; logged out
الرئيسية / مياه الخليج العربي : هل هي ملوثة في الحدود الكارثية؟

العدد 90

مياه الخليج العربي : هل هي ملوثة في الحدود الكارثية؟

الخميس، 01 آذار/مارس 2012

يعد الخليج العربي بموقعه الجغرافي ومناخه وتنوع حياته المائية وطبيعة قاعه وأعماق مياهه بيئة بحرية متميزة ونعمة ينفرد بها، فضلاً عن وجود النفط على سواحله وبلدانه فهو نعمة مضافة كون النفط عصب الحياة العصرية والطاقة التي تحرك ماكنة الحضارة على كوكبنا الأرضي فنحن إذا نعيش عصر حضارة النفط. فالنفط نعمة وخير عميم لكل العالم، لكنه من الناحية البيئية قد يعد لدولنا المنتجة له نقمة لما يسببه من تلوث كارثي لمياه الخليج الخلابة.

إن التلوث بالنفط ليست مشكلتنا فقط بل مشكلة عالمية، حيث تقدر كمية النفط المتسربة من النشاطات النفطية في العالم سنوياً بأكثر من عشرة ملايين طن نفط خام بضمنها حوادث الناقلات والكميات المتسربة نتيجة لعمليات التنقيب والاستخراج من منصات الحفر البحرية والحروب وغيرها، ليس النفط هو الملوث الوحيد لمياه الخليج لكنه الأسوأ والأكثر خطورة من غيره، لكون الخليج محاطاً بدول نفطية عملاقة تمخر عبابه عشرات الآلاف من الناقلات النفطية سنوياً تطرح في مياهه مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من النفط الخام، فضلاً عن المتسرب من منصات الحفر. من جهة ثانية تشهد دوله انفجاراً حضارياً وصناعياً وسكانياً وبالتالي تشكل مخلفات مصانعها ومصافيها وفضلاًت الحضارة ومحطات الكهرباء والتحلية وغيرها تهديداً بتلوث بيئي عظيم إذا لم تسارع تلك الدول مجتمعة لإيجاد حلول ناجعة للسيطرة على هذه المشكلة البيئية للمياه والسواحل، خاصة أن أرقام التحليلات الكيميائية للمياه ورمال السواحل ترتقي للحدود العليا المسموح بها عالمياً.

ونتيجة لتصاعد وتائر الإنتاج النفطي والتقدم الصناعي والمدني للدول المتشاطئة فمن المتوقع أن مزيداً من المواد الملوثة ستطرح. لهذا تعد هذه الدراسة ومثيلاتها إشارة إنذار بالخطر لأن الخليج يعد الأكثر تلوثاً من بين بحار العالم، لكنه لم يمت بيئياً بل هو سائر لا محال إلى حتفه من فقدان حالات التوازن البيئي لو بقيت المشكلة من دون معالجات سريعة، فالواجب ألا نقف مكتوفي الأيدي حيال هذه الكارثة المتوقعة وننتظر حتى تتفاقم فيتعقد حلها، وسيكلف ثروات كبيرة بل ربما سيكلف حياة سكان المنطقة بأسرها. فالمسؤولية المباشرة تقع على دول الخليج أولاً لأنها صاحبته ومن ثم دول ومنظمات العالم المتخصصة. ومن الآن فصاعداً يجب أن يعي كل فرد دوره ومسؤوليته للحفاظ على هذه النعمة التي حبانا الله بها وأن يتغيير الاعتقاد بأن الخليج مستودع طبيعي لفضلات نشاطات دولنا نلقي فيه كل مخلفاتنا.

