; logged out
الرئيسية / الخط الأخضر الكردي والخط الأحمر التركي

الخط الأخضر الكردي والخط الأحمر التركي

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2005

(المصدر: تقرير الشرق الأوسط على شبكة الانترنـت - مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط ـ ميريب)

شكل يوم إجراء الانتخابات العراقية في الثلاثين من يناير 2005 يوم احتفال بالنسبة لأكراد مدينة كركوك، المدينة التي تحتضن مزيجاً من العرقيات المتنوعة والواقعة في سفوح جبال زاكروس في المنطقة الشمالية من العراق. وعلى الرغم من التهديدات بتفجير سيارات مفخخة، وقف الأكراد في طوابير طويلة لساعات في انتظار فرصة الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع. في غضون ذلك، سقط شاب في مقتبل العمر قتيلاً في عملية هجوم تعرض لها ملعب لكرة القدم كان غاصاً بجمهور من الأكراد الذين تم ترحيلهم من المدينة في إطار حملات "التعريب" التي أطلقها النظام العراقي السابق، لكن مقتل الشاب الكردي لم يثنِ أسرته عن المشاركة في الانتخابات، إذ إن أعضاء أسرته قاموا أولاً بدفنه ثم توجهوا إلى مراكز الاقتراع.

وهيمن الحزبان الكرديان الرئيسيان على الانتخابات المحلية، وتمكنا من الاستحواذ على دور محوري في صياغة سياسة البلاد القومية بعد أن استأثروا بخمسة وسبعين مقعداً من مقاعد الجمعية الوطنية الانتقالية.

وقبيل انعقاد الانتخابات، نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في تسجيل نحو ستين ألفاً من الناخبين الأكراد الإضافيين قالوا عنهم إنهم من العائدين إلى ديارهم بمدينة كركوك ـ تماماً كما هي الحال بالنسبة للجماهير الكردية التي كانت حاضرة بملعب كرة القدم. ووصف الحزبان هذا العدد من الناخبين الإضافيين بأنه يمثل الحد الأدنى للتعويض عن مئات الآلاف من الأكراد الذين قتلوا أو شردوا خارج كركوك والقرى المتاخمة على يد نظام صدام حسين .

في الماضي، أقدمت الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد على تغيير تركيبة التوازن الديموغرافي في هذه المنطقة الغنية بالنفط، وذلك من خلال طرد السكان الأكراد والتركمان وتوطين العرب من مناطق الجنوب، إلى جانب إعادة ترسيم الحدود بين المناطق حتى يتسنى للنظام استقدام أعداد أكبر من العرب. وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس وتش) واللجنة الأمريكية للاجئين، فإن حملة "التعريب" تصاعدت بعد انتهاء حرب الخليج لعام 1991، وأدت بالتالي إلى الترحيل القسري لأكثر من مائة وعشرين ألفاً من الأكراد وعدد من الجماعات العرقية الأخرى غير العربية.

وإذا كان الحزبان الكرديان الرئيسيان يعتبران عملية تسجيل أعداد إضافية من الناخبين على أنها تصحيح لمظالم تاريخية لحقت بالأكراد، فإن العرب والتركمان في مدينة كركوك رأوا في تلك العملية محاولة لزيادة أصوات الناخبين. ففوز الحزبين الكرديين من شأنه أن يدعم موقفهما في إطار ممارسة المزيد من الضغوط في اتجاه تمرير المطالب الكردية باستعادة كركوك إلى حظيرة الأقاليم ذات الأغلبية الكردية في الشمال. ولعل الأتراك هم أكثر الأطراف التي استشاطت غضباً إزاء المناورات الانتخابية التي مارسها الحزبان الكرديان.

