; logged out
الرئيسية / الموقف الإيراني من الأزمة السورية

العدد 91

الموقف الإيراني من الأزمة السورية

الأحد، 01 نيسان/أبريل 2012

من بين عوامل عدة، يأتي الدعم الإيراني كأحد أهم الأسباب التي أسهمت في استمرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقدرته حتى الآن على "سحق" الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات المتصاعدة منذ منتصف مارس من العام الماضي 2011 م ضد قمع وبطش هذا النظام الذي يقف عاجزاً عن إجراء أي إصلاحات أو يتجاوب مع مطالب المحتجين.

لقد سجل بشار الأسد براعة فائقة في القمع وسفك دماء الأبرياء بمختلف الأسلحة والمعدات، كما أظهر (وعياً) مشهوداً في فهم طبيعة البيئة الإقليمية المعقدة والدولية الصامتة والعاجزة، واعتمد منهج العنف الوحشي تجاه شعبه الأعزل لتأكده من أن خيار التدخل العسكري الخارجي سيظل بعيداً ولن يكون هناك اندفاع لهذا الخيار كما حدث في ليبيا.

ورغم الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها سوريا لإيران ودور التحالف الوثيق بين الدولتين في تزايد قوتهما معاً في محيط إقليمي يمكن وصفه بأنه مضاد لهما في الاتجاه والسياسات، إلا أن الملاحظ أن إيران تسير باتجاهين متوازيين الأول هو تقديم كل دعم ممكن لإبقاء نظام الرئيس (بشار الأسد) للحفاظ على المزايا والامتيازات التي تجنيها طهران من هذا النظام، والثاني هو الترتيب والإعداد لمرحلة ما بعد بشار الأسد في سوريا بوصفه أحد الاحتمالات التي تظل قائمة خاصة في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية وتغير موازين القوى الداخلية وإن كان تغيراً طفيفاً حتى الآن إلا أنه مرشح لتغيير جوهري في ظل مطالبات بعض الدول بتسليح المعارضة السورية وهو ما قد يحدث فارقاً جوهرياً في الصراع بين النظام والمعارضة في سوريا.

أما عن الاتجاه الأول الذي تسير فيه إيران وهو دعم نظام بشار الأسد  فالملاحظ أن هذا الدعم قد بلغ مداه للدرجة التي بات فيها هذا الدعم سبباً في تأجيل الخلافات الداخلية التي يعاني منها النظام الإيراني ومنها الخلاف بين الرئيس أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي.

ومن المؤشرات الدالة على هذا الدعم، تواتر التصريحات من مختلف المسؤولين الإيرانيين التي تعبر عن مساندة النظام السوري وتنتقد المحتجين، فقد وصف الرئيس نجاد على سبيل المثال ما يحدث في سوريا بأنه فتنة، واتهم أطرافاً خارجية وإسرائيلية بمحاولة بث الفوضى وزعزعة النظام.

أما المرشد خامنئي فقد اعتبر في كلمة في شهر يونيو الماضي أن الأحداث التي شهدتها البحرين في ميدان اللؤلؤة عادلة، وأطلق عليها مسمى (النضال الحقيقي المماثل لحركة الشعب المصري والتونسي واليمني). في حين وصف الاحتجاجات المستمرة في سوريا ضد الرئيس بشار الأسد (بالانحراف)، مؤكداً أن إيران لن تدافع عنها. كما اعتبر الثورة السورية نسخة مزيفة من الثورات في مصر وتونس واليمن وليبيا، متهماً الولايات المتحدة الأمريكية بصنع هذه النسخة بغية إيجاد خلل في (جبهة الممانعة)، حسب تعبيره، زاعماً أن فحوى أحداث سوريا تختلف عن مثيلاتها في المنطقة.

وعلى صعيد الدعم المالي والاقتصادي، لم تبخل طهران على دمشق رغم ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من أزمات ومشكلات كثيرة، فقد كشفت صحيفة (لس اكوز) الفرنسية أن المرشد الإيراني الأعلى خصص مبلغ 5,8 مليارات دولار وعلى وجه السرعة لدمشق وتزويد النظام السوري بـ 290 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ابتداء من شهر أغسطس 2011 م، إضافة إلى دعم مراقبة الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان للحيلولة دون هروب الرساميل.

وتحاول إيران القيام بدور المنقذ للاقتصاد السوري وتعويضه عن الخسائر المتلاحقة التي يتعرض لها من جراء انخفاض تصدير النفط وتقلص التبادل التجاري مع البلدان الأخرى والعقوبات، والانخفاض المستمر في الاحتياطي النقدي، حيث تظهر البيانات الرسمية أنه قد تم سحب نحو 10 في المائة من الودائع في بنوك سورية (ما يوازي 2,6 مليار دولار) خلال الأشهر ألأربعة الأولى من عام 2011 م فقط، كما يشير المراقبون إلى أن حجم الاحتياطي السوري الذي يبلغ 17 مليار دولار من العملات الأجنبية، يتناقص بمقدار 70 مليون دولاراً أسبوعياً.

على الصعيد العسكري، كشفت العقوبات الأوروبية المفروضة على دمشق أن ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني (الباسداران) وهم: القائد الأعلى للحرس الجنرال محمد علي جعفري ومساعداه الجنرال قاسم سليماني وحسين تائب، متورطون في تقديم العتاد والعون لمساعدة النظام السوري على قمع المتظاهرين. كما تقوم إيران بإرسال المدربين والمستشارين ومعدات مكافحة الشغب لسوريا، إضافة إلى المساعدة الاستخباراتية المتمثلة في أجهزة متطورة للمراقبة تسمح بملاحقة مستخدمي شبكتي (فيسبوك وتويتر).