يعرف التلوث البحري بأنه أي تغيير كمي ونوعي يطرأ على مكونات مياه البحار من النواحي الكيميائية والفيزيائية والحياتية تنجم عنه أضرار على حياة الإنسان والكائنات الحية والنواحي الجمالية للمياه والسواحل وأية إعاقة في الاستخدامات المشروعة لها.
ويعد الخليج العربي بحراً صغيراً ضحلاً وذراعاً مائية بمدخل واحد يمتد من خليج عمان جنوباً حتى شط العرب شمالاً بطول 965 كم ومساحة 235 كيلومتراً مربعاً وأقصى عرض بحدود 370 كيلومتر مربع وأضيق منطقة 55 كم عند مضيق هرمز ومياهه ضحلة، فأعمق نقطة قد لا تتجاوز الـ 100 متر بكثير، وكمية مياه لا تتعدى ثمانية آلاف كيلومتر مكعب. مناخه رطب حار قليل الأمطار ذو مياه هادئة ونادراً ما يتعرض للعواصف ودوامات الموج العالي، لكنه يتعرض صيفاً للعواصف الترابية الصحراوية فهو يعد بيئة ملاحية جيدة، تتشاطأ عليه ثماني دول تعد من أهم دول العالم النفطية لاحتوائه على العديد من الحقول النفطية والغازية، فضلاً عن الثروة السمكية ومصدر اللؤلؤ والشعاب المرجانية، فهو ممر استراتيجي عالمي لنقل أكثر من 45 في المائة من نفط العالم، فضلاً عن الملاحة التجارية وبالتالي فقد اكتسب أهمية اقتصادية عالمية عظيمة. وللخليج تدفقات قليلة للمياه العذبة من نهري دجلة والفرات والكارون وبعض الجداول عند بوشهر، فهو يتلقى رواسب طمى بسيطة فضلاً عن كميات من الغبار والرمال بسبب الرياح الآتية من الصحراء.

ونظراً لطبيعة الخليج شبه المغلقة فلا تتبدل مياهه إلا مرة واحدة كل خمس سنوات تقريباً. وتصل درجة حرارة مياه الخليج صيفاً إلى 40 درجة مئوية تنخفض إلى 15 درجة شتاء أما ملوحة المياه فمعدلها بين 37- 40 في المائة ترتفع عند السواحل العربية فتصل إلى 50 في المائة أحياناً وهي عالية نظراً لقلة تدفق المياه العذبة وزيادة التبخر لارتفاع حرارة المحيط. ويصل التنوع الأحيائي فيه إلى أكثر من مئتي نوع أسماك، غير الفقريات والقشريات والثديات الأخرى ووفرة من الهائمات والطحالب والبلانكتون والإسفنج والمرجان وأصناف كثيرة من النباتات البحرية فضلاً عن الطيور البحرية المتوطنة والمهاجرة العديدة الأنواع.

وكان تعداد سكان دول الخليج مجتمعة عام 1955 لا يتعدى الأربعين مليون نسمة، ارتفع للضعف عام 1975 ثم قفز إلى أكثر من 150 مليون نسمة عام 2010. ويستهلك سكان الخليج حوالي 700 مليون طن متري وقود وملوثاتهم تصل إلى 70 مليون طن متري عوادم مياه و80 مليون طن متري فضلات صناعية صلبة وملايين الأطنان من النفط الخام كلها ترمى بشكل أو آخر في مياه الخليج. إذن فالمسألة غير متوازنة بالمرة والأمر في غاية الخطورة بالمدى المنظور. فالتلوث إذن خطر يهدد سكان الخليج والكائنات الحية في مياهه. فعند القيام بسفرة بحرية يمكن ملاحظة تلوث مياهه من خلال تغير لونه، فمن مياه طينية غرينية في شماله تتحول تدريجياً إلى مياه عكرة كثيرة الرغوة ثم إلى مياه زرقاء تختلط معها بقع نفطية سوداء خاصة عند سواحله. ويمكن ترتيب مصادر التلوث كالآتي:

أولاً: النفط الخام المتسرب / ومصادره عديدة أهمها:
* مياه الموازنة لناقلات النفط: وهي مياه بحرية تقدر بمئات آلاف الأمتار تحملها الناقلة الفارغة عند إبحارها لموانئ التحميل بغية الحفاظ على توازنها أثناء السير، تقوم بإفراغه قبل التحميل في الخليج العربي، ويكون عادة ممزوجاً بكميات نفط خام موجود أصلاً في الناقلة (يبقى بالناقلة واحد في المائة نفط خام لا يمكن إفراغه) ولكون عدد الناقلات التي تجوب مياهه تزيد على خمسين ألف ناقلة سنوياً، وكل ناقلة تحمل معها مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه مخلوطة بالنفط الخام فهذا وحده يعد كارثة متعمدة كبيرة.
* غرق وانفجار الناقلات: رغم قلتها لكنها ذات تأثير سلبي كبير على بيئة الخليج المائية، كما حدث لناقلة النفط اليونانية بوتيانا قرب دبي والناقلة شيريدياك عند جزيرة داس. وهناك حوادث مقصودة لإغراق الناقلات وتفجير موانىء الشحن كما حدث بين عامي 80-91 أثناء حربي الخليج الأولى والثانية مما تسبب بتسريب ملايين الأطنان من النفط نتجت عنها بقعة أبعادها 60 في 12 كيلومتراً، ونتج عنها دمار بيئي كبير جداً على سواحل ومياه الخليج.
* انفجار الآبار والأنابيب الناقلة البحرية والمحاذية للساحل: يعاني الخليج من تلك المشكلات بشكل شبه دائم. أسوأها ما حدث عام 1983 من تسريبات نفطية من حقول نيروز الإيراني، وانفجار بأحد الحقول البحرية السعودية عام 1981، وانفجار محطة نفط ميناء الأحمدي الكويتية عام 1982 نجم عنها تسرب ملايين الأطنان من النفط غطى معظم مياه وسواحل الخليج وسببت كوارث بيئية.
* خلل في شحن وتفريغ الناقلات النفطية: يحدث أحياناً خلل أثناء شحن آلاف الناقلات النفطية الآتية للتحميل مما يسبب تسريباً في النفط، وهذا يشكل تلوثاً نفطياً لا يستهان به بل يعد من الكوارث النفطية في العديد من الأحيان.
* التسربات من منصات الحفر العائمة: تنتشر على مساحة مياه الخليج أكثر من 70 منصة حفر تحدياً لكل العقبات التي تواجه الحفر البحري. ورغم كل التطور التقني لكن المشكلات التي تواجهها هي التسربات النفطية والنفايات الضارة وصعوبة التغلب على الحوادث.
* مخلفات ومقذوفات السفن التجارية والحربية: لكون الخليج العربي ممراً مائياً تجارياً مهماً نتيجة لدخول آلاف البواخر التجارية والمعدات البحرية الحربية، فهي تقذف أطناناً من الفضلات النفطية والمدنية تضاف إلى الملوثات الأخرى.


ثانياً: التلوث بالمخلفات الصناعية ومحطات توليد الطاقة وتحلية المياه
تعد هذه الفضلات والمخلفات الصناعية واحداً ضمن أهم مصادر تلوث مياه الخليج لاحتوائها على نسب عالية من العناصر الكيميائية الضارة. ويعتمد نوع ونسب تراكيزها على نوع الصناعة القائمة والمعالجة التي تجريها تلك المصانع على مخلفاتها، لكن أغلب المصانع تشترك في إلقائها الكثير من العناصر الثقيلة والسامة والقواعد والأحماض والأصباغ، فضلاً عن الأمونيا والكبريت والفوسفور والعناصر الثقيلة السامة كالرصاص والزئبق والكوبلت مما ينجم عنها تلوث شديد للمياه. فتدخل تلك العناصر أجسام الكائنات البحرية ثم تنتقل بالسلسلة الغذائية للإنسان مما قد يسبب أمراضاً سرطانية عديدة. أما البكتيريا فتعمل على تحويل الأمونيا إلى نترات تستعملها الهائمات النباتية والطحالب فيسبب نقصاً في الأوكسجين فينشأ ظرف تأكسد لا هوائي يهلك العديد من الأحياء المتنفسة للأوكسجين كالأسماك.

ثالثاً: التلوث بالمخلفات الحضارية والتطور المدني
تشهد الدول المتشاطئة على سواحل الخليج تقدماً صناعياً وحضارياً وعمرانياً كبيراً جداً تتولد نتيجته كميات هائلة من الفضلات العمرانية والمدنية، يضاف إليه التوسع العمراني الكبير باتجاه مياه الخليج نفسها من خلال بناء عشرات الجزر الصناعية والمدن السياحية مما يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الأحيائي البحري الطبيعي المستقر وتدمير بيئة قاع الخليج وقتل وهجرة الأحياء والقواقع والمفصليات البحرية وموت النباتات البحرية من خلال ردم ملايين الأمتار المكعبة من الصخور والرمال، مع أن تلك المشاريع مدروسة بيئياً لكنها لا تخلو من تلويث.