شكوك قاتمة

إن الحلم الذي طالما راود الأكراد بضم مدينة كركوك إلى إقليم كردستان ربما يتحول إلى واقع، وهو ما يشكل كابوساً بالنسبة للحكومة التركية. فعلاوة على أن أنقرة تشعر بمسؤوليتها عن حماية تركمان العراق، وتخشى من أن تتعمق النـزعة الانفصالية في أوساط أكراد تركيا، فإنها اليوم قلقة أيضاً بسبب الدعم الذي تقدمه واشنطن لأكراد العراق، وذلك على الرغم من عبارات الطمأنة التي صدرت على لسان وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس خلال الزيارة التي أجرتها لأنقرة في شهر فبراير 2005.

وفي إطار زيارتها، أعربت رايس عن حرص الإدارة الأمريكية على طمأنة الحكومة التركية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تلتزم بعراق موحد يعيش في سلم وسلام مع الدول المجاورة. وأثارت رايس موضوع حزب العمال الكردستاني الذي غير اسمه إلى حزب كونجرا جيل، مؤكدة أن واشنطن تضع هذا الحزب في الخانة نفسها التي تضع فيها تنظيم القاعدة، عدو أمريكا الأول، ضمن حربها على الإرهاب.

ولا شك في أن تصريحات رايس لقيت ترحيباً واسعاً في أنقرة، لكن الأتراك لا يبدو أنهم في مزاج يسمح بالثقة بما يصدر من تصريحات عن الإدارة الأمريكية. وهناك اليوم طيف واسع من الساسة والمفكرين الأتراك الذين تساورهم هواجس وشكوك عميقة حول الشكل الذي يمكن أن يتخذه كردستان العراق في المستقبل. ويقول توران أوزلو في هذا الصدد، وهو من أعضاء حزب اليسار القومي التركي: "إن الولايات المتحدة تسعى إلى إقامة دولة تكون دمية بيدها في شمال العراق، وهذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة". ويسترسل أوزلو بالقول: "يصف الأكراد هذه الدولة بـ "كردستان الجنوبي". عادة يصعب تخيل أن قائداً عسكرياً سابقاً مثل أوزلو يمكن أن ينضم إلى حزب اليسار القومي التركي. لكن الزمن تغير، والظروف في تركيا تتسم بالتوتر الشديد.

ومن جانبه، وبعد عرض مقدمة استغرقت عشرين دقيقة حول المسيرة التاريخية للعلاقات التركية ـ الأمريكية، صرح ميسوت هاكي كازين، وهو ضابط سابق في قوات الجو التركية يعمل حالياً بجامعة يديتبي في إسطنبول، قائلاً: إن جوهر المشكلة يتصل بالطريقة التي سوف يستخدمها الأكراد في استغلال النفط. وأضاف كازين: في غضون السنوات العشر المقبلة، سوف يكون للأكراد جيش وقوات جوية تحاكي النموذج الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يطالب الأكراد بأجزاء من تركيا. وتستمر الولايات المتحدة في القول (لا تقلقوا). وبشيء من الحزن والاستياء بديا ظاهرين على وجهه، أضاف قائلاً: "اليوم، نواجه مشكلة ترتبط بعامل الثقة في علاقاتنا مع الولايات المتحدة: هل تريد أمريكا أن يكون الأتراك حلفاء لها أم أعداء"؟

ويعتقد كازين بأن تركيا ستجد نفسها في وقت من الأوقات مضطرة إلى توجيه ضربة استباقية ضد شمال العراق لمنع إقامة دولة كردية مستقلة مدعومة بإيرادات نفط منطقة كركوك التي تحتل المركز الثاني من حيث الاحتياطي المؤكد من النفط في العراق.

صحيح أن العديد من الأتراك يعتبرون سيناريو التدخل العسكري أمراً مستبعداً، لكن هناك طيفاً واسعاً من الدوائر العسكرية واليسارية في تركيا تتفق على ضرورة تبني الخيار العسكري. وأصبح موضوع التدخل في كركوك محور رواية صدرت باللغة التركية تحمل عنوان "العاصفة المعدنية" ، والتي تنتهي أحداثها باندلاع حرب شاملة بين تركيا والولايات المتحدة. وتتصدر حالياً الرواية لمؤلفيها المبتدئين بوراك تورنا وأوركون أوكار قائمة أكثر الكتب مبيعاً في تركيا.

