; logged out
الرئيسية / آفاق ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار

آفاق ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

مع الانخفاض المتواصل لسعر الدولار الأمريكي في مواجهة العملات الأخرى خاصة اليورو والين الياباني، يتجدد السؤال حول جدوى ربط العملات الخليجية بالدولار بعد الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الدول الخليجية من جراء هذا التراجع الذي يشهده الدولار الأمريكي،خاصة أن قرار الكويت بفك ارتباط عملتها بالدولار وربط عملتها بسلة من العملات في شهر مايو الماضي، أثار الكثير من التساؤلات حول مصير العملة الخليجية الموحدة وإصدارها في موعدها المحدد في عام 2010،خاصة إذا علمنا أن إعلان سلطنة عمان هي الأخرى عن عدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها الخاصة بإصدار العملة ربما يعطل إصدارها في موعدها المحدد.

من المؤكد أن ذلك القرار يمثل ضربة قوية لإصدار العملة الخليجية الموحدة، والتي تعني باختصار إعادة مراجعة إحدى أهم الركائز الأساسية التي تؤسس لإطلاق العملة الموحدة، فمن دون المثبت المشترك لا يمكن المضي قدماً في هذا المشروع الحيوي، فالدينار الكويتي سمح له ضمن الاتفاق السابق بالتذبذب بنسبة 3.5 في المائة تجاه الدولار، الذي ترتبط به بقية العملات الخليجية وبحد أقصى يصل إلى 0.310 وحد أدنى يبلغ 0.289 مقابل 0.229 في عام 2003، عندما انضمت الكويت إلى المجموعة الخليجية وربطت عملتها بالدولار. وكانت الكويت قد قررت في أكتوبر من عام 2002 ربط سعر صرف الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي تنفيذاً لقرار اتخذه المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، خلال اجتماعات دورته الـ 22 في مسقط، في ديسمبر 2001، بشأن التثبيت المشترك لعملات دول المجلس مقابل الدولار الأمريكي.

ربط العملات الخليجية بالدولار

الراصد للأوضاع المالية والاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي سوف يلاحظ أنه في عام 2002، اعتمدت دول الخليج الدولار الأمريكي كمثبت مشترك بين عملات دول المجلس، كما تقرر أن يشهد العام 2007، الاتفاق على مسمى العملة الموحدة وفئاتها ومواصفاتها وأسلوب طرحها للتداول وآلية سعر صرفها ثم تأتي المرحلة الأخيرة في عام 2010، بإطلاق العملة الموحدة والتي تهدف إلى إيجاد بيئة مناسبة لإنشاء سوق خليجية واحدة مما يسهل عملية التجارة البينية ويسرع من حركة الرساميل فيما بينها، الأمر الذي يزيد من حجم المشاريع الإنتاجية في المنطقة. ولكن ومع استمرار تراجع أسعار الدولار بدأت دول خليجية عدة بالتفكير في إعادة النظر بربط عملاتها الوطنية بالدولار وعلى رأسها الكويت والإمارات، حيث بدأت هذه الدول في رفع قيمة عملاتها الوطنية بسبب ارتفاع تكاليف الواردات، حيث تصل قيمة الدينار الكويتي إلى 3.5 في المائة مقابل الدولار. ويأتي ذلك وسط تحذيرات من صندوق النقد العربي من القيام برفع قيمة العملة من جانب واحد من دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيتسبب في عدم الاستقرار في الأسواق المحلية ويؤخر الوحدة النقدية. أما في المملكة العربية السعودية، وفقاً لتصريحات محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن ربط العملة السعودية بالدولار الأمريكي سيستمر تبعاً لجدوى هذا الارتباط وأهميته في السياسة النقدية. ويرى خبراء سعوديون أن ربط الريال بالدولار حقق استقراراً واضحاً لأسعار الصرف وأسعار المواد والخدمات في الداخل ومع استمرار ارتفاع أسعار النفط فإن هذا الربط لا يعتبر سلبياً. في حين أن قرار فك الارتباط بالدولار يحمل الاقتصاد السعودي تكلفة عالية عبر عدم الاستقرار وفي ظل العملة الخليجية القادمة فإن أي قرار أحادي سوف تكون تكلفته محملة على الاقتصاد السعودي فقط فضلاً عن الأضرار المترتبة على الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن لارتباط الدولار علاقة أخرى بالميزانية، إذ يمثل النفط المصدر الأساسي لإيرادات الدولة في المملكة، والذي يتم تصديره للخارج بعملة رئيسية واحدة هي الدولار، وفي الوقت نفسه يرى هؤلاء الخبراء أن استمرار تراجع سعر الدولار مقابل العملات الأخرى له مخاطر على اقتصاديات المملكة، لعل أبرزها مشكلة التضخم المستورد الناتج عن معدلات صرف العملات الرئيسية الأخرى أمام الدولار والتي تؤثر سلبياً في النشاط الاقتصادي والناتج الوطني السعودي نتيجة لزيادة أسعار السلع المستوردة الاستهلاكية منها والرأسمالية والتي تدفع بعملات رئيسية أخرى غير الدولار خاصة اليورو والين الياباني، فضلاً عن المطالب المستمرة للعمالة الفنية العاملة في المملكة والتي تتقاضى رواتبها بالريال خاصة العمالة من خارج منطقة الدولار مما يقلل أجورها مقارنة بعملات بلادها الرئيسية نتيجة لارتفاع تلك العملات مقابل الريال والدولار.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يرى خبراء اقتصاديون إماراتيون أن المواطنين والمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي يعانون من التضخم المستورد الناتج عن ارتباط عملات هذه الدول بالدولار الأمريكي الذي يسجل هبوطاً أمام العملات الرئيسية الأخرى، الأمر الذي يرفع تكلفة الواردات من أوروبا واليابان، ويثير جدلاً اقتصادياً حول الهدف من هذا الارتباط، ويتساءل هؤلاء من جدوى إصرار الدول الخليجية على استمرار هذا الربط والتباطؤ في القيام بخطوات عملية لتنويع واضح للاحتياطيات النقدية؟ في حين يؤكد خبراء آخرون أن عملية الربط أو فك الارتباط لا تتم في أيام، وأن ربط العملات الخليجية بالدولار له مميزات أيضاً. أما سلطنة عمان فقد أعلنت في مطلع يناير الماضي انسحابها نهائياً من الاتحاد النقدي المنتظر بين دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2010. وفي قطر أعلن وزير المالية يوسف حسين كمال أن قطر لن تغير نظام ربط عملتها بالدولار الأمريكي.