وحسب صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية في عددها الصادر في الرابع من مارس 2012 م، فإن ثلاثة مسؤولين أمريكيين مطلعين على تقارير استخبارية من المنطقة تحدثوا عن ارتفاع حاد في إمدادات الأسلحة الإيرانية ومساعدات أخرى لنظام الرئيس بشار الأسد في وقت يصعد فيه النظام حملة (غير مسبوقة لسحق الاحتجاجات) في مدينة حمص. ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين قوله (إن المساعدة من إيران متزايدة، وتنصب بشكل متزايد على المساعدة القاتلة).

وأشارت الصحيفة إلى أن التقييمات الاستخبارية الأمريكية تتوافق مع التقارير الأخيرة التي صدرت عن الثوار السوريين بشأن الدعم الإيراني، حيث قال قادة المعارضة نقلاً عن منشقين في الجيش إن إيران بعثت مئات المستشارين والمسؤولين الأمنيين وعملاء المخابرات إلى سوريا إلى جانب أموال وأسلحة وأجهزة مراقبة إلكترونية.

على الصعيد الدولي، وبهدف تخفيف الضغط عن النظام السوري وتوجيه الأنظار بعيداً عن ممارساته القمعية، أعطى المرشد الإيراني علي خامنئي وفقاً لصحيفة (لوموند) الفرنسية توجيهاته في شهر مايو الماضي لقوات القدس التابعة للحرس الثوري في الجزائر والسودان لمساعدة معمر القذافي عسكرياً لمواجهة ما وصفه بمحور الشر الأمريكي – الفرنسي - البريطاني، تشمل نقل أسلحة وذخائر ومنها صواريخ أرض – أرض، وأرض - جو وقاذفات قنابل من أجل استخدامها ضد الثوار الليبيين من أجل إطالة أمد الصراع، وبالتالي منح طهران القدرة على المساومة مع الأطراف الغربية بشأن الأزمتين الليبية والسورية كما حدث من قبل في أفغانستان والعراق.

وعن الاتجاه الثاني الذي تتحرك فيه إيران فيما يتعلق بالأزمة السورية وهو الإعداد والترتيب لما بعد بشار الأسد، فتقف وراءه دوافع وعوامل متعددة أهمها ضغوط بعض الدول مثل تركيا وقطر لإجبار الرئيس بشار على إدخال الإصلاحات اللازمة والمطلوبة  إضافة إلى شعور إيران بالقلق من عواقب خسارة حليفها السوري المتمثلة بسقوط بشار الأسد الأمر الذي دفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها والاستعداد لوضع جديد تكون فيه سوريا من دون بشار الأسد وهو ما بات وشيكاً في ظل المعطيات الإقليمية والدولية ويفرض ضرورة الاستعداد له والتعامل معه.

لذا، حاولت إيران مد جسور التواصل مع المعارضة السورية وكسب تعاطف الشعب السوري أو على الأقل تجنب سخطه كي تضمن موقعاً في سوريا ما بعد بشار الأسد يحفظ لها مكانتها ويكفل لها مصالحها في المنطقة.

وقد برزت عدة مؤشرات تشير إلى تحرك إيران في هذا الاتجاه من بينها إشادة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني بالشعب السوري، حيث وصفه في الثامن والعشرين من شهر مايو 2011 بالمقاوم، وقال رفسنجاني في تعليقه على الأحداث الإقليمية: (شعوب المنطقة أصبحت يقظة وذكية ومناضلة. الشعب اليمني يخرج إلى الشوارع منذ شهور ويقدم شهداء، وفي ليبيا يحارب الشعب ويقتل، كما أن الشعب في سوريا يقاوم).

كما حث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الحكومة السورية في الرابع والعشرين من شهر أغسطس الماضي على الاستجابة لمطالب الشعب السوري بالإصلاح والحرية. وكانت هذه هي أول دعوة يوجهها الرئيس الإيراني إلى الحكومة السورية لتطبيق إصلاحات بعد التزام الصمت منذ بدء الاحتجاجات.

وفي السياق أيضاً، حذر وزير الخارجية الإيرانى علي أكبر صالحي نهاية أغسطس الماضي من أن الشرق الأوسط سيغرق فى الفوضى إذا واصل الأسد تجاهل دعوات الإصلاح، ودعا الحكومات إلى أن تستجيب للمطالب المشروعة لشعبها، سواء في سوريا أو اليمن أوغيرها.

وعلى صعيد التحرك الفعلي في هذا الاتجاه، فقد كشفت صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية في الحادي والثلاثين من شهر أغسطس الماضي عن لقاء تم بين المسؤولين الإيرانيين وبعض عناصر المعارضة السورية في إحدى العواصم الغربية وذلك لمعرفة المزيد عن قيادات هذه المعارضة وحجم القوى الإسلامية فيها وموقفهم من حزب الله وعما إذا كان في الإمكان التوصل إلى حل وسط بينهم وبين القيادة السورية.

خلاصة القول، إنه من الصعوبة أن تتخلى إيران عن نظام بشار الأسد، خاصة في ظل ما تتمتع به من مكانة خاصة في ظل وجود هذا النظام لن تتوافر على الأرجح في أي نظام جديد في سوريا، لكنها ستسعى في ذات الوقت إلى استمرار التواصل مع المعارضة السورية لتقليل الخسائر المحتملة من جراء سقوط بشار الأسد.

مجلة آراء حول الخليج