"اترك التساؤلات جانباً ولا تبح بشيء"

لعل أهم ملف سعت كوندوليزا رايس إلى تسويقه خلال زيارتها لأنقرة يرتبط بحزب العمال الكردستاني الذي شن حرباً انفصالية مروعة ضد الجيش التركي خلال سبعينات القرن الماضي. ففي الأول من يونيو 2004، أعلن الحزب انسحابه من اتفاقية هدنة دامت خمس سنوات، كان قد أعلنها في السابق، ولم تعترف بها الحكومة التركية في أي وقت من الأوقات. وتتمسك وزارة الخارجية الأمريكية بإبقاء حزب العمال الكردستاني على لائحة المنظمات الإرهابية، كما حاولت رايس تأكيد ذلك من خلال وضع الحزب في خانة تنظيم القاعدة نفسها، لكن المؤسسة العسكرية الأمريكية تبدو كأنها تتبنى سياسة تقوم على مبدأ (اترك التساؤلات جانباً ولا تبح بشيء) في ما يتعلق بآلاف المقاتلين التابعين لحزب العمال الكردستاني الذين ينتشرون ويتدربون في المناطق الجبلية في شمال العراق. ويقول أحد الضباط السابقين في الجيش الأمريكي: إذا حدث وصادفنا هؤلاء المقاتلين، فإن المترجمين المرافقين لنا يخبروننا بالأمر، ونغض الطرف عنهم. وما دام هؤلاء المقاتلون لا يشنون أي هجمات إرهابية في العراق، كما جاء على لسان الضابط الأمريكي، فلن يشكلوا أولوية بالنسبة للجيش الأمريكي.

وتشعر أنقرة بالغيظ الشديد كلما سمعت تصريحات الاستنكار والشجب التي تصدر عن المبعوثين الأمريكيين ضد حزب العمال الكردستاني، في حين يقف الجنود الأمريكيون موقف المتفرج وكأنهم من فرق الصحفيين خلال زياراتهم لمنطقة رانيا، حيث يتمركز مقاتلو حزب العمال الكردستاني. وقام المقاتلون بحفر كهوف عميقة في هضاب المنطقة تحسباً لأي هجوم تشنه القوات التركية أو الأمريكية. وفي خريف 2003، وبعد مرور أشهر عدة على تحرك القوات الأمريكية داخل المنطقة، كانت جماعات من الشباب والنساء، يجرون تدريبات لاستخدام الأسلحة، ويتلقون دروساً في مبادئ الحزب، وكانوا يرتدون الزي الكردي التقليدي ويتناولون أطباق الأرز والفاصولياء ويبدون حماسة ثورية واضحة.

وكان عثمان أوجلان، شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ، من بين المقيمين في المخيم. وخلال فبراير 2005، غادر عثمان الحزب ليستقر في مدينة الموصل ولا يزال اسمه يتصدر لائحة المطلوبين لدى سلطات الأمن التركية. غير أن المسؤولين الأكراد في العراق يشيرون إلى أن القوات الأمريكية تعلم أن عثمان موجود بالموصل. وباعتبار أن المدينة تشهد حالة من الفوضى، لا يمكن القول على نحو مؤكد ما إذا كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة أو إلى الموارد لإلقاء القبض على عثمان أوجلان.

وعلى الرغم من أن وجود هذه الجماعات المقاتلة من حزب العمال الكردستاني في العراق يثير غضب أنقرة، فإنهم لا يشكلون في الوقت الحالي أي تهديد يُذكر. صحيح أن بعض المصادمات المتفرقة اندلعت بين المقاتلين من جهة وقوات الأمن التركية من جهة أخرى، سواء داخل تركيا أو على طول الحدود التركية مع كل من سوريا والعراق، غير أن حال قيادة حزب العمال الكردستاني يبقى متقلباً وغير مستقر.