رابعاً: التلوث الحراري
ترتفع درجة حرارة مياه الخليج نتيجة للحرارة المتأتية من مصادر عدة منها محركات آلاف السفن والناقلات التي تبحر فيه، ومن خلال طرح ملايين الأطنان من المياه الساخنة وشديدة الملوحة من محطات التحلية. ففي الكويت يطرح يومياً نصف مليون ليتر مياه ساخنة وشديدة الملوحة من محطات التحلية فقط، ويمكن تصور الكميات المرعبة التي تطرحها محطات التحلية في السعودية إذا علمنا أنها تملك أكبر محطات تحلية للمياه البحرية في العالم. مصدر آخر هي مياه تبريد توربينات محطات توليد الطاقة الكهربائية المنتشرة بالمئات على ضفاف سواحل الخليج. إن أي تغيير ولو طفيفاً في درجة حرارة المياه يمكن أن يدفع الكائنات الحية وخاصة الأسماك للهجرة، كما أن الحرارة تعجل العمليات البيولوجية للنباتات والحيوانات البحرية وبالتالي يستنزف الأوكسجين المذاب فتموت الكائنات المائية. ففي عام 99 نفق أكثر من 750 طن أسماك قرب سواحل الكويت لنقص الأوكسجين ونمو الهائمات الطافية الفوتوبلانكتون.

خامساً: التلوث بالأمطار الحامضية
رغم قلة الأمطار في المنطقة إلا أنها وبسبب مداخن المصانع وعوادم السفن التجارية والحربية ومعامل التكرير ومحطات الطاقة تدخل أجواء الخليج كميات هائلة من الملوثات الغازية السامة التي تتحد مع الرطوبة العالية في الجو ثم تسقط بشكل أمطار حامضية تزيد من نسبة الحموضة في مياه الخليج وبالتالي تتأثر الأحياء البحرية. وتظهر نتيجتها موجات من الأسماك النافقة وندرة في اللؤلؤ فضلاً عن انتشار حالات الربو وأمراض الحساسية بين سكان دول الخليج.

سادساً: التلوث الإشعاعي
تمتلك إيران واحداً من أكبر مفاعلاتها النووية الواقعة في جزيرة (خرج) وهي تطرح كميات هائلة من مياه تبريد قلب المفاعل الملوثة وعالية تراكيز العناصر الثقيلة كالكادميوم والنيكل والكوبلت فتختلط بالمياه وتتناولها الكائنات البحرية فتتركز في أجسامها وتنتقل أثناء تناولها إلى الإنسان. ووجدت دراسة أجرتها جامعة برادفورد البريطانية أن نسب تراكيز عالية من هذه العناصر موجودة في أسماك وقواقع ونباتات الخليج.

سابعاً: التلوث الطبيعي بالطحالب
تراكمت عام 2008 ولغاية عام 2009 كميات هائلة من الهائمات البحرية ذات اللون الأحمر على مياه الخليج العربي، فحولت لون المياه الزرقاء إلى اللون الأحمر وغطت مياه سواحل الخليج. ودرست تلك الهائمات في عدة مختبرات محلية وعالمية ظهر أنها طحالب نباتية وحيدة الخلية ثنائية السوط غير سامة وقد تكاثرت بسرعة للظروف المناخية والغذائية المؤاتية فطفت على سطح المياه وأثرت بشكل مباشر على نسب تركيز الأوكسجين بالماء مما أدى إلى نفوق أكثر من 1500 طن أسماك وهلاك العديد من الأحياء البحرية الأخرى. وتعد تلك ظاهرة طبيعية للتلوث حيث ظهرت في مياه اليابان وكوريا وأمريكا والسويد وغيرها، وقد تتكرر في أي وقت ومكان.

ثامناً: التلوث بالتيارات المائية وعمليات المد والجزر
يتأثر الخليج عموماً بحركة التيارات البحرية والمحيطية لنقل المياه الباردة من القطبين والدافئة إليهما وتسمى الدفق البحري. فالمنطقة عموماً تتأثر به فتدخل المياه عبر مضيق هرمز وتصطدم بالشواطىء الشرقية ثم تنزلق بمحاذاته ليعود قسم منها للشواطىء الغربية حيث يجرف معه التلوث من مضيق هرمز والشواطىء الشرقية لتنقلها للغربية. والشيء نفسه يحدث نتيجة حركتي المد والجزر فتنقل الملوثات من بحر العرب إلى مياه الخليج عبر مضيق هرمز يومياً. ولعدم وجود منفذ لخروج الملوثات فإنها تبقى تدور ضمن مياهه فتتركز أمام السواحل العربية.

