; logged out
الرئيسية / سياسة إيران الحالية تجاه المنطقة

سياسة إيران الحالية تجاه المنطقة

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

تمتلك إيران قدراً كبيراً – نسبياً – من كل عنصر من عناصر قوة الدولة الستة، وهي: الموقع الجغرافي والطبوغرافي، نوع وكم السكان، الموارد الطبيعية، القدرات التقنية، القوة العسكرية، والإدارة السياسية (نظام الحكم). فمن حيث الموقع، تقع في ملتقى قارات العالم القديم الثلاث، وتوجد فيها سهول زراعية خصبة، ترفدها أنهار جارية بمجموع مساحة قدرها 1,648,000 كم2. ويسكنها حوالي 70 مليون نسمة، تبلغ نسبة الأمية فيهم حوالي 30  في المائة. وغالبيتهم تحت سن 26 عاماً.

لكن هذا العدد متنوع الثقافة والمذاهب والأعراق، وإن ظلت السيادة للعنصر الآري، المعتنق للمذهب الشيعي. فضمن سكان إيران، تجد الفرس والعرب والبلوش والأكراد والتركمان، إلخ. كما يتواجد السنة، ومذاهب وأديان أخرى، جنباً إلى جنب مع المذهب الشيعي. ولهذا، لا تزال درجة انصهار الشعب الإيراني محدودة. ومع ذلك تعتبر الحضارة الفارسية من أقدم الحضارات وأعرقها.

 أما من حيث الموارد الطبيعية، فإيران غنية بمواردها الزراعية والمعدنية المختلفة، وفيها احتياطيات كبيرة من المعادن المهمة، بالإضافة لكونها إحدى الدول المنتجة والمصدّرة الرئيسية للنفط والغاز. ومن حيث قدرات شعبها التقنية، تعتبر إيران واحدة من أكثر دول العالم الثالث تقدماً تقنياً، وإن لا تزال بنيتها التقنية متواضعة مقارنة بالدول الصناعية الكبرى. وعسكرياًفإن لديها جيشاًقوياً نسبياًمزوداً بأسلحة أمريكية وروسية وصينية، ومحلية الصنع، وهي قادرة على امتلاك الخيار النووي – المصنع ذاتياً – ربما في مدى سنتين من الآن.

أما إدارتها العليا الحالية (حكومتها أو نظامها السياسي الحالي) فإن أهم ما يلاحظ عليه، هو:

1- كون المذهب الجعفري وحده هو مصدر التشريع الوحيد.

 2 - وجود منصب (المرشد الأعلى)، الذي يختار من قبل كبار رجالات الدين، ويمتلك سلطات واسعة جداً.

 3- وجود مؤسستين رقابيتين (مصلحة تشخيص النظام ومصلحة صيانة الدستور) غير منتخبتين، ولهما سلطات كبيرة.

4- حصر الترشيح لمناصب السلطات العليا الثلاث في من تنطبق عليهم شروط (التدين)، أو المزكّين من قبل بعض رجال الدين (المؤسسة الدينية) والذين توافق مصلحة صيانة الدستور على ترشحهم.

5- حظر الأحزاب السياسية بأنواعها.

6-تقييد بعض الحريات العامة.

 ومن ذلك، نرى أن هذا النظام مازال إقصائياً، إلى حد كبير، رغم قيامه على مؤسسات قوية. ولا تزال المشاركة السياسية الشعبية فيه محدودة ومقيدة، الأمر الذي يتسبب في المديين المتوسط والطويل بتزايد عدم الرضا (الاستياء) الشعبي، وما ينجم عنه من عدم استقرار سياسي مبطن، يمكن أن تنتج عنه – إن اشتعل فتيله – كوارث وقلاقل سياسية غالباً ما ستؤدي إلى تمزق البلاد وضعفها وتخلفها. وذلك رغم اعتبار هذا النظام من قبل بعض فقهاء الشيعة هو النظام السياسي الإسلاميكما ينبغي أن يكون.