من المهم التذكير هنا بأن الدخول إلى المنطقة حيث مخيم الحزب أو مغادرته يشبه إلى حد ما عبور حدود دولية. فقوات البشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذين أصبحوا يرتدون زي الحرس الوطني العراقي، يقومون بتفتيش جميع السيارات القادمة إلى المدينة أو المغادرة. بل يوجد أيضاً مسؤول جمركي يقف إلى جانب قوات التفتيش. فالحدود في هذه المنطقة ليست سوى أحد الخطوط الخضراء التي تحدد ما يخطط له الأكراد لكي يصبح كردستان المستقبل. قد لا تكون هذه الخطوط الخضراء موجودة على الخرائط الجغرافية، لكن يمكن تأكيد أنها قائمة على أرض الواقع.

الحدود الكردية

تعد منطقة شمال العراق المنطقة الوحيدة التي يمكن لزائرها شراء خرائط لكردستان. ففي أسواق السليمانية وأربيل، يعرض التجار نسخة مصغرة تظهر منطقة تضم سلسلة من الجبال والهضاب تمتد من إيران إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وعلى الخريطة، يُشار إلى تركيا وغرب إيران وشمال العراق وشرق سوريا بشمال وشرق وجنوب والجنوب الصغير لكردستان على التوالي.

فعندما رسمت القوى العظمى في العالم خريطة المنطقة عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، تركوا الأرض الكردية مقسمة بحيث أصبح الأكراد يشكلون أقلية في إيران وتركيا وفي دولتين عربيتين كانتا أساساً تحتضنان أغلبية عربية. وظلت جميع هذه الدول قائمة، ولكن بحدود جديدة. وبعد حصول كل من سوريا والعراق على استقلالهما من قبضة الحكم الاستعماري، أقدمت حكومتهما على قمع الحركات القومية الكردية، تماماً كما قامت بذلك كل من إيران وتركيا. وجسدت سياسة تقسيم البلاد إلى وحدات سياسية لمصلحة جماعة بعينها، والتي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في بغداد ـ لعل أكثرها عنفا نظام صدام حسين ـ محاولة لإضعاف قوة الأكراد على المستوى السياسي.

ومنذ عام 1991، نجح الأكراد في إقامة دولة بحكم الأمر الواقع في شمال العراق تحت حماية القوة الأعظم في العالم التي كانت قلقة بشأن هذا التطور. وعندما أقنع الرئيس بوش الأب الأكراد والشيعة في الجنوب بضرورة أن "يتولوا إدارة الأمور بأيديهم"، انتفضت قوات البشمركة ضد نظام صدام حسين، لكنهم تعرضوا لموجة قمع عنيفة بعد أن قررت القوات الأمريكية عدم اجتياح بغداد. وعلى إثر ذلك، تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين الأكراد في اتجاه تركيا، وأطلق التحالف الدولي المشارك في حرب الخليج الثانية إحدى أوسع عمليات الإغاثة الإنسانية في شمال شرق العراق. وفي إبريل 1991، بدأت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في تسيير عمليات لمراقبة منطقة الحظر الجوي شمال خط العرض السادس والثلاثين. وفي الواقع، فإن هذا الخط تم تحديده بطريقة عشوائية، خصوصاً أن الأكراد أقاموا المزيد من الحدود الطبيعية مثل التلال والجبال والأنهار. وخلال شهر أكتوبر من العام نفسه، انسحبت القوات العراقية بشكل كامل من ثلاث مقاطعات شمالية هي دهوك وأربيل والسليمانية.