تأثيرات التلوث بالنفط ومنتجاته
* تأثيره في النظام البيئي الخليجي: لكون كثافة النفط أقل من كثافة الماء، فهو يطفو على سطحه مكوناً طبقة عازلة عن الهواء وهذه الطبقة تنتشر فوق مساحة هائلة من سطح الماء (يغطي ليتر نفط مساحة 400 م مربع ماء) وبالتالي سيؤثر في التبادل الغازي بين الماء والهواء. وبحسابات بسيطة يمكن تخيل مدى المساحة التي ستتغطى في حال تسرب كميات كبيرة منه. فالنفط مادة هيدروكربونية عضوية سامة لكل الكائنات. فقد وجد أن مركب البنزوثيوفين والمواد المثيلية هي الأخطر كونها مواد مسرطنة للإنسان ومهلكة للأحياء المائية. كما يحوي النفط مادة النفثا ومواد كبريتية مرتبطة بحلقات أروماتية وعناصر ثقيلة ضارة للإنسان والأحياء المائية.
* التأثيرات الصحية في الإنسان: للنفط تأثير مباشر وغير مباشر في صحة سكان المنطقة، فمن خلال تبخر المركبات الكربونية الخفيفة واندفاعها للمدن بالتيارات الهوائية فإنها ستؤثر في صحة السكان، فتدخل للرئتين مسببة أمراضاً عديدة. أما المتبقي من النفط بعد التبخر فيمتزج بالماء فيكون مستحلباً عالي الكثافة واللزوجة يمتص العناصر الثقيلة السامة فتقتات عليه الأحياء المائية الدقيقة وينتقل عن طريق السلسلة الغذائية للإنسان بعد تناوله تلك الأحياء فتهاجم تلك العناصر كالزئبق خلايا المخ ولا تظهر آثاره المرضية إلا بعد عدة سنوات. وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة مرضى السرطان من سكان بعض دول الخليج عن العديد من دول العالم.
* تأثيره في محطات تحلية المياه: يعد التلوث بالمركبات الهيدروكربونية النفطية واحدة من أعقد المشكلات التي تواجهها مئات المحطات الخاصة بتحلية المياه فهي تؤثر في جودة المياه، بل أحياناً إلى استحالة المعالجه والتحلية كما أشار تقرير اتحاد المياه الآسيوي. علماً بأن استهلاك سكان الإمارات السنوي يزيد على مليار ليتر مياه تحلية.
* تأثيره المباشر في الكائنات الحية:
يبقى النفط طافياً على السطح فيمنع أشعة الشمس من الوصول إلى الأعماق مما سيؤثر سلباً في نمو الكائنات المائية نباتية منها وحيوانية فتقف عملية التركيب الضوئي فيتسبب بنفوق جماعي لكل العوالق المائية والطحالب التي هي مصدر غذاء الأسماك والقشريات. إن نفوق الشعاب المرجانية والإسفنج تتبعه هجرة وهلاك عدد كبير من الأحياء المائية التي تعيش معها كالأسماك وغيرها، فضلاً عن أن هذه الكائنات شديدة الحساسية لوجود النفط فتهلك بسرعة.
* تأثير المواد القيرية في جمالية السواحل:
يتحول المستحلب النفطي والمائي المتشكل آنفاً بفعل الأكسدة بوجود الأوكسجين وبعض الأحياء المجهرية إلى كتل قيرية سوداء ثقيلة تنزل إلى قاع الخليج أو قد تنقل وتنتشر بفعل التيارات إلى رمال سواحل الخليج الجميلة. فالدراسات تشير إلى أن رمال سواحل شواطىء الخليج أكثر تلوثاً من المياه ذلك لأن النظام الإيكولوجي البيئي الساحلي عند التقاء الأرض اليابسة مع المياه أكثر خطورة بالتلوث خاصة بالمواد القيرية الثقيلة.
* التأثيرات الاقتصادية: إن معالجة التلوث بالنفط عالية التكاليف فهي تشكل عبئاً اقتصادياً على ميزانيات دول المنطقة. لقد تعرضت منطقة الخليج عام 2009 إلى اثني عشر حادث تلوث نفطي، يرجع معظمها إلى حوادث اصطدام الناقلات النفطية بالشعاب المرجانية أو الصخور، وحين جرت معالجتها وجد أن تكلفة إزالة تلوث البرميل النفطي الواحد في الحالات الاعتيادية تزيد على ألف دولار، ويتضاعف هذا الرقم في الظروف الجوية الصعبة نظراً لتعقد عمليات التنظيف والوقت المستغرق والمشقة. كذلك فالنفط يتسبب في شل حركة الملاحة وعمليات الصيد، فضلاً عن عزوف المستهلك عن شراء الأسماك والفقريات البحرية. كما أن للنفط تأثيراً في النواحي الجمالية للشواطىء، فقد تشوهت سواحل خليج تاروت السعودي عند انفجار أحد أنابيب النفط الساحلية عام 1970.