 إن عنصر (النظام السياسي)هو أهم العناصر الستة لقوة الدولة- أيةدولة-لأنه العنصر الذي إن صلح، صلح كل شيء، وإن فسد، خرب كل شيء في الحياة العامة. إن النظام السياسي يمكن أن يرفع بيوتاً لا عماد لها، ويمكن أن يهدم أصلب بيوت العز والشرف. فالنظام السياسي لأي بلد هو الإدارة العليا لشؤونها العامة، وهذه (الإدارة) غالباً ما تبنى إن صلحت،وتهدم إن فسدت أو تهورت أو انصرفت لخدمة مصالح خاصة.

وفي الوقت الراهن، نجد أن عنصر (النظام السياسي)في إيران قد يكون من أضعف العناصر الستة بها للأسباب التي ذكرت آنفاً. ولو تم تفادي أهم ما يؤخذ عليه حالياًلتمكن من قيادة إيران لتصبح قوة إقليمية (عظمى)راسخة، على مستوى المنطقة، وقوة ( كبرى) على مستوى العالم. ورغم ما يسببه هذا النظام من بعض استياء في الداخل، وشيء من تخبط في الخارج (نتيجة لبعض السياسات الانفرادية الخارجية السلبية) إلا أن قوة إيران بصفة عامة في تصاعد. ويقدر الخبراء أنها الآن قوة (كبرى)على مستوى الإقليم، و(متوسطة) على مستوى العالم.

ولنفترض أن نظام إيران الحالي سيستمر لعقد مقبل على الأقل ونتساءل: ماذا تريد إيران بنظامها هذا من المنطقة والعالم في المدى القصير؟ ثم نحاول الإجابة بمنتهى الإيجاز عن هذا التساؤل المهم، في ما يلي من فقرات موجزة.

السياسات العربية السليمة تجاه إيران الآن يجب أن تكون سياسات تصالحية قائمة على الحوار وتبادل المصالح

سياسة إيران الحالية نحو المنطقة

ماذا تريد إيران الحالية من المنطقة والعالم؟! سؤال يمكن وضعه في عدة صيغ أخرى منها ماهي أهم ملامح السياسة الإيرانية تجاه المنطقة (وتحديداً تجاه دول مجلس التعاون الخليجي واليمن)؟ أو بكلمات أخرى ماهيأبرز أهداف السياسة الخارجية لإيران في الآماد المختلفة، وبخاصة القصيرة، تجاه المنطقة بصفة خاصة والعالم بصفة عامة؟وماهي أهم الوسائل التي تتبعها إيران لتحقيق هذه الأهداف؟

ولايمكن في الواقع الإجابة عن هذا التساؤل بموضوعية وصراحة، وبمنتهى الاختصار، كما وعدنا، وبما يسمح به هذا الحيز الضيق من دون أن نأخذ في الاعتبار القومية (الفارسية)والمذهب الشيعي، فـ(القومية) شعور طبيعي لدى كل الجماعات الإنسانية. ويصعب غالباً التخلص من تداعياته السلبية على البشر. أما (المذهبية)، فهي أشد وأخطر، لأنها في الغالب تبغض ولا تحبب، وتفرق ولا توحد. وهاتان القوتان (القومية والمذهبية) تتحكمان، إلى حد كبير، في السلوك السياسي الإيراني.

 لقد استحكمت القومية في كل شعوب العالم تقريباً. وقد ابتلى العالم العربي والإسلامي بالمذهبية منذ فجر الإسلام فانقسم إلى شيع وطوائف متناحرة أو شبه متناحرة أو مختلفة في أحسن الأحوال. وليس الدين الإسلامي وحده الذي يعاني من هذه الفرقة، بل إن كل دين آخر يعاني تقريباً من البلاء ذاته، وإن بدرجات متفاوتة، مع افتراض أن (الغالبية)في كل دين تمثله، أكثر من غيرها. ولذلك، تظل المذهبية وخاصة تلك المتجسدة في الشيعية وسبل التعامل السليم معها، من أهم التحديات الفكرية والعقائدية التي يواجهها الدين الإسلامي الحنيف منذ قرون.

إن إيران (مثلها مثل أيةدولة أخرى) تسعى إلى حماية كيانها وضمان أمنها ورفاه شعبها. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف المشروعة تستخدم الحكومة الإيرانية كافة وسائل السياسة الخارجية الممكنة، وهي الدبلوماسية، الأدوات الاقتصادية والإعلامية والنفسية والقوة المسلحة. ويمكن أن نوجز أهم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في:

 1– ضمان بقاء ورفاه إيران وكافة شيعة العالم وضمان السيادة الشيعية في المنطقة.