وعقب سقوط العاصمة بغداد في التاسع من إبريل 2003، أمست حدود الدولة الكردية القائمة على أساس الأمر الواقع جزءاً من الماضي. فمنذ عام 1991، قام الأكراد بحراسة الخط الأخضر الذي يجسد حدود المقاطعات التي انسحبت منها القوات العراقية في وقت سابق. وكان يوم العاشر من إبريل فعلاً يوم احتفال وبهجة، إذ تسارعت جماعات من اللاجئين الأكراد وقوات البشمركة لعبور الخط الأخضر في اتجاه مدينة كركوك، حيث قاموا بإعادة تمثيل فصول الحدث الشهير الذي شهدته ساحة الفردوس في بغداد ـ باستثناء أن الأكراد في كركوك أسقطوا تمثال صدام حسين من دون مساعدة الدبابات الأمريكية.

وأبقت الأحزاب الكردية عدداً محدوداً من قوات مراقبة الحدود على طول الخط الأخضر إلى حين مناسبة عيد الأضحى في الأول من فبراير 2004. في ذلك اليوم، قام انتحاريان بقتل مائة وعشرة أشخاص في مدينة أربيل. وفي اليوم التالي، تقرر تكثيف حراسة الخط الأخضر. وفي إحدى المناطق خارج أربيل في اتجاه مدينة مخمور، شاهد الصحفيون قوات البشمركة عند إحدى نقاط التفتيش يعاملون أحد الصحفيين العراقيين العرب بقسوة. ولم يتم من قبل تمديد الخط الأخضر إلى حدود المنطقة الجنوبية لمدينة مخمور، لكن الأكراد قرروا أنه إذا كان من الواجب إقامة الخط الأخضر فلا بد من تمديده بداية لعشرات الكيلومترات. واليوم، يبدو أن الخط الأخضر سوف يظل قائماً لفترة أطول، وفي هذا الإطار، أبرمت الأحزاب الكردية المتناحرة سابقاً صفقة فيما بينها، وفي الوقت نفسه، توصلت الأحزاب الكردية إلى اتفاق مع الائتلاف العراقي الموحد الذي استحوذ على مائة وأربعين مقعداً في الجمعية الوطنية الجديدة. ووفقاً للاتفاق المبرم، سوف يتوجه جلال الطالباني ، زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى بغداد ليتولى منصب رئاسة الدولة، في حين يتولى مسعود البرزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، إدارة الإقاليم المستقلة بكردستان. وصحيح أن منصب رئيس البلاد ينطوي على ميزات أكبر، لكن العديد من الأكراد يؤكدون أنهم يرغبون في أن يستقر الطالباني في بغداد من أجل الدفاع عن حقوقهم وإغفال ما يحدث من فوضى جنوب الخط الأخضر، وانطلاقاً من منصبه كرئيس للبلاد، سوف يتمكن الطالباني من المشاركة في اتخاذ أي قرار بخصوص حدود الخط الأخضر.

إعادة ترسيم الحدود

بعد أن نجح الأكراد في تذوق طعم الاستقلال منذ عام 1991، من المؤكد أن الأكراد المقيمين خلف الخط الأخضر القديم لن يرضخوا لأي قرار جديد، لكن مدينة كركوك ليست هي المنطقة الوحيدة التي تتعرض للضغوط الرامية إلى تمديد الخط الأخضر في اتجاه الجنوب. ومن المدن الأخرى التي تتعرض للضغوط مدينة كيفري الواقعة في أقصى جنوب الأقاليم الكردية ويصفها الأكراد بـ "المنطقة الدافئة". ومنذ عقد السبعينات، كانت مدينة كيفري جزءاً من مقاطعة ديالى، وهي المنطقة التي يهمين عليها العرب، وتقع في المنطقة الفاصلة بين العاصمة بغداد والحدود الإيرانية، وتتم إدارتها من قبل محافظ من أصل عربي سني المذهب. غير أن الحكم الكردي الذي استمر لمدة أربعة عشر عاماً يجعل المدينة غير متحمسة لتغيير أسلوب حياتها. أما من وجهة نظر أكراد مدينة كيفري فلا يرون سبباً يحفزهم للعيش في مقاطعة تضم بؤراً ساخنة مثل مدينة بعقوبة ـ حيث تعرض العديد من الجنود الأمريكيين وقوات الحرس الوطني العراقي الوليدة للقتل على يد المتمردين، بل إنه حتى العرب المقيمون في المدينة يقولون للمراسلين الصحفيين إنهم سيكونون سعداء في حال تم دمجهم بشكل دائم في مناطق شمال العراق.