التوصيات والاقتراحات:
تعد دول الخليج ضمن الدول المهتمة بشؤون البيئة من خلال التشريعات البيئية العديدة ومساهماتها الدولية وتوقيعها العديد من الاتفاقات العالمية الخاصة بالبيئة، كما أنها من الدول الرائدة في مجال تطبيقات وبناء مدن تعتمد الطاقة النظيفة، إلا أن مواضيع تلوث مياه وسواحل الخليج لا تزال بحاجة لإجراءات حازمة كثيرة منها:


* القيام بحملة إقليمية للدول المتشاطئة على الخليج وأخرى عالمية لدراسة واقع الخليج البيئي يطلب من الدول الكبرى المشاركة الفاعلة لإيجاد حل للمشكلات البيئية في الخليج.
* استخدام التقنيات المتطورة كالأقمار الصناعية والطائرات لمراقبة ناقلات النفط والسفن التجارية والحربية التي تبحر أو التي تعمل مناورات حربية في مياه الخليج لرصد أية مخالفات بيئية وإرغامها لرفع معدلات السلامة وحماية البيئة البحرية للحدود العليا فهو حق مكفول للدول بموجب الاتفاقات الدولية.
* إلزام ناقلات النفط بعدم إفراغ مياه الموازنة الممزوجة بالنفط والنفايات الأخرى بمياه الخليج أو إفراغها عند الضرورة في محطات استقبال خاصة بعد إجراء المعالجات.
* إلزام جميع مستخدمي مياه الخليج بمعالجة مخلفات مصانعهم ومياه الصرف الصحي والزراعي قبل وصولها للخليج على أن تشمل كل المعالجات الطبيعية والبيولوجية والكيميائية بغية التخلص من ملوثاتها وتحسين خواصها وإعادة استخدامها من دون أي ضرر بيئي. وهذا يشمل مخلفات الحفر البري والبحري من أطيان الحفر أو أية مواد هيدروكربونية وإيقاف كل التسربات النفطية من منصات الحفر والأنابيب الناقلة.
* مراقبة حازمة لكل الناقلات النفطية الداخلة لمياه الخليج ومنع أي ناقلة يزيد عمرها على خمس عشرة سنة وغير مستوفية لشروط السلامة التي وضعتها المنظمات العالمية، وهو معمول به في الموانىء الأوروبية والعديد من دول جنوب شرق آسيا مثل سنغافورة.
* دأبت معظم دول المنطقة على إدخال مفهوم الإدارة البيئية المتكاملة كعامل لتحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي يستوجب إصدار تشريعات وقوانين صارمة لملاحقة ملوثي بيئة الخليج. فالعديد من دول المنطقة لديها تشريعات بيئية كثيرة إلا أنها غير حازمة التطبيق.
* الحد من تلوث الخليج مسؤولية المواطن والدولة، لهذا يجب إيقاف رمي كل أنواع النفايات والفضلات والأنقاض الحضارية والمدنية وبشكل كامل فيه، فعلى السكان أن يعوا دورهم وعلى الحكومات أن تعي مسؤولياتها، فالتلوث سيؤثر في الجميع.
* رغم أن معظم دول المنطقة وقعت العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الخاصة بالبيئة البحرية العالمية كمعاهدة ماربول لمكافحة التلوث بالنفط وحماية مياه البحار وربما أنشئت من خلاله مرافق استقبال في الموانئ النفطية لمعالجة مخلفات السفن والناقلات لكنها غير مفعلة على الواقع، فالانضمام يعني الكثير لكن التطبيق أهم.
* توجيه كل وسائل الإعلام الفعالة بغية نشر الوعي البيئي وتكثيف برامجه، فضلاً عن إطلاع الجيل الجديد على مخاطر تلوث الخليج وخاصة بالنفط مع زيادة النشرات والدوريات المتخصصة في هذا المجال، ويشمل كل المراحل والأعمار.
* الاستفادة من التجارب العالمية في مجال معالجة التلوثات الحاصلة، فضلاً عن تبادل المعلومات والتجارب من خلال اتباع آلية أفضل لانتقال تلك المعلومات والتجارب الدولية بعيداً عن الأمور الإجرائية الشكلية بغية مواجهة المخاطر المستقبلية.
* لكون أكثر ملوثات مياه الخليج هو النفط ولكونه مركبات عضوية فمن الممكن تنشيط عمليات التحليل الطبيعي بالبكتيريا والفطريات والخمائر بما يسمى التقنية الحيوية الذاتية، حيث إن المركبات النفطية الثقيلة بعد تبخر المركبات الخفيفة تتأكسد بيولوجياً بالأحياء الدقيقة المنتشرة في مياه الخليج الدافئة بوجود غاز الأوكسجين المذاب، فكلما زادت كمية هذه الأحياء نشطت معدلات التحلل الذاتي للنفط، لكنها لا تستطيع تفكيك تجمعات القير على السواحل وقاع الخليج. وتلجأ بعض الدول إلى تسريع عمليات التحلل الذاتي البطيئة بإضافة مغذيات لتلك الأحياء كالفوسفور والنتروجين لتحفيز نموها، كما أن معظم الأحياء المجهرية المستخدمة مهجنة وراثياً لتتحمل سمية المركبات النفطية.
* ضرورة إجراء دراسات بيئية متخصصة لتلافي أي أضرار على بيئة الخليج قبل الشروع بإنشاء جزر ومرافق سياحية وأي تغييرات طبوغرافية على قاع الخليج والتوجه نحو الصحراء مع استخدام المياه المعالجة لسقي تلك المناطق الصحراوية.
* هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، لهذا فمن المفيد إنشاء أنبوب استراتيجي لنقل النفط من الدول المنتجة على سواحل الخليج إلى ميناء موحد يقع على بحر العرب، وبالتالي ستكون للأنبوب مهمتان إيقاف التلوث النفطي وتسويقه. كذلك يمكن إنشاء طريق بري وخط للسكة الحديدية للنقل التجاري والمدني يخدم دول المنطقة ويقلل من تلوث السفن.