 2– محاولة تصدير النموذج السياسي والعقائدي الإيراني (تصدير الثورة) للبلاد المجاورة.

ومن أبرز الوسائل التي تستعملها الحكومة الإيرانية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية هي:

- دعم الأقليات الشيعية في الدول المجاورة وربطها بإيران لضمان ولائها وتأييدها لإيران باعتبار الأخيرة دولة الشيعة الأولى (والأقوى) في العالم.

- التدخل (بشتى أشكاله) في البلاد المجاورة (لحماية الشيعة).

- محاولة نشر (التشيع)، وتسفيه المذاهب المناوئة وفي مقدمتها المذهب السني.

إيران تريد – باختصار – فرض السيادة الشيعية بـ (قيادة فارسية) على أغلب المنطقة، وأن تصبح القوة العالمية الكبرى المتحدثة باسم شيعة العالم،وأن من حق أيةدولة أن تكون لها أهدافها الخاصة، داخل وخارج حدودها، لكن من حق المتضررين (بحق) من تلك الأهداف أن يقاوموا بكل وسائل المقاومة الممكنة حماية لبقائهم ومصالحهم هم أيضاً.

ويعتقد الاستراتيجيون الإيرانيون – كما يبدو – أن مجال دولتهم الحيوي المباشر يمتد من شرق أفغانستان حتى تخوم البحر الأبيض المتوسط. وهم يريدون سيادة شيعية – بقيادة فارسية غير مباشرة – على كل هذا المجال. ويعتبرون جنوب العراق أهم امتداد لهم بعد إيران ذاتها. ولذلك، فإنهم يصرون على ضمان أن ما يتم في هذه البقعة يتمشى مع أهدافهم ومصالحهم! والارتباط المذهبي لجنوب العراق بالإيرانيين يدفع الأخيرين إلى استمرار الإصرار على هذا الهدف، كما يسهل لهم إمكانيات تحققه. وقس على ذلك في المناطق التي يشكل الشيعة فيها أغلبية.

إن أهم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية الراهنة تضعها – مباشرة – في مواجهة (صراعية) مع بعض العرب السنة ومع أمريكا، فالأخيرة تعتبر الهيمنة على هذه المنطقة هدفاً استراتيجياًلايمكن التساهل فيه مهما كلف الأمر، لا سيما أن السيطرة على هذه المنطقة تضمن لأمريكا استمرار الهيمنة على العالم عبر التحكم في قلبه، وفي أهم مصادر الطاقة فيه.

وقد دخلت إيران بالفعل في صراع مع أمريكا. وزاد هذا الصراع حدّة طموحات إيران النووية وإصرارها على امتلاك خيار (الطاقة النووية للأغراض السلمية)كما هو معروف. كما تفاقم هذا الخلاف نتيجة اتهام كل من أمريكا وبريطانيا لإيران بأنها (تتدخل)في العراق. ومن العجيب أن يأتيهذا (الاتهام) من دولتين غزتا العراق واحتلتاه ودمرتاه لكنه صراع القوة الذي يتجاوز حدود المنطق.

لقد أصبح (التدخل) الإيراني في العراق حقيقة،لكن هذا التدخل يجب أن ينظر إليه في الإطار العام للواقعة، وفي (البانوراما) التي محورها هذا القطر العراقي الجريح. فكل في العراق وخارجه يغني على ليلاه. قوات الغزو والاحتلال لها أهدافها، وكذلك بقية دول الجوار وغير الجوار، ألسنا بصدد تحليل جزء (صراعي) من السياسة الدولية الراهنة، في أسخن بقع العالم المعاصر؟

وعندما نركز الضوء على علاقة إيران الراهنة مع أمريكا، نجد دولتين وقد ساد (الصراع)في علاقاتهما، على (التعاون)منذ حوالي ثلاثة عقود،بل وصلت حدة هذا الصراع إلى حافة الحرب.. وميزان القوة العسكرية يميل – بالطبع وبشدة – لصالح أمريكا. وليس هناك حتى مجال للمقارنة بين القوة المسلحة للطرفين. فأمريكا هي القوة العظمى، الوحيدة الآن، وتملك أقوى جيش في العالم مزود بأحدث وأفتك الأسلحة التي عرفتها البشرية حتى تاريخه.

