; logged out
الرئيسية / مسيرة التعاون الخليجي

مسيرة التعاون الخليجي

الخميس، 01 كانون2/يناير 2009

باختتام أعمال قمة مسقط في الثلاثين من ديسمبر الماضي يكمل مجلس التعاون الخليجي عامه التاسع والعشرين في ظل مزيج من الظروف السياسية والاقتصادية المتأزمة التي لا تختلف كثيراً عن تلك الظروف الاستثنائية التي أحاطت بتأسيسه في عام 1981، ولكن الفارق هذه المرة هو أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد ذلك الكيان الضعيف وحديث النشأة، بل أصبح كياناً قوياً راسخ الأركان، واضح السياسات والتوجهات، يتميز بالمصداقية، ويحظى بمكانة إقليمية ودولية مرموقة، لا تؤهله لمواجهة التحديات الراهنة فحسب، بل والمشاركة بكل جدارة واقتدار في لعب أدوار مهمة فيها وإيجاد حلول منطقية وعادلة لها وفقاً لسياساته الثابتة التي ترتكز على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سـيادة كل دولة على أراضيها ومواردها، واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفضّ المنازعات.

وعلى مستوى العلاقات السياسية الخليجية البينية لم يكن الواقع الخليجي أقل تميزاً، إذ لمسنا مؤخراً تطورات إيجابية مهمة ودرجة عالية من التقارب الخليجي الخليجي التي تدل بشكل واضح على رغبة هذه الدول وحكوماتها في طي كافة صفحات الخلافات البسيطة السابقة والتي لم تكن تتجاوز مستوى الخلافات الحدودية إلا فيما ندر، والتي كانت تدار وتعالج بأساليب وطرق دبلوماسية راقية لم تخرج يوماً عن نطاق العلاقات الأخوية التي تربط دول المجلس ببعضها البعض، ويأتي التقارب السعودي - القطري الأخير ليبرهن على هذه الحقيقة الراسخة، ويدلل أيضاً على أن الخلاف في وجهات النظرالخليجية لا يفسد للود قضية، بل قد يتحول إلى تقارب وتفاهم كبيرين انطلاقاً من حقيقة أن العلاقات الخليجية ترتكز في أساسها على قاعدة قوية من التقارب والتفاهم وتاريخ طويل من الإخوة والمحبة والتعاون.

أما على مستوى الإنجازات الخليجية المشتركة والتعاون الذي يهدف إلى تقارب ووحدة ورفاهية الشعوب الخليجية على كافة الصعد، فالمقال لا يتسع لذكر هذه الإنجازات لكثرتها، وهي وعلى الرغم من اتهام البعض لها بالبطء واستغراق وقت أكثر من اللازم في تنفيذها، إلا أن هذه الاتهامات لا تستطيع إنكار حقيقة تسارع وتيرة هذه الإنجازات في السنوات العشر الأخيرة والتي يتضح منها أن السنوات الأولى كانت بمثابة مرحلة تأسيسية تطلبت الكثير من التأني والتريث لوضع اللبنات الأولى والقواعد السليمة التي يمكن أن يقوم عليها التعاون الخليجي لينطلق لاحقاً بكل ثقة وعزيمة واقتدار نحو القمة. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الإنجازات الاقتصادية التي تم التوافق بشأنها وإطلاقها في السنوات الأخيرة كدليل على ذلك والتي بدأت بالاتحاد الجمركي في عام 2003 ثم بالسوق الخليجية المشتركة في عام 2008 وقريباً العملة الخليجية الموحدة في عام 2010م، وهي خطوات مهمة للغاية وسيكون لها أثرها الإيجابي الواضح على شعوب المنطقة، خصوصاً أن ثمار السوق الخليجية المشتركة التي أقرت في قمة الدوحة ظهرت نتائجها الإيجابية من خلال الإحصائيات التي نشرتها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية مؤخراً والتي تشير إلى زيادة عدد المواطنين الذين يتنقلون فيما بين دول المجلس من 4.5 مليون مواطن في 1995 إلى 14 مليوناً في 2007، وإلى زيادة العدد التراكمي للتراخيص الممنوحة لمواطني دول المجلس لممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية إلى 17 ألف رخصة في نهاية 2007، كما تشير أيضاً إلى زيادة متواصلة في أعداد المستفيدين من القرارات الخاصة بتملك العقار، لتصل إلى ما يربو على 6700 حالة في 2007.

كما لا يفوتنا ونحن نتحدث عن إنجازات التعاون الخليجي التذكير بأن المواطن الخليجي ومنذ زمن بعيد بات قادراً على التنقل بين دول المجلس ببطاقته الشخصية فقط من دون أي عوائق تذكر، وأيضاً بات يحق له التملك والمتاجرة وتأسيس الشركات والعمل في مختلف الوظائف الحكومية والخاصة، كما يحق له أيضاً التمتع بالخدمات الصحية والتعليمية المجانية في أي من دول الخليج الست، وهي إنجازات لاشك في أنها بالغة الأهمية، وتجعل من كل مواطن عربي يتمنى أن يكون خليجياً ليعرف ويتلمس معنى الوحدة والاتحاد والتعاون العربي الذي لطالما حلم به من دون أن يراه.

لكن وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات الخليجية المتميزة يبقى التحدي الرئيسي في طريق مجلس التعاون الخليجي متمثلاً في مدى قدرة دول هذه المنظومة الرائعة على المحافظة على كل هذه المكتسبات وتطويرها وصولاً إلى المرحلة التي يصبح فيها حلم الدولة الخليجية الفيدرالية الموحدة حقيقةً ماثلةً للعيان. 

مقالات لنفس الكاتب