذين مثلهم في ذلك الاستجواب النائب مبارك الدولية، واعتبر ذلك الاستجواب تحدياً لهيبة الأسرة الحاكمة ولذلك حل البرلمان وعلقت الحياة السياسية مرة أخرى إلى أن جاء الصدام الحتمي بين المطالبين بعودة الحياة البرلمانية وبين مناوئيها، وعرفت في ذلك الوقت باسم (دواوين الاثنين)، ورغم أن دواوين الاثنين لم تستمر إلا شهراً ونصف الشهر تقريباً إلا أنها كانت حافلة بالأحداث التاريخية، وكانت المطالبة بعودة الحياة إلى طبيعتها هي المطالبة الوحيدة، وكانت الأولى من نوعها عل مستوى الخليج، وأثرت تأثيراً غير مباشر في المحيط الإقليمي من خلال متابعة ما يجري من أحداث قد تستلهم في دول الجوار خاصة أن الوضع العالمي آنذاك كان ككرة الثلج التي تتدحرج وتكبر يوماً بعد يوم بسقوط أنظمة لصالح الديمقراطية، وكان لا بد من مخرج وتم اقتراح إجراء حوار في حينه مما خفف من الزخم الشعبي المطالب بعودة الحياة البرلمانية وتمخض عنه ما سمي (المجلس الوطني) الذي كانت لانتخاباته سمة الاستفتاء على هذا المنهج، حيث قدرت بعض المصادر التي رصدت نسبة المشاركة بانتخابات المجلس الوطني 30 في المائة من نسبة عدد المسجلين في قوائم الانتخابات وهي نسبة ضئيلة قياساً إلى النسبة المعتادة في كل انتخابات تشريعية كويتية، حيث كانت تلامس السبعين في المائة من عدد المسجلين، وكانت بمثابة الاستفتاء الذي فشل بكافة المقاييس، ولم تستمر الحال لدخول القوات العراقية بغزوها المشؤوم للكويت عام 1990. وكان مؤتمر جدة الذي وضع النقاط على الحروف بالنسبة للمشاركة والالتزام بدستور 1962، وبعد تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي عاد المجلس الوطني إلى عقد جلساته كما كان قبل الغزو، وكانت ردت الفعل الشعبية ممتعضة جداً من ذلك المجلس الذي لم يخرج من رحم دستور 1962 وإنما فرض كنتيجة لحوار لم تشارك فيه التيارات السياسية، ونتيجة للضغط المتواصل تقرر في حينه إلغاؤه والإعلان عن عودة الحياة السياسية إلى طبيعتها، واستمرت الحال على ما هي عليه منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، لكن هل خف الاحتقان بين طرفي المعادلة؟ بالطبع لم يخف الاحتقان وتواصلت الأزمات واحدة تلو الأخرى وستستمر إلى ما لا نهاية إلى أن تصل القناعة بأن العمل بموجب مواد الدستور سيكون هو الضمانة الوحيدة لاستمرار طرفي المعادلة، وفي ظل هذه الاحتقانات والأزمات المتتالية يستخدم كل طرف ما لديه من قدرات وأسلحة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة لتحقيق مكاسب يعتقد أنها ستكون لصالحه، لكن في النهاية يظل المجتمع يدفع فاتورة هذا الصراع الذي سيكون أبدياً على ما يبدو إن لم يعِ طرفا معادلة الصراع بأن الجميع خاسر، ولن يكون هناك رابح في هذا الصراع الدائم إن لم يكن هناك توافق على تسيير أمور المجتمع من خلال دستور يقبل الجميع باستحقاقاته الدستورية من مساءلة ومراقبة وتشريع بكافة صوره المنصوص عليها في الدستور ومذكرته التفسيرية واللائحة الداخلية للمجلس التشريعي، فقد استخدمت عجلة التنمية في هذا الصراع ووقف المجتمع على ما هو عليه منذ عام 1967 تقريباً مع وجود كافة المميزات التي تؤهل المجتمع أن يتبوأ مرتبة عالية بين المجتمعات المحيطة، ومن يعتقد أن إيقاف عجلة التنمية يدخل في إطار هذا الصراع فهو خاطئ بكل المقاييس، لذا يتطلب الأمر أن يبتعد طرفا الصراع عن محور تنمية البلد خاصة من يمتلك الكعكة والسكين حسب تعبير أحد السياسيين الكويتيين، وأن يتم حصر الصراع في الأمور السياسية فقط من دون الدخول بأمور يجب ألا تدخل في إطار الصراع أصلاً، فعلى سبيل المثال الأزمة الإسكانية التي يعاني منها نصف المجتمع الكويتي، هي بكل المقاييس أزمة مفتعلة والشواهد على ذلك كثيرة، حيث نفهم أن تكون هناك أزمة سكن في بنغلاديش مثلاً أو مصر إلا أن الكويت تكون فيها أزمة سكن لا يمكن أن يتقبلها عقل عاقل. إذاً نحن أمام صراع دائم ومستمر ولن يتوقف بأي حال من الأحوال، لكن هل يعي أصحاب القرار خطورة الاستمرار في هذا النوع من الصراع؟ أو هل نتعلم من هذا الصراع وهذا التاريخ الطويل كيف نختلف وكيف نتفق؟ وما هي الخطوط التي يجب ألا نقترب منها في هذا الصراع؟ من الواضح أن كافة الأسلحة تستخدم بما فيها سلاح الدمار الشامل، وهو نبش النفس الطائفي البغيض الذي نهانا عنه سيد المرسلين فهل نخالفه ونستمر في هذا النبش؟ هذا ما لا أريده ولا يريده كل كويتي، فالأزمة الحالية المتمثلة في استجواب رئيس مجلس الوزراء من قبل أعضاء مجلس الأمة يرى بعض المراقبين أنها أزمة مفتعلة ومدفوعة من الخارج لكي تجهض الديمقراطية الكويتية. ومن جانب آخر ما أقدم عليه المستجوبون هو حق منصوص عليه في كافة القوانين المنظمة للعلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهنا يثار تساؤل هل استخدام هذا الحق يراد به الباطل من الأعمال؟ نعم هذا ما يتداول بين النخبة المثقفة في الكويت، لكن ما هو الموقف الآن؟ هل تستطيع تلك النخبة الوقوف أمام حق دستوري؟ وهل يستطيع رئيس مجلس وزراء من الأسرة الحاكمة أن يقف على منصة الاستجواب والرد على المستجوبين في سابقة تاريخية لم تعهدها الديمقراطية الكويتية؟ وهل تقبل الأسرة الحاكمة الكويتية بهذا الاستحقاق الدستوري؟ وهل ستشوه الديمقراطية بأدوات الديمقراطية؟ لا أعتقد ذلك والشواهد التاريخية أكثر من أن تحصى، قد تلقى صيحة التخلص من الديمقراطية اليوم صدى مقبولاً من الشارع بعد أن شُبعت خلال الاثني عشر شهراًً الماضية بجرعة كبيرة من تشويه لدور المجلس التشريعي، لكن من يضمن استمرار هذا القبول؟ وهل سيتخذ قرار بالتصادم مع الشارع؟ وإن اتخذ قرار بالتصادم مع الشارع السياسي هل تستطيع الأسرة الحاكمة استيعاب استحقاق ذلك التصادم؟ وهل يضمن أحد ألا تتعدى المطالبة بعودة العمل بدستور 1962؟ خاصة أن هناك بعض الأصوات التي طالبت بأن تتطور الأمور عما هي عليه، وأن دستور 1962 لم يعد يتواكب مع مستجدات العصر الحديث والعولمة وسيادة الأمة على مقدراتها، وأن التطور الطبيعي للأمم والشعوب هو ترك إدارة البلد لأبناء البلد ووضع الأسر الحاكمة بمنزلة دستورية تحميها وتبعدها عن التجريح والصراعات السياسية التي غالباً ما تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة. أترك إجابة كل تلك الأسئلة التي طرحناها للقادم من الأيام، لكن من المؤكد في النهاية لا يصح إلا الصحيح وهذا ما أثبته لنا التاريخ، وتاريخ الممالك الدستورية في الدول الاسكندنافية وبريطانيا وغيرها الكثير من الأمم شاهد على ذلك. 

الأزمة الكويتية الحالية مفتعلة ومدفوعة من الخارج لإجهاض الديمقراطية فيها

مجلة آراء حول الخليج