زاد من التشدد الإيراني وجود محمود أحمدي نجاد على رأس السلطة التنفيذية

وأمريكا تحاصر،بجيوشها ووجودها العسكري،إيران من كل جانب تقريباًمن الشرق (أفغانستان) والشمال (أوزبكستان) والغرب (العراق)، ومن الجنوب أسطول أمريكا في المحيط الهندي. وربما يمكن لأمريكا أن تحتل إيران وتدمر جيشها ومنشآتها النووية الصاعدة في أيام.

ولكن رد الفعل الإيراني سيكون (دون أدنى شك) هائلاًوكارثياً على المهاجمين، وعلى هذه المنطقة المنكوبة من العالم. فلدى إيران قوة مسلحة ضاربة في البر والبحر والجو، وسيكلف استخدامها ضد خصومها الكثير مما لا تحمد عقباه،وسيدفع هؤلاء الخصوم ثمناً باهظاً مقابل تدمير البنية العسكرية والمدنية الإيرانية. وربما يستمر هؤلاء الخصوم في دفع هذا الثمن عقوداً عدة. فالقوات المسلحة الإيرانية قادرة على ضرب التجمعات العسكرية لأمريكا وحلفائها في المنطقة، وتدمير المنشآت النفطية وغيرها من البنى التحتية، وربما إغلاق مضيق هرمز لأشهر عدة. وبالإمكان تخيل ما سيسببه ذلك للمنطقة وأهلها ولكل العالم من بؤس ودمار.

 كما أن (القوة العسكرية)ليست هي كل شيء، فأمريكا تحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن لاستخدام القوة ضد إيران، في حال عدم تخلي إيران عن قدراتها النووية (السلمية). وحصولها على هكذا تفويض يعتبر الآن في عداد المستحيلات. فهناك روسيا والصين، وهما الدولتان الكبريان اللتان تدركان تماماً نوايا أمريكا من هكذا مغامرة، وسيكون (فيتو) كل منهما جاهزاًضد غزو أمريكي محتمل لإيران. هذا إن افترضنا أن دولاً أخرى لن تعارض أمريكا في هذا الأمر لاعتبارات مختلفة.

ولاشك في أن حدة الوضع الراهن ناجمة عن وجود حكومة متشددة في كل منهما. ففي واشنطن (المحافظون الجدد)، وفي طهران (المحافظون) التقليديون، وزاد من التشدد الإيراني وجود الدكتور محمود أحمدي نجاد على رأس السلطة التنفيذية. فامتد اليمين إلى هذه السلطة أيضاً، بعد أن كان متمركزاً في السلطة التشريعية (مجلس الشورى) بسبب هيمنة المحافظين فيها. ويعزى هذا التوجه الإيراني إلى عوامل منها: السياسات الأمريكية التي تعادي إيران بأسلوب استفزازي وغير متزن، في الوقت الذي تسهم فيه تلك السياسات في التخلص من أقوى خصوم إيران التقليديين (نظام صدام حسين، طالبان.، إلخ)، وتمهد لإيران من حيث لا تقصد تقوية نفوذها في العراق.

ومن ناحية أخرى، نمّت إيران علاقاتها السياسية مع كل من الصين وروسيا، وهذا ساعد على تصليب موقفها تجاه أمريكا. ومعروف أن الصين تحتاج إلى النفط الإيراني، الأقرب جغرافياًإليها بسبب نموها الاقتصادي المتصاعد، وحاجتها المتزايدة للطاقة،كما أن هذين البلدين يرفضان بشدة امتداد الهيمنة الأمريكية لإيران بسبب تهديدها المباشر لهما.

لكن كل هذه الملابسات لن تثني أمريكا عن مواصلة عدائها الاستراتيجي لإيران ومحاولتها خلخلة وتغيير نظامها، فإن تعذر على أمريكا غزو واحتلال إيران (وهذا ما يبدو أنه الاحتمال القائم حالياً) فإنها في الغالب ستقوم بواحد أو أكثر مما يلي:

* ضرب المنشآت النووية الإيرانية (في كل من نطنز، آراك، أصفهان وغيرها)، وكذلك بعض المواقع العسكرية الإيرانية بالتعاون مع إسرائيل.

