; logged out
الرئيسية / الانتخابات الفرعية في الكويت: موروث اجتماعي وجدل سياسي

الانتخابات الفرعية في الكويت: موروث اجتماعي وجدل سياسي

السبت، 01 كانون1/ديسمبر 2007

التجربة الديمقراطية في دولة الكويت أصبحت مثار إعجاب وثناء من قبل العديد من الدول والمنظمات العالمية المعنية في هذا الشأن، وباتت الكويت اليوم تصنف كإحدى أكثر دول المنطقة ديمقراطية وحرية، ولعل هذا الدور الديمقراطي الكويتي الريادي يأتي منسجماً مع ما تميزت به الكويت دائماً ومنذ استقلالها من لعب أدوار ريادية بارزة في العديد من المجالات والصعد التي جعلتها مثالاً يحتذى لكثير من دول المنطقة.

إلا أن هذه التجربة الديمقراطية وبرغم ريادتها وتميزها فإنها لا تزال تعاني من بعض المعوقات التي يرى بعض المحللين أنها تعكر صفو هذه التجربة الفريدة، وتجعلها مقيدة بالتناقضات التي قد تؤدي إلى المواجهة والصدام السياسي بين مكوناتها، كما يرى المحللون أن كثيراً من هذه المعوقات ترجع في أساسها إلى الموروث الاجتماعي وإلى القيم والتقاليد القبلية التي لا تقبل النقاش في كثير من الأحيان، ولم يتغير منها طيلة العقود المنصرمة إلا النزر اليسير والتي لا تزال تفرض نفسها بقوة على واقع الحياة السياسية في الكويت.

وعلى الرغم من أن الأمثلة والظواهر الدالة على سيطرة الموروث القبلي في الشارع السياسي الكويتي كثيرة ومتنوعة إلا أننا سنحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على واحدة من أبرز هذه الظواهر وهي ظاهرة الانتخابات الفرعية التي تشهد جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الكويتية بين مؤيد ومعارض لها، وهي عبارة عن انتخابات استباقية تقوم بها الكتل والتجمعات السياسية لاختيار مرشحيها لغرض حشد التأييد لهم تمهيداً لدخول الانتخابات البرلمانية أو انتخابات المجلس البلدي أو حتى انتخابات الجمعيات التعاونية، وهي عادةً ما تحدث بدوافع قبلية وفئوية صرفة. وتجدر الإشاره هنا إلى أن هذه الانتخابات كانت تجرى بشكل قانوني منذ عام 1975 إلى أن جرّمها القانون الكويتي في عام 1999، حيث اعتبرها عقبة في طريق الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة، ومنذ ذلك الحين وهي تشكل نقطة خلاف وجدل محتدم بين المؤيدين والمعارضين لها.

فالمؤيدون والداعمون لهذه الانتخابات الفرعية يرون أنهابديل جيد عن الأحزاب، ومن خلالها يمكن توصيل مفاهيم الديمقراطية للتجمعات القبلية التي هي أصلاً أساس المجتمع الكويتي، وتقلل كذلك من عدد المرشحين وبالتالي تسهّل عملية الاختيار، (وأن الولايات المتحدة تجري مثل هذه الانتخابات سواء في الحزب الجمهوري  أو الحزب الديمقراطي لاختيار الأنسب ليمثلهم في انتخابات الرئاسة) وأن القبيلة تمثل الشريحة الاجتماعية الأهم في المجتمع الكويتي وهذه الانتخابات تحرص على تعزيز قوتها الاجتماعية.

وفي الجانب الآخر يرى المعارضون لهذه الانتخابات أنها تقاليد قبليةوطائفية متخلفة تعادي التقدم والحداثة، وتسبب الانقسامات في المجتمع، وتزيد من التشدد القبلي على حساب مصلحة الوطن،  وأنها تخص مجموعات معينة، ولا تمثل جميع الناخبين في الدائرة الانتخابية الواحدة، كما أنها غير دستورية، وتخالف (المادة 80) من نص الدستور التي تنص على أن يُنتخب أعضاء مجلس الأمة بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقاً للأحكام،التي يبينها قانون الانتخاب، وهذا يعني أنّ قانون الانتخاب في الكويت يضمن حق الانتخاب من دون تمييز علىأساس جنسي أو عرقي أو لغوي أو ديني أو مذهبي أو قبلي أوعشائري.

ويضمن قانون الانتخاب في الكويت قاعدة التصويت السري، فالمادة الرابعةمنه توجب على كل ناخب أن يتولى حقوقه الانتخابية بنفسه، ولا ينيب عنه شخصاً آخر، ومن دون ضغط أو توجيه من شخص آخر، وتقرر (المادة 33) أن يجري الانتخاب بالاقتراع السري، وتحدد (المادة 34) آلية التصويت السري بشكل تفصيلي بأن يسلم رئيس اللجنة كل ناخب ورقة انتخاب، ويأخذ الناخب ناحية من النواحي المخصصة لإبداء الرأي داخل قاعة الانتخاب، وبعد أن يثبت رأيه على الورقةيعيدها إلى الرئيس الذي يضعها في صندوق الانتخاب، ويؤشر كاتب السر في كشف الناخبينأمام اسم الناخب، الذي قدم ورقته. والناخب الذي لا يستطيع أن يثبت بنفسه رأيه في الورقة يبديه شفهياً،بحيث لا يسمعه سوى أعضاء اللجنة، ويثبت الرئيس الرأي في الورقة ويضعها فيالصندوق. ويجوز للناخب أن يسر برأيه لرئيس اللجنة وأحد أعضائها فقط، مما يعني أنّ التصويت العائلي والتصويت بالإنابة عن الناخب غيرجائزين.