هناك مجموعة من العوامل في الكويت التي لعبت دوراً في ربط الدينار بسلة عملات رئيسية 

وفي الكويت، يمكن اعتبار الخطوة التي اتخذتها الكويت، خطوة احترازية مبنية على أساس توقعات قوية تشير إلى إمكانية حدوث انخفاضات إضافية في قيمة الدولار، حيث يعاني الاقتصاد الأمريكي من العديد من الظواهر السلبية، كاستمرار ارتفاع ميزان العجز التجاري، وزيادة الإنفاق غير المنتج بسبب الالتزامات الخارجية والركود. ولذلك فإن الإجراء الكويتي هو إجراء استباقي، إلا أنه حمل بين طياته شكوكاً قوية حول إمكانية إصدار العملة الخليجية الموحدة في موعدها المحدد. ولا شك في أن مجموعة من العوامل الرئيسية لعبت دوراً في عودة الكويت مرة أخرى إلى ربط الدينار بسلة عملات رئيسية لعل أهمها الانخفاض الكبير الذي شهده سعر صرف الدولار عالمياً أمام العملات الأخرى. وعلى الرغم من أنه سيبقى للدولار دور مهم في تحديد سعر صرف الدينار إلا أن نظام السلة الخاصة من شأنه أن يوفر مرونة نسبية في تحديد سعر الصرف. ومن المنتظر ارتباط الدولار بسلة العملات من خلال معادلة مبنية على نسب متفاوتة لعملات مختلفة وتحدد بمقدار حجم تجارة هذه العملة من البضائع التي تستوردها الكويت، حيث إن البضائع خارج نطاق الدولار لا تكلف وآثارها التضخمية أقل والقيمة الشرائية لها أفضل. ومن اللافت في المسألة ذلك الارتباط العجيب بين رحلة انخفاض سعر الدولار مقابل العملات الرئيسية، لا سيما اليورو والجنيه الإسترليني والتي ترافقت زمنياً مع ارتباط الدينار به ابتداء من الخامس من يناير 2003 تنفيذاً لقرار اتخذه قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم المنعقدة في أكتوبر من عام 2002. فمنذ إبريل 2003، وحتى إبريل الماضي فقد الدولار أكثر من 37.5  في المائة من قيمته أمام الجنيه الإسترليني، ونحو 56 في المائة أمام اليورو ونحو 10 في المائة أمام الين الياباني. ونظراً لعلاقة الترابط بين الدينار والدولار فقد ارتفعت قيمة الدينار أمام الدولار حوالي 6 في المائة، إلا أنها انخفضت مقابل العملات الأخرى بنسب مختلفة بلغت 43 في المائة أمام اليورو، و31 في المائة أمام الجنيه الإسترليني، و4.3 في المائة أمام الين. كما نرى في اعتماد الكويت بصورة كبيرة على الواردات،حيث ارتفعت قيمتها بصورة كبيرة خلال السنوات التي أعقبت الربط من 3.27 مليار دينار عام 2003، إلى نحو 4.6 مليار دينار العام الماضي. وإذا كان هذا الارتفاع في القيمة يرجع في جانب منه إلى ارتفاع في حجم الواردات ذاتها نتيجة لتزايد عدد السكان كارتباط طبيعي بين معدلات الطلب والنمو السكاني فإن الجزء الرئيسي من ارتفاع قيمة الواردات يرجع إلى انخفاض قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية الأخرى بخلاف الدولار خاصة أن نسبة كبيرة من واردات الكويت تأتي من الدول الأوروبية.

ورغم التباين في وجهات النظر الخليجية حول جدوى استمرار ربط العملات المحلية بالدولار الأمريكي فإن الأمر المؤكد أن تراجع أسعار الدولار في مواجهة العملات الأخرى أحدث انقساماً داخل دول المجلس، وأثر بشدة في اقتصادات هذه الدول خاصة مع تنامي الصادرات الخليجية من الأسواق الأوروبية واليابانية.

التضخم (قاتل) عملات الخليج

جاء التحرك الكويتي بفك ربط الدينار بالدولار، الذي تعرض لتدهور متلاحق خلال السنوات الثلاث الماضية ليسلط الضوء على فاعلية ربط عملات دول المجلس بالدولار الأمريكي، مع كل ما يجلبه من خسائر كبيرة لاقتصاد وعملات دول المجلس التي أكد صندوق النقد الدولي أخيراً في تقرير صدر عنه في أوائل شهر مايو 2007، عن (آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط وآسيا)، أن القيمة الفعلية لأسعار صرفها انخفضت بنسبة 12.5 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية. وتناول فيه مستقبل اقتصادات هذه المنطقة مركزاً على الأوضاع في بلدان الخليج، وقد توصل إلى احتمالات تراجع أسعار النفط خلال الفترة المقبلة لتصل إلى نحو 61 دولاراً للبرميل، وعوائد النفط خلال عام 2007 سوف تكون في حدود 570 مليار دولار. كما توقع التقرير أن تكون معدلات النمو في دول الخليج متفاوتة بين ارتفاع طفيف في السعودية وعُمان، وتراجع في كل من الإمارات والكويت وقطر والبحرين، فقد تنبأ التقرير بارتفاع معدلات التضخم في المنطقة ككل لتصل في المتوسط إلى نحو 9 في المائة بعد أن كانت 7.5 في المائة عام 2006، وأرجع ذلك إلى السيولة الزائدة، وقد أوصى الصندوق الدول الخليجية بأن تتجه إلى زيادة الإنفاق الحكومي والتوظيف الأفضل لعوائد النفط، حتى أن الإقدام على رفع قيمة العملات الخليجية في مواجهة الدولار، لن يؤدي إلى خطوات ملموسة في مواجهة التضخم، وعلى دول الخليج أن تستمر في كسب ميزة استقرار عملاتها، وأن عملية رفع سعر صرف عملاتها مقابل الدولار سوف تؤدي بلا شك إلى فقدان الثقة في ثبات واستقرار قيمة العملات الخليجية. وأشار التقرير إلى المخاوف التي قد تعترض النمو الإيجابي بشكل عام في الإقليم من جراء استمرار التباطؤ في النشاط الأمريكي، وكذلك ارتفاع درجة التقلبات في الأسواق المالية، وأيضاً التهديد الدائم للأوضاع السياسية في المنطقة. وعلى الرغم من أن تقرير صندوق النقد عكس حالة من الطمأنينة للأوضاع الاقتصادية في دول الخليج -بل نستطيع القول إنه تمنى بقاءها على ما هي عليه، خاصة فيما يتعلق بأسعار صرف عملاتها، وحاول إرجاع زيادة معدلات التضخم فقط إلى زيادة العوائد النفطية والسياسات التوسعية التي تعتمدها السياسة الاقتصادية في بلدان الخليج- فإن هناك مخاوف مشروعة لدى العديد من بلدان الخليج، خاصة أن الأمر يتعلق بثرواتها التي نستطيع القول إنها وضعتها رهن مستقبل الدولار، الذي يتعرض لانخفاضات متتالية مقابل العملات الأخرى منذ عام 2003، مما أدى إلى انخفاض القيمة الحقيقية لثرواتها، وزيادة قيمة فاتورة وارداتها، وأيضاً شهدت معدلات متزايدة من التضخم.

