; logged out
الرئيسية / الشراكة الاقتصادية الخليجية - الأوروبية (خارج نطاق التغطية)

الشراكة الاقتصادية الخليجية - الأوروبية (خارج نطاق التغطية)

السبت، 01 تشرين2/نوفمبر 2008

احتل موضوع التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي حيزاً بارزاً في العلاقاتالسياسية والاقتصادية الخليجية، وبدا ذلك واضحاً منذ بداية الحوار الخليجي - الأوروبي عقب قيام مجلس التعاون عام 1981، عندما قرر وزراء الخارجية لدول السوق الأوروبية المشتركة إجراء اتصالات أولية غير رسمية مع أمانة المجلس لتحديد نطاق التعاون المقترح.

لقد استمرت المفاوضات بين الطرفين حتى 15 يونيو 1988، عندما تم التوقيع رسمياً في لوكسمبورغ على الاتفاقية للتعاون الثنائي وتحرير التجارة فيما بينهما، ويتفاوض مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 18 عاماً حول اتفاقية للتبادل الحر بشأن إقامة منطقة التجارة الحرة بين الطرفين التي تواجه عوائق تثيرها دول الاتحاد الأوروبي من حين إلى آخر منها قضايا التسلح وقوانين الهجرة والعمل وحقوق الإنسان، وكان آخر لقاء بينهما في لشبونة يوليو الماضي، حيث اختتم المنتدى الصناعي الخليجي - الأوروبي وسط تأكيدات أوروبية وخليجية على اهتمام الطرفين بدعم الأنشطة الاقتصادية والتجارية بين كتلتين إحداهما تمثل شريان الطاقة الرئيسي، والأخرى تمثل أحد أهم مواطن التكنولوجيا في العالم، ويميل الميزان التجاري بين الجانبين حالياً لصالح الأوروبيين، على أمل أن تساهم الاتفاقية المحتملة في تصحيح الخلل الحاصل في الميزان التجاري،ووصفت العلاقات الاقتصادية التي أقامتها دول المجلس مع العديد من دول العالم بالجيدة، وقد سعت إلى البحث عن سبل توسيع قنوات التعاون وتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارات المتبادلة، ولاسيما في مجالي النفط والغاز.

وعادة ما تفرض العلاقات الاقتصادية نفسها على العلاقات البينية لأنها أساس التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، ولهذه العلاقات تحديات لا بد من دراستها ومواجهتها منها: تحرير الاقتصاد، واتخاذ الخطوات الكفيلة بتحريرالسوق، بالإضافة إلى أولويات أخرى مهمة مثل الشفافية للعمليات الاقتصادية، والمعاملات المصرفية، وتقديم التسهيلات اللازمة للشركات، كما يسعى المستثمرون الأجانب إلى الحرية المتاحة في إعادة توزيع المكاسب، فالقيود التي تقف حائلاً أمام خروج الأموال من البلد تشكل عامل إحباط وطارد أساسي للشركات الأجنبية، ويأتي بعد ذلك التحدي الآخر، وهو تحقيق نسبة تضخم منخفضة وسياسة مالية هادفة تتفادى الوقوع في اتساع رقعة الائتمان، فالتضخم المنخفض يعني نسبة فوائد منخفضة وعلاقات صناعية جيدة وأسعار صرف مستقرة، كما أن المستثمرين الأجانب يعتبرون التضخم المنخفض أساس بناء اقتصاد السوق، وضمن هذه المحددات تبلور نظام العلاقات الاقتصادية الدولية الذي يتمتع بأهمية خاصة من خلال فرض نفسها على رأس جداول أعمال الأجهزة التنفيذية لدول المجلس، ومنها فتح أسواق عالمية جديدة أمام الطاقات التصديرية لمختلف وحدات الاقتصادات الوطنية الخليجية ذات الوجهة التصديرية، وبذل المساعي وتذليل كافة الصعاب في سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لاستكمال النقص في مصادر التمويل المحلية اللازمة لمقتضيات وحاجات التوسع الإنمائي المستدام، وتبدو اتفاقية تحرير التجارة التي يدور النقاش حولها حالياً بمثابة القاعدة، التي يمكن عن طريقها تعزيز العلاقات السياسية بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس، فإلى جانب العلاقات الاقتصادية والتجارية يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون مع دول المجلس في مجالات تأمين الطاقة والحفاظ على البيئة والثقافة والتعليم ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى المجالات السياسية، لاسيما السياسة الأمنية. وعلى الرغم من اتخاذ دول الخليج إجراءات جادة لتشجيع المستثمرين الأوروبيين على زيادة استثماراتهم في دول الخليج، إلا أن حجم الاستثمارات الأوروبية في منطقة الخليج لا يزال متواضعاً للغاية، ولا يمثل سوى واحد في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في الخليج، مما يجعل المسؤولين الخليجيين يؤكدون على عدم رضاهم عن ضآلة الاستثمارات الأوروبية في دولهم، مقارنة بمناطق أخرى في العالم. ومن البديهي أن تعد اتفاقية تحرير التجارة بمثابة خطوة مهمة وبعيدة المدى على طريق العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، لأن التوقيع على هذه الاتفاقية سيكون من شأنه مضاعفة حجم التبادل التجاري للجانبين في وقت قصير، ويعتقد المراقبون أن من أهم أسباب تعطيل إنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين هو ربط اتفاقية التجارة الحرة الخليجية- الأوروبية بمنطقة التجارة الحرة الأوروبية- المتوسطية المزمع إقامتها حوالي عام 2010م، وسيكون لذلك كما يدعي الأوروبيون نتائج إيجابية لأنها ستقوي من أية اتفاقيات سياسية ثنائية بين العرب وإسرائيل. وترجع أهمية تلك المناطق إلى أنها تستجيب للمتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة التي تعلي من شأن المنافسة الاقتصادية والعولمة، وسوف يتناول هذا المقال بإيجاز استعراض الأهمية الاستراتيجية المتبادلة على قطاعي التجارة والطاقة الخليجية، ومستقبل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

