; logged out
الرئيسية / الآثار البيئية الناجمة عن المفاعلات النووية وآثارها الصحية

الآثار البيئية الناجمة عن المفاعلات النووية وآثارها الصحية

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

مما لا شك فيه أن البحث عن بدائل لمصادر الطاقة التقليدية المستخدمة حالياً يعتبر من أهم التحديات التي تواجه دول العالم اليوم والتي جعلت كافة الحكومات والهيئات تعطي الأولوية للأبحاث والدراسات المعنية بالبحث عن مصادر بديلة لتوليد الطاقة نتيجة لما عانته كافة الدول من الآثار البيئية السيئة الناتجة عن استخدام مصادر توليد الطاقة التقليدية مثل الوقود الأحفوري وغيره من المصادر الأخرى، ومن أهم بدائل توليد الطاقة التي يتجه إليها العالم اليوم وخاصة الدول الصناعية الكبرى هو استخدام الطاقة النووية.

تعتبر الطاقة النووية من أهم مصادر توليد الطاقة النظيفة، حيث تستخدم في توفير نحو 16 في المائة من احتياجات العالم من الطاقة الكهربائية. والجدير بالذكر أن العديد من الأبحاث قد أثبتت أن كمية الوقود النووي المطلوب لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية النفط المطلوبة لتوليد الكمية نفسها بالإضافة إلى أن الآثار البيئية الناجمة عن استخدام الوقود النووي أقل بكثير من الآثار البيئية الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري. ويذكر أن بعض الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي قد اتخذت العديد من الخطوات في تطبيق هذا المجال، ففي عام 2006م قرر قادة دول مجلس التعاون الخليجي البدء في استخدام الطاقة النووية واتخاذ كافة الخطوات والطرق لمواكبة دول العالم المتقدمة في مجال توليد وإنتاج الطاقة النووية لاستخدامها كبديل عن مصادر الطاقة الأخرى وخاصة الوقود الأحفوري في كافة النواحي السلمية مثل توليد الكهرباء وتحلية المياه المالحة ...إلخ.

وعلى الرغم من الاتجاهات العالمية في استخدام الطاقة النووية كمصدر للطاقة وكبديل عن مصادر الطاقة التقليدية الأخرى إلا أن استخدام الطاقة النووية له بعض السلبيات التي يجب الإشارة إليها ومن أهمها اعتمادها الأساسي على مادة اليورانيوم المحدودة. كما يجب الإشارة إلى الآثار البيئية الخطيرة التي يمكن أن تؤثر في البيئة المحيطة بالمفاعل النووي إذا لم تتخذ كافة الخطوات والإجراءات والاحتياطيات فائقة الدقة لتأمين المفاعل من أي تسريب إشعاعي. ويحتوي التاريخ على كثير من الكوارث الناجمة عن التسرب الإشعاعي في المفاعلات النووية والتي أثرت بشكل كبير في البيئة المحيطة به حتى الآن وعلى رأسها الانفجار الذي وقع في مفاعل تشرنوبيل النووي في شهر إبريل من عام1986م في أوكرانيا، حيث امتدت إشعاعاته وآثاره لتصل إلى أنحاء واسعة من الاتحاد السوفييتي سابقاًوأجزاء من أوروبا، حيث تعتبر هذه الكارثة أسوأ كارثة نووية في التاريخ المعاصر، فعلى الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على هذه الكارثة إلا أنه لا تزال بعض المناطق المحيطة بالمفاعل وعلى رأسها أوكرانيا تعاني من الآثار السيئة الناجمة عن هذا الانفجار حتى الآن، حيث أكد أحدث التقارير الطبية الصادرة عن منظمة الصحة الأوكرانية في عام 2008 والذي قام بإعداده نخبة من الأطباء والخبراء في مجالات الطب المختلفة أن الأمراض الرئيسية المتعلقة بالجهاز العصبي والدموي والأورام الدماغية التي تسببت فيها الإشعاعات الصادرة عن انفجار مفاعل تشرنوبيل النووي لا تزال منتشرة في أوكرانيا حتى الآن. كما أضاف التقرير أن أثر هذه الإشعاعات لا يزال واضحاً عند بعض الأطفال الذين يحملون أوراماً ويعانون ضعفاً واضحاً في النمو. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأبحاث التي أجريت من قبل خبراء وأطباء متخصصين أوكرانيين أثبتت أن 73 في المائة من حالات الإعاقة والأورام السرطانية والموت الناجم عن قصور في عمل الأعضاء بأوكرانيا، هي نتيجة للتعرض لكميات عالية من الإشعاعات النووية التي نجمت عن انفجار المفاعل. كما بينت الأبحاث أيضاً أنه في مدينة تشرنوبيل وضواحيها وفي عدد من المدن القريبة منها والتي نزح إليها السكان تنتشر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية بين الأطفال الذين هم دون الرابعة عشرة من العمر بنسبة 70 في المائة، بينما تنتشر الأمراض السرطانية الأخرى بينهم بنسبة 60 في المائة. كما تدل الإحصائيات والمؤشرات العامة على أنه في السنوات الثلاث الأخيرة الماضية أصبحت نسبة الأمراض الناتجة عن الانفجار مستقرة لدى الكبار.

التاريخ يزخر بالكثير من كوارث التسرب الإشعاعي في المفاعلات النووية التي أثرت في البيئة

 وفي الوقت ذاته أكدت البيانات والإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أن نحو 5آلاف شخص، كانوا أطفالاً عند وقوع الكارثةقد أصيبوا بأنواع مختلفة من مرض السرطان، بينما سجلت البيانات نحو 9 آلاف حالة وفاة من جراء السرطان الذي سببهالحادث.ولذلك أكد البيان الصادر عن المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأممالمتحدة في الذكرى العشرين لحدوث كارثةتشرنوبيل، أن العالم تلقى درساً قاسياً من تشرنوبيل بما في ذلك أهمية توفيرالمعلومات للرأي العام بشفافية وفي الوقت المناسب في حال وقوع الكوارث.

ونشير أيضاً إلى التسرب الإشعاعي الذي حدث في مفاعل (ثرى مايل آيلاند) بالقرب من ولاية بنسلفانيا الأمريكية وإن كان قد تمت السيطرة عليه ولم تحدث أية خسائر بشرية.

ومما سبق يتضح الخطر الناجم عن حدوث كوارث إشعاعية أو نووية وآثارها الصحية والبيئية في البيئة المحيطة. وبعيداً عن الملف النووي الإيراني ما بين مؤيد ومعارض له فإنه سيتضح مما تم عرضه المعاناة والمأساة التي عانت منها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية من جراء الانفجارات والتسرب الإشعاعي الناتج عن المفاعلات النووية. لذا فإنني أعتقد أن الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية لن تقدم على خطوة توجيه ضربة عسكرية إلى إيران في الوقت الحالي إلا بعد اتباع كافة الطرق والمبادرات السلمية لحل هذه المشكلة، بالإضافة إلى ذلك فكما هو معروف أن الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية لها العديد من المصالح والعلاقات المشتركة مع معظم الدول العربية داخل منطقة الشرق الأوسط مما سيدفعها إلى استخدام كافة السبل والسياسات التي تساهم في تجاوز العقبات التي تقف في طريق الوصول إلى حل في الملف النووي الإيراني بطرق سلمية. 

مقالات لنفس الكاتب