وفي الختام تعد مياه وسواحل الخليج العربي على قدر كبير من التلوث غير المسبوق مقارنة بغيره من البحار مما ينذر بخطر بيئي قادم، وهذا يعد خسارة كبيرة لدول المنطقة والعالم، كونه مصدراً نفطياً وممراً تجارياً واقتصادياً كبيراً. فقد حذّر العديد من خبراء البيئة من أن كارثة بيئية ستحل بمياه وسواحل الخليج بسبب ما يعتبرونه تراخياً من الدول المتشاطئة عليه في اتخاذ إجراءات سريعة منعاً لتفاقمه، خاصة في ما يتعلق بالتلوث النفطي. فخطره لم يعد خافياً على المهتمين بالبيئة والحياة البحرية التي تعد مصدراً غذائياً مهماً لسكان دول المنطقة. فلم يلاحظ أي جهد جدي وسريع لتفادي هذه الكارثة البيئية بالمنظور القريب، لا سيما أن 30 ميناء لهذه الدول تستقبل ما يزيد على 60 ألف سفينة وناقلة نفط سنوياً. فالخليج العربي أمانة في أعناقنا ومسؤولية حمايته بيئياً تتحملها الحكومات والسكان على حد سواء، كما تتحمل دول العالم مسؤولية أخلاقية لامتلاكها التقنيات العلمية. ومع كل هذا الخطر البيئي لا نزال نجد انتهاكات يومية لحرمة مياهه الجميلة وتعريض كائناته الحية بل سكان المنطقة للخطر، فالوقاية خير من العلاج أي إيقاف مسلسل التسرب النفطي خير من تفاقمه أكثر فيستعصي الحل وتصبح مواجهته ثروة مهدورة وجهداً ضائعاً، فلا نستطيع إزالة تلوث المياه ولا إعادة الشعاب المرجانية واللؤلؤ والثروة السمكية والطيور ضمن المدى المنظور.

المصادر:
1- محاضرات الجمعية العمومية للأمم المتحدة
2- الوكيبيدا الدولية
3- محاضرات وزارتي الدفاع الأمريكية والبريطانية
4- هادي ناصر الباقر – الحوار المتمدن العدد 2139 / 2007
5- أحمد إسلام – عالم المعرفة / الكويت / 2010
6- أحمد المحميد – نادي أبها / السعودية / 2011

مقالات لنفس الكاتب