 

1- قطاع التجارة الحرة والاستثمارات:

يحتل حجم التجارة البينية بين الجانبين الخليجي والأوروبي - كنسبة من إجماليصادراتها – بالمقارنة بما هو عليه في التكتلات الاقتصادية الأخرى المرتبة الدنيا، حيث بلغ حجم الميزان التجاري بين الطرفين نحو 81,4 مليار يورو، من بينها صادرات خليجية للاتحاد الأوروبي بقيمة 36,4 مليار يورو، و45 مليار يورو قيمة الواردات الخليجية من الاتحاد الأوروبي، وتتركز عمليات التبادل التجاري في قطاعي المعدات والطاقة، إذ بلغ حجم صادرات الاتحاد إلى دولالمجلس في قطاع المعدات وحده أكثر من 21,8 مليار يورو عام 2006، أما دول المجلس فقد صدرت من الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي ما قيمته 26,2 مليار يورو، وتعتبر المعادن الأساسية والبلاستيك من أهم المواد التي يتم تصديرها حالياً من دول المجلس إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما تعد أعمال التعاقد من الباطن من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية بين الطرفين (الجدولان1 و2 يوضحان حجم التبادل التجاري بينهما).

يضاف إلى ذلك استفادة موازين مدفوعات الدول الأوروبية من صادراتها غير المنظورة إلى دول المجلس والمتمثلة في تحويلات القوى العاملة الأوروبية في منطقة الخليج من أجور ومرتبات، وكذلك السياحة الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي، وخدمات الاستثمار والمقاولات التي توفرها المؤسسات الأوروبية لدول المجلس، والخدمات المصرفية والعلاج والتعليم،ولا يقتصر التعاون الاقتصادي بين التكتلين على التجارة الخارجية فقط، بل يمتد ليشمل مجالات أخرى، منها: تدفق رؤوس الأموال في شكل استثمارات مباشرة في القطاع الإنتاجي أو محافظ استثمارية أو قروض لتمويل مشروعات استثمارية كبرى.