ظاهرة الانتخابات الفرعية تشهد جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الكويتية 

كيفية إجراء الانتخابات الفرعية

إن أغلب الانتخابات يتم تحديدها عبر ديوانيات الكويتيين، فهي تشهد فعاليات انتخاب حقيقية من حيث الترشيح والتصويت وإعلان النتائج عبر اللجان المشرفة للخروج بمرشح واحد إلى الساحة تدعمه القبيلة مادياً واجتماعياً وتقف وراءه بكل ثقلها لإنجاحه.

ورغم أن القانون يجرّم هذه الانتخابات - كما أوضحنا ذلك سابقاً - ويشدد على أن الانتخابات الشرعية هي التي تعلن عنها الحكومة فقط، فإن أحداً لم ينفذ القانون، وتصر معظم القبائل على إجراء انتخاباتها الفرعية ولكن وفق احتياطات تجعلها بعيدة عن سيطرة أو ضبط سلطات الأمن.

فالديوانيات التي تعد مقر إجراء هذه الانتخابات معروفة بأنها مقر التقاء جماهير الناس على امتداد العام وبالتالي لا يكون لافتاً للنظر التجمهر فيها، ولم يسبق لقوات الأمن أن داهمتها يوماً لأنها تعد من حرمات البيت التي يحافظ الجميع عليها. كما تم إدخال التقنيات والتطور العلمي في إجرائها، وبدأ الاعتماد فيها على الحاسوب في إدخال البيانات الخاصة بالناخبين، وهناك من طبّق المثل القائل (من له حيلة فليحتال)، فجعلها مبرة خيرية لأبناء القبيلة أو تشاورية للأمور التي تخص القبيلة.

وفي داخل القبيلة الواحدة، خاصة القبائل الكبيرة، تجرى أكثر من انتخابات فرعية في مناطق ودوائر انتخابية متعددة، حيث ينتشر أبناء القبيلة، والتنافس على المرشحين فيها لا يقل سخونة عن منافسة الانتخابات العامة، بل إن خلافات تنشب وطعون تقدم في النتائج إلى لجنة خاصة وأحياناً يتدخل شيخ القبيلة لحلها، وبعض القبائل ترسل مندوبيها إلى المناطق الأخرى وقبائل أخرى للمقايضة بالأصوات، بحيث يعطي من هم في المنطقة من القبائل الأخرى أصواتهم إلى قبيلة أخرى والعكس صحيح، ويأخذون على ذلك العهود والمواثيق، ويغرد خارج السرب أحياناً الملتزمون دينياً ويميلون إلى زملائهم المتدينين، خاصة أن لهم تجمعات دائمة ومحاضرات دينية حتى بعيداً عن الانتخابات، وهناك أيضاً خلافات على صوت المرأة بين زوجها وشقيقها، حتى يصل الأمر أحياناً إلى الطلاق، ولكنها حالات شاذة وقليلة جداً.

وفي كل الأحوال فإن الانتخابات الفرعية (القبلية) تجبر القوى السياسية على تأجيل إعلان أسماء مرشحيها، إذ ينتظر الجميع رأي القبيلة أولاً ليحددوا على ضوئه مرشحيهم، فالتيارات السياسية كلها موجودة بأطيافها بين أبناء القبائل.

وقد تم تحويل بعض النواب السابقين والحاليين أيضاً إلى النيابة العامة للتحقيق معهم على ضوء مشاركتهم في الانتخابات الفرعية بين قبائلهم، إلا أنها عادة ما تنتهي بتعهد بعدم التكرار أو بكفالة مالية، واقترح بعض النواب قانون إلغاء تجريم الانتخابات الفرعية إلا أنه أثار ردود فعل متباينة، إذ يرى النواب الذين قدموا الاقتراح أن النظام الانتخابي في الكويت يتضمن الكثير من العراقيل، وينبغي إصلاحه مره واحدة، والقبائل أحد المكونات الأساسية في الشعب الكويتي، فلا ضير إذا اجتمعت واختارت من تراه الأكفأ، وأن هناك العديد المشكلات التي تكاد تعصف بالعمل الديمقراطي، ويجب أخذها في الاعتبار والتعامل معها وفق ما تقتضيه مصلحة البلد بدل التدخل في شؤون المواطنين عند اجتماعاتهم في دواوينهم، وأن إلغاء تجريم الانتخابات أفضل من إحراج تطبيقها، وأنه إذا صلحت حال الدوائر الانتخابية فإنه لا جدوى من الانتخابات الفرعية، وفي المقابل يعبر معارضو إلغاء القانون عن دهشتهم من الاقتراح المقدم، ويرون فيه حجراً على رأي الأقلية، وتفرز أشخاصاً لا يتسمون بالكفاءة حصلوا على ثقة القبيلة أو الطائفة على حساب كفاءات أخرى قادرة على العطاء للوطن، وأن الفخذ الكبيرة في القبيلة هي التي تستحوذ على الرأي والمشورة، فكيف نحتكم إلى رأي قبلي في أمور تتعلق بسياسة البلد، وأن الكويت أولاً ومن بعدها تأتي القبيلة أو أي شي آخر، ونحن بحاجة إلى أن تذوب القبيلة في كيان الوطن الواحد الذي هو الهدف الأسمى، ولابد من هذا القانون ليحد من انتشار هذه الظاهرة.

 في النهاية يبقى السؤال معلقاً، هل تغير الحداثة والتطور والديمقراطية هذه الموروثات، أم أنها تبقى ساحة دائمة للتصادمات السياسية؟

مجلة آراء حول الخليج