* تشديد الخناق الاقتصادي على إيران عبر الحصار والمقاطعة، وما يعرف بالعقوبات الاقتصادية.. إلخ.

* التدخل سراً في إيران لإثارة العرقيات والطوائف الإيرانية بهدف بث القلاقل وإحراج النظام. كما عملت بالفعل في (خوزستان)(عربستان) وخاصة في منطقة (الأهواز). إن أمريكا وإسرائيل تهدفانإلى تغيير نظام طهران الحالي إلى نظام تابع وتفكيك (تقسيم) إيران ما أمكن للحيلولة دون وجود دولة قوية في المنطقة.

تعد إيران عسكرياً قادرة على امتلاك الخيار النووي ولديها جيش قوي مزود بأسلحة مختلفة الصنع

وإن ركب المحافظون الجدد رأسهم، وغزوا إيران – كما فعلوا مع العراق – فإنهم يضعون أمريكا في موقف آخر لاتحسد عليه. فإيران ليست العراق، والجيش الإيراني في وضع يسمح له بتكبيد الأمريكيين والمنطقة خسائر فادحة. كما أن بقاء القوات الأمريكية في إيران لن يكون نزهة. فهناك مقاومة شرسة سيواجهها الغزاة من داخل إيران وخارجها. ولكل ذلك، يعتبر الغزو محتملاًوليس حتمياً. ويدرك صانعو القرار الإيراني - كما يبدو - هذه الأبعاد والملابسات. ولعل هذا ما يفسر مضيهم في سياساتهم المتشددة غير مكترثين بالتهديدات الأمريكية السافرة المستمرة.

 وبعد محادثات جنيف المنعقدة يوم 19يوليو 2008م، بين إيران من جانب، وكل من دول 5+1 (روسيا، الصين، أمريكا، فرنسا، بريطانيا وألمانيا) من جانب آخر، قدمت الدول الأخيرة حزمة جديدة من الحوافز لإيران مقابل وقف عملية تخصيب اليورانيوم،وأعطيت إيران مهلة أسبوعين للرد على ذلك العرض الغربي. وردت إيران بأنها (لن تتخلى عن حقها في الاستفادة من التطبيقات السلمية للقوة النووية). وهذا ما زاد من درجة توتر العلاقة بين إيران وأمريكا (والغرب) لا سيما بعد عزم الأخير تشديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران، إن لم توقف عملية تخصيب اليورانيوم.

حقاً، لقد فتح الغزو الأمريكي  (باب جهنم)في العراق، والمنطقة – على حد تعبير الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك – فأصبح ساحة اقتتال دائم وصراع مرير، فيما بين أطراف عراقية من جهة، وبين العراقيين وقوات الاحتلال من جهة أخرى، بالإضافة إلى الدول المنخرطة بهذه الساحة بشكل أو آخر من دول الجوار وفي مقدمتها إيران، وغير الجوار. ولكل طرف بالطبع أجندته التي تتضمن ما يعتقد أنه يحقق مصالحه، وكل طرف يحاول أن يخرج من هذه الساحة بأكبر مكاسب أو أقل خسائر ممكنة. كما أن قضية الملف النووي الإيراني أسهمت بشدة في فتح باب جحيم آخر في هذه المنطقة المنكوبة أصلاً بالاستعمار والصهيونية وأنصارهما.

وتظل الولايات المتحدة الطرف الأقدر على غلق الباب العراقي كما فتحته، وطي هذه الصفحة الدامية في تاريخ الإنسانية والمخجلة في تاريخ أمريكا. ولعل السبيل إلى ذلك هو الانسحاب الأمريكي (التدريجي والعاجل) من العراق، وإبقاء العراق دولة متحدة واحدة، يحكمها دستور ترضاه الأطراف العراقية الرئيسية، ومن ثم الشروع الجاد بعمليات الإصلاح غير القسري بالمنطقة، والعمل بجدية لجعل ما يسمى (منطقة الشرق الأوسط) منطقة خالية من الأسلحة النووية ونزع هذه الأسلحة من (كل) دول المنطقة، وفي مقدمتها إسرائيل، التي تزيد طين المنطقة بلة بامتلاكها حوالي 300 رأس نووي موجهة ضد أغلب مدن الجوار بما فيها إيران، معرضة هذه التجمعات السكانية لتهديد الإبادة الشاملة والهلاك المحتوم. وعسى أن تبصر هذه المنطقة بعد ذلك النور، وتنعمبالاستقرار وتعيش الأمن.