2 – قطاع الطاقة:

تشير الدراسات إلى أن استهلاك الاتحاد الأوروبي من النفط في ازدياد مستمر، ويتوقع أن يقابل الاتحاد الأوروبي عجزاً في الإمدادات النفطية في عام 2020م بمقدار 16 مليون برميل يومياً مقارنة بالطلب اليومي للطاقة، ومع إدراك دول الخليج العربية لهذه الحقيقة، فإنها رغم ذلك تسعى جاهدة مع الاتحاد الأوروبي من منطلق أهمية السوق النفطي العالمي إلى حوار مستمر ودائم بين الطرفين لتطوير ظروف إمدادات الطاقة، ولا يستثنى من ذلك الأولويات التي طورت من أشكال المؤسسات العامة التي يجب العمل على تنسيقها. وفي ما يتعلق بالغاز الطبيعي تشير التقديرات إلى أن إنتاج الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي سينخفض في السنوات المقبلة، بينما تزداد احتياجات سوق الغاز بنسبة 1.8 في المائة سنوياً بسبب الزيادة في إنتاج الطاقة الكهربائية، مما يعني الحاجة إلى المزيد من الغاز من منطقة الخليج في الأسواق الأوروبية التي لا تمثل حالياً سوى نسبة 15 في المائة من مجمل مبيعات الغاز من المنطقة، وأن من مصلحة الاتحاد الأوروبي تنويع مصادر الغاز الطبيعي بدلاً من الاعتماد على روسيا المصدر الوحيد لها حالياً.

مستقبل الشراكة الاقتصادية المتبادلة بين الجانبين

يدرك الأوروبيون أهمية النفط لاستمرار عمل النظام الاقتصادي في دول الاتحاد، حيث يشكل 70 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من دول المجلس، كما يعد هذا القطاع مجالاً خصباً لاستثمار الشركات الأوروبية، بل يفرض الاتحاد الأوروبي ضرائب على النفط المستورد تصل إلى 7.63 في المائة من سعر برميل النفط المكرر، مما يزيد من المكاسب الأوروبية من استيراد النفط، وتنتج دول المجلس حوالي 14 مليون برميل نفط يومياً، بالإضافة لإنتاجها واحتياطيها من الغاز الطبيعي. مقابل ذلك تتمثل أهمية الاتحاد الأوروبي لدول المجلس في الاستثمارات الأوروبية في قطاعات متعددة، أبرزها التكنولوجيا التي تعتمد على رأس المال الضخم، وكان مجلس التعاون قد بدأ مؤخراً بيع كميات محدودة من الغاز الطبيعي المسال إلى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلا أن دول المجلس لم تقم بعد بتوريد الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي على أساس تعاقدي طويل الأجل، وظهر هذا الاهتمام بشكل واضح من خلال الدراسات والخطط التي يجري الإعداد لها حالياً، مثل تلك التي بحثت في إمكانية إنشاء أنبوب غاز بين قطر وأوروبا.

وعند استشراف مستقبل العلاقات الاقتصادية الخليجية - الأوروبية، يمكن القول إن النفط هو السلعة الأساسية التي تربط دول الاتحاد الأوروبي بدول المجلس، حيث تعتبر المجموعة الأوروبية أكبر مستورد للطاقة النفطية والغاز الطبيعي من دول الخليج العربية، وبين أكبر 15 دولة تصدر إليها دول الخليج العربية النفط، نجد أن كلاً من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا والمملكة المتحدة وبلجيكا من أكبر المستوردين لهذه السلع على المستوى الأوروبي والدولي. وتشير الدراسات المستقبلية في هذا الصدد إلى أن منظمة أوبك قد تكون هي المنظمة أو التكتل الوحيد الذي ترتفع طاقته الإنتاجية إلى 60 مليون برميل يومياً في عام 2020، وفي داخل (أوبك) توجد ست دول فقط لديها القدرة على توسيع وتنمية طاقاتها الإنتاجية بحيث ترتفع من نحو 24 مليون برميل يومياً إلى نحو 48 مليون برميل يومياً في عام 2020م، ومن هذه الدول ثلاث دول في مجلس التعاون الخليجي، هي السعودية والكويت والإمارات، فيما تمثلت الدول الأخرى في العراق وإيران وفنزويلا، ولا يعد النفط بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي مصدراً لحصولها على النسبة الكبرى من احتياجاتها من الطاقة وتوسيع السوق العربي في تصريف المنتجات الأوروبية فقط، لكنه يعد أيضاً مجالاً خصباً لاستثمار الشركات الأوروبية، فمن بين أكبر خمس شركات نفطية عالمية توجد ثلاث شركات أوروبية هي: (شل، وبريتش بتروليوم أموكو، وتوتال فينا إلف).