اعتمدت دول الخليج في عام 2002 الدولار الأمريكي كمثبت مشترك بين عملاتها

وفي هذا السياق، يعتبر تخفيض قيمة الاحتياطي من النقد الأجنبي من أهم تأثيرات ربط اقتصادات الخليج بالدولار، فهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الثروة العربية والخليجية على وجه التحديد لمسلسل تخفيض العملة الأمريكية، فقد حدث ذلك في السبعينات والثمانينات. وفي هذا الصدد فإن مخاوف انخفاض قيمة الدولار لن تنال رصيد الاحتياطي للنقد الأجنبي فقط، بل سوف تنال أيضاً الاستثمارات الهائلة الموجودة في أمريكا وأوروبا والتي تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار. وتأتي هذه التأثيرات في ضوء ارتفاع أرصدة النقد الأجنبي في كل دول الخليج خلال الفترة بين (2003-2007)، وكانت السعودية أكبر هذه البلدان، فقد قفز رصيدها من احتياطي النقد الأجنبي من نحو 60 مليار دولار في عام 2003 إلى نحو 255 مليار دولار في عام 2007، وبالنظر إلى دول مجلس التعاون الخليجي ككل نجد أن رصيدها من احتياطي النقد الأجنبي ارتفع من نحو 90 مليار دولار في عام 2003 إلى 317.5 مليار دولار في عام 2007، أي أن نسبة الزيادة خلال الفترة كانت نحو 430 في المائة.

ونستطيع أن نلمس نتيجة أخرى مهمة وهي ظاهرة التضخم المستورد، والذي تمثل في ارتفاع قيمة الواردات نتيجة لانخفاض قيمة الدولار وارتفاع العملات الدولية الأخرى، خاصة اليورو الذي يأتي في مقدمة العملات التي تستورد بها دول الخليج، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي. وتظهر البيانات أن إجمالي واردات دول الخليج قفز من 154.5 مليار دولار، كواردات سلعية وخدمية عام 2003، إلى نحو 376 مليار دولار في عام 2007، بنسبة زيادة قدرها 143 في المائة، وأن كلاً من السعودية والإمارات من أكبر المستوردين بين دول الخليج. فنجد أن السعودية وصلت وارداتها من السلع والخدمات إلى 142.9 مليار دولار بعدما كانت نحو 60 مليار دولار فقط عام 2003. وكذلك الإمارات قفزت وارداتها من نحو 58 مليار دولار عام 2003 إلى نحو 149.1 مليار دولار عام 2007.

وبالرجوع مرة أخرى إلى تقرير صندوق النقد الدولي نجد أنه شدد على أن بلدان الخليج سوف تكون أكثر تأثراً بمعدلات التضخم الذي يؤدي بشكل مباشر إلى خفض قيمة العملات وقوتها الشرائية. والملاحظ أن معدلات التضخم في دول الخليج لم تزد على 5 في المائة في المتوسط بعد أن كانت 3.2 في المائة في عام 2006، وتعتبر دولة الإمارات أكثر دول الخليج من حيث ارتفاع معدل التضخم، فقد وصل إلى نحو 10 في المائة في عام 2006، ووصل إلى نحو 8 في المائة عام 2007، وأيضاً كانت قطر تدور في إطار هذا المعدل إلا أن معدل التضخم فيها لا يزال مرتفعاً لنحو 10 في المائة في عام 2007 بعد أن كان 11.8 في المائة في عام 2006.