إن من السهل أن نتمنى ونأمل تحقيق ذلك. ولكن، هل بوسعنا في الواقع أن نتوقع من العم سام والغرب هكذا تحرك إيجابي، وبصرف النظر عن توجه الإدارة التنفيذية الأمريكية القادمة؟ علينا أن ننتظر لنرى. ولكن، لا بد من التصريح بأن التفاؤل لا يزال ضرباً من ضروب الخيال.

الملف النووي في المنطقة

وفي ختام هذا المقال لا بد في رأينا من إلقاء ضوء أكبر على مسألة الملف النووي بالمنطقة ككل، للأهمية البالغة لذلك. ففي الوقت الذي ينهمك فيه الجيش الإسرائيلي في قتل بعض الفلسطينيين كالعادة في كل يوم تقريباً عبر إرسال طائرات تقصف بصواريخها أناساًعزلاً تدعي إسرائيل أنهم (إرهابيون)، فتقتل منهم من تشاء، وتفتك بمن يرميه حظه العاثر بالتواجد في أمكنة القصف وبدم بارد، وفي الوقت الذي يرتكب فيه ذلك الجيش مذابحه اليومية والشهرية (قتل هذا الجيش أكثر من 200 فلسطيني اغتيالاًمنذ سبتمبر 2005م) ويهدم بعض البيوت على رؤوس أصحابها، ويعتقل من يشاء، ويرميه في غياهب السجون الصهيونية، وفي الوقت الذي تعلي فيه إسرائيل (جدار) الفصل العنصري العازل، وتصادر المزيد من أراضي الفلسطينيين، وتقطع عن بعضهم الماء والكهرباء والمؤن والدواء، وتلتف على قرارات الشرعية الدولية بخطط انسحاب وهمية تكرس في الواقع الاحتلال الصهيوني..إلخ، من ممارسات إسرائيل اليومية المعروفة ضد الشعب الفلسطيني المنكوب بالعدوان الصهيوني، في الوقت ذاتهينشط (الموساد) الإسرائيلي، بالتعاون مع الأجهزة الصهيونية والمتصهينة الأخرى، في إكمال تدمير العراق واغتيال علمائه وزرع الفتن في لبنان والتآمر على سوريا ومصر وغيرهما من البلاد العربية من المحيط إلى الخليج. كما تسلط جزءاً من حممها وشرها الآن على إيران هادفة إلىتدمير هذا البلد الإسلامي، والقضاء على بنيته العلمية والتقنية المتنامية، وبخاصة إمكانياته النووية لأنه يرفض العدوان الصهيوني. ففي الوقت الذي يمتلك فيه الكيان الصهيوني أكثر من 300 رأس نووي جاهزة للاستعمال نرى الصهاينة وأنصارهم يتباكون خوفاً من تمكن إيران من الوصول إلى الخيار النووي العسكري؟

وقد بثت بعض وكالات الأنباء العالمية، استناداًإلى تقارير استخباراتية غربية (في أواخر فبراير وبداية مارس 2006م) أنباء قيام قوات إسرائيلية خاصة تسللت إلى إيران للبحث عن مواقع سرية لتخصيب اليورانيوم، تمهيداً لضربها صاروخياً؟ وكان ذلك بالطبع بالتنسيق مع (الموساد) والـ(سي آي إيه). وقالت صحيفة (صنداي تايمز) اللندنية (إن الإسرائيليين دخلوا إيران انطلاقاً من شمال العراق بموافقة الولايات المتحدة)! وكان قد تردد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الإرهابي ارئيل شارون أمر مسؤولين عسكريين إسرائيليين بالاستعداد لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبينما تأكدت هذه الأخبار، قال مسؤول بارز في وزارة الدفاع الإسرائيلية، (إن التهديدات الإيرانية هي محل تقييم دبلوماسي واستراتيجي وأمني مستمر من جانب إسرائيل).وهذا بالفعل ما تفعله إسرائيل، وتخطط له منذ بداية عام 2004م. فهي، وبالتعاون مع أنصارها، تخطط لكارثة جديدة بالمنطقة، عبر مهاجمة إيران بسبب إمكانياتها النووية المطورة. وهذا ما يصرح به بعض مسؤوليها الحاليين من حين لآخر.