وفي ما يتعلق بمستقبل تنويع وتوسيع القاعدة الصناعية الخليجية، فقد جرت محاولات عدة من الدول النفطية الهادفة إلى توسيع صناعات عدة واعدة ذات محتوى تقني مرتفع في بعض الدول الخليجية، مثل صناعة القطن في البحرين، والآلات في الكويت، والمحركات والموتورات في عُمان، والصناعات الغذائية في دولة الإمارات، إلا أن تغير المكون التقني في صادراتها يعتبر غير ملموس مقارنة بدول أخرى، فمثلا ظلت دول شرق آسيا تعتمد بشدة على الصادرات الأولية حتى عام 1990، حيث استحوذت هذه الصادرات على ما يقدر بحوالي 40 في المائة من إجمالي صادراتها، لكن هذه الدول تمكنت فيما بعد من إحداث تغير جوهري في هيكل صادراتها، إذ شهد عام 1996 ارتفاع نسبة الصادرات العالية التقنية إلى الضعف أو الثلاثة أضعاف. وبالتالي فإن وضع الدول العربية يعتبر حرجاً في السوق العالمي، حيث ترتفع نسبة الصادرات ذات المكون التقني العالي، وأهميتها في إجمالي الصادرات العالمية في مقابل تضاؤل أهمية الصادرات ذات المكون التقني المنخفض. ونلاحظ أن معظم دول الخليج العربية (عُمان والإمارات والبحرين وقطر) قد بذلت جهوداً لتوسيع القاعدة الصناعية بعيداً عن النفط والمنتجات الأولية، إلا أن هذه الدول اتبعت استراتيجية خاطئة في تنويع هذه القاعدة الصناعية التصديرية، حيث اعتمدت هذه الدول على إعادة التصدير (Re-exports) بدلاً من تنمية القاعدة الصناعية.

ومن هنا كان للتبادل التجاري الحر الدافع والمحفز نحو مزيد من دعم وتطوير وتنويع مصادر الدخل، حيث تتطلب هذه المعادلة الاقتصادية طبقاً لمبدأ السوق الحرة توفير مؤسسات اقتصادية ومالية قادرة على مجاراة متطلبات السوق الأوروبية بكل حاجاتها.

لذا فإن على الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون تعجيل إقامة منطقة التجارة الحرة بينهما لتغطية المنتجات الصناعية من دون استثناء، وتأسيس مؤسسات تعاون ثنائية لتعزيز حقوق الملكية الفكرية بالتوافق مع منظومة الاتفاقيات الدولية الخاصة بهذا الشأن، ودمج مناطق التجارة الأوروبية - الخليجية في مناطق التجارة الحرة في البحر المتوسط لإعطاء دول المجلس تأثيراً إيجابياً حول التعاون الإقليمي. ولتعزيز الشراكة بين الجانبين يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقدم التعاون والاستشارات والخبرة اللازمة لتعزيز التكامل في السوق المالي الخليجي، وذلك عبر تأسيس تعاون في تشريعات المصارف والوساطات المالية لإيجاد قواسم مشتركة في إطار المصالح الثنائية المتبادلة في هذا المجال، وإيجاد تعاون بين بنك الاتحاد الأوروبي والبنوك المركزية لدول المجلس في ضوء الخبرات السابقة التي يتمتع بها الاتحاد في إدارة العملة الواحدة تمهيداً لتشجيع دول المجلس على التعامل بالعملة الخليجية الموحدة المزمع انطلاقها عام 2010م، ودعم استخدام اليورو كعملة احتياطية وتجارية واستثمارية في أسواق المال الخليجية.

أخيراً فإنه رغم العقبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الصادرات الخليجية، والتي تحول دون تحقيق التوازن المنشود في العلاقات الاقتصادية، فإن مصالح الطرفين تقضي بضرورة تدعيم المصالح المشتركة بينهما، مع مراعاة كل طرف احتياجات الطرف الآخر ومصالحه. كما أن دول المجلس مطالبة بإعادة النظر في استراتيجية التعاون مع الاتحاد الأوروبي في المجالات الاقتصادية والتجارية، ووضع سياسات سليمة للتعاون من شأنها أن تحقق شراكة استراتيجية حقيقية تفضي إلى علاقات متوازنة ومتكافئة، ودراسة سبل تطوير العلاقات الاقتصادية مع التكتلات والدول الأخرى بهدف تقليل الاعتماد على الاتحاد الأوروبي، وبالتالي إضعاف قدرته التفاوضية، بحيث لا يقتصر على طرف مانح وآخر متلق، وأن يكون الطرفان رابحين.

مقالات لنفس الكاتب