مع استمرار تراجع أسعار الدولار بدأت دول خليجية عدة التفكير في إعادة النظر بربط عملاتها الوطنية بالدولار

ويشير بعض المحللين إلى أن معدلات التضخم في دول الخليج لا تعبر عن الواقع الحقيقي؛ حيث إن الحكومات الخليجية كانت تدعم العديد من السلع والخدمات بشكل مباشر وغير مباشر، ومن هنا لم تظهر معدلات التضخم بالوضع الحقيقي لها، ولكن المؤشر الأكثر وضوحاً هو دخل الفرد في دول الخليج؛ حيث يلاحظ تناقص قيمة القوة الشرائية لدخول الأفراد مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية. ومن دون استثناء فقد تضاعفت معدلات التضخم في بلدان الخليج بين عامي (2003-2007) بنسب مختلفة أقلها 76 في المائة وأعلاها 180 في المائة، وعلى الرغم من أن الأرقام المطلقة لمعدلات التضخم في دول الخليج منخفضة فإن نسبة الزيادة بين عامي (2003-2007) تعد مرتفعة ولافتة للنظر، وتعبر عن حجم المشكلة التي يعيشها الأفراد المقيمون في دول الخليج.

وتتبنى الحكومات في الدول الخليجية آليات لإدارة ظاهرة الوفرة النفطية وانخفاض قيمة الدولار، ففيما يتعلق بالحفاظ على الثروة الخليجية والمتمثلة في عوائد النفط فقد لوحظ أن احتياطيات النقد الأجنبي بالدولار في تزايد مستمر في كل دول الخليج، كما أن الاتجاه إلى استثمار عوائد النفط ما زال نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعُده البعض محاولة لمساندة سعر صرف الدولار في مواجهة العملات الأخرى حتى لا يشهد عمليات هبوط قد تؤدي إلى كارثة. وإن كان هناك توجه لبعض الاستثمارات نحو الصين والهند وكذلك بعض بلدان أوروبا، بل الأقطار العربية، فإن اللافت للنظر أن الاستثمارات المتوجهة للبلدان العربية أحدثت ما يمكن أن نطلق عليه (إعادة تصدير التضخم)؛ لأن معظم الاستثمارات توجهت إلى قطاعات غير إنتاجية مثل السياحة والعقارات والاتصالات وأسواق المال.

وعلى الرغم من الفوائض النفطية فإن بنية الاقتصاد الخليجي بقيت كما هي، عمادها الرئيسي النفط، ولم تنتقل بعد من مصاف الدول النامية إلى الدول النامية الآخذة في التصنيع، الأمر الذي من الممكن أن يغير طبيعة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هناك، مثل إحداث نقلة نوعية في التعليم ومخرجاته وكذلك قضية البطالة، بل طبيعة الواردات والصادرات لهذه البلدان. وللأسف فإن السياسة النقدية الخاصة بسعر الفائدة في دول الخليج ترتبط ارتفاعاً وانخفاضاً بالسياسة النقدية لأمريكا على الرغم من اختلاف الظروف والأوضاع الاقتصادية، ففي أمريكا الآن انخفاض لمعدلات النمو وارتفاع للديون وانخفاض في الاستثمار، بينما الوضع في الخليج على عكس ذلك تماماً، ومع ذلك لا تتخذ دول الخليج أي خطوة في هذا المجال إلا بعد إذن السياسة النقدية لأمريكا بها. وما يجب أن نستوعبه هو أن العالم يتغير، فلم تعد أمريكا كما كانت من قبل هي المؤثر الوحيد والفاعل في مجريات الاقتصاد الدولي، بل وجدت قوى أخرى سوف يكون لها دورها في إيجاد نظام اقتصادي دولي متعدد الأقطاب، ولعل الصين أبرز المرشحين للقيام بهذا الدور إلى جانب الاتحاد الأوروبي واليابان.

ومن هنا، فالواضح أن ثمة خريطة اقتصادية جديدة تُرسم لعالمنا، وعلينا أن نحسن توظيف إمكانياتنا للتعاطي مع هذه المجريات، فآسيا تتكامل بشكل أو آخر وكذلك أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبقيت هذه البقعة من العالم، وهي المنطقة العربية، فعليها أن تقيم لنفسها وزناً في خضم هذا العالم الجديد، ولعل الخليج بموارده المالية والطاقة الوفيرة قادر على إحداث هذا التعاون مع بلدان عربية أخرى، شريطة الابتعاد عن تلك المضاربات الدولية التي تركز على العقارات وأسواق المال.

والسؤال الآن هل ينجح مسؤولو دول مجلس التعاون في حل هذه المعضلة التي تواجه المضي نحو إقرار العملة الخليجية الموحدة المنتظر إطلاقها عام 2010؟ خاصة أن هناك إجماعاً اقتصادياً على أن استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي سوف يؤخر هذه الوحدة النقدية الخليجية المنتظرة. والإجابة عن السؤال سوف تكشف عنها الأيام المقبلة.

مجلة آراء حول الخليج