وكان حوالي خمسين ألف عسكري واستخباراتي إسرائيلي قد دخلوا العراق مع دخول القوات الأمريكية، وأعملوا في علمائه قتلاً واعتقالاً، ودمروا أبرز منشآت العراق العلمية والتقنية، ونهبوا الكثير من وثائقه (قال أحدهم لصدام عند اعتقال الأخير: وتريد حرق نصف إسرائيل؟). وما فعلوه بالعراق يمكن أن يفعلوه في أي بلد عربي آخر لأنهم يتربصون بالبلاد العربية والإسلامية شراً، وعلى مدار الساعة، مستغلين هذا التأييد الأعمى لهم من قبل القوى الكبرى.

لا تزال المشاركة السياسية الشعبية في النظام السياسي الإيراني محدودة ومقيدة

إن إسرائيل، المدججة بترسانة ضخمة من كل أسلحة الدمار الشامل، لا تريد لأية دولة في المنطقة أن تمتلك قاعدة علمية وتقنية تذكر تضارع ما تم تأسيسه في الكيان الصهيوني من بنية تقنية كبرى (عسكرية التوجه) لرغبتها الجامحة والمحمومة في السيطرة على المنطقة عبر إضعاف دولها وتكريس تخلفها واضطرابها، واحتكار السلاح الاستراتيجي. وبصرف النظر عن الموقف من الملف النووي الإيراني (وما قد يكون له من أبعاد بيئية وسياسية) يحسن ألا يسبب التركيز عليه تناسي هذا الخطر الصهيوني الكاسح، والذي سخر القوة العظمى لخدمة أهدافه الرهيبة، طويلة الأمد، وسخرته هي لتكريس هيمنتها العالمية. فأمام الخطر الصهيوني يتضاءل ما يوصف بـ(الخطر)النووي الإيراني كثيراً.

إن طرح مسألة (الملف النووي الإيراني)، أو أي ملف نووي في المنطقة، يجب أن يؤدي(تلقائياً) إلى طرح كامل الملف النووي في المنطقة ككل.ومن الحكمة أن يصر العرب بالذات على هذا التلازم لأنهم المستهدفون أصلاً من قبل الترسانة النووية الإسرائيلية الهائلة. ومن الغباء والسخف أن يقف العرب في هذا الشأن ضد التنمية النووية الإيرانية، وفي خندق واحد مع عدوهم الأكبر المتربص بهم على مدار الساعة وبرؤس نووية ضاربة ومهيأة لمحو الحضارة العربية من الوجود.

والخلاصة يبدو أن على العرب عدم استعداء إيران بل عليهم أن يفعلوا العكس، خاصة في هذه الظروف التي يقف فيها معظم الغرب (بمعاييره المزدوجة وأحقاده المبيتة ومطامعه المعروفة) ضد أي تنمية تقنية ذات أهمية في العالمين العربي والإسلامي. ولعل أسلم السياسات العربية تجاه إيران الآن يجب أن تكون سياسات تصالحية تتلخص عناصرها في نقاط عدة، لعل أهمها ما يلي:

* إقامة حوار مكثف ومتواصل بين السنة والشيعة، ومحاولة التقريب بين المذهبين.

* احترام حق إيران في امتلاك التقنية النووية السلمية، وحقها في الدفاع عن نفسها ضد من يهددها بالسلاح النووي.

* الإصرار على نزع السلاح النووي الإسرائيلي بالتلازم مع نزع هذا السلاح من كل دول المنطقة التي قد يوجد فيها.

* عدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي الذي يستهدف إقحام بعض الدول العربية في هجوم إسرائيلي على إيران، ودق إسفين بين العرب وإيران وللأبد.

* الاعتراف بالمصالح المشروعة لإيران وكونها قوة إقليمية راسخة.

* الضغط على إيران لتسوية الخلافات العربية – الإيرانية سلماً، وبما يحقق العدالة وإرضاء الجانب العربي.

* محاولة الاستفادة من الإنجازات العلمية والتقنية الإيرانية.

* بذل أقصى الجهود للحيلولة دون نشوب حرب كارثية جديدة في المنطقة.

مجلة آراء حول الخليج