وكان والي ديالى قد قام بزيارة في وقت سابق لمدينة كيفري لتعزيز سلطته، وخلال إحدى زياراته للمدينة، كانت فرقة من القوات الأمريكية ترافقه، مما كان سيؤدي إلى تبادل إطلاق نار مع المقاتلين الأكراد. غير أن المدينة تتمتع بهدوء تام منذ ذلك الحادث، مع أن الأجواء تظل مفعمة بالتوتر. وكانت قوات البشمركة أصرت على مرافقة الصحفيين إلى مكتب محافظ المدينة. ويمكن القول إن مدينة كيفري كردية الطابع عل أرض الواقع، لكن من المحتمل أن تشهد بغداد مناكفات قوية من أجل إعادة ترسيم حدود الخط الأخضر.

وبعد نجاحهم في انتخابات الثلاثين من يناير 2005، تمكنت الأحزاب الكردية من إبرام صفقة مع الائتلاف العراقي الموحد المشكل أساساً من أحزاب دينية شيعية ومناصريهم. وبحسب ما جاء في عدد من التقارير الصحفية الصادرة بتاريخ العاشر من مارس 2005، وافق الأكراد على دعم مرشح الائتلاف إبراهيم الجعفري من حزب الدعوة لمنصب رئيس الوزراء ضمن الحكومة العراقية المؤقتة، على أن يتسلم الطالباني زمام رئاسة الدولة. لكن الأكراد يدّعون أيضاً أنهم نجحوا في الحصول على بعض التنازلات على الأرض من الأحزاب الشيعية. وصرح المتحدث باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عزة جنديان في حديث له مع مراسل "الأسوشيتيد بريس"، قائلاً: في ما يخص كركوك، اتفقنا على أن يكون التطبيع هو المرحلة الأولى. لا بد من التذكير في هذا السياق بأن مصطلح "التطبيع" تستخدمه عادة الأحزاب الكردية للإشارة إلى ضرورة عودة النازحين الأكراد إلى أراضيهم الأصلية. وأضاف جنديان يقول: أما في ما يتعلق باستعادة المدينة (كركوك) فستتم مناقشة هذا الموضوع بعد تشكيل الحكومة وخلال فترة صياغة الدستور.

من جهة أخرى، من المتوقع أن تستدعي أي عملية لإعادة ترسيم الحدود بين المناطق موافقة رسمية كجزء من عملية الاستفتاء المرتقب إجراؤه حول دستور البلاد الدائم. لكن ومنذ أن هبت قوات البشمركة إلى داخل مدينة كركوك خلال عام 2003، عكف الأكراد على تغيير واقع المدينة موضع الخلاف، وقام العديد من رجال الأعمال الأكراد من مدينتي أربيل والسليمانية بإنجاز الجزء الأكبر من عملية إعادة بناء كركوك. واليوم، وبعد أن أصبحت قوات البشمركة ترتدي الزي العسكري لقوات الحرس الوطني العراقي، لا يبدو أنه سيكون من الصعب بالنسبة للأحزاب الكردية تمديد الخط الأخضر جنوباً حول مدينة كركوك ـ وهو بالضبط ما تعتبره تركيا أمراً غير مقبول.

 

مجلة آراء حول الخليج